كتب فيلم (قلب الليل) السيناريست محسن زايد، عن رواية بنفس الاسم
للروائي الكبير نجيب محفوظ. وفي اعتقادنا، بأن اختيار الكاتب والمخرج
لهذه الرواية لتحويلها للسينما، كان اختيارا صعباً. فالرواية تتعرض
للمنطقة الرمادية التي يعلوها الضباب، والتي تمثل بعداً من أهم أبعاد
رؤية نجيب محفوظ للحياة. كما أنها تعالج قضية فلسفية هامة، أتعبت الفكر
الإنساني كثيراً، ألا وهي قضية الحرية والاختيار، مروراً بالأشواق
والرغبات التي تعتمل في أعماق وروح الشخصيات، فتنطلق لتحطم النواهي
والممنوعات. وهي أيضاً رواية تتناول اليقين المهتز بالشكوك والأسرار
الغامضة، والتي غالباً ما يعجز العقل البشري عن كشفها أو إدراكها. وهذه
كلها قضايا فلسفية بعيدة تماماً عن هموم السينما السائدة.
ومن الملاحظ في فيلم (قلب الليل) في أكثر من تنامي درامي، لهاث
الكاميرا للحاق بركب البناء الأدبي، الذي يعتمد على الكلمة، والتي
بدورها تتجاوز كثيراً الصورة المرئية المحددة بأبعادها السينمائية، نحو
عوالم أكثر اتساعا. وأعتقد بأن المتفرج قد لاحظ ذلك الطول الغير طبيعي
للفيلم، والذي جاء نتيجة السعي لتجسيد كافة النقلات في التطور الشخصي
والاجتماعي وحتى الفكري لدى بطل الفيلم جعفر الراوي (نور الشريف). هذا
إضافة إلى أن ذلك قد تم دون تقديم مبررات مقنعة لكل هذه التحولات في
الشخصية، بل وقدمها بمبررات تكاد تقترب من مبررات طرحتها السينما
الهندية كثيراً. ولنا أن نتصور ذلك الجهد الذي بذله فنان كعاطف الطيب
حتى يصل بنا إلى ما أراد قوله نجيب محفوظ. ربما استطاع الطيب نقل
الفكرة بحرفيتها أحياناً، إلا أنه قد أخفق كثيراً بسبب الشرط الموضوعي
لحجم اتساع المشهد الذي تمتلكه السينما وأدواتها. فقد كان عاطف الطيب
في فيلمه (قلب الليل) أميناً للعمل الروائي إلى درجة فقدانه للغة
السينمائية وارتباكها في أحيان كثيرة. مما جعل الفيلم يتخبط في لهاثه
وراء العمل الأدبي. وربما تكون القضية الفلسفية التي تناولتها الرواية
هي السبب في ذلك التخبط الذي احتواه الفيلم، خصوصاً في عرض تلك النقلات
الغير مبررة لمسار الشخصية الرئيسية وتطوراتها. وكاد الفيلم أن يقع في
بعض مشاهده في الميلودراما العنيفة، لولا قوة حضور الشخصيات وتميز
كاميرا عاطف الطيب. ثم أن السيناريو قد أخطأ كثيراً عندما قام بترجمة
أفكار الرواية الفلسفية الخيالية بأسلوب واقعي بحت، مما أفقد الأفكار
مصداقيتها وجعلها عرضة للتبسيط بل كان من المفترض التعبير عن هذه
الأفكار الخيالية بالصورة السينمائية الخيالية، وليس ترجمتها.
ثم لا يفوتنا الإشارة، إلى أن الفيلم في نصفه الأول، قد تميز بكادرات
جمالية رائعة، واستخدام موفق للإضاءة داخل المشاهد. بحيث أعطى إيحاءً
بالفترة التاريخية، مما يؤكد سيطرة المخرج على تنفيذ كادراته بما
يتناسب وتلك المرحلة الزمنية. هذا إضافة إلى الشفافية التي ساهمت في
جمالية المشاهد، والتي جاءت نتيجة استخدام موفق أيضاً للمرشحات
المختارة من قبل المخرج ومدير التصوير. أما النصف الثاني من الفيلم،
فقد افتقد لكل تلك التقنيات الإبداعية، بل وضاع وراء تجسيد سردية القص
الروائي، لدرجة شعورنا بأن الفيلم قام بإخراجه اثنان ـ وليس مخرج واحد
ـ يختلفان تماماً في الرؤية السينمائية.
|