كتبوا في السينما

سينماتك

مرشح بقوة لنيل السعفة الذهبية الليلة

سوخوروف شاعر سينمائي قدير

محمد رضا

مهرجان كان الـ 60

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

ولد هذا المخرج الروسي المُميّز،  ألكسندر سوخوروف في الرابع عشر من يونيو/ حزيران عام 1951 في قرية بودورفيخا في مقاطعة أركوتسك من منطقة سيبيريا. والده كان جنديا اشترك في الحرب العالمية الثانية. والأب انتقل وعائلته فترات طويلة، فعاش ألكسندر صباه في بولندا كما في تركستان وترعرع في غوركي، ثالث أكبر المدن الروسية حيث أم جامعة غوركي وفي سن التاسعة عشر بدأ يعمل مساعد مخرج تلفزيوني، ثم أصبح مخرجا لكنه ترك التلفزيون سنة 1975 وانتقل إلى موسكو، ودخل معهدVGIk  (معهد الدولة للسينما)، واستحوذ على اهتمام المدرسين أمثال ألكسندر زغوريدي (سيناريست ومخرج من 1946 إلى 1995 علم السينما في ذلك المعهد فترة طويلة).

نال سوخوروف الدبلوما سنة 1979 وساعده اندريه تاركوفسكي على العمل في استوديو لينفيلم (في مدينة ليننغراد وهو ثاني أكبر ستديوهات الاتحاد السوفييتي السابق). هناك بدأ تحقيق الأفلام التسجيلية، ولو أن فيلم التخرج كان روائيا بعنوان “الصوت المنفرد للإنسان” الذي لم يسعفه العرض الا بعد تسع سنوات كذلك حال فيلميه اللاحقين “عدم تميّز مؤلم” (1983) و”أيام الخسوف” (1988) بسبب تعرّضها جميعا للمنع أو -على الأقل- لعدم الرغبة في عرضها. حينما أتيح لتلك الأفلام الخروج من الحجر المفروض عليها استرعت في الحال انتباه النقاد العالميين فخرج فيلمه الأول “الصوت المنفرد للإنسان” بالجائزة الثانية  من مهرجان لوكارنو سنة 1987. في ذلك العام أخرج فيلم “حزن بلا قلب” فيلم تجريبي مستوحى من مسرحية جورج برنارد شو “بيت الحسرة” (1917). مثل أعماله اللاحقة  المأخوذة عن مصادر أدبية، يكاد المرء لا يتبين خطوط الأصل الروائي بسبب طغيان المادة المنتمية إلى المخرج على تلك المقتبسة من العمل الأدبي.

شهرة سوخوروف عالميا بدأت فعليا سنة 1996 عندما حقق فيلمه “أم وابن”، مناجاة شبه صامتة للأمومة. وبعد غياب بضع سنوات عاد سوخوروف إلى الظهور على الساحة العالمية متوجها بفيلمه “مولوش” إلى مهرجان كان سنة 2000. من ذلك الحين توجه بكل فيلم حققه بعد ذلك إلى ذات المهرجان الذي لم يكافئه بعد بجائزة توازي قيمة المخرج الفنية.

اعتبر سوخوروف أندريه تاركوفسكي أستاذه ومرشده وتأثر به. وحينما سمحت الحكومة السوفييتية له بعرض فيلمه الروائي الأول “الصوت الوحيد للإنسان”، طبع في مقدمته اهداء إلى تاركوفسكي الذي كان رحل سنة 1986 قبل سنة واحدة قبل عرض فيلم سوخوروف. كذلك حقق سوخوروف فيلما عن تاركوفسكي سنة 1988 سماه “مرثاة موسكو” (898_). لكن علاقة المخرجين هي أوثق عندما نلحظ مدى تأثير تاركوفسكي في سوخوروف البادي في أفلامه كلها من حيث طريقة تشكيل المشهد ومن حيث اهتمامات سوخوروف الإنسانية ولون الأداء الذي يطلبه من ممثليه. الفارق الرئيسي هو ذلك الذي يتبدى في كيفية طرح الموضوع الإنساني الذي يحمل لدى تاركوفسكي بعدا إضافيا. في حين الصورة عند سوخوروف كئيبة لتناسب إحساسه بالموت والمأساة، وهما صفتان غالبتان في أفلامه، نجدها عند تاركوفسكي جمالية من دون خوف وعبر جماليتها يجسد اي بعد يريده من دون تذويب عناصره. تاركوفسكي يتحدث عن تنامى روح الإنسان تحت مسببات اليأس وشموخها على الرغم من ظروفها. سوخوروف يتحدث عن إنسان في منفى حياته الداكنة. احتمال أن يتقدم أو ينطلق محدود. احتمال أن يخرج من واقعه لحياة أفضل معدوم.

على ذلك، لا يمكن إغفال المصدر العاطفي والإنساني الكبير في أفلام سوخوروف الذي  دائما ما يمعن  في العلاقة بين شخوصه من دون الاستعانة بحوار منتم إلى ذلك البحث، كما عادة الروائيين غالبا. ميله إلى الصمت، كذلك معالجته للمادة التي بين يديه محمّلا نفسه عناء الخروج بها من إطار السرد السهل إلى حيث يجردها من كل زينة ممكنة  في محاكاة تامّة مع اختياره للمادة.

