شعار الموقع (Our Logo)

 

 

المخدرات وأجواؤها، التهريب والعصابات، حالات الإدمان المأساوية، الصراع ضد الإدمان على مستوى الإرادة الشخصية والصراع ضد المخدرات على مستوى مكافحة أجهزة أمن الدولة لها، كل هذا اصبح يشكل جزءا مهما من العالم الجديد في السينما المصرية المعاصرة.

غير ان الملاحظ هو ان هذا الموضوع المنتشر في السينما المصرية لم يؤد الى تغيير جذري في طبيعة القصص المطروحة في الأفلام او في طبيعة المعالجات الميلودرامية التي تهدف الى التأثير في أبسط عواطف الناس. كما ان هذا الموضوع يؤكد في استمرار غالبية السينمائيين المصريين في تبسيط الصراعات الاجتماعية وما ينتج عنها من مشاكل حياتية، وتحويل هذه الصراعات الى مجرد صراع أخلاقي عام ما بين الخير والشر ضمن مفاهيم مجردة لا كحالات واقعية ذات خصوصية متميزة، وهو صراع ينتهي دائما بانتصار الخير... وان لم ينته كذلك فبمعاقبة الشر نفسه. وإذا كانت أجواء تعاطي المخدرات تشكل مادة تقليدية في السينما المصرية عامة، فإن سنوات الثمانينات من القرن العشرين هي التي جرى فيها إنتاج اكبر كمية من الأفلام التي يشكل عالم المخدرات موضوعها الرئيسي.

منذ عام 1980 والذي قدم فيه فيلم “الباطنية”، شهدت السينما المصرية موجة من الأفلام التي تخصص موضوعها كليا للحديث عن المخدرات وأجوائها ومشاكلها. وإضافة الى هذه الأفلام فقد اصبح من الشائع أن يلجأ المخرجون الى حشو بعض المشاهد المرتبطة بأجواء المخدرات من ضمن أفلام لا تدور بالضرورة حول هذه المشكلة.

يتضمن فيلم “الباطنية” الشهير مشهدا مؤثرا للغاية  قادرا على استدراج الدموع واثارة العواطف ضد المخدرات وعادة ادمانها، وهو مشهد يصور أحد رجال الحي يبيع لتاجر مخدرات وسط الشارع ابنته الطفلة مقابل الحصول على جرعته من المخدر.

هذا المشهد المؤثر من فيلم “الباطنية” وعلى قيمته الاجتماعية، يبدو غريبا ضمن الفيلم. ففيلم “الباطنية” ليس اكثر من محاولة لصنع فيلم بوليسي على الطريقة المصرية، وعلى غرار أفلام عصابات المافيا، من خلال تقديم قصة حب ميلودرامية معتادة في السينما المصرية تدور حول الفتاة الفقيرة التي تتورط مع شاب من عائلة غنية ولا تتمكن من الزواج منه فتسقط في حياة الفساد او انها تسعى للانتقام. وفي فيلم “الباطنية” فإن بطلة الفيلم تتورط في قصة حب ميؤوس منها مع ابن رئيس العصابة التي تتاجر بالمخدرات ويتحول الفيلم الى نوع من الميلودراما العادية المكررة ضمن أجواء قصص الغرام والانتقام والاثارة والعنف وحروب المخدرات.

وفيلم “الباطنية” يمتلئ في نصفه الأول بأجواء المقاهي الشعبية التي تجري فيها جلسات التحشيش وتستعرض فيها بطلة الفيلم امكاناتها في الغناء والرقص المثير.

عام ،1982 قدم المخرج الفنان يوسف فرنسيس فيلمه “المدمن” من بطولة احمد زكي، متلمسا فيه بداية قصة حب تتكون بين اثنين يعيشان مأساة عاطفية، شاب يعمل كميكانيكي لتصليح السيارات يتحول الى مدمن على المخدرات بعدما يفقد زوجته وطفلته الصغيرة في حادث سيارة مروع. تتقابل مأساة هذا الشاب مع مشكلة تعيشها فتاة هي ابنة لطبيب معروف، اصابتها حالة من الإحباط، وهي المشكلة التي نتجت عن هجران حبيبها لها وتحوله نحو أخرى.

ويقوم فيلم “المدمن” على صراع الإرادات، إرادة الفتاة التي تكتشف مقدار مأساة الشاب المدمن فتنسى همها الخاص وتعمل جهدها لتخليصه من حالة الادمان الى ان تنجح في ذلك بعد محاولات شاقة.

كان فيلم “المدمن” من أكثر الأفلام المصرية في حينه التي صورت أجواء المخدرات ومعاناة المدمنين سواء الجسدية او النفسانية. وهو ربما الفيلم الوحيد الذي صور حالات الادمان بشكل يدفع الجمهور للنفور منها.

ويبدو فيلم “المدمن” كعبرة اخلاقية تستنهض الإرادة الإنسانية من اجل مقاومة المخدرات والتخلص من عادة إدمانها. غير ان فيلم “المدمن” يبقى في حدود الطرح الاخلاقي للمشكلة ويتعامل معها كمشكلة فردية فقط ويمكن حلها بجهود فردية.

