بالرغم من أن تجربة المخرج داود عبد السيد مع الفيلم الروائي قصيرة نسبياً..
وهي فترة ليست كافية لاستنتاج أسلوب خاص به، إلا أننا هنا أمام حالة خاصة
جداً. إذ أن عبد السيد استطاع أن يقدم سينما خاصة وجديدة، وأثبت بأنه فنان
متمرد على السائد والتقليدي باحثاً عن سينما مختلفة ذات أسلوب خاص يحمل رؤيته
الفنية والفكرية.
يؤكد عبد السيد في أحد تصريحاته الصحفية، بأن السينما الجديدة هي نتاج
للسينما القديمة وتراثها. وأنها ليست سينما مختلفة، وإنما لها طابع شخصي.
فذاتية المخرج تظهر في العمل بشكل واضح.. إنه دائما ما يؤكد على السينما
الذاتية.
ولتحقيق طموحاته في السينما التي يصنعها، نرى بأن عبد السيد غالباً ما يكتب
بنفسه سيناريوهات أفلامه.. أي أنه يتبنى مفهوم "سينما المؤلف". وهذا بالطبع
يجعله في حرية فنية، يستطيع بها تجسيد ما يريده هو من رؤى فنية وفكرية، يصبح
مسئولاً عنها مسئولية كاملة. والكتابة ـ كما يقول عبد السيد ـ مهمة صعبة،
باعتبار أن الكاتب يعمل على ورق أبيض، أي على فراغ، أما المخرج فعنده جسم
يحققه. لذلك فتحقيق الرؤية في الكتابة، بالنسبة له، أصعب من تحقيقها في
الإخراج.
أما بالنسبة لقضية التوصيل والتواصل مع الجمهور، فهي قضية هامة بالنسبة لعبد
السيد، هذا لأنه فنان تهمه قضايا ومشاكل واقعه، بل وحريص على مخاطبة أكبر عدد
من الناس. كما أنه في نفس الوقت يريد أن يكون راضياً عن عمله، ويحقق من خلال
العملية الإبداعية نضجاً فنياً. إنها طبعاً معادلة صعبة، لكنه مصر على
تحقيقها، بل ونجح فعلاً في تحقيقها، وأفلامه تشهد له بذلك.
يهتم عبد السيد كثيراً بشخصياته أكثر من اهتمامه بالقضية المطروحة كقضية،
مقتنعاً تماماً بأن أية قضية إنما تبرز عندما تتألق الشخصية وتعبر عن أحلامها
وطموحاتها بصدق. وهو بذلك لا يبحث إطلاقاً عن حكاية تقليدية، وإنما يبحث عن
نماذج وحالات نمطية تعيشها شخصياته. ثم أنه يقدم هذه الشخصيات ويتركها تعيش
واقعها وتتصرف بتلقائية حتى ولو أدى ذلك إلى تصرفات لا أخلاقية.. إنه يتابعها
فقط ، ويقدمها كما هي.. لا يدينها بل ينظر إليها برحمة ويتلمس لها الأعذار
والدوافع، ويتفهم حاجات النفس والجسد.
يعد داود عبد السيد واحداً من هؤلاء الفرسان الذين يغامرون بأفلام مختلفة،
تحاول الخروج على التقاليد السائدة للسينما المصرية. ويجمعهم شيء رئسي واحد،
وهو أن السينما بالنسبة لهم ليست وسيلة لأكل العيش فقط.. يقول عبد السيد:
(...الترفيه جزء مهم لا ينكره أحد، والأهم هو كون السينما وسيلة تعبير، وهو
ما لا نجده في السينما التقليدية. إن السينما من وجهة نظري شخصية.. وأعتقد
بأن هذا هو ما يجمعني بمحمد خان وخيري بشارة وعلي بدر خان، مع اختلاف كبير
جداً في الأساليب وفي الأفكار الفنية والسياسية وغيرها.. إننا مهتمون
بالسينما كفن...).
|