كتبوا في السينما

سينماتك

اليوم تُعلن جوائز مهرجان كان الـ 60

سوكوروف يطرح في "الكسندرا" وحشية الحرب بدون الحرب وريغاداس يقارب "المينونيت" بخشوع... بيللا تار يقدم شريطاً مزاجياً في "اللندني" وكاواسي تختبر معنى الحداد في "الغابة الناحبة"

كان ـ ريما المسمار

مهرجان كان الـ 60

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

اليوم يُسدل الستار على الدورة الستين لمهرجان كان السينمائي. تَبَدلٌ في المناخ رافق اليومين الأخيرين لكأنه يعلن انتهاء هذا الفصل السينمائي ليعود الزمن الى حاله. عشرة أيام مرت سريعة كالعادة اتسعت لتصبح حياة كاملة على جزيرة سينمائية تتصل بالعالم بما تحمله أفلامها من صور واقعه ومجتمعاته وتاريخه. عشرة أيام في كان التي تبتدع تقويماً زمنياً جديداً. فلا يعود الوقت هو الوقت هناك ولا الزمن هو الزمن. توهان لذيذ في دهاليز كان وضياع إرادي في أروقة مهرجانها المفضية جميعها في نهاية المطاف الى ذلك المكان الأثير والمفقود من حيواتنا اليومية حيث متعة الاكتشاف والغوص في عوالم لا تشبه إلا نفسها. دخل المهرجان يومه الأخير إذاً وما عاد للتكهن مساحة كبيرة ذلك أن الجوائز تُعلن الثامنة من مساء اليوم بتوقيت بيروت. اثنان وعشرون فيلماً تنافسوا في المسابقة الرسمية للمهرجان. وبخلاف الاعتقاد السائد من أن الأفلام الفضلى يُترك عرضها الى نهاية المهرجان، لم تحمل الأيام الأخيرة مفاجآت كبرى يمكنها أن تحدث تبدلاً كبيراً في مجرى الإمور. فمازال هناك شبه إجماع على الفيلم الروماني الذي عُرض في اليوم الإول 4 Months, 3 Weeks and 2 Days لكريستيان مونغيو يشاركه ذلك الاجماع شريط الاخوين كوين No Country For Old Men الذي عُرض في اليوم الثالث. اللافت في مسابقة هذا العام غياب ما يمكن أن نسميه "الفيلم المفضل" وكذلك غياب المفاجآت على نحو ما فعل شريط غونزاليس ايناريتو Babel العام الفائت. صحيح أنه لم يذهب الى الفوز بالسعفة الذهب (نال جائزة الإخراج)، غير أنه أحدث صدمة ومفاجأة غير متوقعة. أفلام المسابقة الستين تراوحت بين المتوقع والمخيب. ويمكن تقسيمها الى ثلاث فئات. أفلام المخرجين الكبار التي أرضت التوقعات (No Country for Old Men للأخوين كوين، Alexandra لألكسندر سوكوروف، Silent Lights لكارلوس ريغاداس)، أفلام المخرجين الكبار التي خيبت الآمال (Death Proof لكوينتن تارانتينو، We Own the Night لجايمس غراي، Promise Me This لأمير كوستوريتسا) وأفلام الشباب التي بدورها تراوحت بين جيدة وسيئة. بين أفلام المخرجين الشباب التي لاقت صداً جيداً والمرشحة لجوائز (التمثيل تحديداً) الكوري الجنوبي Secret Sunshine للي تشانغ­دونغ و Mourning Forest لنايومي كاواسي وpersepolis لمارجان ساترابي وفينسنت بارونو وThe Edge of Heaven لفاتح أكين وThe Banishment لأندريه زفايغينتسيف. الى تلك، تقف أفلام أخرى في المساحة الرمادية مثل Paranoid Park لغاس فان سانت وThe Man From London لبيللا تار. إذاً اليوم توزيع الجوائز وسط ضبابية تامة حيث تخون التوقعات النقاد ولا من معين. فالبعض يتوقع الفوز للأخوين كوين بالسعفة والبعض الآخر للروماني كريستيان مونغيو. وهنك من يجد في محاولة كارلوس ريغاداس قصيدة سينمائية لا يمكن التغاضي عنها وفي شريط سوكوروف عملاً متكاملاً. تبرز أفلام أخرى تستحق الفوز بجوائز التمثيل كالفرنسي The Bell and the Butterfly لجوليان شنابل وSecret Sunshine.

