(أبحث عن اللغز المختبئ خلف قناع الممثل)
أعتقد إن سر العمل الجيد مع الممثل يكمن أولاً في كيفية اختياره. ولكي تحقق
نجاحاً في ذلك، عليك أن تنسى الشخصية المكتوبة في السكربت لفترة وجيزة،
وترى فيما إذا كان الشخص الذي أمامك، يثير اهتمامك وانتباهك، أم لا؟
هذه مسألة مهمة جداً، لأنه من الغريب والنادر جداً أنك تحس، خلال تصوير
اللقطة، أن هذا الممثل هو الذي يقودك إلى سبر واستكشاف الشخصية في القصة.
أنت أحياناً تختار ممثلاً، لأنه يبدو لك أنه يتطابق تماماً والشخصية
المكتوبة في السكربت، لكنك ولسوء الحظ، ستدرك في النهاية، أن ما تفعله ليس
ممتعاً أو شيقاً أو مثيراً للانتباه، وليس هناك أي لغز وراء ذلك.
أعتقد إن القوة الدافعة وراء أي فيلم هي، أولاً وبشكل رئيسي، هي رغبة
المخرج في اكتشاف لغز كل شخصية. سأورد لك مثالاً على ذلك، في أحد مشاهد
فيلم "التانغو الأخير في باريس" يضطجع بول (مارلون براندو) على سريره،
ويسرد لجين (ماري شنايدر) أشياء كثيرة تتعلق بحياته الماضية. هل تعرف أن ما
قاله مارلون براندو كان كله اختلاقا من مخيلته، ولم يكن موجوداً في
السيناريو أصلاً!. إن ما قلته له هو الجملة التالية: "مارلون.. ستقوم ماري
شنايدر بطرح أسئلة عليك، فأجبها كم تشاء ومثلما تحب". وهكذا ابتدأ يصف لها
كل تلك الأشياء المزعجة والمشوشة، فيما كنت أقف أنا مصغياً له كالمتفرج،
ناسياً تماماً أنني المخرج.. بكلمة أخرى، لم أستطع الزعم، سواء كان مارلون
يكذب أو يقول الحقيقة. وهذه تماماً، هي وظيفة الارتجال. إنه محاولة لملامسة
الحقيقة، وإظهار شيء ما صادق جداً، من الممكن أن يكون مختبئاً خلف قناع
الممثل. وهذا الشيء، هو في الواقع، كان الشيء الأول والأساسي، من جملة
الأشياء التي أوضحتها لبراندو. لقد طلبت منه أن يخلع عن وجهه قناع ممثل
الإستديو، لأنني كنت أريد أن أرى ما كان مختبئاً وراءه.
التقينا مرة أخرى قبل عامين. تحدثنا قليلاً، وبعد فترة وجيزة، قال لي
بابتسامة ماكرة ومعذبة، "وهل كنت تعتقد حقاً، أنني كنت أمثل شخصيتي
الحقيقية في ذلك الفيلم، ها.."؟
لا أعرف حقاً، إن كان مارلون يمثل شخصيته الحقيقية، أم لا، لكن ذلك هو
الشيء الرائع والمدهش جداً في الأمر. لقد أردت أن أعرف الكثير عن مارلون
براندو نفسه، وقد عرفت بالفعل الشيء الكثير عنه. أنظر، طالما أنت لا تكذب
أمام الكاميرا، فالكاميرا بالمقابل لن تكذب، وسترى الحقيقة.
حين رأى مارلون براندو الفيلم، أصيب بما يشبه الصدمة، ولم يكن يرغب في
رؤيتي ثانية ولمدة طويلة لأنه شعر أنني سرقت منه شيئاً ما، لم يكن هو نفسه
يعرفه!.. ذلك هو بالضبط ما عنيته باللغز المختبئ خلف قناع الممثل. إن كل
فيلم هو بمثابة قصة حب لي مع الممثلين. عكس ذلك، سيفقد الفيلم في الآخر
شيئاً ما أجهله..!
جزء من حوار طويل ترجمه علي كامل ـ عن كتاب "
Private Lessons
From The World’s Foremost Directors"
|