هذا في حين ان ظاهرة المخدرات تنتشر في المجتمع المصري على نحو خطير، وهذه الظاهرة تعتبر من أخطر الامراض الاجتماعية لما لها من تأثيرات كبيرة في جوانب متعددة من الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولأنها تؤدي الى توليد ظواهر اخرى اكثر خطورة، مثل التسول واللصوصية والاجرام وغير ذلك.

وعلى الرغم من أن الدولة سنت القوانين التي تسمح باقصى العقوبات الممكنة ضد مروجي المخدرات على اختلاف انواعها، تلك العقوبات التي تبدأ من مصادرة الاملاك التي تضبط فيها المخدرات وتنتهي بحكم الإعدام على مروجي المخدرات الخطرين، إلا أن معالجة السينما المصرية لهذه الظاهرة لم تصل حتى الآن، الى مستوى خطورتها الفعلية على المجتمع، ولم تصل الى محاولة نقاش المسألة من أساسها وبالتالي تحليل الأسباب التي تؤدي الى انتشارها اجتماعيا.

كان فيلم “ثرثرة فوق النيل” من الأفلام الأولى التي استأثرت بأجواء وجلسات المخدرات. الفيلم مأخوذ عن قصة الكاتب المعروف نجيب محفوظ وتجري أحداثه داخل إحدى العوامات التي يجتمع فيها اناس مختلفون من المثقفين والمسؤولين ليتعاطوا المخدرات وليستمتعوا بحياة لا مبالاة.

غير ان الفيلم لا يقدم هذه المشاهد لذاتها، بل لكونها تعبر عن حالة اليأس والاحباط التي عاشها العديد من المثقفين بعد نكسة حزيران عام 1967. وهكذا، فان تعاطي المخدرات في فيلم “ثرثرة فوق النيل”  هو حالة تعكس وضعاً نفسانياً واجتماعياً يتميز بالاحباط نتيجة الهزيمة.

وفي عام 1983 قدم المخرج علي عبد الخالق فيلمه “العار” الذي يتابع فيه مسيرة السينما المصرية الجديدة في طرحها لموضوع المخدرات وجريها اللاهث من أجل تصوير أجواء جلسات المخدرات.

وعلى العكس من فيلم “ثرثرة فوق النيل” فاننا لا نجد اثرا للناحية الاجتماعية في فيلم “العار” بل نجد توجها اخلاقيا يدور حول قضية الخير والشر او الحلال والحرام ويقدم قصة طالما تناولتها السينما المصرية بأشكال مختلفة، قصة الأخوة الثلاثة الذين يكتشفون ان والدهم التاجر الثري الورع لم يكن إلا تاجر مخدرات وهي حقيقة لم يكن يعرفها إلا الابن الأصغر. وها هم الاخوة الثلاثة بعد موت والدهم يجدون أنفسهم متورطين في اتمام صفقة كان قد بدأها الوالد قبل موته.والأزمة الأخلاقية تنشأ من إجبار اثنين من الاخوة هما الأخ الأكبر، وكيل النيابة، والأوسط، الطبيب، على المشاركة في اتمام عملية المخدرات حيث يعاني الاثنان من هذا التناقض بين مهنة كل منهما وبين ما ينويان القيام به مجسدين حالة الصراع بين فكرتي الحرام والحلال.

وبالطبع، فان فيلم “العار” يحسم المشكلة بادانة صارخة لهؤلاء الاخوة الذين تورطوا في فعل الحرام، أي تهريب المخدرات، فيجعلهم يلاقون مصيرا مأساويا عقابا لهم على فعلتهم الشريرة.

يلتقي فيلم “الكيف” مع فيلم “العار” في فكرتي الحلال والحرام وفكرة العقاب. وهناك تشابه ايضا من حيث ان أحد الأخوين يورط الآخر في تجارة المخدرات. كما يلتقي الفيلمان في المصير المأساوي الذي يتعرض له الاخوان في نهاية الفيلم.

ذكرنا ان تصوير أجواء المخدرات دخل في صلب العديد من الأفلام المصرية الحديثة سواء كليا او جزئيا. فالكثير من الأفلام التي عالجت مواضيع أخرى غير موضوع المخدرات، صورت أجواء جلسات المخدرات في بعض مشاهدها كنوع من الانجرار وراء هذه الموجة الجديدة في السينما.

فيلم “بحر الاوهام”، الذي يدور حول مسألة شرف المرأة، يقدم في احد مقاطعه مشهدا للوضع البائس لمتعاطي المخدرات الذين يصبحون أسرى لهذا السم الخطير.

