كتبوا في السينما

سينماتك

انطلاق المهرجان بـ «ليالي بلوبيري»

السينما الأميركية حاضرة بقوة... ولكنها ليست سينما ساركوزي

كان (جنوب فرنسا) - ربيع إسماعيل

مهرجان كان الـ 60

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

كما كان متوقعاً تماماً، كان افتتاح الدورة الستين لمهرجان «كان» السينمائي في المدينة الساحلية في الجنوب الفرنسي مميزاً. أولاً من ناحية الصخب والحضور ذلك أن أهل المهرجان وأهل السينما وأهل الصحافة ناهيك عن الجمهور العريض، ما كان في امكانهم ان يفوتوا فرصة بلوغ المهرجان الـ 60 من عمره، من دون أن يقيموا للمناسبة احتفالاً صاخباً يضج بألوف المشاهدين داخل الصالة وخارجها ومئات النجوم والممثلين وألوف الصحافيين والتقنيين وغيرهم.

وكان مميزاً بعد ذلك بفيلم الافتاح المنتظر منذ زمن بعيد منذ ما لا يقل عن عام، ذلك أن أهل السينما، محبي أفلام الصيني وونغ كارواي كان يستبد بهم فضول إيجابي لمعرفة كيف سيكون فيلمه الأول الذي يحققه خارج نطاق عالمه الصيني. والنتيجة حتى الآن تبدو مرضية وإن كان الوقت أبكر من أن يسمح بإلقاء نظرة نقدية على الفيلم وعنوانه «ليالي بلوبيري». منذ الآن يمكن القول فقط إن كارواي لم يخيب الآمال، ولا خيبتها نورا جونز المغنية المعروفة التي تخوض هنا تجربتها الأولى في عالم الفن السابع. فيلم الطريق الرومانسي هذا الذي أول ما يلاحظ فيه امتلاؤه بقبلات لا تنتهي.

قال كارواي عنه، حين ألح عليه الصحافيون كي يتكلم، وهو قليل الكلام عادة، انه بالنسبة إليه، فيلم إجازة «حققته خلال سبعة اسابيع فقط، مع ممثلين، هم كثر إلى جانب نورا جونز، من جاد لو الى ناتالي بورتمان... الخ»، تعاملوا معه ومع الفيلم كاصدقاء مقربين. وأضاف كارواي ان الذين لا يحبون تجربته الأميركية الأولى هذه ما عليهم إلا أن ينتظروا عاماً، حتى يروا تجربته المقبلة «سيدة من شانغهاي» مع نيكول كيدمان. هذه المرة هل هناك علاقة بين الفيلمين؟ سألناه. أجاب: «بالتأكيد فدائماً لدي علاقة بين كل فيلم احققه والسابق عليه». هل ينطبق هذا القول على «ليالي بلوبيري»؟ «إلى حد كبير أجل». وأعتقد بأن الذين يتابعون أعمالي لاحظوا ان أصل فيلمي الجديد هذا موجود في فيلم قصير كنت حققته مع طوني لنغ وماغي شنغ. إذ يقول كارواي: «يتضح الأمر بسرعة إذ تعود إلى المستمع ذاكرته»، طبعاً كان هناك فيلم الطريق القصير الذي لعبه يومذاك نجماه المفضلان اللذان سينتحر واحد منهما (طوني لنغ) في الحياة الحقيقية بعد ذلك.

أميركا وأميركا

بعيداً عن هذه الذكريات إذا كنا نبقى مع فيلم كارواي الجديد - الذي سنعود إلى الحديث عنه في رسالة مقبلة - نقول إنه آذن بمهرجان كبير. إذ من المعروف في «كان» عادة ان فيلم الافتتاح بالاستقبال الذي يحظى به، يعطي العلامة. والعلامة انطلاق من الافتتاح جيدة.

ومع هذا لا يمكن القول بالتأكيد منذ الآن إن كل شيء مضمون، ذلك أن الغياب شبه الكلي للسينما الأوروبية الغربية، باستثناء الحضور الفرنسي اللافت وغياب السينما العربية والافريقية والأميركية اللاتينية، ولو نسبياً يعطي انطباعاً غير مريح عن مهرجان تسيطر عليه السينما الأميركية كلياً، في البرامج الاساسية على الأقل. ذلك انه إذا كان ثمة من ملاحظة اساسية يمكن التوقف عندها فهي ان أميركا تعود إلى «كان» هذه المرة بقوة مدهشة وبكثافة علينا ان نعود سنوات طويلة إلى الوراء حتى نعثر على ما يوازيها.

