عن رحيل بيرعمان وأنتونيوني

سينماتك

إنغمار بيرغمان (1918 ـ 2007):

مات في ساعة الذئب.. أحد آخر عمالقة السينما يُوّدع حلمه ليتركه وديعة لنا

منير عبد المجيد

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

في وحشة أجواء فيلمه ساعة الذئب (1967) يقول بيرغمان أن معظم البشر يلدون ويموتون في الخامسة. في الخامسة صباحاً وبتاريخ 30 تموز/يوليو أغمض عينيه الغائرتين لآخر مرة في منفاه الاختياري: جزيرة فارو المسطحة كسرير في بحر البلطيق.

بموت بيرغمان، وفي ذات اليوم الإيطالي ميكيل أنجلو أنتونيوني تكون نقطة النهاية قد وضعت لعمالقة سينما القرن الماضي، سينما الأسود والأبيض.

بدأ حياته الفنية كمؤلف وكاتب سيناريو كراهية الذي أخرجه ألف شوبيرغ عام 1944، وفي شركة صناعة الأفلام السويدية، أخرج 17 فيلماً في 9 سنوات. في العام ذاته (1944) عُيّن مديرا لمسرح مدينة هيلسينغبورغ مفاجئاً الوسط الفني بسبب صغر سنه.

موهبته كصانع فيلم محترف ظهرت بقوة في الخمسينات، ليس فقط في بلده السويد، بل لفت إليه أنظار العالم أيضاً. أفلام مثل النشارة وزينة البهرجة، الصيف مع مونيكا، الختم السابع، حب في الصيف، ابتسامات ليلة صيف (السعفة الذهبية في مهرجان كان عام 1955)، في نهاية الطريق (الدب الذهبي في مهرجان برلين 1958) والفراولة البرية أصبحت أعلام كلاسية في تاريخ السينما الإسكندنافية.

في هذه الحقبة تحوّل أكثر فأكثر إلي المسرح، عشقه الأكبر حتي مماته. عمل في أشهر الشتاء الجليدية في مسرح مدينة مالمو (الذي عُيّن مديرا له عام 1952)، والصيف في إدارة أفلامه (لاحظ تكرار كلمة صيف في عناوين أفلامه).

وليس من المبالغة بمكان اعتبار بيرغمان أستاذ بدعة سينما المؤلف (أي أن المخرج يقوم بكتابة الفكرة والسيناريو، إضافة إلي الإخراج)، ومن المرجح أنه كان عرّاب الموجة الفرنسية التي وُلدت في نهاية هذه الحقبة مع فرانسوا تروفو، الذي أشار غير مرة إلي تأثره ببيرغمان، وفيما بعد اعترف مئات السينمائيين في طول العالم وعرضه بالتأثير البيرغماني عليهم، وقد يكون وودي ألين من أكثرهم تعصباً له.

فترة الستينات أنضجته وبلورت شخصية الفنية. أصبح معزولاً مغترباً في وحدته، بهيجاً وصاحب نكتة حين يعمل مع ممثليه الأثيرين. وكل هذا ظهر في أعماله التي أشار فيها باستغراب إلي الموت والحياة، الزواج والطلاق، الحزن والفرح، العودة إلي الرب والفرار منه، الحب والكراهية... في تحف سينمائية خالدة: ربيع العذاري (اوسكار أفضل فيلم غير ناطق بالانكليزية عام 1960)، كما في المرآة (اوسكار آخر عام 1961)، الصمت، برسونا، ساعة الذئب، العار، الرغبة. هنا كان التركيز دوماً علي ممثلتين نسائيتين: بيبي أندرسون وليف اولمان، وكلاهما كان يحب ويعشق (أثمر هذا عن ولادة لين اولمان، الكاتبة النرويجية المعروفة). التقيت ليف اولمان قبل سنتين، ودار معظم حديثنا عن بيرغمان. قالت بالحرف الواحد: أن تحب بيرغمان مرّة، تحبه دوماً.