في مطلق الأحوال، سيعود قرار اختيار الفائزين الى لجنة التحكيم بقيادة المخرج البريطاني ستيفن فريرز مع الإشارة الى أن جوائز أخرى ستوزع مساء اليوم منها جائزة الكاميرا الذهب التي تتنافس عليها الأفلام الاولى في كافة فئات المهرجان وتظاهراته الجانبية (أسبوع النقد الدولي ونصف شهر المخرجين) والتي يتنافس عليها الفيلم اللبناني "سكر بنات" باكورة أعمال المخرجة نادين لبكي.

حرب الروس

شهدت أيام المهرجان الأخيرة عروضاً متفاوتة في المسابقة الرسمية أبرزها الشريط الروسي "ألكسندرا". بعد ثلاثيته الشهيرة عن رجال السلطة (Moloch وTaurus وThe Sun)، يعود سوكوروف بفيلمه الحالي الى أجواء فيلمه الأول Mother and Son عام 1999 القائم على العلاقات الإنسانية والمشاعر غير المباحة. ولكنه أيضاً أكثر أفلامه مقاربة للسياسة. شريط عن الحرب بدون حرب. فهم عميق لوحشيتها وقسوتها وبشاعتها من دون أن يوجه عدسته الى مشهد قتال واحد أو معركة. بهذا المعنى، يكتسب الشريط بعداً إنسانياً شاملاً وعالمياً في مقاربته الحرب والإنسان على الرغم من أن المكان هو الشيشان والحرب هي حرب الروس عليها. لا يعترض سؤال "الكسندرا" عن معنى "الأرض الوطن" بخصوصيته السياسية ونقده الحرب على الشيشان، لا تعترض شمولية الفيلم وقدرته على الإحاطة بالحرب في أي زمان وماكن. انها الحرب كماكينة تسحق الانسانية. يختار سوكوروف أن يقول ذلك من خلال شخصيته المذهلة "ألكسندرا" التي تجسدها بروعة مماثلة مغنية الأوبرا غالينا فيشنيفسكايا. تزور "ألكسندرا" الشيشان لتقفد حفيدها المقاتل في الجيش الروسي. تقيم مع الجنود في الجبهة. بينما يقوم "دينيس" (حفيدها) باطلاعها على المكان متشوقاً ليعرض عليها السلاح الذي يستخدمه والدبابات التي يمتلكونها، تبدو "ألكسندرا" مأخوذة بتفاصيل أخرى. تنظر الى وجوه الجنود الشابة التي لم ينمُ شعرها بعد بينما ينظفون أسلحتهم. تسألهم عن أعمارهم وعن نوعية الطعام الذي يتناولونه. تعرض عليهم الطعام في مشهد آخر وتسأل "دينيس" متى سيتزوج. بتلك الأسئلة، تضيء الكسندرا على الإنسانية المفقودة في الحرب. وإذ تنحشر داخل الدبابة، تضايقها الرائحة وتتساءل عن عدد الجنود الذي تتسع له. ثم في مشهد ذي دلالات، تحمل "الكلاشينكوف" وتحمله في وضعية من سيفتح النار وتضغط على الزناد غير المعد لإطلاق النار مشيرة الى سهولة ذلك أو بمعنى أشمل الى سهولة القتل. وهو ما ستعبر عنه في مشهد آخر عندما تخاطب قائد الكتيبة عن فوائد الحرب: أنتم تحيدون التدمير ولكن هل تجيدون البناء؟ ماذا سيكتسب حفيدي من الحرب سوى معرفة إطلاق النار والقتل؟ ولكن تلك الأسئلة لا تأتي أبداً في اطار مدروس أو خطابي والفضل يعود الى شخصية "الكسندرا" وأداء الممثلة التي تلعب شخصية امرأة خمسينية مشاكسة وصلبة حادة البصيرة. تقضي الكسندرا أكثر من نصف الفيلم بين الجنود، تتجول بينهم وتخاطبهم. ليس المكان جديداً عليها وحسب بل إنه يغدو كذلك بالنسبة الى الجنود أيضاً إذ يستحيل وجود الكسندرا في ذلك المكان معجزة لم تتحقق في الحرب. فهي بكل ما تحمله من مواصفات تمثل الدفء والبيت والوطن مهما بدا مفهوم الاخير ضبابياً. في الشق الثاني من الفيلم، تقصد الكسندرا السوق المجاور ضاربة عرض الحائط بأوامر الجنود. تلتقي هناك امرأة شيشانية "ماليكة" تبيع الدخان. عندما تتعب الكسندرا تأخذها الى بيتها حيث تتشارك الامرأتان جلسة عفوية حميمة على فنجان شاي ساخن بما لا يتوفر لأحفادهما. من تلك الجلسة، تخرج معاني الفيلم الأخرى عن الحرب التي تُصنع بعيداً من إرادات الشعوب والجنود وعن صورة العدو التي تُزج في المخيلة كوحش جاهز للانقضاض. يترافق كل ذلك مع صورة قاسية بائخة الألوان وضوء قاسٍ ينقل حرارة الشمس على الجنود بينما الليل رمادي كئيب. أما الصوت فعمارة حقيقية متقنة البناء تتداخل فيها أحاديث الجنود وتمتمات الكسندرا وقرقعة السلاح والموسيقى.

