منذ أن كان برغمان فتى يتأمل الحياة ويحلم وهو ممدد على
سجادة صالون بيت جدته التي كان يجد عندها الملاذ من تشدد وتزمت
والده القس
البروتستانتي.
هذا البيت الذي كان قائماً في ظل إحدى الكاتدرائيات، والتي كان
من
خلالها
يصغي إلى صوت الأجراس لتوحي له بصفاء ومتعة وأحياناً توحي بجو كئيب تبعاً
لمزاجه الخاص في كل لحظة من لحظات صباه. وفي بعض الأحيان كانت اللوحات
المعلقة
خصوصاً لوحة تمثل مدينة البندقية، تعطيه انطباعاً بأن اللوحة
تتحرك، أما الظلال
الليلية فكانت ترسم أشكالاً غريبة على سقف غرفته وهو عادة ما يلتقي بسحر
هذه
الخيالات كلها في الهالة الضوئية التي يطلقها مصباح سحري، أهدي إليه ذات
يوم. وكان
أبوه غالباً ما يصحبه في جولاته الرعوية التي يقوم بها في
المناطق الريفية
المجاورة، وهذا جعله يحضر حفلات عمادة وحفلات زواج وجنازات فتكشف عبر كل
تلك
المظاهر والتظاهرات ما يشبه الخلاصة الحية للحياة البشرية في لحظاتها
الأكثر
تشابكاً.
لكن مع مرور الوقت أصبحت اللحظات التي كان يصغي إليها تبدو له
رتيبة
للغاية،
وأخذت تشعره وكأنها ليست أكثر من صراخ في الصحراء.
لذا أصبح يتساءل في
أعماق نفسه ويبحث عن وسائل أخرى، ربما تكون أكثر مباشرة وواقعية لمحاولة
البرهنة
على تضامن المرء مع الآخرين وتعاطفه معهم في القداديس، وأخذ
يتفحص رسوم القرون
الوسطى العتيقة نصف الممحية، والتي كانت تزين جدران بعض الكنائس الريفية،
ومن ذلك
الخليط المؤلف من مناخ ديني وشك وملاحظات جمالية ونفسانية
تولدت عند انجمار برغمان
ببطء ذهنية ووعي حادين وعميقين بصورة استثنائية. ويمكن للقارئ أن يعود إلى
مقدمة
سيناريو الصمت في الترجمة العربية عن مؤسس السينما السورية ترجمة وتقديم
إبراهيم
العريس للوقوف على تلك المرحلة المهمة في حياة المخرج الكبير
أنجمار
برغمان.
سينما
تبحر في الذات
سينما برغمان تعتبر سينما ذاتية إلى أبعد
درجاتها، فهي تبحر في الذات بكل مكوناتها وتساؤلاتها الغامضة،
من الإيمان إلى الشك
من
التساؤل بشأن الوجود والموت إلى غيرها من الأسئلة المعقدة. فإذا كان
بإمكاننا أن
نرى الطابع الشخصي في السينما لدى اثنين من كبار المخرجين الذين تركوا
بصماتهم على
أفلام الستينات أمثال فيدريكو فيليني وفرنسوا تريفو رغم
الاختلاف بين الاثنين
اختلافاً كبيراً، ويمكن اعتبارها بحسب التعريف الذي وصفه ستيفن سنبدر أقرب
إلى
المعاصرين منها إلى المحدثين. فصور فيليني ومساهمة تضاف إلى مساهماته في
رسم صورة
الفنان الرومانسي في شخصية رجل الاستعراض أو مهرج كما في فيلم
‘’روما’’ الذي تم
إخراجه العام .1972 في هذا الفيلم يقدم فيليني صورة لمدينة روما على نحو ما
كانت
تعيها مخيلة طفل نشأ في الأقاليم. إنه يعيد بناء روما كما عرفها. ثم يقدم
رؤاه
للحاضر وتوقعه للمستقبل أنه يعرفها، كل الصور المتصارعة في
منظور خبرته الشخصية،
وبهذه الطريقة تحول الفيلم من تسجيل مجرد من الميل أو العاطفة للعاصمة
الإيطالية
إلى صورة مزدوجة تجمع بين المدينة وشخصية السينمائي وتستمد قوتها من تلك
المجابهة
التي أوجدها بين الاثنين. لكن الصورة التي يقدمها لنا فيليني
بسيطة ولا تنطوي على
أي
ضرب من الإشكال، فهو قريب إلى رسامي عصر النهضة اللذين ملأوا جدران القصور
وسقوفها بصور تفيض حيوية، وقد تنكرت شخصياتهم في ثياب شخصيات الأساطير
الكلاسيكية
أو الإنجيل فهو أقرب إلى هؤلاء المخرجين منه إلى مخرجين
سينمائيين أمثال جودار
وبرغمان الذين يعمدون إلى تحليل الذات في أفلامهم كما طرح النقاد مثل روي
آرمز.
