اليوم،
الأحد، يعلن المهرجان نتائج دورته الستين ويوزّع جوائزه على الفائزين.
يتقاطر الإعلاميون من كل مكان لنقل وقائع ما زالت نتائجها لحين كتابة هذه
السطور مجهولة. من الذي سيفوز بالسعفة الذهبية. ما الفيلم؟ لماذا؟ هل
يستحق؟ عادة ما يُقارن المتواجدون الدورة بالتي سبقتها. وعادة ما يقولون إن
الدورة السابقة كانت أفضل. لكن دورة العام الماضي لم تكن أفضل من دورة هذا
العام. كانت سقيمة مثلها. دورة العام الماضي كانت ضعيفة وأفلامها هشّة وبعض
المواضيع التي طرحتها معدومة الأهمية.
في هذا
الإطار، أفلام هذا العام طرحت مواضيع أفضل (البيئة، التحوّلات من نظام الى
آخر، التصادم بين الحضارات، الدعوة الى السلام والحب والعدالة...). لكن
المشكلة هي أن كل هذا المطروح لم يتجاوز عدداً محدداً من الأفلام.
أفلام هذا
العام كان فيها أعمال فنية بارزة. لكن مرّة أخرى: المشكلة هي أن هذه
الأعمال البارزة لم تتجاوز عدداً محدداً من الأفلام.
في حين
يجد البعض أن علينا القبول بهذا العدد لأن المهرجان إنما يتحرّك بما هو
متوفّر حوله، فإن الحقيقة هي أن المهرجان من شدّة رغبته في أن يكون كل شيء
يتجاهل، هو ومهرجانات أخرى، الجوهر الذي من أجله أقيم: نشر الثقافة
السينمائية ورفع مستوى الفن السينمائي.
قبل أيام
قليلة تم نشر خبر صغير في الصحف اليومية هنا يحمل عنواناً يقول: “مهرجان
فانيسيا سيحتفي بالسينما الأمريكية” وفي عنوان آخر “السينما الأمريكية
ستطغى على مهرجان فانيسيا”.
العنوانان
ليسا مكتوبين على نحو مُدين أو انتقادي، بل هو ما صرّح به مسؤولون في
المهرجان الإيطالي معتبرين أن ذلك هو أمر حسن.
كيف لا.
ألا يفعل مهرجان “كان” ذلك وينجو من اللوم؟ خمسة أفلام أمريكية في المسابقة
وخمسة أخرى خارجها في العروض الرسمية؟ ما الذي يمكن أن يعنيه ذلك سوى أنه
نجاح في استقطاب السينما الكبرى في العالم بعدما بقيت محجوبة بقرار
الاستديوهات ذاتها عن المهرجانات الدولية؟
إذا قبلنا
بهذا الادعاء فإن ذلك يعني أن المهرجان الدولي الناجح بات المهرجان الذي
يضم أعلى نسبة من الأفلام الأمريكية. كلما ارتفع الرقم، إذاً، كلما ارتفعت
نسبة المستوى الفني للمهرجان.
لكن هذا
خطأ شنيع. لا علاقة لمصدر الأفلام بالمستوى الفني. لا علاقة مطلقاً. كل ما
في الأمر أن المهرجان يبذل الجهد والوقت والمال لاستضافة سينما على حساب
أخرى. ومع أن أحداً لا يدعو لمقاطعة السينما الأمريكية، إلا أن الحقيقة أن
معظم ما تم عرضه منها هنا في دورة هذا العام (وعادة الحال ذاتها في الدورات
السابقة) لم يكن يستحق أن يعتلي الشاشة في أي مكان رسمي.
لا “الليل
ملكنا” لجيمس غراي ولا “مضاد للموت” لكونتين تارانتينو ولا حتى “زودياك”
لديفيد فينشر (وهو أفضل الأفلام الأمريكية التي عٌرضت) او “لا بلد للمسنين”
للمحتفى بهما الأخوين كووِن، يستحق أن يعرض في المسابقة. وهل لاحظت أنها
جميعاً أفلام بوليسية؟
هذا
الاستحقاق ليس قائماً على معايير الجودة. بالطبع “زودياك” عمل رائع والناقد
منحه دائماً أربعة نجوم من خمسة، و”لا بلد للمسنين” لافت (ثلاثة من خمسة)
لكن “مضاد للموت” القائم على مطاردة طويلة؟ او “الليل ملكنا” الفاشل في
إنجاز أي مهمّة فنية على وجه كامل؟ الاستحقاق قائم، في الحقيقة، على أي نوع
من الأفلام يود مهرجان “كان” إبرازه.
