قال السيد "فريدي بوش" بعد سماعه نبأ رحيل عملاق السينما
السويدية "
إنغمار برغمان" 0لقد رحل عملاق من عمالقة الفن السابع عالميا، ولم يتبقى
لنا
إلا الأسطورة الإيطالي " أنتونيوني" وإذا رحل فالواضح أن السينما ستعرف مسلكا
آخر 9.لم يمر
على تصريح المدير السابق لمهرجان لوكارنو أكثر من أربع وعشرين ساعة،
لينعي
العالم رحيل السينمائي الإيطالي " أنطونيوني".
لقد كان السيد " فريدي بوش" صادقا في تساؤله، استنادا على هذا
المنحى السينمائي
الذي
أصبحنا نشاهده الآن، والذي يختلف بصفة غير مباشرة مع ما ناضل من أجله سينمائي
من
طينة " إنغمار برغمان" الذي اختار لنفسه طريقا صعبة و معقدة في تناوله
السينمائي، وذلك انطلاقا مما كان يقدمه للسينما العالمية من
أفلام، كانت تعتمد في
معظمها
على تيمة التراجيدية الإنسانية، ومأساة الإنسان في مواجهة الحياة الحديثة،
إلى جانب الصدام والتشرذم الأسري. لقد كانت أفلامه غير مرحب
بها في السويد، إلى
درجة
أن الكثير من السويديين يعتبر أن ما كان يخرجه من أفلام نتج عنه تسويق صورة
السويد المصابة بالعصاب.
ولد الأسطورة " برغمان " في مدينة " أبسالا" في السويد يوم
1918/07/14من أب قس
وأم
مهيمنة ومسيطرة، وقد تأثر كثيرا بتربيته الدينية الصارمة والقاسية كما صرح بذلك
قائلا
" لقد كانت طفولتي مؤلمة ومعقدة". درس في جامعة ستوكهولم، وإبتداءا من سنة 1944أصبح
يمارس الإخراج السينمائي والمسرحي. وقد بلغ عدد الأفلام التي أخرجها أكثر
من
40فيلما من أشهرها " ابتسامات ليلة صيف" سنة 1955،" مشاهد من حياة زوجية" 1973،
التوت
البري" 1957، "صياح وهمسات" 1972.وعقب هجرته إلى ألمانيا أنجز فيلم "بيضة
الثعبان" سنة 1977عن النازية، وعند عودته إلى السويد سنة
1982أخرج فيلم "فاني
وألكسندر" وهي تحفة مختارة عن طفولة المخرج وولعه بالفرجة التي زينته بأربع
أوسكارات".
تحت عنوان " برغمان، سينما الظلال الصامتة " كتبت مجلة "
لوفيغارو" بتاريخ
2007/07/31."أي رجل !! صعب المراس، مجروح، شقي جني وعبقري، إنه أعظم عارض للصور في
القرن العشرين، إنه يغرف من الحراك ومن المستور في الإنسانية،
من تدفق الشهوات، في
كهوف
اللاوعي، في بحيرات الطفولة. لقد حقق بطولة خرافية خارقة للرجل والمرأة
التائهان في عالم من الجراح والخطيئة، في سعار الرغبة ومعاناة عدم التفاهم".
القسوة والعدوانية أو الهجومية شكلت بلا ريب الخطوط العريضة
لحياة " إنغمار
برغمان"
في مرحلة الشباب. نحس أنه مليء بالاضطراب والقلق، فخور وفاقد لصبره من
الحياة
اليومية. في سنة 1960اكتشف جزيرة "فارو" السويدية التي ستصبح فيما بعد منفاه
الاختياري
وشبه وطن: (إذا سألوني عن جنسيتي)، سيكون جوابي: أنا مواطن من "فارو".
هنا
أرى أصدقائي وأطفالي، هنا أملك مكتبتي السينمائية المكونة من 350فيلما والتي هي
مصدر افتخاري، لقد قبلني سكانها ال 400كواحد منهم، وقد وجدت
فيها حياة الطفولة،
القراءة، اللعب، النزهات... لقد اكتشفت هنا ليس الحكمة، إنما السكينة والصفاء".
لقد فقد عالم السينما فنانا صقلت موهبته تلك الانكسارات التي
بصمت حياته
الشخصية، فصارت أفلامه مليئة بذلك السواد القاتل الذي يلازم العلاقات الإنسانية
وما
يتبعها
من مشاكل وآلام وعدم التفاهم. وقد نفهم من زيجاته الخمس بأنه كان يعيش على
نفس إيقاع أفلامه خصوصا وأن طلاقه المتكرر يرسم لنا صورة ولو
بطريقة غير مباشرة عن
استحالة العيش وصعوبة العشرة. إن حياة "برغمان " كانت موشومة بالهجرة والرحيل،
فلقد
غادر بيت والديه وهو في سن 19إثر خلاف مع والده، ولقد هاجر من
السويد إلى ألمانيا،
ثم قفل
راجعا إلى السويد وبالضبط إلى جزيرة "فارو" على ساحل البلطيق حيث اختار
منفاه مؤمنا بأن هذه القطعة الصغيرة من يابسة السويد، قد تغنيه
عن هرج العاصمة
وأضواء
المدن، تماما كالدب القطبي الذي لا يظهر كثيرا.
الرياض السعودية
في 09 أغسطس 2007
|