في 1888 التقى توماس إديسون (847 1- 1931) بمايبريدج
الذي أوحى جهازه الزوأوبواكسيسكوب لإديسون بفكرة ماكينة لتسجيل وإعادة
إنتاج الصور كما يفعل جهازه المعروف بالفونوغراف مع الصوت. وعلى الفور
كلف إديسون رئيس معمله الإنجليزي المولد "ديكنسون" مهمة تطوير هذه
الفكرة، وأصدر التحذير الرسمي الأول، ضمن سلسلة طويلة من التحذيرات،
بهدف حماية الأبحاث التجريبية الجارية بمؤسسته في ويست أورانج-
نيوجيرسي. وأثناء معرض باريس الدولي 1889 التقى إديسون بماري، ويبدو
أنه استمد منه فكرة استخدام الفيلم الشريط. وفي تحذيره الرسمي الرابع
في نوفمبر 1889 ظهرت لأول مرة فكرة تخريم الفيلم لضمات دقة تسجيل
الصورة كادرا بكادر. (وكانت هذه مشكلة طالما أعاقت ماري وديميني).
وقبيل خريف 1890 نجح ديكنسون في التقاط مجموعات من الصور سريعة التعاقب
(حتى 40 كادرا في الثانية) باستخدام جهاز الكاينتوغراف (Kinetograph)،
الذي سجل إديسون براءة اختراعه في يوليو 1891، وهو عبارة عن جهاز صندوق
دنيا لمشاهدة صور الكاينتوسكوب متحركة.
من هذه النقطة يؤرخ لبدء إنتاج (وليس عرض) أفلام
الرسوم المتحركة. كما تم في فبراير 1893 بناء استوديو غريب الشكل في
أراضي معمل إديسون. وكان هذا الاستوديو، الذي عرف باسم (Black Maria)،
عبارة عن كوخ من الورق المقطرن بسقف يفتح لدخول الشمس، وهو مركب على
محور يسمح بدورانه ليمكنه الاستفادة من ضوء الشمس قي أي وقت من النهار.
وبالداخل نصبت في طرف كاميرا كاينتوغراف نقيلة وفي الطرف المقابل كانت
مجموعة من الموسيقيين وفناني السيرك تؤدي مقتطفات مختصرة من عروضها.
وهكذا كان فنانو سيرك بافللو بيل ضمن أوائل النجوم في أول استوديو
سينمائي في التاريخ.
وفي أغسطس عام 1894، تأسست شركة كاينتوسكوب كومباني
على يد "راف وجامون" لاستثمار هذه الأعجوبة الجديدة نيابة عن معامل
إديسون، غير أنه قبل هذا التاريخ، وتحديدا في أبريل 1894، كان قد تم في
برودواي افتتاح أولى قاعات الكاينتوسكوب التي توالت بكثرة فيما بعد.
وكان أوائل جمهور الفيلم هم رواد الملاهي وأماكن التسلية الرخيصة (ذات
البنس الواحد)- بداية في مدن الولايات المتحدة الأمريكية ثم في أوروبا
بعد فترة وجيزة- حيث كان هؤلاء الزبائن يضعون العملات المعدنية الصغيرة
بجهاز صندوق الدنيا ليحدقوا عبر فتحات عدساته لمشاهدة أفلام لم يكن
الواحد منها يستغرق أكثر من أربعين أو خمسين ثانية.
لقد كان المال دائما، وبشكل جوهري، هو أقوى الدوافع
أثرا في تطوير السينما. فحماس الجمهور الذي اقترن برنين العملات
المعدنية قبل أي شيء آخر، أعطى القوة الدافعة للمرحلة الأخيرة في
السباق لإنتاج جهاز يمكنه عرض صورة متحركة. كانت إيرادات
الكاينتوسكوبات محددة نظرا لحقيقة أنه لا يمكن لأكثر من مشاهد واحد
استخدام الكاينتوسكوب في وقت واحد. وجرت محاولة لحل هذه المشكلة عن
طريق الفوتوزوتروب (Photozotrope)،
الذي ابتكره "هنري جولي"، حيث كانت الماكينة تحتوي على أربع فتحات
للمشاهدة وتعرض فيلمين، غير أن الحل الحقيقي، وبوضوح تام، كان هو العرض
بجهاز عرض.
من الناحية الفنية، وكما رأينا، فإن الأخوين لوميير
هما من فاز في هذا السباق للوصول إلى طريقة لدمج مبدأ عمل الكاينتوسكوب
مع الفانوس السحري القديم. ولعلها مسألة حظ، ربما، أنهما كانا يتمتعان
ببعض المزايا مقارنة بالكثير من منافسيهما، نظرا لكونهما رجال صناعة
أثرياء ولديهما المصادر الاقتصادية اللازمة لتطوير وحماية واستثمار
اكتشافاتهما. وكان لويس لوميير (1864- 1948) وأوجست لوميير (1862-
1954) قد انخرطا في العمل بمصنع أبيهما الفوتوغرافي في ليون في عام
1882، حيث كان الأول في الثامنة عشرة والثاني في العشرين، واستطاعا
تعديل الموقف المالي المتداعي لشركتهما من خلال نجاحهما في تصنيع
الألواح الفوتوغرافية.
