هذه هي طبيعة العلاقات التي تحكم شخصيات فيلم (أحلام هند
وكاميليا)، وهي ـ بالطبع ـ علاقات كان لمجتمع المدينة الاجتماعي
والمعيشي دوراً أساسياً في تفككها. بعكس مجتمع الريف الذي مازال
يؤمن إلى حد ما بضرورة التأكيد على وجود العلاقات الاجتماعية
الطبيعية الثابتة في ترابطها، وذلك باعتبار الريف مجتمعاً زراعياً
جماعياً، يركز على صفات مثل التعاون مثلاً، كضرورة اجتماعية
وإنتاجية ويرفض صفة الفردية والذاتية. بينما نرى مجتمع المدينة
يؤكد على مسألة الحرية الفردية، بل ونلاحظ بأن كافة القرارات
والتصرفات نابعة أساساً من ذات الشخصية، وتعتمد على نفسها كثيراً
في تسيير أمورها. ونرى ذلك يتجسد من خلال محاولات هند الريفية في
الاعتماد على نفسها، بعد نزوحها إلى المدينة.. أما كاميليا فهي
تؤكد دائماً على مسألة حريتها الشخصية وكيفية تعاملها مع الواقع
منذ هروبها من بيت زوجها الثاني، حتى اشتغالها في سوق الخضار..
كذلك عيد الذي نراه يتصرف بحرية وعفوية ويحاول جاهداً الحفاظ على
هذه الحرية ويهرب من أي قيود، حتى بعد زواجه من هند نراه يعيش
تناقضات كثيرة بين اشتياقه للحرية وبين مسئوليته تجاه زوجته وابنته
أحلام.
في فيلم (أحلام هند وكاميليا)، يؤكد محمد خان ـ من جديد ـ بأنه
فنان من نوع خاص، يمتلك إمكانيات وقدرات فائقة على الإبحار في عالم
الشخصيات العادية. كما يؤكد على مقدرة عجيبة في صياغة كل الأحزان
من خلال لوحات سينمائية شديدة الرقي والجمال وبدون أية إثارة أو
عنف، ويثبت بأنه قد تخلص من عيوب كثيرة ومزمنة للفيلم المصري، وعرف
كيف يطوع الصورة والفكر معاً لتقديم فن جميل وممتع في نفس الوقت،
مبتعداً قدر الإمكان عن الانخراط في الميلودراما المبتذلة التي
تحتويها غالبية الأفلام المصرية.. علماً بأن أحداث فيلمه هذا مؤهلة
فعلاً بأن تصنع فيلماً ميلودرمياً بكائنا صارخاً على يد أي مخرج
آخر. هذا إضافة إلى إن محمد خان يرغب دائماً في كسر أناقة الفيلم
المصري السائد، والذي يصور في شقق فخمة وشوارع نظيفة وأماكن هادئة.
فهو يصر على النزول بكاميرته إلى الحواري والأزقة لمتابعة شخصياته
ونقل حياتها بعنفها وهذيانها. ولا شك إن بصمات محمد خان الفنية
كانت واضحة منذ أول حركة للكاميرا، والتي تميزت بتقنيات تصويرية
تأملية هادئة ومدروسة بعناية، إضافة إلى الاهتمام بالجانب الجمالي
وتقديم كادرات تصويرية قوية ومتقنة، ساهمت كثيراً في الارتقاء
بمستوى الفيلم.
إننا في (أحلام هند وكاميليا) أمام فيلم مصري طليعي متميز، يمثل
نقلة نوعية لسينما محمد خان، فهو عبارة عن سيمفونية حزينة تحكي عن
الأحلام المفتقدة والمعبرة عن الإحباطات النفسية والأخلاقية
والعاطفية، إنه فيلم يجمع ما بين الحزن والجمال في إطار لغة
سينمائية متطورة. |