أمين صالح

 
جديد أمينكتب في السينماجريدة الأيامجريدة الوطنالقديم.. الجديدملفات خاصة
 

جريدة الوطن البحرينية

سينما جورج فرانجو (2- 4)

الغامض هو الوجه المكشوف

ترجمة -أمين صالح

من محادثة طويلة مع المخرج الفرنسي جورج فرانجو، أجرتها معه مجلة sight and sound ، نقتبس ما يلي:

* المدهش ليس هو الحلم، لكنه الحلم الذي يصبح واقعا. بودلير قال: "من ينظر إلى الخارج عبر نافذة مفتوحة، يرى أقل بكثير مما يراه الشخص الذي ينظر إلى نافذة مغلقة".

إنك لو نظرت من خلال نافذة مفتوحة فسوف ترى ما يوجد في الخارج. لكن لو نظرت من خلال نافذة مغلقة فسوف تتخيّـل كل شيء.

*   *   *   *

* لكل صورة سينمائية حضور مباشر و فوري. مهما فعلت فإن الفيلم يظل دائما في صيغة الفعل الحاضر. المتفرج هو الذي، تلقائيا، يستحضر الماضي و يحققه من جديد.

الأحلام، الشعر، التخيلات.. كلها يجب أن تنبثق من الواقع نفسه. كل فيلم هو وثائقي، حتى الأكثر شعرية. ليس ثمة ما هو روحاني و صوفي في أفلامي. من يتكلم عن الصوفية، يتكلم عن حضور شيء ما.. حضور الله.

بالمقابل، الغريب و الشاذ هو، بدقة، ما يجعلنا نرتعش خوفا.. و هذا يعني: الغياب، المجهول، الفراغ. الفراغ المسكون بالألم.. الألم وحده و لا شيء آخر. هنا، ليس ثمة من مفر.

يقول البعض أن القناع غامض. هذا ليس صحيحا. إنه يستعيد اللغز لكنه ليس غامضا. الغامض هو الوجه المكشوف.

*   *   *   *

* الناقد "كيرو" يرى بأن كل ما هو شعري سوريالي. و حين أقول بأن كل ما هو شعري واقعي، فإن الاختلاف بيننا ليس مسألة "شكل" بل علاقات.

قال بونويل ذات مرّة: " في كل الأفلام، الجيدة أو السيئة، و رغماً عن نوايا و أهداف صانع الفيلم، تناضل شعرية السينما من أجل بلوغ السطح و الإعلان عن نفسها".

ألا يعني ذلك أن الشعر يكمن في الواقع، و في الحياة الفعلية للفيلم، و أن المسألة لبست في التعبير عنها، إنما في عدم منعها من إظهار نفسها؟

*   *   *   *

*  لو لم يكن هناك البحث عن الإنعتاق، لو كانت هناك أفلام سعيدة فقط، فإن شيئا لن يحدث. إذا اكتفى المرء، على سبيل المثال، بإظهار "تيريز" في حالات سعيدة دون أوجاع و معاناة، دون عوائق أمام التحرر، فلن تكون لدينا سيكولوجيا. الحديث عن السيكولوجيا هو حديث عن الصراع و التضارب. الشخصية التي تكون شفافة تماما، مرئية و مدركة تماما، ليست مثيرة للاهتمام. لو لم تكن "تيريز" شخصية ذات تعقيدات لما وُجدت تيريز و لما وُجدت الرواية.

*   *   *   *

* عندما حققت أفلاما قصيرة، تحدث النقاد عن "جورج فرانجو أو الطرائق المختلفة لتخيـّل الموت". صحيح أنها كانت وثيقة حقيقية عن الموت، إلا أن ذلك لا علاقة له باللغز.

البعض يعتقد أن اللغز يخلق الألم. لا، إنه الألم الذي يخلق اللغز. إذا كنت أعرض شيئا فذلك لأنه يسبّب لي الألم. لهذا كانت أفلامي القصيرة تتحدث عن أشياء تخيفني. حققت "المسلخ" لأن الدم يرعبني.

عندما أردت تصوير المسالخ، فعلت نقيض ما كان مألوفا. عوضاً عن إضفاء مسحة شعرية على موقع غير شعري، حاولت أن أستعيد، ضمن شكل وثائقي صارم، الروح الشعرية الكئيبة للمحيط.

في الأستوديو، يحاول المرء أن يجعل ما هو اصطناعي شيئا طبيعيا. هنا، في الموقع، ضمن الديكور الطبيعي، حاولت أن أعيد إلى العالم المكشوف نسيجه الفني و تصميمه المسرحي.

*   *   *   *

* الغرابة ليست مسألة اختيار، إنها مسألة اكتشاف. أنت لا تخلق الغرابة، بل تراها. القارب الذي يشق الأرض القاحلة إلى نصفين، هو قارب أكثر حقيقية مما لو كان مرئياً في المياه. تلك هي الغرابة. لماذا؟ لأنني أردت أن أصور بعض القوارب، ثم فجأة وقعت على الأرض، و في موضعي رأيت قارباً يشق الأرض القاحلة إلى نصفين. قلت لنفسي: "هو ذا، هكذا سوف أعرض القارب".

ذلك لم يكن خلقا، إنه اكتشاف. الفنتازي هو الذي يتم خلقه. ليس لهذا علاقة بالإلهام. إنها الصدفة وحدها.

الغرابة تكمن في دم الحيوانات الذي يتبخر في الضباب. لكن لا الضباب و لا الدم المتبخر كانا من ابتكاري. إنه وثائقي دائما، واقعي دائما.

*   *   *   *

* أنا لا أبحث أبدا، بل أجد. البحث يصيبني بالرعب.إذا لم أر الشيء، فذلك يزعجني كثيرا. لكن إذا رأيته، فذلك يعني أنه موجود.

*   *   *   *

كنت دائما مفتونا بثمار الغرابة. أعتقد لهذا السبب غالبا ما تـُنسب أفلامي إلى نوع مصنـّف شكليا، و على نحو فضفاض إلى حد ما، تحت مصطلح "السينما الفنتازية". ضمن هذا النطاق الغائم نوعا ما، يمكنني أن أميّز ثلاثة مجالات: السينما الفنتازية، سينما الغرابة، سينما الألم.

الفنتازي يكمن في الشكل، الغرائبي في الجو العام، الألم في الالتباس و اللا يقين و في المجهول. الفنتازي ينبغي خلقه، الغرائبي ينبغي أن ينبثق، و الألم ينبغي أن يكون محسوسا.

يبدو لي أن الغرابة، والتي تفتنني بشكل خاص، تتجسد أو يتم التعبير عنها بواسطة غرس صورة مؤثرة عاطفيا وذات دلالة يمكن الإحساس بها لكن لا يمكن إدراك معنى هذه الصورة.

كيف تـُظهر الغرابة نفسها في الفيلم؟ إنها تنبجس بلا شك من عناصر معدّة أو مكيـّفة بحيث تتضارب مع بعضها البعض. هي حالة تتحدى التحليل و تستعصي على أية محاولة لتصنيف جوّها.

الوطن البحرينية في

29.11.2006

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004