نتابع أحلام وإحباطات شخصيات فيلم (أحلام هند وكاميليا).. هند
وكاميليا خادمتان تجمعهما صداقة قوية، إضافة إلى صلة المهنة
المشتركة والتعرض اليومي للمهانة وقسوة مخدوميهما.. كلتاهما
تفتقدان للحب والحنان في ظل مجتمع قاس يحكمه الرجل. لذلك نراهما
تنطلقان نحو المجهول للبحث عن أحلامهما المفتقدة، والبحث عن مكان
تعيشان فيه معاً. لكن الإحباطات النفسية والاجتماعية تلاحقهما
أينما ذهبتا. كما يبدأ عيد بتحمل المسؤولية الاجتماعية بعد زواجه
من هند وخروج طفلته أحلام إلى هذا العالم. نراه يخرج من السجن
ليعود إليه مرة أخرى بتهمة الاتجار بالعملة، وهروبه بمبلغ كبير من
المال يخص أحد المتعاملين في السوق. يسجن لتتحطم أحلامه وأمانيه
بتوفير حياة كريمة وسعيدة لهند وأحلام. أما كاميليا فتتجلى شخصيتها
بحنانها وحبها تجاه أحلام وصداقتها المتفانية لهند، حيث تصبح
كاميليا أماً ثانية لأحلام تعويضاً لمشاعر الأمومة المفتقدة لديها.
أيضاً نراها تنخرط في سوق الخضار لتجرب حظها كبائعة، محاولة منها
لتوفير الاستقلال الاقتصادي والاجتماعي الذاتي، بعيداً عن أخيها
وزوجها المتكرش، إلا أنها تخسر كل شيء في السوق وتعود ـ كصديقتها
هند ـ للخدمة في البيوت. لكن الحلم بالتحرر من ربق الذل والهوان ـ
الذي طالما راود هند وكاميليا ـ يتجدد مرة أخرى بعد عثورهما على
المال الذي سرقه عيد وخبئه قرب منزل كاميليا. فتنطلقان مع الصغيرة
أحلام للتمتع بهذه الثروة، وتحقيق حلم الأولى بالملاهي الشعبية
وحلم الثانية بزيارة الإسكندرية. ولكن محمد خان ـ إلى يتميز بإصرار
عنيد على اختتام أفلامه كلها مع الإبقاء على شخصياته تتخبط في
المجهول ـ ينهي فيلمه وعيد وابن عمه ما زالا رهيني السجن. كما يصور
في المشهد الأخير هند وكاميليا وهما ممددتان على رمال أحد شواطئ
الإسكندرية المقفرة، خائرتي القوى ومجردتين من الذهب والنقود ـ بعد
تعرضهما للنصب ـ لتحبط بذلك كل أحلامهما المنتظرة. يترك لها فقط
الصغيرة أحلام تعبيراً عن الاستمرارية في محاولتهما لتحقيق الحلم،
فمثل هؤلاء الفقراء البسطاء لا يملكون غير الأحلام والآمال
لتساعدهم على الاستمرار في حياتهم الصعبة والقاسية.
في فيلم (أحلام هند وكاميليا)، يقدم لنا محمد خان مجتمع القاهرة
الحقيقي من خلال خادمتين ولص ظريف.. القاهرة التي تحتل موقعاً
هاماً وبارزاً من أحداث الفيلم، وتتحكم في مصائر الشخصيات..
القاهرة بشوارعها وأزقتها وبكل ضجيجها وفوضويتها. ويقدم في نفس
الوقت فيلماً بسيطاً وممتعاً تتداعى فيه الأحداث مع الشخصيات، التي
انتقاها بحذر وذكاء شديدين.. يقدم لنا فيلماً عن العلاقات
الاجتماعية المفككة في المدينة، وفيلماً عن الحرية الشخصية.
فشخصيات الفيلم لا تنتمي إلى طبقة مستقرة اجتماعيا وإنتاجياً،
وبالتالي فهي لا تمثل إلا ذاتها، ولا تربطها بالآخرين إلا علاقات
تحكمها عوامل معيشية قائمة أساساً على المصلحة والمنفعة المشتركة،
ولا تحكمها ـ مثلاً ـ علاقات القرابة وأواصر الرحم. نرى هند (عايدة
رياض) مثلاً تذكر خالها بكلمات السوء دائماً، وذلك عندما يأتي
ليأخذ منها أجرها الشهري، وكأنها نسيت أهلها.. كذلك كاميليا (نجلاء
فتحي) في علاقتها غير المستقرة بشقيقها الذي طلقها من زوجها لينعم
بأجرها.. وهناك أيضاً علاقة عيد (أحمد زكي) بابن عمه، عندما نرى
الأخير يتهجم على زوجة الأول ويعتدي عليها لمجرد أنه يئس من العثور
على شريكه ليقاسمه الفلوس التي هرب بها.. وبالتالي لا ينسى عيد ـ
طبعاً ـ هذه الخيانة وينتقم منه ( من ابن عمه ) أبشع انتقام حتى
ولو أدى ذلك إلى استمرار حبسه. وليس هذا الانتقام إلا إيحاءً قوياً
بأن الفقراء لا يغفرون الخيانة أبداً، بل ويجيدون الانتقام بكل ما
تحمله حياتهم من شقاء وتعاسة وحرمان. |