عن رحيل بيرعمان وأنتونيوني

سينماتك

بصيرته الشعرية تحرك عين الكاميرا باتجاه الصورة الناطقة

السينما العالمية تخسر برحيل الإيطالي أنطونيوني علماً فنياً متفرداً

روما ـ عرفان الزهاوي

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

بعد يوم واحد فقط من رحيل إنغمار بيرغمان، اختطف الموت عملاقاً آخر من عمالقة الفن السينمائي العالمي، ميكيل أنجلو أنطونيوني الذي انطفأ في الرابعة والتسعين من العمر في منزله بالعاصمة الإيطالية روما وإلى جواره زوجته الأخيرة إنريكا فينو.

غياب أنطونيوني جاء بعد ساعات فقط من وفاة العملاق السويدي إنغمار بيرغمان، حتى بدآ وكأنهما كانا على موعد. انطفأ أنطونيوني بهدوء كبير في منزله بروما التي ودعته الأسبوع الماضي في حفل تأبيني أقيم في صالة القياصرة بقصر «الكامبيدوليو» ليوارى بعد ذلك الثرى في مسقط رأسه فيرّارا. ولد ميكيل انجيلو أنطونيوني في عام 1912 بمدينة فيرّارا، وتخرّج من الجامعة في مدينة بولونيا (وسط إيطاليا) واقترب من السينما من خلال عمله ناقداً سينمائياً. ثم انتقل إلى روما ودرس السينما في «المركز التجريبي للفن السينمائي» في تشينتشيتّا وبدأ تعاونه مع المخرج الكبير روبيرتو روسّيلّيني. وأنطونيوني أحد آخر الكبار، وقد تميّزت سينماه بغلبة الصورة على الكلمة، وكان قد مُنح في عام 1995 جائزة الأوسكار للحياة الفنية. وبغيابه من المشهد، تفقد السينما العالمية ليس فقط علماً هاماً من اعلامها، بل أيضاً أسلوباً متفرّداً من أساليب السينما، مثّل ما يُشبه عصراً من عصور الصورة السينمائية. وضع أنطونيوني العين في قلب بصيرته الشعرية..

عين الكاميرا التي تميّزت على الدوام باستقلالية متفرّدة، وعين المخرج الذي حرّك تلك الكاميرا بصمت وهدوء. وكشفت تلك العين مصاعب التواصل بين البشر، وعجز الكلمة والوحدة التي تعيش فيها الشخصيات. وتميّزت عين أنطونيوني بقدرتها على اكتشاف تناقضات النفس البشرية، وتحقيق كمال الصورة. كان مبدعاً قادراً على إدراك دواخل الشخصيات النفسية، والرغبات الكامنة والمتوالدة لدى الشخصيات، من دون التهافت وراء بلاغات لغوية فائضة. كثيرون حاولوا تقليد أنطونيوني لكنهم، وبرغم صدق مساعيهم وقدراتهم عجزوا عن ذلك. ومنذ بداياته وابتداءً من فيلم «بلو آب» و«المغامرة» وحتى النهاية.. أنجز أنطونيوني الكثير من الشخصيات المثيرة للجدل سواء في عالم النقد أو في العلاقة مع العرض الجماهيري. لم تكن أفلامه مصنوعة للعرض الواسع، ولم تكن تغازل المشاهد (والناقد) المُستسهل. وعلى رغم المرض وفقدانه قدرة الكلام (بعد الجلطة الدماغية التي أصابته في مطلع التسعينات)، فإنه لم يفقد القدرة والرغبة في التعبير بالصورة وعبر سينماه.

أنجز أنطونيوني عمله السينمائي (الوثائقي) الأول في مسقط رأسه، وكان الشريط الوثائقي «ناس نهر البو ـ 1947» والذي يُعد الآن من كلاسيكيات التوثيق السينمائي، وفي الفترة ذاتها بدأ بالتعاون مع عدد من زملائه المخرجين ككاتب سيناريو وساهم في كتابة عدد مهم من الأفلام مثل «رحلة الصيد المأساوية» لجوزيبي دي سانتيس و«الشيخ الأبيض» لفيديريكو فيلليني. أما فيلمه الأول الروائي كمخرج فهو «يوميات حب» 1950. وقد برزت منذ هذا العمل مواصفات إنجازه وأسلوبه الخاص. وتناول أنطونيوني في الفيلم مجموعة من شخصيات مجتمع برجوازي، وتابع نوازعها ومحرّكاتها النفسية. فعل ذلك بأسلوب يقترب من القراءة البوليسية، لكن برشاقة ابتعدت عن الفضفاضية. وبعد نجاح التجربة الأولى أنجز أنطونيوني أعماله التالية «الخاسرون» ـ الذي سجّل فيه إرهاصات أزمة الشباب الأوروبي عام 1952 و«الغادة دون كاميليا» - 3591، الذي تدور أحداثه في عالم السينما، ومن ثم شريط «الصديقات» ـ 1955 و«الصرخة» ـ 1956.

