ضمن سلسلة "كتاب الرافد" التي تصدرها دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، صدر
للناقد برهان شاوي كتاب عن السينما بعنوان "سحر السينما".. وفي قراءة سريعة
لمقدمة هذا الكتاب، تعرفت أكثر على قدرات هذا الكاتب الفنان.. واقتربت من
رؤاه وتحليله المنطقي للقضايا المطروحة في كتابه هذا.
في مقدمة كتابه الطويلة والقيمة، يستهل برهان شاوي الحديث عن فقرة من
مذكرات العبقري "تاركوفسكي" توقف عندها كثيراً، حيث يقول:
"في دفتر مذكراته كتب المخرج السينمائي الروسي الراحل أندريه تاركوفسكي ما
يلي(تلتقي أحياناً مع إنسان يبدو واسع الإطلاع، يعرف الشعر والرسم
والموسيقى بشكل رائع، ويقول لك إن فيلمك يعجبه كثيراً.. فتشعر بالارتياح،
ثم ما أن تبدأ الحديث معه حول الفيلم حتى يتضح بأنه لم يفهم شيئاً، وهذا
أمر مرعب، وأكثر إثارة للحزن مما لو قال لك بشكل مباشر، أنا لا أفهم
أفلامك)... هذه الفقرة أوقفتني عندها، وأثارت في فضول التفكير في عدة أشياء
منها، مفهوم "التلقي"، مفهوم قراءة النص الأدبي والفني، علاقة المبدع
بمنجزه الإبداعي، خصوصية اللغة السينمائية، النفاق الثقافي، وأخيراً، حول
عمق ثقافتنا السينمائية!.
فرغم أن تاركوفسكي يستشهد هنا بمشاهد (واسع الإطلاع، يعرف الشعر والرسم
والموسيقى بشكل رائع)، وتعجبه أفلام المخرج، لكنه اتضح له أنه لم (يفهم)
شيئاً.. وهنا المشكلة! فلربما لم يتوصل المشاهد إلى (مقاصد) المخرج، لكنه
بالتأكيد تقبل الفيلم بطريقته الخاصة!! واستلم منه رسائل معينة.. رغم
اعتقادي بأن مثل هذا المشاهد نموذجي بالنسبة لنا!! أين الخلل إذاً، في
المشاهد أم في المخرج؟.
ويجيب الكاتب برهان شاوي على هذا التساؤل بتفصيل منطقي وأسلوب جميل يمتاز
بالسلاسة والقدرة على الإقناع، كان دافعاً لي في مواصلة القراءة والدخول في
فصول الكتاب (الفيلم من متعة المشاهد إلى لحظة التنوير، سحر السينما،
حوارات، قامات).. إننا حقاً أمام رؤية فنية نقدية قيمة، تدعونا إلى التمعن
أكثر في ماهية النقد السينمائي.
فهو يختم مقدمته هذه، بوصف الحالة المزرية التي يعيشها النقد السينمائي
العربي.. حيث يقول: "المتتبع للنقد السينمائي العربي الجاد، ومن خلال
المجلات والصحف وما يصدر أحياناً من كتب، يلاحظ تراجعه أمام سيل الكتابات
الصحافية الضحلة والمسطحة التي تخلط المفاهيم وتشوه المصطلحات وتسفه الفكر
والرؤى الجمالية، ثم تستسهل إطلاق الأحكام والتقييمات، حاطة من قدر أي
معالجة نقدية، جمالية وفكرية عميقة، بحجة أنها معالجة تتعالى على القراء
وتتثاقف، مما دفع العديد من النقاد الجادين إلى الانزواء والصمت، فانطفأ
بذلك حضورهم الإبداعي الرائد، وفسح المجال أمام كل من هب ودب، ممن تسحرهم
الأضواء وعالم الممثلين والممثلات، فيشمرون عن سواعدهم ليكتبوا في هذا
المجال المهم".
وهذه بالطبع دعوة للقارئ وللصديق، لقراءة هذا الكتاب، الذي يعتبر بحق إضافة
قيمة إلى المكتبة السينمائية العربية.
|