اليوم هو العاشر من رمضان.. أقصد العاشر الذي أقضيه مسمراً أمام
التليفزيون.. آه، الآن فقط عرفت قدراتي الرهيبة على تحمل هذا الكم
من الإعلانات التي حفلت بها القنوات التليفزيونية بشكل يثير
الإمتعاض وحتى الغضب.
أتحدث عن هذا الغول الرهيب الذي بدأ يسيطر على كل شيء.. الإعلان الذي
أصبح يأتينا في كل لحظة من حيث لا ندري.. بل ويقلق مضاجعنا.. غول
رهيب تتسابق القنوات الفضائية على جعله قوت يومي يتشرب منه المتفرج
مجبراً على ذلك.. ولم ينتبه الجميع بأن هذا الأمر لخطير خطورة مرض
السرطان.. إنه حقاً جريمة بحق المتفرج المسكين يجب أن يحاكم عليها
القانون.. فماذا ترون في هذا..؟!
كيف تحملت كل هذا العناء العظيم، ولمدة عشرة أيام بلياليها.. وأنا
أتفرج على مشاهد قصيرة من مسلسلات حرصت على متابعتها.. وهي مشاهد
يتراوح زمنها ما بين الخمس والعشر دقائق فقط.. والباقي إعلانات..
لاحظ بأن الفواصل الإعلانية صارت أطول من المسلسل نفسه.. حتى أنني
أحياناً أنجح في متابعة مسلسلين في وآن واحد.. لنتصور ذلك..!!
وكيف لصناع هذه الدراما القبول بمثل هذا الإستخفاف لمجهود الفنانين
نجوم العمل الفني وسيطرة الإعلان عليه بهذا الشكل..؟! أتصور بأن
منتجي العمل يعلمون بهذا الأمر منذ البداية.. وهم بالطبع موافقون..
المهم بالنسبة لهم أن يعرض العمل في رمضان.. ويدخل السبق الرمضاني
للدراما. المشكلة الحقيقية.. هو أن هذا الأمر ينطبق على أغلب
القنوات، ليصبح أمراً إعتيادياً.. والمتفرج المسكين لا حول له ولا
قوة.
في هوجة هذا الغول الإعلاني الرهيب.. تابعنا ـ ولو أنها متابعة مشكوك
فيها ـ تسعة مسلسلات يومياً.. تبدأ هذه المتابعة من السادسة مساء
وتستمر حتى الثانية عشرة.. ست ساعات متواصلة أمام التليفزيون..
أكيد هذا عمل إنتحاري بالنسبة لشخص مثلي.. و.....
اليوم هو الثاني والعشرين من رمضان.. ألا تعتقدون بأنني إنسان صبور
جداً.. على ما قاسيته حتى أستمر مع متابعاتي لدراما رمضان حتى هذا
التاريخ..؟!
أكثر من مرة.. كنت فيها قررت التخلي عن متابعتي المهلكة هذه.. إلا أن
هناك ما شدني في الإستمرار.. الدراما نفسها.. الدراما الجيدة مثل
(على طول الأيام) لحاتم علي.. (حضرة المتهم أبي) لرباب حسين،
و(العندليب) لجمال عبدالحميد، و(سكة الهلالي) لمحمد فاضل، و(كشكول
لكل مواطن) لعادل قطب، و(خالد بن الوليد) ل ، وإمرأة من الصعيد
الجواني) لحسن بشير، و(أولاد الشوارع) لشيرين عادل.
وصل بي الزمان لليوم التاسع والعشرون، ونجحت في تخطي ذلك العجز
والمعجزة.. والوصول إلى بر الأمان، بعد نهاية هذا الطوفان من
الإعلان والدراما..!!
أتذكر منذ سنوات.. بأن إحدى القنوات العربية الأرضية قد أعلنت بأن
مدخول الإعلان في شهر رمضان فقط قد تجاوز الأربعين مليون.. هذا منذ
سنوات، عندما كان الإعلان التليفزيوني يحبو ويقدم باستحياء خلال
الدراما.. لذا دعونا نتخيل مئات الملايين التي دفعها الإعلان هذا
العام لإنتاج هذه الدراما.. وجعل المتفرج يدفع مجبوراً، قيمة هذه
الدراما من أعصابه وقوة صلابته على تحمل هذا الغول الإعلاني.