يعتبر المخرج الإيطالي مايكل أنجلو أنتونيوني، من عمالقة الإخراج في
السينما العالمية، بل أن العبقري تاركوفسكي اعتبره أعظم مخرج في تاريخ
السينما على الإطلاق.
وفي هذه الرسالة المفتوحة إلى أنتونيوني، والتي تحمل عنوان "حكمة الفنان"،
يوجه المفكر الفرنسي رولان بارت تحيه لهذا الفنان الكبير، ضمنها الناقد
برهان شاوي كتابه "سحر السينما".. الذي تحدثنا عنه في عدد سابق. يوجه بارت
حديثه لأنتونيوني، فيقول:
"عزيزي أنتونيوني.. يفرق "نيتشه" في حديثه عن الأنماط البشرية بين شخصين
هما: الواعظ والفنان، وفيما يخص شخصية الواعظ فلدينا اليوم من الوعاظ أكثر
مما ينبغي، لكن شخصية الفنان،! فاسمح لي يا عزيزي أنتونيوني أن أتناول
أفلامك بالبحث كي أستطيع أن أمسك بثلاث من القوى، أو إذا سمحت لي القول
بثلاث من الفضائل تجعل من الإنسان فناناً، وهنا أسمي: الاهتمام أو الانتباه
والحكمة، ثم الشيء المناقض لهما الهشاشة وسرعة الانكسار".
"فالفنان يثير الدهشة والإعجاب، إذ أن نظرته نقدية لكنه لا يشكو أو يتهم
أحداً، لأنه لا يبحث عن الانتقام، ولأنك فنان فإن أعمالك تقف بالمقابل من
الزمن مفتوحة الآفاق".
"يستخدم الكثيرون راية (الحداثة) في صراعهم مع العالم القديم وقيمه المجردة
والعارية، وبالنسبة لك فعلى العكس، إذا أن الحداثة ليست مصطلحاً ساكناً
لمعارضة هشة، لأنها تعني لك الضد الكامل والمعاكس للتعقيد. إنها اقتفاء
وتتبع سريع وجاد لانقلابات الزمان وتغيراته، ليس على مستوى الأحداث والقصص
الكبيرة، وإنما حتى في أدق تفاصيل القصص والأحداث الصغيرة أيضاً استناداً
إلى مبدأ أساسي هو اعتماد واحترام وجود الإنسان الفرد".
"هكذا هي أفلامك، خاصة فيما بعد الحرب الباردة مباشرة، خطوة بعد خطوة ضاعفت
الاهتمام بالعالم المحيط بك واهتممت بنفسك أيضاً، فكل فيلم من أفلامك هو
على الصعيد الشخصي تجربة تاريخية بالنسبة لك، أي الخروج من مشكلة قديمة
والدخول في محاولة صياغة سؤال جديد، وهذا يعني بالنسبة لي أنك ومنذ أكثر من
ثلاثين عاماً كنت تعيش مع هذه (المشاعر الجميلة) ولم تستخدمها كانعكاس فني
أو كتوجيه أيديولوجي وإنما كجوهر، كمغناطيس يجذبك من عمل فني إلى آخر
باعتبار أن المضمون والشكل يمتلكان نفس الأهمية التاريخية لديك، لأن
الدراما كما قلتم مرة: روح مثلما لها الشكل، وما الجوانب الاجتماعية
والقصصية والعصابية إلا أبعاداً ومستويات وملاحظات مهمة لها، ومثلما قال
أحد رجال اللسانيات في أن العالم بكامله ليس إلا الضد من كل فنان، فليس
هناك تدرج للاهتمامات وإنما تعاقب لا غير".
"وللدقة أقول إن الفنان بالضد من المفكر لا يطور نفسه، إنه يبدو وكأنه
يتفحص كل مرة آلة جديدة تستطيع أن تقدم حكايته الخاصة وسط عدد من الآلات
المرهفة الحساسية".
|