كذلك فرنسوا تريفو الذي يرسم صوراً مصغرة لها مظهر الصورة عند هيتشكوك، وإن
كان
يرسمها بأسلوب مختلف غاية الاختلاف، فقد روى لنا قصة حياته الشخصية من وراء
قناع في
أفلام عدة، وقد لجأ كلا المخرجين من حين إلى حين إلى بعض
الوسائل والحيل الفنية
التي يستخدمها أهل الحداثة في السينما، إلا أن أفلام فيليني وتريفو، رغم
تعقدها،
ينقصها ذلك الضرب من الالتباس. فموقف هذه الأفلام من عالم
الواقع هو أقرب إلى موقف
اليقين منه إلى موقف التساؤل أو التشكيك فيه.
ربما كان المخرج أنطونيوني هو
المخرج الأقرب أكثر من غيره من هذا الضرب من المعالجة. فبوسع المرء أن يجد
نوعاً من
التطابق بين حياته وأعماله التي جاءت أحياناً لصيقة بشخصه.
التعرية
أفلام
برغمان الذاتية إلى أبعد درجاتها تدفعنا إلى ضرب من ضروب الاتصال بيننا
وبين فنان
تعرّى خلقياً وعاطفياً كل التعرية، فهي أفلام حافلة بالثراء والتنوع إلى حد
مدهش
منذ فيلم «ميناء السفن العابرة» وحتى أفلام الحداثة المعقدة
المتمثلة في فيلم «القناع»
(1966) قدم في أفلامه نماذج عدة للتلوث الذي يعم عالم الواقع وهي الطريق
التي عنى بها روب غربيه عناية فائقة وكان أول من ابتدعها والتي تتيح للراوي
التقليدي أن يظهر في اللقطات نفسها التي تصور مشاهد في أيامه
الخوالي، كما نرى لدى
أورسون ويلز في «المواطن كين» وألف سيبرج في فيلم «الآنسة هول»، أما برغمان
فقد
توسع في تطبيق هذه الفكرة في فيلم «الفراولة البرية» (1957) وقد حافظت
كلمات الراوي
المدونة في السيناريو المنشور على التأثير الخاص الذي ينشده من
استخدامه لهذه
الطريقة.
إذ نقول
هذه الكلمات:
«لا أدري كيف حدث ذلك، ولكن الواقع الذي أراه
بوضوح في ضوء النهار قد تحول إلى فيض من الصور المتتابعة تشبه
الحلم، بل إني لا
أدري أهي حلم أم ذكريات أثارتها قوة الحوادث الواقعية. كما أنني لا أدري
كيف بدأت،
ولكنني أحسب أنها بدأت مع سماع نغمات تعزف على السيناريو». ليس الأمر هنا
محاكاة
أسلوب بروست، لأن ظهور الراوي الطاعن في السن قد أحدث توترات
جديدة في عالم يتأرجح
بين اليقظة والنوم، عالم حافل بالذكريات والأحلام الموغلة في أعماق
الشخصية، وكذلك
تجاربه في هذا العالم أحدثت توترات، فقد اكتشف أنه لا يستطيع أن يتجاذب
أطراف
الحديث مع ذكرياته بسهولة.
لكن هذا الأسلوب الخاص الذي اتبعه في فيلم «الفراولة
البرية»، كما أن هذا النوع من الختام الذي يسوده الإذعان
والاستسلام وينطق بالهدوء
والرضا لم يعد هو الختام المألوف لأفلامه اللاحقة.