الحقيقة
أن الاختيارات التي يقوم بها المهرجان مؤسسة لأن تخدم العوامل التالية:
نسبة
كبيرة من الأفلام الأمريكية يفضّل أن تكون لنجوم في مجال الإخراج. أحد هذه
الأفلام أضعف من سواه يعرض في الأيام الأخيرة من الدورة (من يراجع تاريخ
الدورات يكتشف أن هذا هو الحال في معظم الدورات السابقة).
أفلام
فرنسية للذر في العيون وحتى يكون هناك وجود ما لهذه السينما بصرف النظر عن
استحقاق بعض هذه الأفلام للفوز بجوائز أولى أو لا.
الأفلام
المعروضة غير الفرنسية من تلك التي تشتريها شركات فرنسية للتوزيع او تدخل
في تمويلها مصادر تمويل فرنسية. هذا ما يجعل النسبة الكبرى من الأفلام
فرنسية المنشأ بحدود تتراوح بين الثلث والثلثين.
الأفلام
التي تدخل المسابقة هي تلك التي تتميّز بعناصر إنتاجية كبيرة. هذا في
الأغلب، لأنه في هذا العام تم عرض “4 أشهر، 3 أسابيع ويومان” الذي لا ينتمي
الى مثل هذا الصنف من الإنتاجات. الفيلم الياباني “غابة الآهات” هو فيلم
آخر من هذا الصنف المقل: ليس فيه طرف خيط فرنسي وليس فيه ذلك النحو من
التكاليف الكبيرة. هذان الفيلمان يتيمان بين الأفلام المشتركة في المسابقة
(21 فيلماً).
العناصر
الإنتاجية الكبيرة لا تعني الإنتاج الكبير، لكنها تؤدي إليه. وهي مجسّدة
هنا في شكل الصورة العريضة. العناصر المتكاملة من نجوم كبيرة او من إخراج
لسينمائي معروف، او لتصوير بسوبر 35 او بميزانية مرتفعة وعادة ما يحتوي
الفيلم على أكثر من عنصر واحد من هذه العناصر المذكورة.
ما الخطأ
في هذا؟
الخطأ أن
الأفلام التي لم تكن تتوخّى سوى الفن لذاته باتت محجوبة. تلك التي تستحق
الاكتشاف، كالفيلم الروماني السابق “موت السيد لازارسكو” يتم تحويلها الى
أقسام غير قسم المسابقة، والأفلام التي تدخل المسابقة تلبّي جزءاً صغيراً
من الحاجة الكبرى إليها، لأن المهرجان أصبح يعمل على منوال “شيء لكل واحد”
بمعنى أنه إذا ما أتيت لمشاهدة فيلم فني فستصدم بواحد او اثنين منها. إذا
ما أتيت لمشاهدة سينما لمخرجين كبار فهي هنا مثل جواهر “الفترينة” وإذا
أردت أن تحضر الفيلم لتسعى بعد ذلك لمقابلة بطله او بطلته، فهذا ممكن عبر
التأكّد من أن الفيلم الفرنسي او الأمريكي إنما يحتوي على عدد من النجوم
الذين يستطيعون إحياء المدينة من سباتها لمعظم أيام السنة.
“كان”
الأمس لم يكن كذلك لكني لن أعود الى الوراء لكي أبرهن على ذلك. صحيح أن
العصر مختلف وأن نجوم الإخراج كانوا دائماً فيه، لكن السينما التي كانوا
يقدّمون كانت السائدة والبحث عن المنوال الفنّي أوّلاً كان هو الأمر
المتداول أكثر من سواه. يكفي العودة الى الدورات السابقة لنعرف الاختلاف
الكبير بين ما كان يعرضه المهرجان في تلك الأيام وبين ما يعرضه اليوم.