سوخوروف يستخدم في كثير من الأحيان ذات العناصر الجمالية التي تؤدي مفعولا دراميا أو تضفي معالم البعد المنشود على المادة المصوّرة مثل مشاهد للنباتات وهي تميل تحت وطأة الريح، مثل دقة الساعة أو الجرس أو مثل خرير الماء أو صورة الماء راكدا أو هادرا. لكن ذلك عند تاركوفسكي جزء من الجماليات، بينما عند سوخوروف جزء من ركود الحياة. بذلك يؤكد سوخوروف أنه مخرج ملم بأسلوب الشاعر السينمائي الكبير، لكن نظرته إلى الحياة تختلف- ربما جذريا- عن تلك التي عند تاركوفسكي.

“الصوت الوحيد للإنسان”

تستطيع أن تجد معالم سينما سوخوروف اللاحقة كلها في فيلم المخرج الروائي الأول “الصوت الوحيد للإنسان”. حكاية شاب يعيش في غابة قريبة من المدينة يقضي الوقت بين المبيت مع والده في البيت الصغير ولقاء حبيبته في كوخ يقع في الغابة. لكنه ليس لقاء عاطفيا. في أفلام سوخوروف جميعها لا تجد لقاءات عاطفية بين الرجل والمرأة. الوقت يمر في مناجاة وهي عادة تتحدث أكثر مما يتحدث هو (وبالتأكيد تفعل ذلك في هذا الفيلم) اما بطله فيرمي نظرات تتأمل ما حوله. وفي هذا الفيلم يمزج المخرج الأزمنة بتفاعل مثير للاهتمام. في أحد المشاهد يفتح بطل الفيلم نافذة يطل منها على مبنى مهجور. حين تنتقل اللقطة إلى وجهة نظره ينتقل الفيلم إلى مشهد بالأبيض والأسود (وليس بالألوان كما وضع الفيلم عموما) للعمال وهم يعملون في المكان.

ما يفعله سوخوروف هنا ليس مجرد تضمين فيلمه حرية اختراق الزمان والعودة إلى حيث كان المبنى حيّاً بمن فيه، بل ايضا اختراق نوعية العمل فالمشهد الذي يرتسم على الشاشة من وجهة نظر البطل مأخوذ من الأرشيف. لقطة وثائقية قديمة تحل محل الروائي، وتفعل ذلك في أكثر من مكان (بداية الفيلم لقطات وثائقية ايضا). بذلك يجمع سوخوروف بين النوعين في تجانس مقبول.

أكثر من صورة

ذلك الفيلم الأول هو مرثاة بقدر ما كان “أم وابن” مرثاة، وبقدر ما كان “الصفحات الهامسة” و”مولوك” و”توروس” و”فلك روسي” مرثاة. كل منها مرثاة متشابهة في الدوافع والمبررات الذاتية، ولو بصور مختلفة حين يأتي الأمر لعلاقة الصورة المعروضة بالمادة الروائية للفيلم.

والمرثاة تتنوع أكثر بإضافة الأفلام التسجيلية التي تعاطت هذا اللون الداكن من المشاعر. من بين 28 فيلما تسجيليا أخرجها ما بين 1978 و2001 هناك ثمانية تحمل كلمة “مرثاة” في عناوينها بدءا بفيلم “مرثاة” سنة 1985 ومن بعد “مرثاة موسكو” (1986)، “مرثاة بيترسبورغ” (1989)، “مرثاة سوفييتية” (1989)، “مرثاة بسيطة” (1990)، “مرثاة من روسيا” (1993)،  “مرثاة شرقية” (1996) و”مرثاة رحلة” (2001). أكثر دلالة من تضمين المخرج للكلمة (ومشتقاتها أو ايحاءاتها في أفلام أخرى) في عناوين أفلامه الوثائقية هو ما تتحدث عنه تلك الأفلام عموما.

المرثاة كونها كلمة تعكس وصف الشعور حيال الخسارة، خسارة الشخص أو المكان أو الفترة الزمنية الأقرب إلى الذات، بسبب الموت أساسا، تُشاد عند سوخوروف على أساس نظرته الآسفة إلى التاريخ. هناك موت لكل ما يحيط بفيلم المخرج - اي فيلم- من زمن ومكان وشخصيات. حتى في “مولوك” (1999)  الذي قدّم هتلر إنسانا طبيعيا، وهو أمر قلما شاهدناه في أفلام أخرى، هناك تلك النظرة الآسفة لعالم انقضى. ليس قصد سوخوروف أن يكون متعاطفا مع النازية، لكنه كان يقرأ في صفحات الفترة التاريخية العصيبة وشخصياتها أدبيا وحياتيا ولا يستطيع أن يخون تلك القراءة بإيماءات كاريكاتيرية في اي اتجاه.

في ذلك الفيلم  هناك المشهد الذي يذهب فيه هتلر وصحبه إلى خارج القصر الجبلي العالي الذي ركن اليه خلال بعض فترات الحرب. المكان بديع. الشعور الذي لابد أن تملك الشخصيات في حضن الطبيعة ممتع، انما الصورة التي يسمح فيها المخرج للشمس بالسطوع وسط السحب تبقى كئيبة. علامة المخرج للتأكيد على لحظات تذبل حتى في أوج وقوعها. ربما حقيقة أن المخرج ولد وترعرع في نواح من روسيا لا تعرف تنويعا جماليا مسؤول عن ذلك، لكن الأخذ بهذا السبب، اذا كان سببا، هو معالجة بسيطة لفحوى أكثر عمقا.

الخليج الإماراتية في 27 مايو 2007

 

سينماتك