هذا العنوان يشي بمعضلة قديمة/ جديدة.. تتناول إشكالية العلاقة بين المبدع
والمتلقي.. أين يكمن الخيط الرفيع الذي يؤسس لعلاقة مثالية بين الطرفين..؟!
ثم لابد من التأكيد على أن هذه العلاقة تشكل المدخل الرئيس لكافة الفنون
والآداب.. وتتناول بالتالي مدى أهمية التأثر والتأثير بين الطرفين.
لقد وُصف الكثير من المبدعين، من قبل النقاد، بأنهم متعالين على ثقافة
المتلقي البسيط والذي يشكل أكثر من 90% من الجمهور العربي.. ويوجهون
إبداعهم لنخبة محددة أو جماعات قليلة من المثقفين.. ربما يكون هذا القول من
الصحة بمكان.. إلا أنه يبدو لي بشكل عام بعيد عن الحقيقة. فليس كل مثقف
واع.. وليس كل بسيط متلقي سيء.. فالوعي هنا هو المحك في عملية التلقي،
وليست الثقافة.
لنأخذ تجربة المخرج محمد خان، مثالاً.. فقد أتهم هذا الفنان المجتهد بأنه
مخرج شكلي، يهتم بالجانب التقني (الصورة) أكثر من اهتمامه بالمضمون
(الحدوتة). هذا بالرغم من أن محمد خان نفسه لا يعتبر هذا اتهاما، بل ويعلن
صراحة حبه واهتمامه بهذا الجانب، ويرى بأن السينما أصلاً هي صورة ولا بد من
تطوير هذه الصورة والبحث من خلالها.
وبالرغم من كل ذلك، إلا أننا نرى العكس، فما يميز خان أكثر هو طرحه لمضامين
وشخصيات جديدة ومبتكرة لم تعهدها السينما المصرية. ربما لا يكون هناك
اهتمام واضح من خان بالحدوتة التقليدية في أغلب أفلامه، إلا أنه يهتم
كثيراً بشخصياته والتوغل في أعماقها، وذلك للكشف عن جوانب هامة في
تركيبتها، وإضفاء أبعاد إنسانية واجتماعية عميقة وصادقة عليها، يطرح من
خلالها قضايا فردية، إنما تعكس مجتمعاً بكامله. لذلك نراه لا يفكر في
المتفرج أثناء تنفيذه لأي من أعماله، بل أنه لا يضعه في اعتباره. وصلته
بالمتفرج لا تتعدى متابعة ردود أفعال أعماله على هذا المتفرج.
وهذا بالطبع قد جعل منه فناناً يمتلك بعض الحرية في التعبير عن قضايا
ومشاكل تشغله وتخصه هو بالذات كإنسان وفنان، كما جعله يتخلص من قيود هذا
المتفرج الكسول وقيود السينما التقليدية بشكل عام، وبالتالي إطلاق العنان
لخياله الفني لاستحداث وابتكار أشكال فنية جديدة. وهو بذلك، ومن خلال جميع
أفلامه، يريد خلق جمهور واعي ومثقف سينمائياً بل ومتذوق لهذا الفن. وبالرغم
من تناوله للكثير من القضايا التي تشد انتباه هذا الجمهور، إلا أنه يرفض
المعالجة التقليدية لهذه القضايا وطرح الحلول لها، وذلك إيماناً منه بأن
الفنان ليس مشرفاً اجتماعيا أو خبيراً سياسياً، ومهمته كسينمائي وفنان تكمن
في إثارة مثل هذه القضايا وترك الحلول للمتفرج يهتم بها ويتناقش حولها.
إن فناناً يحمل أفكاراً كهذه، لهو حريص على تطور تلك العلاقة التي تربطه
والمتلقي.. بل أنه يطمح إلى التعامل مع متلقي واعٍ، ويدعوه لتذوق هذا
الإبداع الذي ينتجه.
|