طبعاً
كانت هناك أفلام كبيرة لمخرجين كبار. والأمل في أن تخرج الجوائز منصفة
فتُمنح لمن يستحق منهم. الكارثة هي أن تمنح السعفة والجوائز الرئيسية
الأخرى لتلك الأفلام التي كان من الأولى تركها تعيش وتموت في صالات الأحياء
التجارية.
في مقدّمة
هذه الأفلام “ألكسندرا” و”الصد” كلاهما من روسيا. الأول لألكسندر سوخوروف
والثاني لأندريا زفاجيينتف. وفي حين أن الفيلم الأول لم يترك مجالاً
للكثيرين لينتقدوه، فهو عمل أكثر رقيّاً في الشكل والمضمون من أي عمل آخر
عرض هنا، إلا أن الفيلم الثاني هو أيضاً عمل ممتاز وخاص.
لكن
“الصد” وجد “صدّاً” من النقاد الغربيين وإذا ما بحثت وجدت أن معظمهم من
الذين لا يستطيعون التمييز بين الفن وكيس البلاستيك حتى ولو جهدوا في
المحاولة. هذه الأغلبية صفّقت لفيلم “لا بلد للمسنين” مثلاً الذي هو
“بلاستيك” بلا ريب. صحيح إنه متفنن ولكنه ليس فيلماً فنيّاً. مثير ولافت
وغريب في منحاه، لكن أحداً لا يبدو اكترث لسيناريو من درجة ثانية جرى مطّه
وإخراج يمر على ما لا تستطيع معالجته جيّداً في محاولة لإخفاء الغبار تحت
السجّادة حتى لا يراه أحد عوض تنظيفه فعلاً.
هذا ما
يخلق في النهاية بقية عنصر الأزمة: النقاد الذين يجارون الجو السائد ولا
يثيرون الانتباه الى حقيقة الأمر على نحو يجعل المهرجان يدرك أنه أنزلق الى
تحت وهو يعتقد نفسه يصعد إلى فوق.
أفلام
القمة...
الحمار
يتقدم على العنكبوت
إيدي
مورفي يعود في دور حمار ناطق في الجزء الثالث من سلسلة “شْرْك” الكرتونية
لكنه ليس الحيوان الوحيد في الفيلم بل تمت إضافة عدة شخصيات أخرى وراء
الشخصية الرئيسية المتمثّلة بالمخلوق الأخضر “شْرْك”. بذلك يتراجع
العنكبوت، المجسّد بفيلم “سبايدر مان 3” إلى المركز الثاني بعد أن سجّل
خلال أسبوعيه السابقين 282 مليون دولار. والملاحظ ثالثاً هو عدم وجود أفلام
جديدة أخرى (أي باستثناء “شْرْك”) في المراتب العشرة الأولى على الأقل.
سجل الأفلام ...
*: رديء، **: وسط، ***: جيد، ****: ممتاز، *****: تحفة، ---: لم يُشاهد
بعد.
"جرأة
حقيقية" ليس خالياً من الشوائب
إخراج:
هنري هاثاواي
تمثيل:
جون واين، كيم ديربي، غلن كامبل، روبرت دوفول، دنيس هوبر.
