لأطفالي.. أهدي هذا المشهد السينمائي.. حيث الذاكرة ملئ بما جسدته
الشاشة البيضاء الكبيرة.. بحجم الكون.. ملئ بصور سحرية شفافة تشهق لها
القلوب.. وملئ بذكريات تتجدد باستمرار.. كل يوم.. كل مرة.. كل مشاهدة.
الذاكرة.. تستدعي ذلك الفرح الأول بعالم سحري غرائبي جميل.. تسترجعه
مشحوناً بغبار السنين البعيدة.. حتى يكاد أن يختفي.. إلا أنه مازال
يقبع في قاع الذاكرة.. قادراً على التنبيه إلى تلك الفرحة الغامرة
المصحوبة بالرهبة اللذيذة ساعة المشاهدة الأولى.. حتى أن الذاكرة
مازالت تحتفي بسينما العيد بالذات.. حيث الشروع في مشاهدة مستقلة
بعيداً عن وصايا الأهل.. إنه حقاً الفرح بالتجربة الشخصية لمثل هكذا
حدث.
تستدعي هذه الذاكرة العتيقة.. بل تصر على استدعاء ذكريات سينما العيد
وأيامها.. لتشكل إلحاحاً دائماً.. فقد كان نصيب سينما العيد كبيراً..
حيث كانت من أبرز وأهم المشاريع التي كنا نحتفي بها ونحن صغار.. لذا
عندما اقترحت على أطفالي هذا العام ونحن في مجمع السيف مشروع مماثل..
كانت الفرحة غامرة.. بل كان الاقتراح مرحباً به من الجميع.
أتذكر جيداً.. بعد أن ينفض المصلون من صلاة العيد.. وينتهون من زيارة
بيتنا الكبير للمباركة بالعيد.. يبدأ مشوارنا الخاص نحن.. للتجول من
بيت إلى بيت لتكون حصيلتنا في النهاية مبلغاً لا بأس به من المال لا
يتعدى العشرين روبية أو ما يعادلها دينارين فقط.. يعيننا على الترتيب
لغداء في كازينو المحرق.. تلك الحديقة التي كانت دائماً تحوطنا بظلال
نخيلها وأغصان شجيراتها.. لتحيل مشاجراتنا المتفرقة إلى حياة ملؤها
الفرح والبهجة. ومن ثم الذهاب إلى سينما المحرق.. حتى مع عدم معرفتنا
باسم الفيلم أو نوعيته.. المهم هو تكملة المشروع السنوي.. والتمتع بما
لدينا من مال.
أتذكر جيداً.. كيف أننا مع طول هذا المشوار.. أقصد ذلك الطريق الذي
يمتد من بيتنا في فريق الحياك.. إلى كازينو المحرق.. وحتى السينما
مشياً على الأقدام.. كنا نستمتع بالحديث والتندر في استذكار أفلام
سابقة شاهدناها سوياً.. حتى أننا كنا نتحدث عن كيف سيكون الفيلم الذي
سنشاهده مع عدم معرفتنا به.. وتصل أحياناً في أننا نحكي عن سيناريو لم
يوجد..
نتخيل مثلاً بأن فريد شوقي في "عنتر بن شداد" سوف يقوم بتصفية خصومه
بشكل أكثر قوة.. ولن يسمح لأحد أن يتغلب عليه.
وفاتن حمامه.. هذه المغلوبة على أمرها.. نتعاطف معها دوماً.. ولكننا
نحلم في دواخلنا بأن تتغلب على خوفها واستحيائها.. لتكون أكثر
إيجابية.. ونرسم لها سيناريو كامل.. نوصيها بأن تكون البطلة دوماً.. بل
نحاول أن نكون لها عوناً وموجهاً لها في تحاشي أي مشكلة ستعترض طريقها
في سبيل الخير.
حكاوي أطفال صغار فقط.. يشتاقون لتنفيذ مشروع ترفيهي شخصي.. بعيداً عن
توجيهات الأهل.
أما موضوع قطع تذاكر السينما.. فهذه قصة لوحدها.. فمع صعوبة الحصول على
تذاكر السينما في أيام العيد.. كان المتبرع للدخول في طابور عشوائي مثل
طابور التذاكر.. يعد من المحاربين الشرفاء.. أو البطل المغوار.. وهو
يقدم علينا حاملاً تذاكر العرض.. وكأنه حاملاً سيفه منتصراً..!! ربما
يبدأ كل منا في الإشارة إلى من يقطع التذاكر، منذ خروجنا من المنزل..
أو ربما منذ الليلة التي تسبق الحدث..!!
كان الفيلم العربي أو الهندي في تلك السنين.. هو مبتغانا الوحيد..
باعتبار أن الفيلم الأجنبي سيكون عصياً على الفهم.. ونحن صغار لا
يمكننا أو أننا لا نأبه بمتابعة الترجمة العربية في أسفل الشاشة.
روبية.. أو مائة فلس.. هي قيمة التذكرة الواحدة أيام العيد.. كانت
بالفعل مبلغاً كبيراً ندخره لمثل ذلك اليوم.. أو أننا نستقطعه من عيادي
العيد ليكون لثلاثة أيام العيد..
تختلط هذه الذكريات.. بمشاهد حاضرة ومستمرة إلى يومنا هذا.. حيث أصبحت
السينما هي الشغل الشاغل لدينا.. بل إننا نحيا بها.. وتشكل محور الكون
الذي نعيشه..!!
|