أمين صالح

 
جديد أمينكتب في السينماجريدة الأيامجريدة الوطنالقديم.. الجديدملفات خاصة
 

جريدة الوطن البحرينية

سينما جورج فرانجو (1- 4)

الحج إلى المنابع

ترجمة -أمين صالح

جورج فرانجو.. واحد من كبار مخرجي السينما الفرنسية، لكن الأقل إنتاجا و شهرة. ولد بمقاطعة بريتاني بفرنسا في العام 1912. درس تصميم المناظر المسرحية. شارك صديقه هنري لانجلوا في إخراج فيلم قصير بعنوان "المترو" سنة 1934. و بعد ثلاث سنوات ساهم الاثنان في تأسيس "السينماتيك الفرنسية" التي أخذت على عاتقها أرشفة وحفظ كل الأفلام المنتجة في العالم. من 1949 إلى 1958 حقق عددا من الأفلام التسجيلية القصيرة كان أولها و أهمها: دم الحيوانات (أو: المسلخ).

من أفلامه الدرامية الطويلة:

- عندما يضرب الإنسان رأسه بالجدار (1958- أغلب أحداثه تدور في مصح عقلي)

- عينان بلا وجه (1959)

- أطلقوا النار على القاتل (1960)

- تيريز ديكيرو (1962- امرأة تحس بالاختناق داخل مؤسسة الزواج. الكبت يفجّر

  العنف ضد المحيط و الذات معا)

- جوديكس (1963)

- توماس المحتال (1964- عن رواية جان كوكتو. من خلالها يعرض كابوسية الحرب،

  مجانية الموت، اعتباطية العنف)

- خطيئة القسيس مورييه (1970- عن رواية إميل زولا. الكنيسة تستمد سلطتها من كراهية الرجل للمرأة، و تعزّز نفسها عن طريق اضطهاد البراءة باسم الطهارة

  الزائفة)

- رجل بلا وجه (1974)

- الميلودراما الأخيرة (1978)

* أعمال فرانجو تتسم بالغرابة، الدعابة السوداء، الروح التهكمية، العنف، المسحة الجمالية.

* فرانجو لم يغادر فرنسا إلا في مناسبات قليلة، ذلك لأنه كان يكره السفر.

*  *  *  *

(1)

إذا كانت أفلام جان كوكتو، التي هي بحث في طبيعة الأسطورة، تظهر الموت في الحياة، فإن أفلام جورج فرانجو، التي هي بحث في عالم المخيلة، تكشف عن الحياة في الموت.. أو كما قال هو عن أحد أفلامه: "أريد أن أجلب الفراغ إلى الحياة".

(2)

ما تحاوله سينما فرانجو هو البحث عن أشكال جديدة لطاقة الاتصال، و التي سوف تكون عامة و مؤثرة كما الميلودراما المسرحية. لكنها لن تكون ريائية و زائفة مثلها. المعضلة التي تواجهها على نحو غير مباشر هي أن الاتصال عبر الشاشة يعني الاتصال بمتفرج سلبي و منعزل، و ليس بحشد من المشاركين الفعالين. أفلامه تظهر إيمانه بأنه من خلال احتكامه إلى مخيلة الفرد فقط يستطيع أن يكون طليقاً في الفضاء المادي خارج زنزانتيْ-نافذتيْ عينيه.

(3)

"عندما يضرب الإنسان رأسه بالجدار":

شاب متمرد يدخله والده المستبد في مصح عقلي. في ما بعد يهرب الشاب باحثا عن الفتاة التي كانت تزوره و التي أحبها، لكنه يكتشف بأنها ليست سوى فخ آخر بواسطته تعيده السلطات إلى المصح.