بطاقة:
وسترن أمريكي - [1969]
تقييم:
*** (من خمسة)
الفترة
التي تبلور فيها “جرأة حقيقية” (عن رواية تشارلز بورتيس) كانت فترة حاسمة
في سينما الوسترن. فيلم هاثاواي التقليدي النابع من عمق النوع المقابل لما
كانت هوليوود أخذت تنتجه من أفلام وسترن غير تقليدية. كان سام بكنباه أطلق
“مسدسات بعد الظهر”
Guns in the Afternoon
(او
Ride
the High Country) و”ماجور داندي”
Magor Dundee
(1964) و،في العام ذاته لخروج “جرأة حقيقية”، “الزمرة المتوحشة”
The Wild
Bunch
وكلها،
لجانب مجموعة أخرى كبيرة من أفلام الوسترن غير التقليدية، صوّرت الغرب على
عكس المألوف وعلى عكس ما قدّمه جون واين نفسه مئات المرّات من العشرينات
وما بعدها. في أفلام بكنباه (كما يمر مع التعرّض إلى هذه الأفلام في هذا
الكتاب) الغرب ليس أرض بطولات ولا أحلام وردية لمستقبل أفضل، بل أرض
يتنازعها عنف الجميع وفساد الإنسان المتصاعد من تربته. لكن “جرأة حقيقية”
في حين إنه كان ردّاً على محاولة إساءة السمعة إلى الغرب الأمريكي وتغيير
النمط، كان مختلفاً بدوره عن أعمال واين السابقة من حيث أنه -بدوره- لم يعد
البطل الشهم والمنفرد. الآن هو رجل هرم مستعد لتجنب مهامه النبيلة ويميل
للشرب وعلى عينه رقعة سوداء دلالة أنه أمضى حياته في معارك شرسة. وهذه
الصورة عادت فتكررت في فيلمه ما قبل الأخير “روستر كوغبيرن” (1975) فيلمه
ما قبل الأخير.
قصة رحلة
تبدأ بإصرار فتاة (ديربي) على استئجار خدمة روستر (واين) للنيل من قتلة
أبيها وهي عصابة يقودها الشرير ند (دوفال). بعد تمنّعه يوافق لكنه يحاول
وشريكه في الرحلة لا بوف (كامبل) التخلص منها بلا نجاح. الفيلم يتوقف عند
كل المحطات التقليدية متعرّضاً لحتمية تطوّر العلاقة بين الثلاثة منتقلة من
رفض الرجل للمرأة إلى قبولها. الفيلم ينتقد صورة واين التقليدية (وواين
يسخر منها بدوره) لكنه يقبل بها ويدافع عنها في النهاية. حقيقة قيام واين
بتأدية دور رجل كبر سناً (في أفلام لاحقة تمّت محاولة إعادته إلى سن أصغر
بقليل) كانت إضافة جديدة لصورته السابقة استفاد الفيلم منها واستطاع
اخراجها من العجز إلى القوّة في الفصل الأخير من المعارك الذي تقع حين
يواجه واين وحده الأشرار الأربعة والجميع على صهوات جيادهم (كما المبارزات
الرومانية القديمة). اللجام في فمه ومسدسه بيد وبندقيته بيد والرصاص يلعلع
ويسقط الجميع في سلسلة من اللقطات الماهرة ويُصاب واين لكن ليس قبل أن يقضي
على الجميع. ليس بالفيلم الخالص فنياً من الشوائب ولا هو بالفيلم الممتع
طوال عرضه، لكنه إضافة لكلاسيكيات كل من المخرج وممثله الأول. كذلك هو
واقعي في عنفه على غير عادة أعمال الغرب الأولى وتمثّلاً ببعض ما ورد في
أفلام روبرت ألدريتش، سام بكنباه، توم غرايز ومايكل وينر في أفلامهم
الوسترن. يدين الفيلم بالكثير لتصوير لوسيان بالارد (نصف أبيض نصف هندي من
قبيلة شيروكي) البديع. ولد سنة 1908 وترعرع مصوّرا ماهراً عدة أفلام لسام
بكنباه بين آخرين.
أوراق ناقد...
رسائل
آل باتشينو
لم أكن
أعلم أن المقابلة مع آل باتشينو ستثير حب الكتابة عنها إلى حد أن أربع
رسائل (واحدة لم ترغب صاحبتها بنشرها) وصلت بأقل من 24 ساعة بعد نشر
المقابلة في صفحة الأحد الماضي.
* الصديق
ناصر حكيم (الشارقة) بعث رسالته بعنوان “يا سلااااااام” ويقول:
“كنت في
عملي حين قرأت مقابلة آل باتشينو لم أستطع الانتظار حتى أعود إلى البيت
وأبعث إليك برسالتي هذه من بريدي الخاص، لذلك أقوم بإرسالها من المكتب
مباشرة. كانت مقابلتك مع آل باتشينو تحفة. تجاوزت نفسك هذه المرّة. كانت
المقابلة مكتوبة جيّداً وجعلتني أشعر كما لو كنت معكما في ذات الغرفة”.
