إن للسينما دوراً مهماً في تشكيل وصياغة الوجدان الشعبي..
وتنبع أهمية هذا الدور دوماً من واقع المجتمع الثقافي
والإجتماعي نفسه.. بمعنى فقدان التأثير المهم للكلمة المكتوبة
على الجماهير، وتبقى الغلبة في النهاية للإذاعة المسموعة
والمرئية..!! فالسينما، منذ بدايتها، لم تأخذ على عاتقها مهمة
القيام بتوعية الجماهير ورفع مستواها الفكري والثقافي.. ولم
يأخذ هذا الهدف حيزاً من أجندة المنتجين. وكانت السينما ولا
تزال لدى الغالبية منهم تجارة تدر عليهم الكثير من الأرباح.
السينما العربية على وجه الخصوص.. لم تنجح في خدمة وحفظ تراثنا
وحضارتنا العربية، إلا فيما ندر.. فهي لم تسعَ حتى لتقديم
مواضيع خاصة تهتم بالتراث أو بالحضارة العربية وتوصيلهما بشكل
مقنع للمتلقي. وربما مصطلح الثقافة العربية يكون أشمل في
التعامل مع السينما.. هناك مثلاً أفلام قليلة، أو مخرجون
معينون حاولوا تقديم مثل هذه المواضيع، من أطروحات فكرية
وثقافية وحضارية.. أمثال شادي عبدالسلام من مصر.. وناصر خمير
من تونس كمثال..!!
هذا بالرغم من أن لدينا في البلاد العربية طاقات إبداعية خلاقة
في كل المجالات.. وهي كذلك في السينما.. لكن الاختلاف يأتي في
طريقة التوصيل للمتلقي.. الأديب أو الفنان التشكيلي أو
الموسيقى قادر على توصيل إبداعه بطرق شتى، وهو المسئول عن
تطوير إبداعه.. أما بالنسبة للتطوير في السينما، فهذا أمر لا
يعتمد على المبدع فقط.. السينما فن وصناعة وتجارة.. لابد أن
يلتقي الفنان بالصانع بالتاجر لتطوير هذه السينما.. والتجار
وأصحاب المصانع عندنا ليسوا معنيين بالفن السينمائي تماماً..
التطوير إذن، يأتي مع تلاحم هذه العناصر الثلاثة (فن/ صناعة/
تجارة)..!! والسينما العربية ينقصها الكثير للوصول إلى مرحلة
من مراحل تطور السينما العالمية.. أما التطوير التقني
والتكنولوجي.. أو حتى التطور في الفكر والموضوع اللذان يكونان
غالباً تحت رحمة الرقابة العربية المنيعة..!!
إذن، فالإنتاج هو الحجر الأساسي الذي تقوم عليه صناعة
السينما.. والمسيطر على عملية الإنتاج هو الذي يحدد هوية هذه
السينما. لكن يجب أن نعترف في كل هذه المعطيات بأن عملية
الإنتاج ليست عملية سهلة، بل هي محكومة بشبكة من العلاقات لا
تقتصر ـ كما في الإنتاج الأدبي ـ على ورق وقلم وتكاليف طباعة،
تبقى نسبياً محدودة جداً ـ بل هي عملية تمر عبر آلات ومواد
ومؤسسات ورساميل، هي التي تكوِّن ما نقول عنه صناعة سينما.
ومما لا شك فيه، بأن الذي يصنع السينما ليس الفنان كما يعتقد
الغالبية؛ بل هو التاجر صاحب رأس المال القادر على توصيلها
للمتفرج. وهذا بالضبط ما تيقن منه وآمن به رأس المال الأمريكي
منذ البداية، عندما جعل من السينما، صناعة تدر الأرباح
الخيالية، وتملأ الجيوب بمليارات الدولارات. وباعتبار أن
للصورة أكبر الأثر على المتلقي.. مهما اختلف الجميع في طريقة
توصيل هذه الصورة.. فلابد أن يكون هناك رأس المال الوطني
والمثقف، الذي يسعى ـ إضافة للربح ـ للفائدة العامة للوطن
والشعب.. وهذا ما لا يتوفر في الوطن العربي.. إلا فيما ندر..!!
الغريب أن الجميع يعرف مدى أهمية وفاعلية هذه الصورة.. ولكنهم
يجهلون كيفية التعامل معها.. فالعمل المؤسساتي الثقافي العربي
فقير جداً من الناحية العلمية والعملية.. فإذا تحدثنا عن
مؤسسات القطاع الخاص، فنجدها غالبا تعاونية، أي العمل فيها
يكون اختيارياً وتعتمد على الأمزجة والأهواء.. إضافة إلى أنها
تحتاج إلى رأس مال يساهم في تنفيذ مشاريعها.. وإذا تحدثنا عن
مؤسسات القطاع العام، فهي ترزح تحت الكم الهائل من اللامبالاة
والبيروقراطية..!!
|