(...يكفيني فخراً يا حضرات السادة، إن صناعة
السينما قد تقدمت هذا التقدم الكبير، وأن أكون أنا
الفدية والقربان...). كانت هذه كلمات للفنانة
الرائدة عزيزة أمير، ألقتها في المؤتمر الأول
للسينما المصرية عام 1936، بعدها انهمرت الدموع من
عينيها، ولم تستطع أن تكمل كلمتها.. استغرقت في
البكاء.. كيف لا وهي ترى ابنتها (السينما المصرية)
التي أنشأتها تكبر وتزدهر، وكانت لها بمثابة الأم
الشرعية.
عزيزة أمير.. الفنانة التي اقترن اسمها بتاريخ
السينما المصرية كمؤسسة لهذه الصناعة في مصر وفي
البلاد العربية بشكل عام. فهي صاحبة الفيلم العربي
الأول، وهي أول سيدة مصرية جرأت على اقتحام ميدان
الإنتاج السينمائي، وذلك بالفيلم الصامت (ليلى)
الذي عرض بدار سينما "متروبول" في السادس عشر من
نوفمبر عام 1927.
وبالرغم من أهمية هذه الفنانة الرائدة في تاريخ
السينما المصرية كمنتجة وممثلة، إلا أن أفلامها
الأولى الصامتة غير موجودة في مكتبتنا السينمائية،
والتي من المفترض أن تحتفظ بتراث السينما المصرية.
هذا إضافة إلى أن التليفزيون العربي لم يعرض أي من
أفلامها الناطقة، حيث يوجد كثير منها صالح للعرض،
وعدد آخر يحتاج إلى إعادة طبع ليرى أبناء هذا
الجيل أمجاد هذه الفنانة.
إن
القيمة الحقيقية لهذه الفنانة الرائدة، ليست في
تأسيس صناعة السينما المصرية، ولا في اكتشاف
النجوم والمواهب في شتى فروع الفن السينمائي فحسب،
وإنما في مقدرتها الفنية وخبرتها في الإنتاج
والتأليف أيضاً، بجانب براعتها في التمثيل. وكان
أملها أن تصبح أماً، لكنها كانت دائماً تعزي
نفسها، وتقول: (...لقد أنجبت بنتاً واحدة اسمها
السينما المصرية...).
وعند الحديث عن عزيزة أمير.. لابد من الإشارة إلى
أن التراث بحد ذاته، جملة من المعطيات التي يمكن
أن تمهد للمستقبل، في أي مجال. والسينما أكثر من
غيرها، تحتاج لمثل هذا التراث الذي غفل عنه
الكثيرون، وبالذات تلك المجموعة الساحقة من الجيل
الجديد التي تقدم أعمالاً، تجاوراً يمكن تسميتها
أفلاماً، أعمالاً تسعى للربح السريع دون النظر في
ما تقوله هذه الأعمال. ولو رجع أفراد هذه المجموعة
إلى قراءة تراث هذه السينما العتيقة، والاستفادة
من خبرات صانعيها الأوائل، لما تجرءوا وقدموا
أعمالاً كهذه. فها هي عزيزة أمير، وتجربتها الثرية
في التحدي والتصميم على فعل المستحيل، التي ولاشك
مثار للكثير من النقاش والجدل حول أهمية الاستفادة
من تجارب الرواد الأوائل.
|