* القارئ
جمال مكّاوي (لم يكتب من أين) كتب: “هذه المقابلة واحدة من أجمل المقابلات
الفنية التي قرأتها في حياتي والسبب هو البساطة المتناهية من السائل ومن
المجيب. مبروك”.
البساطة
التي تتحدّث عنها يا أخ جمال ليست اختياراً. حين تكون اختياراً تصبح مزيّفة
وتؤدي إلى غير المرجو منها لأن المشاهد ليس غبياً وهو يعرف أن مهنة الممثل
هو أن يمثّل. وذات مرّة سمعت مخرجاً يقول لجمهوره إن على هذا الجمهور أن
يصعد إلى “معاني فيلمي”. لا عجب أن هذا الفيلم لا يزال وحيدا بعد عشر سنوات
من تحقيقه.
* الصديق
الكويتي عبدالله سعد يلقي عدّة أسئلة في خطابه الأخير سأجيب عنها في
الأسبوع المقبل. لكنه يُضيف تعليقاً حول سلسلة المقالات والمقابلات الأخيرة
قائلاً:
“أستمتع
حقاً بتلك المقابلات حول جاك نيكولسون وآل باتشينو ومارلون براندو. أطبعها
وآخذها معي”.
هذا ما
يسرّني شخصياً أيها الأصدقاء وأتمنّى أن أبقى دائما عند حسن ظنّكم.
مجلة
سينمائية
بعد
إنتشار أخبار مفادها قرب استعدادي لإطلاق مجلة سينمائية أخذت أواجه ببعض
الاسئلة عنها. ما هي؟ لأي جمهور؟ ومتى ستصدر فعلاً؟
والسؤال
الأخير هو الأصعب، لأنه كلما اقتربت من حتمية إصدارها، كلما ابتعدت عني من
جديد. السبب أن مجلة مثل هذه المجلة المتخصّصة لا تعرف سوقاً إعلانية
جاهزة. لا يقف المعلنون الكبار بالصف يتبارون لملء صفحاتها بما يكفي لنشرها
ويزيد. هؤلاء، ومن يمثّلهم من أصحاب وكالات الإعلان ليسوا جمعيات خيرية.
والثقافة -أي ثقافة- ليست واردة في حساباتهم. أحدهم قال لي مقترحاً: “عوض
إصدار مجلة سينمائية تبيع منها ألفي نسخة، لم لا تصدر مجلة للمرأة. أنا
مستعد لتمويلك لعام كامل. إذا أخفقت توقّفنا وإذا نجحت حققنا فوزاً
أكيداً”.
آخر ربطها
بإيجاد موقع على الإنترنت ثم تخلّى عن فكرة المجلة المطبوعة وانحاز إلى
فكرة الإنترنت ثم تخلّى عن فكرة الإنترنت وانحاز إلى لا شيء.
المعلنون
الذين في البال هم من رجال الإنتاج والتوزيع السينمائي وربّما من أصحاب
القرار في عدوّي الكبير التلفزيون. لا مانع إذا ما جاء الإعلان التلفزيوني
غير مشروط. لكن المشكلة هي فيمن يعد ويخلف. ومؤخراً جلست أنا وصاحب شركة
إنتاج سينمائية لديها محطة تلفزيونية أيضاً. رجل يؤكد كلما شاهدني أنه يحب
السينما ويحب النقد والثقافة التي تبثها الكتابة السينمائية الجادة.
جلسنا
وأمضينا ساعة نتباحث في الموضوع ووصلنا إلى خيارين: مشاركة أو مجرد إعلانات
مقطوعة تدعم المجلة. واتفقنا على السعر إذا ما قرر لاحقاً أنه يريد
الإكتفاء بالإعلان.
لكن قبل
انقضاء شهر كان كلامه ذاب كالملح في الماء. لا أقدم على المشاركة ولا أقدم
على الإعلان. وطريقته في الذوبان كانت الاستغناء عن الفكرة الأولى ثم إنزال
سعر الصفحة إلى أقل من نصف المتّفق عليه.
لقطات ...