في سياق فيلم «الفراولة
البرية» استخدم خامة ذات تباين شديد وهي تباينات صارخة ظهرت بين الأبيض
والأسود،
حين مزج بين نوعين؛ الفيلم الخام حبيبي وخام ناعم غير حبيبي.
فبينما صورت مناظر
الذكريات العاطفية بفيلم ناعم غير حبيبي، صور كوابيس الشخصية الرئيسة بخام
حبيبي،
ما
جعل الموقف مكثف التحديد مشهد الكابوس الذي يفتتح فيلم «الفراولة البرية»
فإذا
كانت البطلة تريستانا في فيلم «بونويل» ترى في الحلم رأس الوصي
يطل عليها وكأنه
اللسان الرقاق في جرس الكنسية، ومن هذا المشهد يحدث القطع فجأة على
استيقاظها في
سريرها ليعتري المتفرجين شعور بأنهم كانوا يشاهدون حلماً في أحلام تريستانا،
ولأنه
لا توجد نقطة ابتداء للحلم، فإن المتفرج يتساءل أين بدأ وفضلاً
عن ذلك، لا يتطور
المنظر على طريقة الأحلام، فالعكس تماماً يحدث لدى برغمان في فيلم
«الفراولة
البرية»، فما يتراءى أنه حلم ويتضمن بداية ولكن بلا نهاية. فالشخصية
الرئيسة في
الفيلم ايزاك بورج الأستاذ الجامعي العجوز في طريقه الآن إلى «لوند»،
حيث من المقرر
أن
يتسلم جائزة تقديراً لعمله المتميز، وتتسم رحلته بالانفصام المكاني، إذ
تكثر
نقلات القطع التي ينعكس فيها اتجاه الكاميرا، ما يجعل المتفرج عاجزاً عن
تخيل مكان
متماسك مترابط، ويبدو أن بورج يراوده حلم اليقظة في منظر يتوقف
فيه عند مهد طفولته.
هناك مؤشرات تقليدية لحلم يقظة سينمائي فالإضاءة تكسب مظهر التعريض المفرط
للنور،
وأعالي الشجر تهتز في بطء، والسحب تسبح عالياً في الفضاء، وتبدو هيئة ايزاك
تأملية
مستخرجة، ومع بقائه رجلاً عجوزاً يجوس متنقلاً بين الناس
وحوادث طفولته يتكلم مع
فتاة تدعى سارة افتتن بها في شبابه، ويبدو أن هاتيك الحوادث الغريبة الشاذة
ينبغي
أن
تؤخذ على أنها جزء من حلم يقظة، ومع هذا يتقوض هذا التأويل عندما يخرج بورج
في
نهاية المشهد من المنزل مباشرة إلى الوقت الحاضر من دون تحول
يمكن إدراكه أو تميزه،
ويلوح أنه عاش في حلم يقظة له بداية لكن بلا نهاية، وتتقوض الثقة من تأويل
حلم
اليقظة أكثر من ذلك، إذ بخروجه من الماضي مباشرة إلى الحاضر يقابل الرجل
العجوز
سارة أخرى سارة الحاضر وتلعب دوري سارة الماضي وسارة الحاضر
الممثلة نفسها لتزيد من
حيرة المتفرجين في الكيفية التي يمكن أن يفرز بها حقيقة اندماج بورج في
ماضيه،
ويؤدي تراكم اللقطات العكسية والعناصر المتضاربة غير المترابطة إلى مزيد من
ارتياب
المتفرج في فهم تصرفات ايزاك بورج، حيث لا توجد نهاية للحلم،
وربما لم يوجد حلم على
الإطلاق.
في فيلم «الوجه» يبدأ بمشهد لمجموعة من المسافرين تعددت
مشاربهم وفرقة
مسرحية، وفي هذا الفيلم استخدم كل الحيل والأساليب المستخدمة في أفلام
الرعب من
لقطات المشنقة المقامة في الغابة وأخرى لأشباح تظهر على حين فجأة وثالثة
لموتى
يعودون للحياة، ثم لقطات ليد مقطوعة، ولعين بشرية وسط محبرة.
لكن الرعب في
الفيلم ذو طابع شخصي، فبرغمان يعيد تشكيل ذلك اللون من الفزع الذي ينتاب
الأطفال،
ويقدمه لنا، وهو الفزع الذي عاشه وجربه بنفسه في دار الحضانة الملحقة
بالأبرشية
البروتستانتية، حيث نشأ وترعرع.
