ترتبط أصول الكاميرا الفوتوغرافية ارتباطا واضحاً
بأصول الفانوس السحري. ففي الفانوس السحري يضاء جسم داخل صندوق ويعرض
بانكسار الضوء على شاشة في غرفة مظلمة (خا رج) الصندوق. وفي "الكاميرا
المظلمة"، كما وضعت لأول مرة، يضاء منظر إضاءة قوية ويعرض بانكسار
الضوء على شاشة (داخل) صندوق مظلم أو غرفة مظلمة. وقد استفاد الفنانون
كثيرا، خلال القرن الثامن وكان "نييبس قد اشترك مع داجير عشر وأوائل
التاسع عشر، من "الكاميرا المظلمة" باستخدامها لعرض منطر ما مصغرا على
شاشة ليقوموا هم بتحديد خطوطه الخارجية بالقلم الرصاص.
وكان من الطبيعي أن يبحثوا عن وسيلة لتثبيت الصورة
المعروضة ميكانيكيا أو كيميائيا، للتخلص من عناء تحديد خطوطها يدويا.
وانشغل عدد من الكيميائيين بهذه المشكلة، من بينهم الإنجليزي "توماس
ويدجوود"، ولكن "جوزيف نييبس" (1765 - 1833) كان على مايبدو اول من نجح
في تثبيت صورة على سطح محسس، في عام 1826. وكان نييبس قد اشترك مع
داجير (صاحب الديوراما)، واستمرت التجارب خلال ثلاثينيات القرن التاسع
عشر وحتى بعد وفاة نييبس في عام 1833. ولكن إتقان التصوير الفوتوغرافي،
وكما هي الحال مع السينما ذاتها، كان أقرب إلى سباق لحل مشكلات معروفة
منه إلى الاختراع. وفي عام 1839 اشترت الحكومة الفرنسية طريقة داجير
للتصوير الفوتوغرافي وذلك بعد أسابيع قليلة من إعلان "هنري فوكس تالبوت"
عن طريقة "الكالوتايب (Calo
Type).
ومع مرور السنين خلال القرن التاسع عشر تم دمج وتطوير مزايا هاتين
الطريقتين لزيادة كفاءة وسرعة وحساسية التصوير الفوتوغرافي(Phasmatrope).
في وقت مبكر يرجع إلى عام 1849، كان "بلاتو" قد اقترح
استخدام طريقة داجير للتصوير مع جهاز فيناكيستيسكوب (Phenakistiscope)،
غير أنه لم ينجح أي من اختراعات وابتكارات ستينيات وسبعينيات القرن
التاسع عشر في التوصل إلى حل لمشكلة كيفية خلق سلسلة صور فوتوغرافية
متتابعة بسرعة تسمح بعرضها كصورة كلية متحركة لحدث ما. فجهاز مثل
الفازماتروب (Phasmatrope)
الذي ابتكره "هييل" وعرض في فيلادلفيا عام 1870 كان يعتمد على صور
فوتوغرافية تم الحصول عليها بطريقة مضنية حيث يصور الحدث مجزأ إلى
مراحل يمثلها الموديل مرحلة مرحلة. ثم جاء حل المشكلة في النهاية على
يد عدد من العلماء والمصورين ممن لم يكن لهم أدنى اهتمام بتخليق الصور
بتتابع يعطي إحساسا بالحركة، بل كانوا ببساطة يبحثون عن وسيلة لتحليل
الحركة.
كان إدوارد مايبريدج (1830- 1904) إنجليزيا هاجر إلى
الولايات المتحدة في خمسينيات القرن، وبدل هناك اسمه الأصلي الأقرب إلى
المألوف، "إدوارد جيمس ماجردج"، واستقر به المقام مصورا فوتوغوافيا.