"أوشن 13"
ترفيه وسط زحام الفن
هل يستحق
“أوشن 13” أن يكون موجوداً في مهرجان “كان” حتى ولو كان جيّداً كصنعة؟ حتى
ولو كان خارج المسابقة التي تضم أفلاماً توازيه نفاقاً؟ لو أن المسابقة
كانت فنية كاملة لكان وجوده مقبولاً أكثر على أساس أنه ترفيه وسط زحام
الفن.
لا ردّاً
مفعماً بالإجابة الشافية قدر الرد التالي: لأنه من إخراج اسم (كونتين
تارانتينو) ما يجعلني ألتفت الى نقطة مكملة: لو كان الفيلم نفسه من إخراج
واحد آخر بلا اسم معروف إعلامياً لم يكن الفيلم ليجد طريقه الى المهرجان،
او الى المسابقة في أضعف الاحتمالات. هذا ليس استنتاجاً غيبياً بل حقيقة.
أخلع اسم كونتين تارانتينو، وهو من زبائن “كان” الدائمين تجد أن الفيلم
سيؤول الى تظاهرة جانبية، هذا إذا قدّر له الاشتراك فعلاً ما يدل في
النهاية على أن البحث عن العمل الفني الخالص، ليس الدافع الحقيقي الذي يسكن
صدور القائمين عليه.
من سيفوز هذا المساء؟
التالي هو
الموقف في الساعات الأخيرة قبل إعلان النتائج:
الأفلام
الأكثر احتمالاً:
“ألكسندرا” للأكسندر سوخوروف يأتي في المقدّمة هنا. لا يمكن غض النظر عنه
الا إذا ما كان هناك موقف غير فني يتحكم في لجنة التحكيم.
بعده يبدو
أن “لا بلد للمسنين” مطروح لسعفة ذهبية كاملة او مناصفة مع الفيلم المذكور
أعلاه.
لكن لا
تنس الفيلم الروماني “أربعة أشهر، ثلاثة أسابيع ويومان”. إنه الفيلم الصغير
الذي يترك الأثر الأكبر. لكن ذهاب السعفة إليه احتمال ضئيل. الغالب هو أنه
سيخرج بواحد من الجوائز الأقل شأناً الى حد (مثل جائزة أفضل مخرج او جائزة
لجنة التحكيم).
أفلام
لامعة:
“الصد”
لأندريه زفغييتيف فيلم تذكره في البال طويلاً بعد مشاهدته. مشاهده من العمق
والجمالية الخاصّة بحيث لا تضمحل سريعاً. الأمر نفسه صحيح بالنسبة للمخرج
المجري بيلا تار صاحب “اللندني” على الرغم من أن الفيلم، على المستوى
القصصي، ليس أفضل أعماله.
لكن لجان
التحكيم لا تبحث عن الاستثناءات عادة لذلك وبينما هذان الفيلمان لامعان
فإنها قد تذهب الى ماهو لامع ويشكّل حلاً مرضياً لأزمة اختلاف: الفيلم
الياباني “غابة الآهات” للمخرجة ناوومي كواسي. هذا الفيلم الذي شاهدناه قبل
ساعات من كتابة هذا التقرير مُصاب بداء البداية الرديئة، لكن بعد نصف ساعة
من بدايته ينطلق صوب أفق مختلف جدير بالتقدير دافعاً لجنة التحكيم بقيادة
ستيفن فريرز الى تقديره كحل لأي خلاف بين فيلم وآخر.
تستحق، لا
تستحق:
أما
الأفلام الفرنسية (تحديداً “الحبيبة السابقة” و”أغاني الحب”) فإن لا شيء في
أي منهما يستحق التقدير. حتى التمثيل (وكلاهما مثرثران) لا يبرز كعنصر بالغ
الضرورة او مثير لدرجة استحقاقه جوائز في هذا المجال.
فيلم فاتح
أكين “حافة الجنّة” جيد في نواح وعادي فيما تبقّى. الفيلم الأوروبي الغربي
الآخر هو أيضاً من ألمانيا “استيراد وتصدير” بدا كما لو كان عذراً لمشاهد
فاضحة.