وجدير بالذكر أن الرجل تزوج خمس مرات، انتهت المرات الأربع الأولي بالطلاق، والخامسة بوفاة زوجته الكونتيسة انغريد فون روسن عام 1995. الحصيلة 9 أطفال لم تكن علاقته معهم يوماً أبوية بالمعني الذي ندركه.

شهدت فترة السبعينات تحولاً في مساره الحرفي. فلم يعد بيرغمان شخصية فنية مرموقة لدي الأكاديميين وفناني الفن السابع في كل مكان، بل اكتسب شعبية هائلة بعد تقديمه المسلسل التلفزيوني مشاهد من حياة زوجية ، هذا المسلسل الذي اختصر إلي فيلم سينمائي يحمل ذات الاسم، وأتبعه بتتمة عام 2003 (فيلم تلفزيوني) وحمل عنوان ساراباند، واستعمل ذات الممثلين.

شعبيته لم تبعده عن أفلامه التي عهدناها في الستينات: اللمسة، صرخات وهمسات، الناي السحري، وجهاً لوجه، وسوناتا الخريف. وهنا استمر بالارتكاز علي أندرسون واولمان، لكنه ألحق آرلاند يوسفسون، شريك أعماله وصديق عمره، في صفوف جوقته المحببة التي ضمّت أيضاً ماكس فون سيدو.

هذه الفترة شهدت تحولاً درامياً في حياته علي الصعيد الشخصي. خلافه مع سلطات الضريبة السويدية أغضبه ودفعه إلي الهجرة إلي ألمانيا، وهناك عمل عدة سنوات في مسرح ريزيدنت (ميونيخ).

سبع سنوات (من 1976 إلي 1982) أنقذته من إلهام محليّته، حبه لجزيرة منفاه، وحنينه إلي مسرح دراماتن (ستوكهولم، كان أيضاً مديراً لهذا المسرح من 1963 إلي 1966) كان بأبعاد توراتية. في العام 1979 أسقطت السلطات السويدية التهم الموجهة له بالغش في الضريبة، لكنه لم يعد إلا في عام 1982.

وبعد إنجاز فاني والكساندر (اوسكار أفضل فيلم عام 1984، واوسكار أحسن تصوير لسفن نوكفيست) قال انه سيتفرغ تماماً للمسرح، وهذا سيكون آخر فيلم له.

عودته إلي المسرح أضافت حيوات وحللاً جديدة لكلاسيات مثل الملك لير، الآنسة جوليه، بيت الدمي... وغيرها كثير.

وغزارة إنتاجه السينمائي لم ترتهن بفاني والكساندر، بل انه كتب سيناريو، وأدار إخراج الدانماركي بيليه اوغست للمسلسل التلفزيوني المبني علي سيرة حياة بيرغمان النوايا الطيبة ، والذي صار فيلماً سينمائياً أيضاً (السعفة الذهبية عام 1992). في العام إياه كتب سيناريو طفل يوم الأحد من اخراج ابنه دانييل بيرغمان، وفي العام 2000 سيناريو فيلم خيانة من إخراج ليف اولمان.

أخرج بيرغمان لفن السينما 62 فيلماً، كتب معظم سيناريوهاتها، وللمسرح 174 عملاً. وعلاوة علي ذلك عشر سيناريوهات لسينمائيين آخرين خلال عمره الفني الذي بلغ 60 عاماً.

الفن السابع، بعد غياب عملاقين، يكون قد خسر آخر من تجرأ وغيّر في نظريات السينما. كل من جهته، أضاف الحداثة وقلّب في النظريات. أنتونيوني أضاف السحر إلي الواقعية الاشتراكية الإيطالية من خلال أفلامه (الغريب في الأمر) التي حققها خارج إيطاليا، وبيرغمان بحسه الثاقب ودأبه الفضولي في فهم الحياة جعل السينما عميقة عمق أعظم الأعمال لأدبية.

ناقد سوري مقيم في الدانمارك

القدس العربي في 22 أغسطس 2007