والفيلم الذي يعتبره النقاد أهم عمل لأنطونيوني حتى تلك الفترة هو «المغامرة» ـ 1959 واختلف عن الأعمال الأخرى وتميّز بتفرّده وبرشاقته الشعرية. وقد أثار الفيلم لدى عرضه في مهرجان كان السينمائي الدولي ردود أفعال متباينة.. وربما يكون مردّ ذلك الإيقاع البطيء الذي ميّز العمل، ولكونه استند على الصورة وعلى النظرات دون الاعتناء بالإيقاع. وكان فيلم «المغامرة» من بطولة رفيقة حياته في تلك الفترة النجمة السينمائية والمسرحية مونيكا فيتّي. التي عملت معه في أفلامه التالية «الليل» ـ 1960 و«الخسوف» ـ 1962 و«الصحراء الحمراء» ـ 1964.

وفي فيلم «الصحراء الحمراء»، قبل أنطونيوني تحدي الانتقال من الأسود والأبيض إلى الشريط الملوّن، وفاز به بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي (وهو الأول أما الثاني فهو الأسد الذهبي للحياة الفنية وحصل عليه في عام 1983). ولم يتوقف أنطونيوني عن العمل المتواصل ووسّع مدى آفاقه إلى خارج إيطاليا. وقد فاز شريطه الشهير والخالد «بلو آب» - 6991 والمنجز في المملكة المتحدة بالسعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي الدولي.

وبعد ذلك بوقت قصير، أي في عام 1970 سافر إلى الولايات المتحدة وأنجز هناك في 1970 فيلمه «زابريسكس بوينت». إنه فيلم يتحدث عن أميركا الاحتجاجات الشبابية وعن موسيقى الروك، واشتهر الفيلم بنهايته المتفجّرة بحفلة فرقة بينك فلويد. بعد بضعة سنين من ذلك العمل أنجز أنطونيوني واحداً من الأعمال التي تُعد من كلاسيكيات السينما العالمية أي فيلم «المهنة صحافي» - 5791 وكان الفيلم من بطولة جاك نيكولسن وماريّا شنايدر.

في عام 1982 أنجز شريط «تعريف امرأة». وفي هذا الفيلم حقق أنطونيوني خطوة هامة شابهت ما كان زميله فيلليني فعلها في أعماله، أي استعادة نجوم أفلام الدرجة الثانية وإعطائهم الفرصة للبروز. فعل أنطونيوني ذلك مع الممثل الكوميدي توماس ميليان الذي كان اشتُهر في أفلام الدرجة الثانية بأدوار الشرطي مونّيتسا (أي القمامة بلهجة روما).

بعد ذلك بفترة قصيرة أصيب أنطونيوني بجلطة في الدماغ، عطّلت لديه الخلايا الدماغية المتحكّمة بالكلام، إلاّ أن تلك الجلطة لم تُعطّل قدرته على التواصل عبر الصورة، وهكذا وبعد فترة من العلاجات الطبيعية عاد المبدع الكبير إلى ما وراء الكاميرا، وأنجز عمله الشعري الرائع «ما وراء الغمام» - 5991. وأنجز في عام 2002 جهده الأخير عندما أخرج جزءاً بعنوان «إيروس» في العمل الكورالي «الخيط الخطير للأشياء» والذي أنجز جزأيه الآخرين كل من وونغ كار واي وستيفن سبيبلبيرغ. المخرجان اللذان تتلمذا على إبداع أنطونيوني واستوعبا بالتأكيد دروس المايسترو الكبير، وعرض الشريط الثلاثي التوقيع في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في العام ذاته.

البيان الإماراتية في 05 أغسطس 2007