في
(أحلام هند وكاميليا ـ 1988) يكشف
محمد
خان عن حياة الناس البسطاء والمسحوقين وصراعهم من أجل حياة أفضل تحت
وطأة
مجتمع
المدينة الكبيرة. حيث يتناول عالم الشخصيات العادية التي تعيش بيننا
ونتعامل
معها يومياً لكننا لا نعرفها جيداً ولا نلاحظ فيها ما قدمه هو
خلال فيلمه هذا..
يتناول عالم الخادمات، بما يحتويه من تفاصيل وإيحاءات عميقة صادقة،
تختلط فيها
المرارة بالبراءة.. وحشية الفقر وقسوة العيش بعفوية الكدح اليومي
وبراءة الكادحين وطببتهم الصادقة..!!
هند
(عايدة رياض) أرملة ريفية
بسيطة
ساذجة وحالمة، نزحت إلى المدينة بعد وفاة زوجها. تبحث عن الاستقرار
وتعمل
كخادمة قنوعة في البيوت، لإعالة أمها وأخواتها. هذا بالرغم من سخطها
على خالها الذي
يبتزها ويحصل على أجرها بحجة توصيله لوالدتها. تعتقد بأنها لا
تصلح إلا أن تكون ست
بيت،
لذلك نراها تجري وراء حب نقي لإنقاذ نفسها من المهانة، وتحقيق حلمها
بانتشالها
من حضيضها وتكوين أسرة سعيدة.
وكاميليا (نجلاء فتحي) امرأة
مطلقة
تعيش مع أخيها، وتعمل هي مضطرة في خدمة البيوت لتعوله هو وأسرته.
ولكنها
بالمقابل ذات شخصية نشطة ومتمردة يمتزج فيها النبل والطهارة بحالة من
البؤس وشظف العيش.. لا تكتفي بما لديها وتبحث عن الأفضل دائماً. تحلم
بحياة هادئة نظيفة
وميسورة تنقلها من الحضيض الاجتماعي والعيش في حجرة بمفردها
والتمتع بحريتها. تضطر للزواج مرة أخرى
من
رجل متكرش وبخيل بسبب الحاجة الملحَّة إلى المال. ولأنها تملك طاقة
هائلة من التمرد على واقعها، فهي تفكر في الهرب من بيت الزوجية، والذي
تحولت فيه من خادمة بأجر إلى خادمة بدون أجر، مباحة
الجسد
لزوجها الذي لا تحبه وتضطر لسرقة أمواله لتشتري حريتها.
أما
عيد (أحمد زكي) فهو ذلك الشاب
الذي
يعاكس هند ويشتهيها في البداية، ولكنه يرتبط معها بعلاقة حب ليتزوجها
فيما
بعد.
إنه ابن الحارة الشعبية.. الحرامي والبلطجي الذي لا يتوانى عن فعل
الكبيرة والصغيرة والاحتيال بشتى الطرق حتى يعيش.. لا تعوزه الظرافة
ويقظة الضمير رغم الفجاجة الممزوجة بالبلاهة حيناً والبراءة حيناً آخر.
ولأنه يعيش دائماً في الفضاء
الاجتماعي المتعدد الأطراف، نراه لا يستقر في مهنة واحدة، ويعيش كل يوم
في مكان
مختلف. نراه يعيش عدم استقرار نفسي واجتماعي لشعوره بأن كل
تصرفاته إنما ناتجة عن
عدم
وعي ودراية، وكأنما هناك قوى خفية تدفعه إلى فعل كل شيء.. نراه يردد
دائماً (مسيرها تروق وتحلى).
في
فيلم (أحلام هند وكاميليا)،
يقدم
لنا محمد خان مجتمع القاهرة الحقيقي من خلال خادمتين ولص ظريف..
القاهرة التي
تحتل
موقعاً هاماً وبارزاً من أحداث الفيلم، وتتحكم في مصائر الشخصيات..
القاهرة
بشوارعها وأزقتها وبكل ضجيجها وفوضويتها. ويقدم في نفس الوقت
فيلماً بسيطاً وممتعاً
تتداعى فيه الأحداث مع الشخصيات، التي انتقاها بحذر وذكاء شديدين..
يقدم لنا فيلماً
عن
العلاقات الاجتماعية المفككة في المدينة، وفيلماً عن الحرية الشخصية.
فشخصيات
الفيلم لا تنتمي إلى طبقة مستقرة اجتماعيا وإنتاجياً، وبالتالي فهي لا
تمثل إلا
ذاتها، ولا تربطها بالآخرين إلا علاقات تحكمها عوامل معيشية قائمة
أساساً على المصلحة والمنفعة المشتركة.
|