الأفلام
الأمريكية تراوحت بين أفلام تستحق جائزة ما “زودياك” لكن إذا لم تحصل عليها
فإن ذلك ليس مأزقاً، الى أفلام تتساءل هل من المعقول إضاعة الوقت عليها في
“كان” (كما الحال مع فيلم كونتين تارانتينو “مضاد للموت”) ومن فيلم متفنن
فقط “لا بلد للمسنين” الى فيلم يخفق حتى في هذا الحد الأدنى (“الليل ملكنا”
لجيمس غراي). هذا ما يعزّز فيلم غس فان سانت “بارانويد بارك” رغم أنه لا
يأتي بجديد على صعيد سينماه الخاصة.
للحدوث
كثيراً: بين العروض التي شاهدناها هنا الفيلم الفرنسي - الإيراني “برسيبوليس”.
إنه فيلم كرتوني بالأبيض والأسود يحكي قصّة حقيقية (بيوغرافي) للمخرجة
مرجان ساترابي. إذا ما أحبّت لجنة التحكيم الحديث في السياسة فإن هذا
الفيلم هو مفتاحها الأول.
سجل المهرجان
1970
كان هناك
أكثر من فيلم يستحق السعفة من بينها “الأرض” ليوسف شاهين و”أشياء الحياة”
لكلود سوتيه، و”تحقيق حول مواطن فوق الشبهات” لإليو بتري.
فيلم عربي
آخر في المسابقة: “حكاية بسيطة” للتونسي عبد اللطيف بن عمّار، ما جعلها
الدورة الوحيدة في التاريخ التي شهدت فيلمين عربيين في المسابقة.
فيلم
السعفة: ماش
M.A.S.H ***
“ماش”
(روبرت ألتمَن - الولايات المتحدة)
فيلم
السعفة الرابعة لفيلم أمريكي ذهبت الى فيلم روبرت ألتمَن الخاص “ماش”:
مجموعة حكايات وشخصيات من أطبّاء وممرضين يعيشون في المخيّمات العسكرية
خلال الحرب الأمريكية - كورية. إنه موقع مثالي للمخرج الذي كان يوظف المكان
للسخرية من الحرب الأكبر ويكشف، في الوقت ذاته، عن أسلوبه الخاص في العمل
مع ممثليه وفي الموقع الواحد.
كان من
الطبيعي أن يعود ألتمَن بعد هذا الفوز أكثر من مرّة مستفيداً من الهالة
النقدية والإعلامية التي أحاطت به بين المثقفين منذ ذلك الحين. رغم
استحقاقه.
1971
أفلام
كثيرة جيّدة اختفت منذ عرضها في ذلك العام في مقدّمتها فيلم جوليانو
مونتالدو الرائع (والمؤلم) “ساكو وفنزنتي” الذي نال أحد ممثليه الرئيسيين،
ريكاردو كوشيوللا، جائزة أفضل ممثل رجالي في هذه الدورة. اختفت كذلك أفلام
لفلاديمير نوموف، بو وايدربيرغ، كارولي ماك، ومن منا لا يزال يذكر جيري
تشاتزبيرغ؟
فيلم
السعفة:
Morte A
Venzia/ Death in Venice ****
“موت في
فينيسا” (لوكينو فِسكونتي- إيطاليا)
عن رواية
توماس مان تناول المخرج الإيطالي قصّة غوستان فون أوشنباك (ديرك بوغارد)
الذي يصل فانيسيا بحثاً عن الإلهام ليجده في شخص صبي شاب (مارك بيرنز) الذي
يقضي عطلة مع أمّه (نورا ريكي).
1972
هذه هي
السنة الأولى التي يشترك فيها المخرج الذي يرفض أن يغيب عن بال هذا الناقد
أندريه تاركوفسكي وذلك بفيلمه “سولاريس” الذي نال جائزة لجنة التحكيم
الخاصة. وهي المرّة الأخيرة التي اشترك فيها الأمريكي إيليا كازان.
لكن
الاشتراك الإيطالي كان الأكثر تميّزاً خصوصاً إذا ما أضفنا الى الفيلمين
الفائزين بالسعفة فيلم فديريكو فيلليني “روما فيلليني”.