يقول برغمان «كان لدار الحضانة ستار عادي أسود
اللون، وإذا ما أسدل هذا الستار تحول كل شيء إلى كائن حي، فإذا
ما تبدل وجه الدمى،
وبدأ على محياها روع عدائي، أو لم يعد بوسعنا التعرف عليها استبد بنا
الرعب. لقد
كانت الدار عالماً مختلفاً بغير أم، عالماً موحشاً يخلو من الضوضاء. وحقيقة
الأمر
أن الستار لم يكن يتحرك، ولم تكن عليه أية ظلال، ومع هذا كانت
هناك أشكال، وهذه
الأشكال لم تكن كائنات بشرية صغيرة أو حيوانات أو رؤوساً أو وجوهاً، بل
كانت شيئاً
ما، لا نجد الكلمة المناسبة لتسميته، لكن رغبة إشاعة الرعب ما هي إلا حالة
ثانوية
في الفيلم، فالذي يحتل المرتبة الأولى هو دراسة ظاهرة الإيهام،
وفيه أيضاً ذكريات
برغمان من أيام الطفولة التي قضاها في شقة جدته ،حيث اعتاد اللعب أسفل
المائدة، وفي
إحدى الأيام وحين كان في سن الخامسة وإذا به يسمع عزفاً على البيانو من
الشقة
المجاورة، عزفاً لبعض رقصات الفالس. ولا شيء غير رقصات الفالس.
وبينما علقت على
الجدار صورة لفينيسيا وما إن تحركت أشعة الشمس لتمر على الصورة حتى بدت
حياة
القناة، وكأنها تتحرك ويطير الحمام منطلقاً من ساحة الميدان، في حين انهمك
القوم في
أحاديث لا نسمع منها شيئاً ولا نرى سوى إيماءة من هذا أو ذاك.
أما دقات الأجراس فلم
تكن صادرة من أجراس الكاتدرائية، بل من الصورة ذاتها، شأنها شأن نغمات
البيانو».
إن ما يدور هنا في فيلم ‘’الوجه’’ هو التساؤل الدائم عما هو
الحقيقي والزائف.
هو ليس
تعبيراً عاماً عن الفن والإيهام بقدر ما هو اعتراف في غير تحفظ بالخوف من
عجز الفنان. وما إن أنهى ثلاثيته التي كانت تدور عن صمت الرب، والتي تضم
فيلم «خلال
المرآة الخفية» وضوء الشتاء والصمت، ليعود إلى موضوع الفنان في
فيلم «القناع»، لكن
بمنظور مختلف، حيث يعتقد بعد مرور عشرين سنة قضاها في إشباع حاجته الماسة
إلى
الاتصال بالآخرين، وبعد أن اكتسب الشهرة والمال والنجاح، إذ به يشعر بأنه
في حاجة
إلى مبرر يبرر به نشاطه الفني، ما دفعه نحو أشكال تعبيرية
جديدة.
يقول «إنني
أشعر شعور السجين الذي أمضى فترة العقوبة الطويلة.. وفجأة يقذف به إلى
العالم
الخارجي بكل ما فيه من هدير وصياح وصهيل فتملكني فضول عنيد. ولما كانت لي
عينان
فأنا ألاحظ وأرى، وكل ما أراه من حولي إما أنه غير حقيقي، أو
أنه من صنع الخيال،
إما أنه يثير الخوف، وإما أنه يبعث على السخرية، وحين أمسك بذرة من التراب
عالقة في
الهواء فلعلها تكون فيلماً من الأفلام، ولكن ما أهمية ذلك؟ لا شيء البتة،
إلا أنني
شخصياً أراه مسلياً ومهماً، إذاً فهو فيلم».
فيلم «القناع» هو أول إنتاج
لبرغمان انبثق عن حالة الالتزام الجديد نحو الحياة، والفيلم تعرض لمجموعة
كبيرة من
التفسيرات. وهو فيلم يصف عملية كسر واجهات الحماية التي يقيمها
الناس في حماية
أنفسهم من عوالم الواقع كما رأى روبين وود. أما من منظور فلسفة يونج، فيرى
أنه يصور
التبادل الذي يحدث بين القناع الخارجي وبين الصورة التي تعكس الروح.