ولكن يبقى السؤال أي أميركا؟

بالتأكيد ليست تلك التي يقول الرئيس الفرنسي المنتخب حديثاً، نيكولا ساركوزي انه يجب أن يخطب ودها. أي ليست اميركا بوش والمحافظين الجدد. بل بالاحرى أميركا التمرد والنفي الطوعي والموضوعات التي لا تلتقي هموم المواطن الأميركي من نوعية زبائن بوش، حتى من النوعية التي صوتت لساركوزي في فرنسا. أميركا نعم، ولكن أميركا الأخرى. تلك التي اعتادت ان تعطي «كان» زخماً كبيراً حتى لو عبر أفلام قليلة تحصر. هذه المرة عدد الأفلام غير قليل. وربما يكون في هذا نوع من الرد على وونغ كارواي الذي اراد هنا ان ينافس الأميركيين في عقر دارهم، كما فعل زميله الألماني جيم فندر قبل عقود حين عرض في «كان» تحفة «باريس/ تكساس»، وهو فيلم أميركي خالص ونال السعفة الذهبية.

إن نال كارواي السعفة الذهبية هذه المرة - وهو أمر غير بعيد الاحتمال على أية حال - فلن يكون أولئك المدعوون الأميركيون الذين احضروا أفلامهم الى «كان» ليدعموا المهرجان في ستينيته مرتاحين كثيراً، سواء أكانوا من داخل المسابقة الرسمية أم خارجها. فالحقيقة انهم جميعاً اتو هنا وهم يعرفون ان معظم افلامهم ليست من النوع الذي يستهوي الجمهور الأميركي العريض تلقائياً، ولذلك فهم في حاجة إلى دعم أوروبي ومهرجاني، وربما الى جوائز كبرى - إن كانوا من المتسابقين - وبحسب الواحد منهم انه حتى إن كان ينتمي الى هوليوود، فهو يحتاج إلى تمويل من الخارج، أو تصوير في الخارج حتى يحقق فيلمه ما أراده منه.

صخب استثنائي

الواقع ان معظم الأفلام الآتية من أميركا هذه المرة، بما فيها فيلم كوينتين تارانتينو «برهان الموت» لها علاقة بالخارج، بل إن آبيل فيرارا حقق فيلمه في إيطاليا. وغاس فان سانت حقق فيلمه بأموال أوروبية، فهل يقول هذا كله شيئاً؟

حتى هذه اللحظة لا يبدو هذا كله مهماً. المهم ان السينما الأميركية - التي كثيراً ما احتفل بها مهرجان «كان» - تحتفل هي به هذه المرة وترسل إليه بعض أفضل ما انتجت، خارج النطاق التجاري، هذا العام. ترسل إليه الأفلام التي سيطول الحديث عنها طوال الشهور المقبلة، والتي بعضها سيردد اسمه في ترجيحات «الاوسكار» مطلع العام المقبل. وهذا الأمر في حد ذاته يشكل الاحاديث الجانبية منذ ايام وتكثف يوم الافتتاح ولاسيما من خلال بدء توافد المخرجين والنجوم الأميركيين إلى مدينة كان. كما من خلال عشرات اللافتات الإعلانية الضخمة التي تروج للسينما الأميركية، سواء أكانت ضمن إطار المهرجان أم لم تكن. ولقد ذكّر هذا كله، أهل المهرجان، كيف أن السينما الأميركية هذه كانت دائماً الأبرز حضوراً وإثارةً للصخب. بل إن السينما الأميركية كانت تشغل بال المهرجان حتى حين تقاطع «كان» ولا ترسل إليه أفلامها. غير أن هذا كله لا يجب أن يحجب عنا واقع أن كل الكلام عن السينما الأميركية لا يجب - أيضا - أن ينسينا الجودة المتوقعة لمعظم ما يحضر في «كان» من افلامها. مثلاً ديفيد فنشر الذي يحضر ويتبارى في «كان» للمرة الأولى بفيلمه الجديد «زودياك» سبقته إلى هنا سمعة طيبة لفيلمه تضعه بين أفضل ما حقق حتى الآن. بل إن ثمة من بين المتحمسين له من يقول انه واحد من أفضل أفلام «القتلة السفاحين» في تاريخ السينما منذ «سبعة» لفنشر نفسه. والاخوان كون إذا كانا قد حققا انعطافة جديدة في سينماهما عبر جديدهما «لا وطن للرجل العجوز» فإن من الأمور ذات الدلالة ان يختارا مهرجان «كان» للكشف عن هذه الانعطافة في هذا الفيلم. والشيء نفسه يقال عن غاس فان سانت وسودربيرغ وإن كان هذا يشارك على الهامش بمغامرة جديدة لرفاق «اوشن» الذين زاد عددهم واحداً هذه المرة على الفيلم السابق.

