كتبوا في السينما

سينماتك

القبس في مهرجان كان ال 60

من أمثال الأخوين كوين ودافيد فنشر وجوس

السينما الفرنسية تتراجع أمام 'عتاولة' المخرجين

رسالة كان يكتبها صلاح هاشم

مهرجان كان الـ 60

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

السينما الفرنسية 'المقاومة' التي يقام المهرجان على ملعبها السينمائي الدولي في مهرجان 'كان' الستين، يبدو انها لن تستطيع أن تصمد طويلا، بخاصة في المسابقة الرسمية للمهرجان، أمام هذا التيار من الأفلام القوية الجميلة من أميركا ورومانيا وكوريا وغيرها التي أتحفنا بها، والتي حضرت من خلال سينما المؤلف الشخصية، وأكدت توهجا سينمائيا بارزا خلال هذه الدورة، ومن المؤكد بسبب ضعف الأفلام الفرنسية وتهافتها وتفاهتها في المسابقة، أنها ستخرج من المهرجان بلا حمص.

كان الفيلم الفرنسي 'أغنيات الحب' LES CHANSONS DصAMOUR لكريستوف أونوريه، المشارك في المسابقة، الذي يحكي عن علاقات الحب الجديدة بين الشباب في فرنسا، ويقوم ببطولة الفيلم شاب عربي يدعى إسماعيل، يبدو ونحن نتابع أحداث الفيلم في أول مشهد من خلال لقطات لإيقاع الحياة في باريس الأخرى خلف الواجهة السياحية الشهيرة، انه سيكون واعدا، اذ نتعرف في الفيلم على إسماعيل الذي ينتظر حبيبته، إلى حين خروجها من صالة سينما في باريس، ويروح يغني لها ويرقص على الواحدة، غير أن حبيبته المنفتحة على الآخرين، تقبل أن ينام إسماعيل معها وصديقتها في فراش واحد، وعليه أن يكون متسامحا ومتفهما لدورة الأفلاك التي تفاجئنا مع الأيام التي تتبدل بكل ما هو عجيب وغريب 'رب أرحم'، ويحاول المسكين أن يتحكم في مشاعر الغيرة التي 'تعكنن' عليه حياته من دون جدوى، ويحزن إسماعيل وحده، ونتعرف في الفيلم على أسرة حبيبته الفرنسية، التي تجد ان مسألة الحب من الجنس نفسه شيء طبيعي ـ هل ترون غير ذلك؟ انه ـ حسب العرف الفرنسي الجديد ـ قمة التخلف ـ بل ان الأم المتطورة مع الزمن، تفرح جدا لابنتها التي يحبها إسماعيل وزميلته في العمل، ثم تموت فجأة حبيبة إسماعيل بالسكة القلبية، بعد مضي ربع ساعة من الفيلم، وينتهي كل شيء، وينعى إسماعيل حبيبته، ويقاوم ويحارب حزنه على فقدانها بالغناء، وتمضي أحداث الفيلم من خلال المشاهد الحوارية الطويلة المملة والثرثرة الفارغة التي تجعلك تموت من الهم في مقعدك، وعليك أن تسارع كما فعلت بالهروب من الصالة، وذلك الفيلم الميت الذي لم يحرك في شعرة او خلجة، وجعلني أتساءل: اللعنة هل هناك بالفعل حاجة الى صنع وتمويل مثل تلك الأفلام، التي تقصفنا كما في بعض أغنيات الحب بتفاهات السينما الفرنسية العقيمة؟

أكيد كان طموح كريستوف أونوريه أن يصنع فيلما على شاكلة 'مظلات شيربورغ'، الفيلم الموسيقي الجميل الأصيل الذي صنع شهرة الفرنسي جاك دومي، وحصل به على سعفة 'كان' الذهبية في دورة سابقة، وكشف عن موهبة سيدة الشاشة الفرنسية كاترين دينوف وهي بعد في المهد صبية، غير ان سيناريو الفيلم الركيك الضعيف في 'أغنيات الحب' لم يساعده، حيث بدا لنا الفيلم مسطحا وفارغا من أي محتوى، او هم حقيقي، وهبط التمثيل الضعيف بالفيلم بل قضت الأغنيات والموسيقى التافهة على البقية المتبقية منه ونعتبر انه لم يكن يليق بمهرجان سينمائي كبير مثل مهرجان 'كان' بخاصة بمناسبة الاحتفال بعيده الستيني.

أن يختار هذا الفيلم الفرنسي الدعائي في مسابقته الرسمية، بل لم تكن هناك ضرورة عاجلة لأن يصنع أو يفبرك هكذا بالمرة، وليس صحيحا كما يقول كريستوف أونوريه من أن أغنيات الحب تحكي القصة نفسها: حين تردد أن هناك كثيرين 'وقعوا في حبك من أول نظرة'، ومن 'إني لا أستطيع أن أعيش من دونك' الخ، كما أنها يقينا لا تحكي فقط تلك القصة التي أراد أن يسردها علينا، ونحيله هنا والقراء فقط إلى فيلم 'درس البيانو' للنيوزيلندية جين كامبيون، ترى هل يحكي القصة ذاتها؟