فهناك غموض
يكتنف شخصيتي المرأتين، فالمرأتان تعدان حالتين متنافرتين لشخصية واحدة،
فهل
ينتميان إلى عالم الواقع؟ لا فهذا ليس سوى نموذج لما ينطبع، فهناك تفاصيل
كثيرة
تربط بين فيلمي «القناع» و«الوجه»، فيلم «القناع» ما هو إلا
صورة ذاتية للبرغمان،
ويعتبر ضرباً من دراسة لعملية الاتصال عبر الفن، فهو يتحدث عن ذاتية الفنان
والمشكلة تنحصر في اللغة والصمت وهو إشكال تتناوله الثقافة المعاصرة. فهو
يعرض
علينا عملية الاتصال مع الآخرين من خلال الفن، لكنه لا يعرضها
بشكل رومانسي.
فالمخرج
الكبير أحال الألم الشخصي إلى ألم شامل.
يصور رامبرنت عالماً مظلماً في
جوهره، حيث لا يدخله النور إلا عرضاً فحسب، كذلك استهل برغمان فيلم «الختم
السابع»
مناظره في الظلمة، ويبقي جوه المحسوس الغالب عليه جو عالم مظلم. فالفنانون
يختارون
بصفة
أساسية وضع الضوء في عالمهم الفني، هل يريدون عالم النور أم الظلام؟
فليس
كل
شيء في «الختم السابع» واقعي. أحياناً تملأ الدوافع الفنية التي تحكم خلق
عالم
الفيلم - كأن تصور بعض الحوادث أو الشخصيات على أنها غير واقعية. فشخصية
الموت الذي
يجوب ريف القرون الوسطى هو من قبيل الشخصيات غير الواقعية. إنه
يجوس في ديار
اجتاحها الوباء. فالموت في الفيلم يعامل على أنه شيء غير واقعي توطدت
المكانة التي
تبوأها من خلال علاقته بالشخصيات الأخرى، فها هو شبح الموت ماثل أمامنا على
الشاشة
مثل سائر الشخصيات الأخرى في الفيلم، ولكنه يتجلى أيضاً لمشعوذ
عالم الرؤى «جوزيف»،
وللشخصيات الأخرى كافة في لحظات موتها فحسب، ويرى الفارس انطونيوس شبح
الموت من
المنظر الافتتاحي، إلا أنه يؤجل موته حتى نهاية الفيلم، يشغل الشبح في
مباراة مطولة
للعبة الشطرنج، ومع أن الفارس يظل شخصية حية في عالم الفيلم،
إلا أن إحساسه بالموت
يشبه ذلك الذي عند الآخرين اللين كتب عليهم الموت، وتسهم الطريقة التي
يتكرر بها
ظهور الشبح في إبراز وضعه كشيء غير واقعي، فهو يظهر من دون
إنذار على شاطئ البحر،
وسائراً بجوار عربة مقفلة، ومقتاداً امرأة من الساحرات إلى خازوق الإعلام
فشبح
الموت هنا هو رمز للوجود الموت الكلي المهين على ديار التي ضربها الموت.
في فيلم
«صرخات
وهمسات» (1972)، يصور برغمان في لقطات متناهية القرب إلى حد أن لحظاته
الموجعة، خصوصاً، تفرض نفسها على المتفرج بدرجة قاسية لا تحتمل.
وعن فيلم «الختم
السابع»، قال برغمان «‘’الختم السابع’’ هو واحد من أفلامي العزيزة على
قلبي، لكنني
لا أدري بالضبط لماذا؟ إنه ليس طبعاً عملاً خالياً من الأخطاء،
بل هو ملطخ بأنواع
الجنون كافة، كما أن في إمكان المشاهد أن يكتشف أنه أنجز في سرعة قصوى ومع
هذا أجده
مفعماً بالحيوية والحركة، مفعماً بكل أنواع الصعاب، وأضف إلى ذلك كله أن
أجزاءه
تبدو مترابطة فيما بينها بقدر لا بأس
به
من الشغف والمتعة.
الوقت البحرينية
في 25 أغسطس 2007
|