شيئان دفعاني للذهاب إلى مشاهدة فيلم "بريجيت جونز" الأخير.. الأول نجمته
رينيه زويليغر التي شدتني إليها لحظة شاهدتها، في حفل الأوسكار الأخير، وهي
تتكلم بعفوية عن سعادتها ونجاحها بالحصول على أوسكار أفضل ممثلة مساعدة،
لثلاث سنوات على التوالي.. وثانياً شخصية "بريجيت جونز" الاستثنائية، التي
أعجبت بقدراتها على التعبير عن دواخلها بشكل عفوي أخاذ، وذلك عند مشاهدة
الجزء الأول من الفيلم.. وبالفعل كانت مشاهدة ممتعة جداً، لم أندم عليها..
بل إنها جعلتني أؤمن كثيراً بإمكانيات هذه الممثلة الطموحة.. ولا أشك أبداً
بأن أداؤها في هذا الفيلم سيرشحها هذا العام لأوسكار أفضل ممثلة.
نعتقد فعلاً بأن شخصية "بريجيت جونز" في هذا الفيلم، هي شخصية حيوية
وواقعية أمتعتنا كثيراً ولا يمكن مقاومة سحرها، شخصية غير متكلفة، أشعرتنا
بأننا أمام واحدة من عامة الناس، لا تأبه بما يقال عنها وإنما تعبر عما
تشعر به.. فمن خلال سيناريو قوي وجميل، نجحت زويليغر في تقديم مذكرات "بريجيت
جونز" هذه بشكل ساحر، مع تلك التلقائية والعفوية والتركيبة المدهشة للشخصية
السطحية والظريفة ذات الثلاثين عاماً، والتي نراها تأكل بشراهة للتعويض عن
ذلك الحرمان العاطفي، وانتشال نفسها من تلك المأزق المحرجة التي تقع فيها
بشكل سريع وعفوي. فمع زيادة وزنها عشرة كيلوغرامات، لتجسيد قوام أشهر عازبة
في لندن، نجحت الأمريكية رينيه رويليغر، في جعلنا لا نتخيل أن واحدة غيرها
ممكن أن تنجح في أداء هذا الدور، حتى لو كانت أفضل ممثلة إنجليزية في
العالم.
تواصل "بريجيت جونز" رواية مذكراتها في هذا الجزء الثاني، بعد أن انتهى
الجزء الأول بعثورها على فتى أحلامها مارك دارسي.. وهذا بالطبع لا يمنع من
وقوع هذه الحسناء الشابة العازبة في الكثير من المشاكل والأزمات، فعالم
مارك المحامي الطموح والمحافظ مختلف كثيراً عن أجواء بريجيت المفعمة
بالعفوية والسطحية.
وإضافة إلى هذا التنافر في الأجواء الشخصية لبريجيت ومارك.. هناك شخصية
الحسناء ربيكا (جاسيندا باريت) زميلة مارك، والتي أشعلت نار الغيرة من جديد
لدى بريجيت، لنستمتع بمفارقات ظريفة لهذه الغيرة زادت من سخونة الأحداث.
أيضاً عودة دانيال (هيو غرانت) لملاحقة بريجيت ومحاولته إيقاعها في سريره.
ثم لا يمكننا أن ننسى متاعب بريجيت في العمل، ورحلتها إلى تايلند ومشكلتها
مع السجن هناك، والتي أضافت الكثير من المتعة والضحك.
نحن أمام فيلم كوميدي اجتماعي جميل من الطراز الأول، يحاول فيه السيناريو
أن يوصل رسالة هامة.. فهو يقول بأننا لا بد من تقبل من نحب كما هو وليس كما
نحلم أن يكون. نحبه بعيوبه وأخطائه، تماماً كما نحبه بحسناته ومزاياه. وهو
يقول هذا بشكل درامي منطقي وغير مباشر.. مبتعداً كثيراً عن الحكم والمواعظ
والتركيز فقط على دواخل الشخصيات وأحاسيسها.
وأمام هذا السيناريو المتميز.. نتابع تجسيداً تفنياً وفنياً قوياً، إخراجا
وتمثيلاً، وأيضاً من خلال تلك الصورة المعبرة والجميلة والحالمة في أحيان
كثيرة.. والتي ساهمت كثيراً في نجاح الدراما الكوميدية.. خصوصاً ذلك المشهد
ذو اللقطة القوية الطويلة التي تبدأ من نافذة بريجيت ثم تطير عبر أحياء
لندن وتغط على نوافذ العشاق وشرفاتهم قبل أن تصل إلى منزل مارك دارسي..
صورة جميلة ساحرة.
المتعة التي سعدنا بها ونحن نشاهد مغامرات "بريجيت جونز".. تأتي أساساً من
قدرات رينيه رويليغر الرائعة في الأداء الراقي.. فقد أمتعنا كثيرا ذلك
السحر الذي ينبع من عينيها.
|