الضجة التي أحدثها فيلم "الغول" كانت محفزاً لي للبدء بالكتابة عن السينما،
وبداية النشر في الصحافة.. تلك الضجة الرقابية التي لم يتبقى أحد إلا وتحدث
عنها.. كانت أيضاً دافعاً لمحرر الصفحة الثقافية في جريدة "أخبار الخليج"
على قبول مقال لكاتب جديد عن فيلم شهير.. لذا صادف أن يكون "الغول" أول
مقال لنا في الصحافة.
وإضافة إلى هذا، فأن فيلم (الغول ـ 1982) للمخرج سمير سيف ، كان أول دور
بطولة جاد يقدمه الشهير عادل إمام، حيث كان إسمه ـ قبل هذا الفيلم ـ بمثابة
الماركة المسجلة للفيلم الكوميدي. لذلك كان هذا الفيلم مفاجأة للجمهور بكل
مستوياته.. فاجأهم فنانهم الكوميدي المحبوب بفيلم جاد وحزين ايضاً يناقش
قضية اجتماعية سياسية، ويتحدث عن مجتمع الانفتاح وسلبياته.
حكاية الفيلم سبق وان قدمت في الاذاعة تحت اسم (قانون ساكسونيا). عند
الانتهاء من تجهيزه كفيلم، وطبع النسخة الاولى منه، عرض في مبنى الرقابة
لاجازته والسماح بعرضه جماهيرياً، لكن عقب إنتهاء العرض الخاص جاء في تقرير
الرقباء مايلي: (...رأت اللجنة ان هذا الفيلم يعد مظاهرة سياسية مضادة
للنظام القائم في البلاد ومعاداة لنظام الحكم ومؤسساته القضائية، وإتهام
بعض أجهزة الدولة بالتواطؤ مع الرأسمالية ضد مصالح الشعب، ويشجع بل يدعو
الى الثورة الدموية ضد أصحاب رؤوس الاموال. كما تؤكد اللجنة ان هذه المعاني
من شأنها التأثير بطريقة سيئة على عقول الشباب وتزعزع ثقتها في القضاء
وغيره من أجهزة الدولة. كما تضمن المصنف بعض المشاهد والاحداث التي تبدو
وكأنها نوع من المتاجرة ببعض الاحداث المحلية المتعاقبة والجارية على النحو
الذي يصبغه بطابع سياسي على جانب كبير من الخطورة...).
وبناء على هذا التقرير الرقابي منع عرض الفيلم داخل مصر وخارجها. وعندما
عرض في قاعة النيل عرضاً خاصاً حضره أكثر من خمسمائة شخص من الكتاب والنقاد
والسينمائيين، كان لهم رأي أخر في ان الرقابة قد إفترضت إسقاطات بعيدة كل
البعد عما جاء في الفيلم.
وأثيرت هذه القضية الفنية في الصحافة وهوجمت لجنة الرقابة من قبل النقاد
والسينمائيين حتى إستدعت القضية ان يكون الحكم فيها بيد وزير الثقافة
شخصياً، الذي أصدر قراراً فيما بعد بعدم منع الفيلم وصرح بعرضه جماهيرياً.
يتعرض (الغول) لبعض جوانب الفساد الاقتصادي والاجتماعي وسيطرة المادة التي
يمكن بواسطتها شراء كل شيء، إلا عندما يسبيقظ الضمير الانساني رافضاً هذه
المساومة.
كتب سيناريو الفيلم وحيد حامد معبراً بصدق عن مساويء مجتمع الانفتاح ورجاله
وتأثيرها على العلاقات الاجتماعية والاخلاقية. أما المخرج سمير سيف فقد نجح
فعلاً في تقديم فيلم مثير وجرىء، أحداثه متصاعدة درامياً حتى تصل الى
ذروتها في النهاية. كل ذلك كان بشكل مقنع وغير مفتعل. لذا سيظل "الغول"
يشار له بالبنان عند الحديث عن الأفلام التي تناولت سياسة الإنفتاح.
|