عن رحيل بيرعمان وأنتونيوني

سينماتك

استراحة برغمان المثيرة للجدل

"لقد خرج نظيفاً من اعلاناته عن الصابون"

فجر يعقوب

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

انغمار برغمان ولد في السويد وظل يعمل فيها دون انقطاع، باستثناء فيلمه (العار) الذي اضطره الى تصوير بعض مشاهده في ألمانيا (موقع النازية الأول على الخريطة). وقد افتضح أمر هذا المخرج الكبير إن جاز التعبير في باريس، وهنا لا يتحمل النقد السينمائي أي مسؤولية في التعريف به، لأن برغمان نفسه تحول إلى جائحة سينمائية، ولم يكن مصادفة البتة أن يكتشف الأوروبيون في أعمال هذا المخرج الواعد كثيرا من التيمات التي بدأوا يعملون عليها في أفلامهم منتصف خمسينات القرن الفائت.

والباحثون في أفلام برغمان، ينظرون إليها بعين الاستغراق والتأمل من طرف علاقتها بالأدب الاسكندنافي، وتراث تلك البلاد، وقبل كل شيء علاقته بأدب أوغست ستيرندبرغ والفيلسوف الدانمركي كيركيغود، ذلك أنه تحول إلى تقليد وتراث علا شأنه وأصبح ناصية ثقافية مميزة.

والغريب أن السينما السويدية أخذت تتطور في موضوعاتها تحت راية ما يمكن تسميته "ضد برغمان" لكن في ظل برغمان نفسه، إذ لم تحتمل ظلاله في السويد، لكن لم يستطع أحد تجاوز هذه الظلال، أقله حتى اللحظة الراهنة التي أعلن فيها عن رحيله قبل بضعة ايام. وحتى التمرد الذي قاده مخرجون ونقاد سينمائيون من أمثال شيوبرغ وبوبيدبرغ ويورن دونير، بحجة أن أفلامه لا تحاكي تيمات واقعية في المجتمع السويدي، بقي في إطار الأفكار، ف"البرغمانية" ظلت أقوى منها، وظلت تتجاوزها باستمرار.

أفكار برغمان الأخرى

كل الكتب التي تحدثت عنه وعن أفلامه، بما فيها سيرته الذاتية، توقفت في أربعة أو خمسة أسطر فقط أمام تسعة أفلام قصيرة أخرجها برغمان منذ مطلع خمسينات القرن الفائت عن صابون مشهور في السويد. تجربته المجهولة مع هذه الأفلام لم تكن يائسة إلى هذا الحد، ولكنها كانت بمثابة "الخطأ الشرير المفرح" بحسب الناقدة المتخصصة بأفلام برغمان مارييت كوسكينين.

وفي الواقع فإن برغمان أخرج هذه الأفلام أثناء توقفه الاضطراري عن العمل في تلك الفترة محتجاً ضد الضرائب المفروضة على "المتع والتسلية"، وقد صنف برغمان في تلك الفترة مخرجا عاطلا من العمل، ولهذا عندما دعته شركة (سنلايت وغيبس) لاخراج مجموعة من الاعلانات التجارية عن الصابون السويدي الأول قبل هو بعبثية هذا العرض ولم يستطع أن يرفضه.

نظرة نقدية متفحصة لهذه الاعلانات قام بها هاوك لونغ فوكس، وهو ينبش في ماضي برغمان دفعته إلى القول: "لقد تم تقبل هذه الاعلانات في وقتها ببعض الاستحسان" أما برغمان فيصفها بالثورية. يورن دونير في كتابه عن برغمان يذكرها بأربعة أسطر فقط، ورغم انه يصفها بالمحبطة، الا أنه يضيف: "لا أحد يستطيع أن ينفي إطلاقا أن برغمان يتمتع بامكانية خلق شيء خاص به في إطار التعبير السينمائي".

مريانا هيووك الناقدة المتخصصة أيضا بسينما المخرج الكبير تقول: "لقد خرج من إعلانات الصابون نظيفا. وصل إلى فتوحات ناضجة، وربما أعطته هذه الاستراحة الاجبارية امكانية أن يلتقط أنفاسه قبل أن يدخل في طور مرحلة جديدة".

في كتاب صدر قبل أكثر من عقد لمؤلفه فرانك غادو ورغم أنه تجاوز 500 صفحة، فإنه يذكر هذه الاعلانات ببضع كلمات. غادو يعتقد أنها تستأهل الذكر لأنها ترتبط ببرغمان نفسه بوصفه ( من الأسود الكبيرة في يالمشهد الثقافي العالمي).

يرى البعض أن هذه الأفلام الاعلانية عملت على انقاذ برغمان وحفظته للأجيال، فالشركة المنتجة للصابون كانت تبحث عن طريقة للحصول على أفلام اعلانية جاذبة بهدف الترويج لمنتجاتها، وبرغمان أعطى موافقة مشروطة يحصل بموجبها على كل مايلزمه لتحقيق حريته الابداعية في أفلامه الروائية بما فيها العمل مع مصوره في تلك الفترة غونار فيشر، والرقابة الكاملة من لحظة السيناريو حتى لحظة المونتاج.

لم تعترض الشركة مقابل ادخال العبارة التالية في كل فيلم (العرق ليس له رائحة. الرائحة تأتي من باكتريا الجلد.صابون بريس يقتل الباكتريا). بكلمات أخرى فإن اعلانات بريس بحسب برغمان كانت نتاجات مؤلف خاصة، وليس مجرد طلبيات عادية من منتجات استهلاكية.

برغمان الذي اعتاد أن يحول "ضد برغمان" إلى "ظل برغمان" يخدع المشاهد في كل شيء قدمه له منذ أن قرر أن يعبث بمحتويات الصندوق السحري وهو ينزل إلى مستوى طفولي في إعلاناته من دون أن يتحمل آثامها ..لأن مسيرته بعد فيلم "الختم السابع" كانت ظلالا وارفة في حياته المديدة عمرا وسينما.

المستقبل اللبنانية في 19 أغسطس 2007