أذكر تماماً.. تلك اللحظة التي تعرفت فيها على ذاك الممثل المدهش.. مع بداية
السبعينات.. عند مشاهدتي لفيلم "زوجتي والكلب".. ساعتها حرصت على استعادة كل
ما توفر من أفلام له ومشاهدتها بحماسة شديدة.. وذلك للتمتع بهذا الأداء
الممتع.. الأخاذ.. الذي يقدم فن التمثيل في أجمل صوره.. شاهدت له في نفس
الفترة.. شيء من الخوف، للمخرج حسين كمال.. الليلة الأخيرة للمخرج كمال
الشيخ.. الباب المفتوح للمخرج بركات... وغيرها.. وبعد كل مشاهدة لهذه
الأفلام.. أسأل نفسي.. لماذا لا توجد أفلام كثيرة لممثل من هذا الصنف.. بينما
هناك كم هائل من الأفلام، لا يعار فيها فن التمثيل والأداء أي اهتمام يذكر؟!
حقاً.. فقد كان الفنان الكبير محمود مرسي.. الذي رحل عن عالمنا الشهر
الماضي.. فناناً عملاقاً.. قل أن يزخر بمثله الفن والسينما العربيين بشكل
عام.. رحل عن عالمنا بعد أن أثرى حياتنا الثقافية والفنية بالعديد من الأعمال
المتميزة في الأداء المدهش.. رحل عن عمر يناهز الـ 81 عاماً، بعد صراع طويل
مع أمراض الشيخوخة.
ولد الرحل محمود مرسي في الإسكندرية عام 1923، ودرس الفلسفة في جامعتها، ثم
انتقل إلى باريس، حيث درس الإخراج السينمائي في معهد الدراسات السينمائية
العليا هناك لمدة عامين، وذلك مع نهاية الأربعينات من القرن الماضي. وفي عام
1954 ذهب إلى لندن ليعمل مخرجاً في الإذاعة البريطانية. وفي عام 1956،
إحتجاجاً وتسجيل موقف وطني، استقال مع زملائه المصريين من هيئة الإذاعة
البريطانية أثناء العدوان الثلاثي على مصر.. وعاد إلى القاهرة للعمل في
الإذاعة المصرية وأخرج العديد من البرامج والدراما الإذاعية. وعندما أنشأ
التليفزيون المصري عام 1960، سافر مع المخرج حسين كمال إلى روما لدراسة
الإخراج المسرحي والدراما التليفزيونية والنقد الفني.
عشق الفنان الراحل السينما والمسرح لدرجة أنه باع نصيبه في عمارة بالإسكندرية
ورثها من والده والسفر لدراسة الإخراج السينمائي على نفقته الخاصة.
كان فيلم (أنا الهارب) للمخرج نيازي مصطفى، هو باكورة أفلام الفنان محمود
مرسي، وكان ذلك عام 1962، وكان اختياره ليؤدي دور سجين هارب قوي الشكيمة لا
يعتمد في إجرامه على قواه البدنية وحسب، وإنما يراهن ـ مع كم هائل من المشاعر
العذابات النفسية ـ على قدراته الأدائية كممثل، عاملاً هاماً في اختياره من
قبل مخرجين مهمين أمثال كمال الشيخ وبركات وصلاح أبوسيف وحسام الدين مصطفى.
هذا إضافة إلى اختياراته المتميزة وانتقائه للأدوار المركبة القوية فيما قدمه
لاحقاً من أعمال.
|