في التاسع من نوفمبر الماضي.. تكون أربع سنوات قد
مرت علينا منذ رحيل المخرج العالمي مصطفى العقاد..
هذا الفنان الذي أفنى حياته في خدمة السينما،
وخدمة القضايا العربية والإسلامية على نطاق
عالمي..!!
أربع سنوات تمر على ذلك الحدث
الفاجع الذي راح ضحيته مخرجنا الكبير، ضمن سلسلة
التفجيرات الانتحارية التي
ضربت ثلاثة فنادق في الأردن باسم
الدين.. لم يكن حدثاً عادياً أو خبراً فنياً
سهلاً.. وإنما جاء كوقع الصاعقة على الكثيرين من
معجبيه وغير معجبيه.. فهل كان منفذي هذا الحدث على
علم بأن من بين ضحاياهم سيكون مخرج قدم للإسلام
والمسلمين خدمات كان صوتها مدوياً
ليسمعه العالم كله باحترام فاق دوي انفجاراتهم،
رغم
أن أعماله لم تزد عن فيلمين فقط.
رحل في الثانية والسبعين، وفي جعبته سيناريوهات
وأحلام لم يتسن له تحقيقها. إنه العربي الذي
استطاع أن يغزو هوليوود من غير أن يتناسى جذوره
العربية والإسلامية، محققاً أفلاماً ذات مستوى
عالمي.
ففي عام 1976 قدم مصطفي العقاد فيلم الرسالة، الذي
يتناول فيه السيرة النبوية وتاريخ نشأة الإسلام،
كان التحدي الأعظم في هذا الفيلم هو نجاحه في
إظهار صورة النبي وصوته بالرغم أن الفيلم بأكمله
يتناول دعوته المحمدية. ولم يكن هذا غريبا على
العقاد الذي سافر إلى أمريكا ليدرس هناك منذ 50
عاما تقريبا وهو لا يحمل معه سوى المصحف الشريف
ومائتي دولار هي كل ما جمعه والده الفقير في حلب
وقد أوصاه أيضا وهو يودعه بألا ينسى أن اسمه
مصطفي.
أما فيلمه الآخر، فقد كان (أسد الصحراء) الذي يحكي
عن نضال الشعب العربي الليبي في مواجهة الاحتلال
الإيطالي، هذا النضال الذي تمثل في سيرة المناضل
عمر المختار.. صاحب أهم شخصية في تاريخ ليبيا
الحديث. إن مصطفى العقاد كان يفخر دائماً بالمشهد
الأخير من هذا الفيلم، حيث يتم إعدام المختار وسط
زغاريد النساء لهذا البطل. «...أعتقد أن أجمل شيء
قمت به في ذلك الفيلم عندما ختمت الفيلم بمشهد
استشهاد عمر المختار، ليس فقط الاستشهاد بقدر ما
هو مقابلته بالزغاريد، أذكر عندما قابلت حسن نصر
الله في بيروت وكرمني قال لي: هذا المشهد أهم مشهد
ولن أنساه وهو الاستشهاد وزغردت الاستشهاد».
الحلم.. هو الذي صنع شخصية العقاد
العالمية.. فبدون هذا الحلم لم يكن لعربي من عائلة
فقيرة أن يتخطى هذا الحاجز ليصل إلى معاقل
هوليوود.. فهو يحكي عن أحلامه ومغامرته
الاستثنائية، فيقول: «...حلب، هذه
المدينة الصغيرة التي أحملها في
قلبي دائماَ هي مدينتي، ولدت ونشأت فيها.. كان
لدينا جار يعرض الأفلام
السينمائية، وكان يأخذني في الصغر لأتابع كيفية
عرض الأفلام
وقص المشاهد الممنوعة. ومع مرور
الوقت أصبحت مولعاَ بالسينما. وعندما بلغت الثامنة
عشرة من عمري، قررت أن أصبح مخرجاَ سينمائياَ، وفي
هوليوود تحديداَ. ويا لها من ردة فعل كانت لأهالي
حلب بعد أن بُحْتُ بأحلامي، فقد أضحيت أضحوكتهم.
قالوا: احلم على قدك، اذهب إلى الشام أو مصر لتدرس
الإخراج هناك... لكني كنت مصمماَ على هوليوود».
ويضيف العقاد: «...عندما أعود إلى
الوراء، أجد أن ما كنت أفكر فيه آنذاك كان ضرباً
من الجنون،
فأولاً أبي رجل فقير «على قد
حاله».. ثانياَ، الفكرة كانت مرفوضة اجتماعياَ..
لكنني
قررت وعقدت العزم.. كنت حينها
طالباَ في إحدى المدارس الأميركية عندما قدمت
طلباَ
لجامعة «يو.سي.ال.آي». شاء القدر
أن أحظى بالقبول... عندها قال لي والدي: افعل ما
تشاء لكنني غير قادر على إعانتك
مادياَ.. مكثت عاماَ كاملاَ أعمل لكي أوفر ثمن
بطاقة الطائرة. وقبل رحيلي، أعطاني
والدي مصحفاَ و200 دولار، وهذه كانت أقصى
قدراته».
|