رحيل الفنان الكبير محمود مرسي.. يعد خسارة فادحة للأداء الجاد.. فقد خسرنا
فناناً عملاقاً.. قل أن يزخر بمثله الفن والسينما العربيين بشكل عام.. فنان
رفض أن ينصاع لمغريات السوق السينمائي.. وآثر التليفزيون على السينما في
سنواته الأخيرة، عندما وجد فيه ما أحبه.. كانت خياراته في السينما قليلة
ولكنها جيدة ومستندة على ثقافة فنية وفكرية كبيرة، مما انعكس ذلك أيضاً على
أدواره التي قدمها في التليفزيون.
حصيلة في السينما لا تتجاوز الثلاثين فيلماً، ولكنها نادرة في قوتها..
(الليلة الأخيرة) مع كمال الشيخ، (الباب المفتوح) مع بركات، (السمان والخريف)
مع حسام الدين مصطفى، (فجر الإسلام) مع صلاح أبوسيف، (أغنية على الممر) مع
علي عبدالخالق، (ليل وغضبان) مع أشرف فهمي، (أبناء الصمت) مع محمد راضي،
(طائر الليل الحزين) مع يحيي العلمي. أما آخر أفلامه فكان (الجسر ـ 1997) مع
المخرج الشاب عمرو بيومي.
بالرغم من كل هذه الأدوار المهمة التي قدمها مرسي، إلا أننا نجزم بأن السينما
المصرية لم تستطع الكشف تماماً عن الأعماق الفنية الحقيقية لموهبة هذا الفنان
المدهش، صحيح بأنها نجحت في استغلال تلك الموهبة الفذة في إطار الشخصيات
التقليدية، إلا أن ذلك يتأتى من قدرات هذا الفنان على اختيار شخصياته بحذر
شديد.
ومما لا شك فيه بأن عمل مرسي بالإخراج، قد جعله أكثر تفهماً وأشد دقة في
إختياراته كممثل، منحه قدرة أعمق ساعد في تألق أدائه.. ولا يمكن إلا أن نذكر
بأنه عمل أستاذاً أكاديمياً في فن التمثيل والإخراج في المعهد العالي
للسينما، تخرجت على يديه أجيال عديدة من الممثلين والنجوم، الذين تعلموا معه
أيضا ووصلوا إلي أفضل مستوياتهم
أثناء أدائهم مع محمود مرسي.
في توجهه للدراما التليفزيونية، قد أعطى الفنان محمود مرسي دروساً في الأداء
المتميز للجيل الجديد من الممثلين الشباب، خصوصاً اللذين عمل معها. فكانت
أعماله التلفزيونية علامة بارزة ضمن هذا الكم الهائل من الدراما.. نذكر منها
(عصفور النار، رحلة السيد أبو العلا البشري، زينب والعرش، المحروسة 85، الرجل
والحصان، ثلاثية نجيب محفوظ، العائلة، سفر الأحلام، ولما الثعلب فات، بنات
أفكاري). أما آخر أعماله التلفزيونية، فكان (وهج الشمس) الذي رحل عنه قبل
استكماله.
يعد محمود مرسي أول ممثل يحصل على جائزة الدولة التقديرية، إذ حصل عليها من
قبله ممثلون ولكن بصفتهم مخرجين، مثل يوسف وهبي وحمدي غيث وسعد أردش، هذا
إضافة إلى العديد من الجوائز، أهمها الجائزة الأولي في التمثيل عن فيلم
"الليلة الأخيرة"، وجائزة أفضل ممثل عن فيلم "شيء من الخوف"، وجائزة أفضل
ممثل عن فيلم "سعد اليتيم".
عندما أتذكر أدائه في "عصفور النار" ـ مثلاً ـ أشعر بالبهجة التي تنتابني
دائماً ساعة لقائي مع الإبداع الحقيقي.. فأداء الفنان محمود مرسي حالة خاصة
لن تتكرر أبداً.. أداء سنشتاق له كثيرا..!
|