فيلم
السعفة:
La Classe Operaia Va in Paradiso **** -1
“الطبقة
العاملة تدخل الجنّة” (إليو بتري- إيطاليا)
Il Caso
Mattei **** -2
“قضية
ماتاي” (فرنشسكو روزي- إيطاليا)
فيلمان
إيطاليان رائعان منحتهما لجنة التحكيم، برئاسة المخرج جوزف لوزي هذه المرة،
فيلم السعفة مناصفة.
كلاهما
نموذج لسينما اجتماعية واعية ذات قضايا. وكلاهما من بطولة جيان ماريا
فولونتي.
رغم ذلك،
لم ينل فولونتي، لا هذه السنة ولا في السنة السابقة حين ناصف بطولة “ساكو
وفنزنتي”.
أوراق ناقد...
يستحق
ولا يستحق
هل كان
“كان” يستحق؟
الجواب
المختصر على ذلك، وبعد فرز كل الشوائب، نعم.
هو دائماً
يستحق.
لكن
المشكلة هي من الذي يدفع ثمن هذا الاستحقاق.
ها هو
الوضع الذي يعيشه الآتي الى “كان”:
في
الثمانينات وما قبل كانت المدينة كلّها أرخص بحيث لم يكن مطلوباً من أي
ناقد سوى العمل لجهة واحدة كافية لتمويل تبعات وجوده في المهرجان. كانت
المدينة أرخص ولم تكن رخيصة، لكن كلفتها كانت مقبولة. كل ما على الناقد
القيام به هو مشاهدة الأفلام ليل نهار إذا أراد والكتابة الى صحيفته ثم
العودة من حيث أتى.
حين أخذ
الجشع بالانتشار كالوباء بين أصحابها أصبح قيام الناقد بواجباته الصحافية
لجهة واحدة أمراً غير كاف. أصبح عليه أن يكتب لأكثر من جهة لكي تعيله مجموع
مدفوعاتها على التعويض عما يصرفه هنا. بالمقابل، ولهذا السبب فإن عدد
الأفلام التي أصبح قادراً على مشاهدتها تقلّص كثيراً عما كان عليه سابقاً.
الناقد
الذي لا تدعمه صحيفته كاملاً يجد نفسه بحاجة لأن يكتب لأكثر من جهة، او
للمبيت في مكان مزدحم مع رفاق له آخرين، او لاقتصار زيارته على خمسة أيام
عوض المدّة كاملة. والحل الأخير لا يسعفه على الإطلاق.
لقد شاهدت
الحضور العربي يتقلّص من 50-60 فرداً في الدورة الواحدة الى نحو عشرة او
خمسة عشر حالياً. في مطلع الثمانينات كان هناك ما لا يقل عن 35 صحافياً
وناقداً من مصر. هذه الأيام لا أعتقد أنه يوجد أكثر من سبعة او ثمانية.
إذا ما
حسبت الكلفة الإجمالية التي تتراوح ما بين 4000 دولار و6000 دولار وقسمتها
على عدد الأفلام التي قدّر لك أن تشاهدها وجدت أن الفيلم الواحد كلّفك نحو
300 دولار (هذا إذا شاهدت نحو عشرين فيلماً).
هذا كثير
على شخص كل ذنبه أنه يحاول أن ينتمي الى ذات النادي الدولي الذي تُتاح له
مشاهدة الأفلام في أكبر أعيادها.
لكن هذا
جانب واحد من جوانب القضية.
هناك
بالطبع مستوى الأفلام.
الأمر في
هذه الناحية يتفاقم عندما تكون أفلام المهرجان عديمة الجدوى في معظمها.
معنى ذلك أن المهرجان فشل في إطلاق دورة زاخرة على الرغم من كل استعداداته
(اقرأ التحقيق) ومعناه من الناحية الأخرى أن الناقد تكلّف ما كان يمكن له
أن يُوفّره على أفلام لم تكن تستحق هذا البذل. لكنه بالطبع لم يكن يعلم.
كان عليه أن يجرّب.
الخليج الإماراتية
في 27 مايو 2007
|