في التحليل الأخاذ الذي كتبه جودار عن هذا الفيلم قال: "ممثلو فرانجو لا يمثـّلون، إنهم يرتعشون... تثبيت تحديقة الكاميرا على الوجوه  و الأشياء لفترة طويلة في عملية مماثلة تماما للوسم، بحيث تنطبع على نحو لا يُمحى: ذلك هو فن فرانجو، طريقته في الإخراج، في صنع الفيلم، في كتابة السيناريو.

فرانجو يلتمس الغرابة بأي ثمن. الغرابة اصطلاح، و خلف هذا الاصطلاح يتعين على المرء أيضا أن يكتشف الحقيقة الأساسية. إنه يذهب إلى الجنون وراء الواقع لأنها، بالنسبة إليه، الطريقة الوحيدة لإعادة اكتشاف الوجه الحقيقي للواقع الكامن وراء الجنون. لهذا السبب، مع كل لقطة قريبة، يتكوّن لدى المرء إحساس بأن الكاميرا تمسح هذه الوجوه، تمحوها. إنه يبحث عن الكلاسيكية و يجدها خلف الرومانتيكية.. و بتعبير أكثر حداثة، لنقل أن فرانجو يُظهر ضرورة السوريالية باعتبارها حجاً إلى المنابع".

(4)

أغلب أفلام فرانجو تنتهي بإشارة مفعمة بالأمل للانعتاق المنهك و المستنزف. لكن هذا الإحساس بالحرية و التسوية هو مبهم بعمق. فرانجو يدرك الحرية بوصفها إمكانية للعزلة و الجنون و الشعر.. لكن ليس للسعادة. الحرية لا تعني التحرر من الألم بالنسبة لسينمائي يعتبر نفسه "متشائما فعالا".

في فيلمه "الليلة الأولى" ينبثق الصبي التائه فجرا من مترو الأنفاق الذي كان واقعاً في شركه طوال الليل، و فيه تلاشت فتاة حلمه. و يبدأ في التسكع بلا هدف عبر المنتزه المليء بالأشجار.

في فيلمه "عينان بلا وجه" تترك كريستيان أبيها الذي قتلته، و مستشفى الرعب الذي حبسها فيه، متجهة نحو طريق النجاة الوحيد المتاح: الجنون.

في فيلمه "تيريز ديكيرو" تفلت البطلة أخيرا من سجن العائلة الريفي متجهة نحو العزلة المحرّرة التي توفرها حياة المدينة.

في فيلمه "توماس المحتال" نجد توماس العالق –مثل كل أبطال جان كوكتو- في المنطقة الحرام بين الحياة و الموت، محرزاً الإنعتاق النهائي في الموت، بينما توماس الحقيقي، الذي هو شخصية خيالية في رواية، يرى موته في الحلم  فحسب.

(5)

أفلام فرانجو الوثائقية لا تهاجم مؤسسات الجيش و الكنيسة و القانون و العلم في حد ذاتها، بل تهاجم ما تنتجه من ميثولوجيات : المجد، الإيمان، الصواب، الواجب، التقدم..إلخ.

(6)

جميع أبطال و بطلات أفلامه واقعين في الشرك.

في فيلمه "عينان بلا وجه" يتسبب الأب الطبيب في تشويه وجه ابنته في حادث سيارة. من أجل إجراء عملية ترقيع الجلد على وجهها، يقوم بقتل النساء الجميلات.

الحب بين الأب و ابنته هنا مجرد فخ.. تماما مثلما هي الكراهية بين الأب و ابنه في فيلم "عندما يضرب الإنسان رأسه بالجدار".

المأساة تكمن في البشرية التي تؤمن بالحب كضرورة نابعة من الخوف، و ليس كإمكانية متخيلة.

(7)

السينما بالنسبة لفرانجو تشبه المرآة بالنسبة لأورفيوس: كلتاهما تعرضان الواقع بوصفه "الموت و هو يعمل".

_____________ 

المصدر: مقالة الناقد روبرت براون في Sight and Sound

الوطن البحرينية في

15.11.2006

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004