واما فيلم “عندما يطير الدخان”، الذي يعالج في الأصل موضوع صعود احد الانتهازيين الشباب نحو قمة المجتمع بلجوئه الى استخدام الوسائل غير الشريفة، فهو أيضا يماشي التيار ويقدم في ربعه الاول مجموعة مشاهد لجلسات تعاطي المخدرات، تلك الجلسات التي يتورط فيها بطل الفيلم من دون ارادة منه ثم يصبح مشاركا فيها بعدما يتعود على المخدرات ويكتشف انه بواسطة جلسات المخدرات هذه وباستغلال الظروف التي ترافقها يمكن له ان ينتهز الفرص لكي يرتقي السلم الاجتماعي ويصبح من أهل المال والجاه.

ان الطابع الغالب على موجة الأفلام التي تتطرق الى موضوع المخدرات هو طابع الفيلم البوليسي او بالأحرى، الفيلم الذي يقلد أجواء الأفلام البوليسية الأمريكية او الإيطالية.

فيلم “عالم الهلوسة” ايضا يدور حول عالم المخدرات والعصابات التي تتاجر بها من خلال قصة ضابط بوليس متخف يعيش في أحد الأحياء الشعبية في شقة مشتركة مع اثنين من الشباب الفقراء، لكي يتمكن بواسطة مظهره المتخفي هذا، من إلقاء القبض على عصابة المخدرات وزعيمها الخطير. وفي فيلم “عالم الهلوسة” سنرى صورة لزعيم العصابة مقتبسة من الأفلام الإيطالية التي تصور زعماء المافيا داخل قصورهم الفارهة محاطين بانواع الحراس المدججين بالاسلحة الرشاشة. انها صورة غريبة عن الواقع العربي غير انها صورة تقليدية تتكرر في أفلام عصابات المافيا وتنقلها الأفلام المصرية.

ظاهرة تقليد الأفلام البوليسية حول المافيا، تبدو ايضا واضحة في فيلم “الكيف” من حيث طريقة تقديمه لصورة زعيم عصابة المخدرات وهي صورة تشبه الى حد كبير الصورة ذاتها التي نراها في فيلم “عالم الهلوسة” وفي العديد من الأفلام البوليسية المصرية الاخرى.

ففي فيلم “الكيف” ايضا يبدو زعيم العصابة كأنه رئيس دولة يعيش في قصر كبير محاطا بجيوش الحراس الجاهزين للانقضاض على الأعداء في اية لحظة.

من المعروف جيدا ان للسينما تأثيراً كبيراً في الجمهور، من حيث انها قادرة على نشر عادات ومفاهيم جديدة بين الناس. والغريب في الامر ان التأثير يحصل أحيانا على عكس ما يراد منه، فعلى سبيل المثال، نحن نعرف ان الأفلام التي تدين استعمال العنف ضد الأبرياء، وتخضع العصابات والمجرمين لعقاب البوليس، تؤدي في معظم الاحيان الى تشجيع العنف وبخاصة عند جيل الشباب.

وهذه الظاهرة اكدتها كل الدراسات النفسانية والاجتماعية التي أجريت على جمهور الشباب في اوروبا وامريكا.

والجميع يعرف كيف انتشر تأثير أفلام الكاراتيه في العالم، نتيجة انتشار هذه الموجة من الأفلام. وكم قرأنا عن حوادث يقتل فيها طفل طفلاً آخر في ما يقلد ما تعلمه من أفلام الكاراتيه من حركات.

هل يمكن قول الشيء ذاته عن ظاهرة الأفلام التي تتحدث عن عالم المخدرات ؟

نعم والى حد كبير، ذلك بأن التأثير الذي تحدثه السينما، لا يتلخص فقط بالعبرة الاخلاقية التي تجيء في نهاية الفيلم، كأن يلاقي المدمن او المتاجر بالمخدرات عقابا شديدا على افعاله، بل ان التأثير يحدث في اثناء المشاهدة وهو التأثير الناتج عن تفاعل المتفرج مع ابطال الفيلم وعن تماثله معهم وعن احلام اليقظة التي تصيبه وتجعله يشعر بأنه بطل الفيلم.

والمتفرج اذن، سوف يتأثر بمشهد يرى فيه بطل الفيلم مستمتعا وسعيدا اثر تعاطيه للمخدرات، ولن يتأثر بالعقاب في نهاية الفيلم، لأنه في الحالة الاولى سيشعر بالتماثل مع بطل الفيلم، اما في الحالة الثانية فانه سيشعر ان العقاب اصاب شخصا غيره، شخصا غريبا عنه. وهذا ينتج عن طبيعة تركيب الأفلام التي تقدم الظواهر المراد إدانتها بشكل ممتع ومشوق، وحينما تصور الأفلام العقاب في النهاية، فهي تصوره بسرعة وكخاتمة للحدث وكمجرد عبرة اخلاقية لا مقدمات حقيقية لها وبالتالي، فهي ان اقنعت عقل المتفرج فهي لا تؤثر في مشاعره كما يجب.

الخليج الإماراتية في 31 مايو 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

الطابع الغالب عليها الفيلم البوليسي

كيف تعاملت السينما المصرية مع مشكلة المخدرات؟

عدنان مدانات