بخلاف سوكوروف الذي يحول ساحة الحرب المفتوحة استديو ضيقاً من الانفعالات والتوتر، يترك كارلوس ريغاداس لكاميراه أن تتوه في طبيعة يحبس جمالها الأنفاس ويجسد معنى الجنة والطهارة في Silent Lights. الافتتاح بمشهد يترك المشاهد تحت تأثير مغناطيسي: ست دقائق طويلة لسماء ليليلة تفسح المجال أمام الضوء ليشقها، هو في الواقع انطلاقة لمشاهد الفيلم الطويلة التي تقارب المكان بخشوع وبخشية من التطفل عليه. لذلك نرى الكاميرا تتأمل لا تزيح عدستها عن حدث او شخصية حتى تغيب الأخيرة عن المكان. وسبب ذلك أن الشريط يتناول حياة مجموعة من "المينونيت" التي تعيش طقوسها الخاصة وتتحدث لغة المانية ميتة وتشكل حالة فريدة من الاتصال بالله. في ظل ذلك، يتناول الفيلم قصة "يوهان" المتزوج من "أستر" والذي تربطه علاقة بـ"ماريان" بما هو خروج على قيمه الدينية والاجتماعية. في المشهد الثاني الذي يصور العائلة حول مائدة الطعام، سرعان ما يصبح "يوهان" وحيداً بعد خروج استر والأولاد. وحيداً على المائدة، تقترب الكاميرا ببطء من وجهه لينخرط في بكاء يتحول نحيباً. نفهم انه يعيش نزاعاً بين رغباته الجسدية ومعتقداته وهي ما ستحمل أحداث الفيلم. اللقاءات بينه وبين "ماريان" تكتسب خاصية لما تعكسه من شغف وعمق في الأحاسيس يفسرها يوهان لاحقاً عندما يعترف لوالده بأن ماريان هي حب حياته الحقيقي وأن زواجه من أستر لا يفهمه سوى كغلطة. أستر هي الأخرى عللى معرفة بتلك العلاقة بعدما أطلعها عليها يوهان متعهداً بإنهائها إلا أنه في كل مرة يخفق في الحفاظ على عهده. ما يتبع ذلك هو رحلة للزوجين تظهر عمق الصمت بينهما والكبت. يوهان الباكي باستمرار من ثقل حمل الخطيئة واستر الصامتة التي تدرك أنها لا تستطيع فعل أي شيء. هناك في تلك المشاهد يمسك الفيلم بجوهر هؤلاء البشر وطبيعة حياتهم. ثمة ما هو أبعد من الايمان وما هو أعمق من القناعة. الوصف لا يكفي هنا بل إن الحالة هي تجسيد للكلمة من نحو أن المينونيت هو الايمان والقناعة والطهارة في ذاتها. تجربة ريغاداس أثارت الكثير من النقاش لا سيما أنه قدم في كان قبل عامين عملاً صادماً لا يمت الى الحالي بصلة هو Battle in Heaven. ومن الأسئلة التي أثيرت حول الفيلم الحالي: ماذا يريد أن يقول من خلاله؟ ماذا بعد التأمل والخشوع اللذين تتقمصهما الكاميرا؟ ماذا أبعد من درس "الصبر" الذي يلقنه للمشاهد؟ وتلك أسئلة مشروعة ولكنها قد تتجاهل إنجاز الفيلم الحقيقي: القدرة على نقل تلك الحالة التي يمثلها "المينونيت" بافتتان لا يقوم الفيلم بدونه فلولا افتتان ريغاداس بهم لما أبصر الفيلم النور.