وفي عام 1873 طلب منه حاكم كاليفورنيا عمل بعض صور فوتوغرافية لحظية
لواحد من أحب خيول السباق لديه. ورغم ما كان يعانيه مايبريدج من اضطراب
في العمل، نظرا لاتهامه وقتها بقتل عشيق زوجته، فإنه واصل مهمته بسلسلة
طويلة من التجارب. حتى توصل قبيل عام 1877 إلى حل، عن طريق وضع مجموعة
مترابطة من الكاميرات على طول مسار الحصان بحيث يتم تحرير غوالقها
واحدا بعد الآخر مع مرور الحصان أمام كل كاميرا ووطئه حبلا على الأرض
متصلا بالغالق. كان هدف مايبريدج المبدئي هو الحصول على صور لحظية
منفردة، أما كونها متتابعة سريعة فقد جاء عرضاً. وخلال السنوات القليلة
التي تلت قام مايبريدج بإنتاج ونشر سلاسل صور فوتوغرافية عديدة لجميع
أشكال الحركة لدى الحيوان والإنسان. ثم قام في بداية الثمانينات بخطوة
أخرى لإعادة تخليق تحليله للحركة، وذلك بعرض المقاطع الحركية القصيرة
التي سجلها مستخدماً فيناكيستيسكوب عارض أسماه الزوأوبركسيسكوب (Zoopraxiscope).
ومن خلال رحلاته الى أوروبا، حيث كان يستقبل استقبال
النجوم والمشاهير، التقى مايبريدج بإيتيين ماري (1830 – 1904) الذي كان
على اتصال به من خلال الرسائل لسنوات سابقة. وكان إيتيين، بصفته باحثاً
فسيولوجياً، مهتماً بالتسجيل الفوتوغرافي للكثير من أنماط السلوك
الحيواني، وكان ثمة مشاكل بعينها لا يجد لها حلاً. فهو، على سبيل
المثال، كي يسجل حركات طائر بيانياً أثناء الطيران كان قد ابتكر جهازاً
دقيقاً نجح بالفعل في تسجيل حركات الطائر ولكنه في الوقت نفسه كان
يعيقه ويحد من حركته الطبيعية. وطرح ماري المشكلة على مايبريدج، غير أن
الصور الفوتوغرافية للطيور أثناء الطيران التي أحضرها مايبريدج معه الى
باريس في 1881 لم تكن مرضية أبداً لما يريده ماري. إلا أن ماري، عقب
ذلك مباشرة، استطاع الاستفادة من تجربة للعالم الفلكي جانسن الذي كان
قد ابتكر "المسدس الفوتوغرافي" في 1874، وهي كاميرا كان الغرض منها
تسجيل مسار كوكب الزهرة بأخذ سلسلة لقطات متتابعة على لوح واحد، حيث
يدور اللوح لتنكشف مساحة صغيرة محددة من سطحه المحسس مع كل مرة ينفتح
فيها الغالق. وهكذا استحدث ماري، ما بين 1881و1882، ووفقا لمبادئ
مشابهة "الغدارة الفوتوغرافية" (Fusiltographique).
وكان هذا الجهاز قادراً على التقاط اثنتي عشرة صورة
لحظية متتابعة في الثانية الواحدة. ثم راح ماري بعد هذا يتابع لسنوات
خطاً بحثياً آخر، مسجلاً أجساماً متحركة بتركيب لقطات عدة فوق بعضها
على لوح واحد ثابت. وبظهور الفيلم الشريط الذي دفعت به الى الأسواق
شركة إيستمان كوراك في 1888، تيسر لماري أن يبتكر جهاز الكرونو
فوتوغراف (Chrono Photographe)،
وهو كاميرا بمقدورها التقاط سلسلة طويلة من الصور المتعاقبة على شريط
فيم متصل. وفي عام 1892 اقترح ماري عمل جهاز عرض لإعادة تخليق الحركات
التي حللها بالطريقة السابقة. غير أنه قبيل هذا الوقت كان هنالك عدد
كبير من المخترعين، أغنياء وفقراء وعلماء وهواة، حالمين وواقعيين، قد
تنبأ بإمكان وجود كاميرا يمكنها التقاط صور تفصيلية تحليلية وجهاز عرض
يعيد تشكيل الحركة المصورة على الشاشة. من بين هؤلاء كان هناك مساعد
ماري نفسه "جورج ديميني"، وفي إنجلترا "وليم جرين" والفرنسي المولد
"لويس ليبرنس" الذي كان قد أوشك على حل المشكلات الجوهرية لهذا الموضوع
حين اختفى على نحو غامض في العام 1890.
|