طبعاً لانزال اليوم، عند وصول هذه السطور إلى القارئ، في اليوم الأول الفعلي للمهرجان... وكل الأفلام التي يمكن أن نذكرها، لاتزال في ذمة اصحابها لم يشاهدها أحد غيرهم ولاسيما منها الأفلام الأميركية. ولدينا خلال الأيام المقبلة متسع من الوقت للحديث عن كل هذه الأفلام. أما هنا فإن ما يلفت حقاً هو الضجيج غير المعتاد للمدينة التي تبدو في أحسن حالاتها. ولئن كانت تبدو دائماً صاخبة أيام المهرجان، فواضح أن صخب هذه الدورة استثنائي كما اشرنا.

عزاء من لبنان

بقيت ملاحظة: اعتدنا في دورات السنوات الكثيرة الماضية ان يكون صخب الحضور العربي هو الأكثر بروزاً ولاسيما حين تكون سينمات عربية مشاركة في «كان». ونعرف - كما اشرنا الاسبوع الماضي على صفحات «الوسط» - ان الحضور العربي هذا العام يقتصر على السينما اللبنانية وبعض التفاصيل القليلة الأخرى، كحضور يوسف شاهين وإيليا سليمان بين أكثر من ثلاثين مخرجاً كلفوا بالمشاركة في فيلم جماعي يحيي الستينية بعنوان «لكلٍّ سينماه».

من هنا حتى اللحظة على الأقل، لا يكاد الحضور العربي يحس. اللهم إلا إذا استثنينا عددا لا بأس به من سينمائيين لبنانيين شبان أتوا لدعم أفلامهم المعروضة. وإذا استثنينا بعض شبكات التلفزة العربية التي ارسلت - كالمعتاد - طواقمها لمتابعة المهرجان... وكان سؤالها الأول: أين العرب لنصورهم؟ فواضح أن هولأء إن لم يجدوا العرب المعتادين، وإن لم ينتبهوا إلى الحضور اللبناني الكثيف ليهتموا به، فسينتهي بهم الأمر الى تصوير بعضهم بعضاً!

طبعاً قد يبدو هذا الكتاب اشبه بالنكتة، ولكنه يحدث بين الحين والآخر. ففي العام الماضي مثلاً ارسلت احدى محطات التلفزة العربية طاقماً لمتابعة نشاطات «كان» وكان هناك طاقم آخر مستقل يصور للمحطة نفسها. ولما كانت مقدمة الطاقم الأول «نجمة» وزوجة نجم، لم يفتها أن تصور نفسها كلما وجدت الأمر ملائماً، بحيث انها لاحقاً حين عرضت حلقاتها، لم يرَ الجمهور الكريم في الحلقات وعلى الشاشة الصغيرة... غيرها.

كل هذا لا يبدو مهماً على أية حال، في لحظات البداية هذه. اللحظات التي لاشك في أن الكل يطرح فيها على نفسه السؤال الأساسي: ترى من الذي سيعيدنا إلى فرحنا بالسينما؟ ومن الذي سيخيب أملنا؟ من الذي سيستخدمنا ويستخدم حبنا للسينما لتمرير أفكاره وآرائه وخيباته؟ ومن الذي سيقدم إلينا تلك الأفلام التي تقول لنا دائماً إن السينما في خير وإنها - لاتزال - داخل المهرجانات وخارجها الفن الاكثر شعبية والأكثر جمالا.

كل هذا النوع من الأسئلة سنرد الاجابات عنه خلال الايام العشرة المقبلة. أما الآن وطالما أن الإشارتين الرئيسيتين في هذا الكلام كانتا عن السينما الأميركية الحاضرة والسينمات العربية غير الحاضرة كما كان يجب عليها ان تحضر، فإن في امكاننا أن نكتفي - بناءً على ما توافر من معلومات على الأقل - بالقول إن السينما الأميركية في خير ولاسيما بالنسبة الى أفضل مخرجيها من الذين عرفوا دائماً بأنهم ابناء «كان» والذين منذ الآن يدخلون هذا النادي المميز. وكذلك في امكاننا أن نقول إن السينمات العربية - إذا استثنينا اللبنانية - ليست على ما يرام ولو مقارنة بالعام الماضي، إذ شهد المهرجان انطلاق السينما السعودية بفيلم عبدالله المحيسن «ظلال الصمت» وتجديد السينما المصرية بثلاثة أعمال على الأقل: «عمارة يعقوبيان» و «حليم» و «البنات دول» تحفة تهاني راشد التسجيلية الاجتماعية.

إذاً؟

إذاً منذ الحظة بدأنا نحن لدورة العام الماضي، وجيد أن يكون لبنان حاضراً لتعزيتنا.

الوسط البحرينية في 17 مايو 2007

 

سينماتك