عند بيللا تار ايضاً الكلمة الأولى والأخيرة للصورة. يأتي المخرج المجري الى المسابقة للمرة الأولى بفيلم London The man from المستوحى من رواية للكاتب البلجيكي جورج سيمينون والذي يأخذ منذ المشهد الاول­ لقطة افقية متحركة على باخرة تفرغ حمولتها ليلاً­ شخصية مخرجه. تدور أحداث الفيلم بمعظمها من وجهة نظر حارس ليلي­ مالوان­ في المرفأ يجلس في غرفته الصغيرة مراقباً من شباك زجاجي ما يدور في الخارج. وأول ما يلحظه حقيبة يرميها مجهول من الباخرة الى الرصيف حيث يلتقطها آخر سرعان ما ينخرط في صراع مع ثالث لتنتهي الحقيبة في الماء. ينتشل مالوان الحقيبة ليجد فيها رزمات من المال من عملة اليورو التي هي الإشارة الوحيدة الى أن الفيلم يدور في الحاضر. أما عناصر الفيلم الأخرى فتنسجم تماماً مع أسلوب المخرج الذي يستل الأحداث والشخصيات من الزمان والمكان تعززها صورة الابيض والاسود وأسلوب الفيلم نوار الذي يطغى على الفيلم. تتابع الاحداث مع مالوان الذي يعيش حياة فقر مع زوجته وابنته هنرييت التي تعمل في محل سرعان ما ينتشلها منه. وبوصول محقق انكليزي، يتبين أن المال في الحقيبة يعود الى شخص يُدعى براون وأن الاخير سرقه. الفيلم بمعظمه صامت باستثناء مونولوغات المحقق الطويلة، يرتكز على صراع مالوان الذي وجد في المال وسيلة للهروب من حياته البائسة. ولكن مشكلة الفيلم تتمثل في الهوة بين خطه السردي المعني بالسرقة والتحقيق والآخر العاطفي الذي يفترض به أن ينقل انفعالات الشخصيات وصواعاتها الداخلية وهو ما حققت بيللا تار باتقان في فيلمه الاسبق Damnation حينما مزج بين البعدين الروحي والسردي. هنا، الخط السردي ثقيل ومعقد يتطلب جهداً لفك طلاسمه. بينما تحول الشخصيات يتحقق من خلال مشاهد طويلة وحركة مستمرة للكاميرا وموسيقى تكاد لا تترك اي مشهد يخلو منها. إنه شكل بصري صادم لا يترك مجالاً للنقاش حول قدرات هذا المخرج وأسلوب شديد المزاجية لا يساوم ولا يتنازل ولكنه يعجز في النهاية عن تحقيق عمل منسجم الروح والشكل.

عرض مفاجئ في اليوم قبل الأخير للمهرجان وقعته اليابانية نايومي كاواسي في عنوان The Mourning Forrest. قطعة سينمائية أخرى مزاجية وخاصة، تشتغل، كفيلم ريغاداس، على تحقيق لغة تمس الروح. بكاميرا محمولة معظم الوقت، تقارب كاواسي شخصيات فيلمها في مأوى للعجزة حيث تتطوع "ماتشوكا" للعمل. الشخصية الأساسية هناك رجل مسن يحمل حقيبة باستمرار ولا يكف عن تكرار اسم زوجته المتوفاة منذ ثلاثين سنة ويسأل باستمرار "هل أنا حي؟". بعد سلسلة مواقف متوترة بينه وبين الفتاة، تتقرب الأخيرة منه وتعرض أخذه في نزهة. إلا ان السيارة تتوقف في منتصف الطريق ليجدا نفسيهما في غابة شاسعة من دون اي اتصال بالعالم. يسير الاثنان من دون أدنى فكرة عن الاتجاه الذي يقودهما الى الطريق من جديد غير ان الرجل يبدو مدركاً لخطواته فلا يتوقف حتى يصل مكاناً قرب شجرة باسقة. هناك فقط، يفتح حقيبته ويخرج منها دفاتر ماضيه وعلبة موسيقية ويحفر مكاناً له في بطن الأرض لينام بطمأنينة. يحمل الشريط ملامح إنسانية عميقة متمثلة بالعلاقة التي تنشأ بين الاثنين ويلامس بفلسفة غير مدعية مواضيع الموت والحياة والخلاص. بأسلوب مؤثر وصادم معاً، تشير المخرجة في نهاية شريطها الى معنى العنوان The Mourning Forest موضحة أنه المكان الذي يُسمى "جبل الحداد" وأن العنوان الاصلي Mogari يعني "نهاية الحداد".

المستقبل اللبنانية في 27 مايو 2007

 

سينماتك