يدهشني داود عبد السيد دائماً.. فأعماله السينمائية قوية وجميلة.. وأكثر ما
يعجبني في هذا الفنان هي الجرأة الفنية والفكرية التي يطرحها في السينما
الخاصة التي يقدمها.. سينما تحتوي الجمال والقدرة على تحمل مضامين فنية
وفكرية متميزة.. سينما حمّلها عبد السيد رؤية وأسلوب خاص.. فهو مخرج يحاول
دوماً الخروج على الأسلوب التقليدي للسينما السائدة، والتحرر من قيودها.. وهو
بذلك يصر على صنع السينما التي يريد، مهما كلفه الأمر.
بعد تخرجه من معهد السينما بالقاهرة عام 1967، بدأ عبد السيد حياته العملية
بالعمل كمساعد مخرج في بعض الأفلام، أهمها (الأرض) ليوسف شاهين، (الرجل الذي
فقد ظله) لكمال الشيخ، (أوهام الحب) لممدوح شكري. ثم بعد ذلك توقف عبد السيد
عن مزاولة هذا العمل.. هذا لأنه لم يكن يحب مهنة المساعد.. لذا قرر أن يحمل
الكاميرا وينطلق بها في شوارع القاهرة، يرصد الحزن والألم في عيون الناس،
ويصنع أفلاماً تسجيلية اجتماعية عنهم. حيث قدم العديد من الأفلام التسجيلية،
أهمها (وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم ـ 1976)، (العمل في الحقل ـ
1979)، (عن الناس والأنبياء والفنانين ـ 1980). وهي بالطبع أفلام قد حققت
لعبد السيد فرصة للاحتكاك المباشر مع الناس، ومعرفة أوسع وأعمق بالمجتمع
المصري بكافة طبقاته، إضافة إلى أنها أكسبته الإحساس بنبض الحياة المتدفق.
هذا إلى أن تجربته بالعمل في السينما التسجيلية قد أتاحت له حرية التجريب دون
خوف من الخسارة.. فالتجريب هو أن تعبر عن المضمون بصورة متحررة.
وعلى مدى خمسة عشر عاماً، ظل عبد السيد يصنع بأفلامه حواراً من طرف واحد..
حواراً مفرداته الصورة لا الكلمة، يصنع الحوار الصامت بالكاميرا. لكن عبد
السيد لم يستطع الاستمرار في هذا الصمت.. شعر بضياع جهده، حيث لا يصل إلى
جمهوره الحقيقي. فكان قراره بأن يكتب ويخرج فيلماً روائياً، ليخرج من دائرة
الأفلام التسجيلية المغلقة، ويلتقي بالطرف الآخر.. الجمهور.
ولا ننسى التأكيد على أن جانباً من أسباب تأخر تجربة عبد السيد في مجال
الفيلم الروائي، تعود إلى أنه قد رفض الاستمرار بالعمل كمساعد مخرج، إلا أن
عمله في مجال الفيلم التسجيلي، هو الذي هيئه حقيقة لخوض تجربة الفيلم
الروائي.
مشوار عبد السيد مع الفيلم الروائي كان بالطبع مليئاً بالمفاجآت الفنية
والفكرية.. فأفلام مثل (الصعاليك، الكيت كات، البحث عن سيد مرزوق، أرض الخوف)
جعلته يقف في مصاف كبار المخرجين العرب.. فقد هذه الأفلام الكثير من النقاش
حول تجربة هذا المخرج المتميز.. كل فيلم جديد له لابد أن يحمل طابعاً خاصاً..
يثير به عبد السيد أسئلة كثيرة ويحكي عن تجارب حياتية جديرة بالطرح والنقاش.
|