في فيلمه (أحلام هند وكاميليا) إنتاج عام 1988، يقدم المخرج محمد
خان رؤية فنية اجتماعية صادقة وواقعية جداً لمدينة القاهرة، ويكشف
فيه عن حياة الناس البسطاء والمسحوقين وصراعهم من أجل حياة أفضل
تحت وطأة مجتمع المدينة الكبيرة. وهو في هذا الفيلم يطور تجربته
السابقة مع العالم السفلي للقاهرة في فيلم (الحريف)، حيث يجعل
للمدينة شخصية قائمة بذاتها لا تقل أهمية عن شخصيات الفيلم.
يقدم لنا محمد خان في هذا الفيلم ـ وكما عودنا دائماً ـ عالم
الشخصيات العادية التي تعيش بيننا ونتعامل معها يومياً لكننا لا
نعرفها جيداً ولا نلاحظ فيها ما قدمه هو خلال فيلمه هذا. فهو هنا ـ
ولأول مرة في السينما المصرية ـ يتناول عالم الخادمات، بما يحتويه
من تفاصيل وإيحاءات عميقة صادقة، تختلط فيها المرارة بالبراءة..
وحشية الفقر وقسوة العيش بعفوية الكدح اليومي وبراءة الكادحين
وطببتهم الصادقة.
يبدأ محمد خان فيلمه بمشاهد ولقطات سريعة وذكية وخالية من أية
ثرثرة حوارية، ليقدم بها شخصياته الرئيسية الثلاث، ويحدد هوية كل
منها للمتفرج منذ الدقائق الأولى من الفيلم، لتنتهي هذه الافتتاحية
بظهور العناوين بمصاحبة أغنية معبرة وجميلة. هذه الافتتاحية تلمح
فقط لموقع كل شخصية التي تتضح فيما بعد مع تطور الأحداث.
هند (عايدة رياض) أرملة ريفية بسيطة ساذجة وحالمة، نزحت إلى
المدينة بعد وفاة زوجها. تبحث عن الاستقرار وتعمل كخادمة قنوعة في
البيوت، لإعالة أمها وأخواتها. هذا بالرغم من سخطها على خالها الذي
يبتزها ويحصل على أجرها بحجة توصيله لوالدتها. تعتقد بأنها لا تصلح
إلا أن تكون ست بيت، لذلك نراها تجري وراء حب نقي لإنقاذ نفسها من
المهانة، وتحقيق حلمها بانتشالها من حضيضها وتكوين أسرة سعيدة.
وكاميليا (نجلاء فتحي) امرأة مطلقة تعيش مع أخيها، وتعمل هي مضطرة
في خدمة البيوت لتعوله هو وأسرته. ولكنها بالمقابل ذات شخصية نشطة
ومتمردة يمتزج فيها النبل والطهارة بحالة من البؤس وشظف العيش.. لا
تكتفي بما لديها وتبحث عن الأفضل دائماً. تحلم بحياة هادئة نظيفة
وميسورة تنقلها من الحضيض الاجتماعي والعيش في حجرة بمفردها. تضطر
للزواج مرة أخرى من رجل متكرش وبخيل بسبب الحاجة الملحَّة إلى
المال وإيجاد عمل لأخيها العاطل لتمكنه من إطعام عائلته. ولأنها
تملك طاقة هائلة من التمرد على واقعها، فهي تفكر في الهرب من بيت
الزوجية، والذي تحولت فيه من خادمة بأجر إلى خادمة بدون أجر، مباحة
الجسد لزوجها الذي لا تحبه وتضطر لسرقة أمواله لتشتري حريتها.
أما عيد (أحمد زكي) فهو ذلك الشاب الذي يعاكس هند ويشتهيها في
البداية، ولكنه يرتبط معها بعلاقة حب ليتزوجها فيما بعد. إنه ابن
الحارة الشعبية.. الحرامي والبلطجي الذي لا يتوانى عن فعل الكبيرة
والصغيرة والاحتيال بشتى الطرق حتى يعيش.. لا تعوزه الظرافة ويقظة
الضمير رغم الفجاجة الممزوجة بالبلاهة حيناً والبراءة حيناً آخر.
ولأنه يعيش دائماً في الفضاء الاجتماعي المتعدد الأطراف، نراه لا
يستقر في مهنة واحدة، ويعيش كل يوم في مكان مختلف. نراه يعيش عدم
استقرار نفسي واجتماعي لشعوره بأن كل تصرفاته إنما ناتجة عن عدم
وعي ودراية، وكأنما هناك قوى خفية تدفعه إلى فعل كل شيء.. نراه
يردد دائماً (مسيرها تروق وتحلى). |