وبحثا عن طريق لمزيد من التوسع، يقال إن أباهما أنطوان
لوميير اقترح القيام بتصنيع أفلام الكاينتوسكوب إديسون. ثم بدأ الأخوان
في محاولة ابتكار كاميرا، وقبل فبراير 1895 تمكنا من تسجيل براءة
اختراع جهاز يقوم بتصوير الأفلام وعرضها على السواء. وفي مارس سجلا
تطويرا إضافيا على الجهاز، الذي عرف باسم السينماتوغراف (Cinematographe)
وكان عبارة عن ماكينة دقيقة الصنع من الماهوجني والنحاس. لا تزال إلى
الآن معجزة في الإتقان والجمال.
خلال بقية عام 6895 انشغل الأخوان لوميير في تقديم
عروض دعائية مدروسة بعناية لجمعيات التصوير الفوتوغرافي. كما قاما
بتصوير أعضاء الجمعية الفرنسية للتصوير الفوتوغرافي أثناء اجتماعهم في
شهر يونيو. وفي أكتوبر قرر الأخوان أنه قد آن الأوان لاستثمار
اكتشافهما في عروض عامة. وأجريا مفاوضات مع (Grevin
Musee)
ومع (The Folies Bergers)
غير أنها لم تصل إلى شيئ، كما تقدما بعرض لاستئجار غرفة فوق مسرح روبرت
هاودن – الذي سرعان ما سيلعب دوراً بارزاً في تطور السينما – ولم يثمر
هو الآخر. وأخيراً استقر الأخوان لوميير على قاعة الصالون الهندي، وفي
28 ديسمبر 1895 قدم أول عرض سينمائي في التاريخ. الحدث، من الناحية
العملية، مر دون أن يلاحظ. فالصحفيون الذين تمت دعوتهم إلى العرض كان
لديهم جميعاً أشياء أفضل يقضونها ليلة السبت هذه، وهكذا لم ترد إشارة
بجرائد باريس في الصباح التالي لهذا العرض. بل الواقع أن بلدية باريس
حين أرادت في 1924 تخليد هذه الذكرى بوضع لوحة تذكارية مكان مبتى
الجراند كافيه، الذي كان قد اختفى قبل عام، لم يستطع أحد أن يتذكر بدقة
تاريخ عرض الأخوين لوميير، ولكن جمهور 1895، من الناحية الأخرى، لم
يتردد كثيراً في الإقبال على هذه البدعة، ففي يناير كانت هناك طوابير
من راغبي مشاهدة تلك العروض، ذات الدقائق العشرين، أمام قاعة الصالون
الهندي.
وفي غضون أسابيع من عرض الأخوين لوميير نجح المخترعان
الإنجليزيان "بيرت أكريس" (1854- 1918) وروبرت وليم بول (1870 - 1943)
في تقديم عروض سينمائية. كان بول صانع أجهزة علمية، وفي عام 1894 اتصل
به يونانيان وطلبا منه أن يقلد لهما كاينماتوغراف إديسون. وسرعان ما
راح بول ينتج أعدادا كبيرة من هذه الماكينات المزيفة لحسابه الخاص،
وعندما رد إديسون على هذا رافضا بيع أفلام التصوير لغير أصحاب ماكيناته
الأصلية شرع بول في صناعة كاميرا بالتعاون مع أكريس. وفي مايو 1895
سجلا براءة اختراع كاميرا وبدآ تصوير أفلام بالفعل. وقبيل انتهاء السنة
نفسها كانا يعرضان هذه الأفلام، وبدأ تقديم عروض منتظمة ضمن برنامج
قاعة الهمبرا الموسيقية بعد أسبوعين فقط من دخول السينماتوغراف إلى
الإمبراطورية على يد مندوب لوميير، فنان الخدع البصرية السابق "فيليسين
تريوي".
وفي ألمانيا، كان ماكس سكلادانوفسكي (1863 - 1939)،
وهو من عائلة تخصصت لوقت طويل في عروض التسلية البحرية بمختلف أنواعها،
يجرب في اتجاهات مستقلة بمفرده. وفي الحقيقة أن عرضه الجماهيري الأول
بجهازه البايسكوب (Bioskop)
في وينترجارتن ببرلين كان أسبق زمنيا من العرض الأول بالصالون الهندي.
وكانت ماكينته، دقيقة الصنع، التي استخدمها تعمل بشريطي فيلم متوازيين
وعدستين، ولذا يصعب اعتبارها جهاز عرض بالمعنى المفهوم.
وقي أمريكا قام "توماس أرمات وسي جنكينز" بتطوير جهاز
عرض، هو الفانتوسكوب (Phantoscope)،
قادر على تقديم عروض تجريبية قبل نهاية عام 1895. تم حصل إديسون على حق
استغلال اختراعات أرمات وجنكينز وقدم جهاز عرض أطلق عليه فيتاسكوب
إديسون. وجرت أولى العروض الجماهيرية للفيتاسكوب في قاعة كوستر وبيال
الموسيقية، في الشارع الرابع والثلاثين في نيويورك، قبل أكثر من شهرين
من ظهور سينماتوغراف لوميير في أمريكا بقاعة بي. إف. كيث الموسيقية.
وقبل نهاية عام 1896 كانت السينما قد انتشرت عبر
أوروبا وأمريكا من خلال توكيلات أصحاب القاعات الموسيقية والمغامرين من
محترفي العروض بأراضي المعارض الكبرى.
|