خيال وذاكرة

وتدخل فرنسا المسابقة الرسمية أيضا بفيلم 'لباس الغطس والفراشة' LE SCAPHANDRE لجوليان شنابل الذي لم يعجبنا، على الرغم من أنه يحكي قصة واقعية، بعدما وقع حادث مؤسف لمدير تحرير مجلة 'ايل' الفرنسية، فقد على أثره النطق وصار مشلولا, وخلال ربع الساعة الأولى من الفيلم، نعيش مأساته، ونرى من خلال تطور أحداث الفيلم، حيث يعالج في مصحة للعجزة والمقعدين والمشلولين، كيف سيتحرر من خوفه، ويتغلب على يأسه، بقوة 'الخيال' و'الذاكرة' اللذين لم يصبهما الشلل، على العكس من بقية أعضاء جسمه، ف 'الخيال' يجعله ينطلق بحرية حيثما يريد، فيسافر ليشاهد معجزة الأهرامات وأبو الهول في مصر ـ وتظهر بالفعل لقطة لأهرامات مصر في الفيلم ـ ويتزحلق على الجليد في منتجع سويسري، ويروح يسبح داخل المياه الصافية في تاهيتي او جزر سيشل.

كما يستطيع بقوة 'الذاكرة' أن يسترجع أيام طفولته وشبابه وأجمل أيام حياته التي عاشها مع زوجته وأولاده وأصدقائه، وبعد أن نتعرف على الطريقة التي سيستطيع من خلالها أن يتكلم برمش العين، وينتهي من وضع كتاب من تأليفه، ينحرف الفيلم بداية من تلك اللقطة التي يظهر فيها وهو يحلق لوالده شاربه، ينحرف عن اتجاهه، ويدلف إلى منطقة الكلام المحرمة، ليحكي الأب عن حبه لزوجته ويعبر الابن بطل الفيلم عن امتنانه لتقدير الأب، وهي أشياء لا تضيف سينمائيا إلى بداية الفيلم الموفقة، التي يتخيل فيها بطلنا بعد الكارثة التي وقعت له، وقد فقد معها كل اتصال له مع العالم الخارجي، انه حبيس لباس غطس مصفح ثقيل من الرصاص من النوع القديم، وهو يغرق ويصرخ ملتاعا داخله ان انجدوني.

ثم كيف سيتحرر في ما بعد بقوة 'الخيال' و'الذاكرة' وإرادة من حديد، ويتغلب على يأسه وعجزه ويحلق خفيفا كالفراشات، ومن هنا الاختيار الموفق لاسم الفيلم، الذي ينتهي كما ذكرنا بعد ساعة، ويدفعنا بسبب الملل الى مغادرة القاعة غير نادمين.

والمؤكد أن مجموعة الأفلام الفرنسية بما فيها 'العشيقة المسنة' لكاترين بريا و'بيرسوبوليس' لمرجان سترابي وفنسان بارونو اللذين لم يعرضا بعد- لن تستطيع أن تصمد لضربات أفلام سينما المؤلف، التي احتشدت بها مسابقة الأفلام الرسمية، التي عرضت عدة 'تحف' سينمائية بهرتنا بنضجها وجمالها وقوتها، بل صارت قطعة منا، أكبر منا.

مسرح الدم والفوضى

من ضمنها فيلم 'لا بلد للعجائز' للأخوين كوين NO COUNTRY FOR OLD MEN الذي يحكي عن 'الغرب' الأميركي الذي يشاهد فيه مفتش بوليس عجوز فيلسوف حكيم، يلعب دوره باقتدار الممثل الأميركي تومي لي جونز، يشاهد كيف يتحول ذلك الغرب بتاريخه وجماله ومثله وقيمه الى 'مسرح' عبثي للعنف والجريمة وتجارة المخدرات، مسرح يعبره شيطان شرير لا يرحم، ولا يفهم الا لغة القتل والسحل والرصاص، وفي حين يقدم الأخوان كوين من خلال أحداث الفيلم نموذجا أصيلا من أفلام 'النوع'، نوع أفلام 'الوسترن' رعاة البقر الشهيرة، التي كان أبطالها مثل جون وين وبيرت لانكستر وراندولف سكوت وروبرت ميتشوم ينجحون دوما في مطاردة الأشرار المجرمين، واعتقالهم، وإعادة الحقوق إلى أصحابها.

يفشل مفتش البوليس العجوز في ذلك الفيلم في القبض على الشيطان الشرير، لأن الزمن تغير، والقيم تغيرت، وعليه الآن أن يتأمل في ما سوف تؤول اليه أحوال البلاد في ذلك الغرب الذي لم يعد، بعدما كان 'الشريف' في ما مضى ـ من يصدق؟ ـ لا يحمل مسدسا، كما يقول في الفيلم، ولا يجد نفسه مضطرا إلى ذلك، وينجح الأخوان كوين في صنع فيلم باهر ناضج لاهث، يحبس الأنفاس، كما في أفلام الفريد هيتشكوك التي تخلق توترا متصاعدا يجعلنا مشدودين إلى مقاعدنا، بل ولا نريد للفيلم أن ينتهي أبدا، ونرشحه للحصول على سعفة 'كان' الذهبية أو الجائزة الكبرى في الدورة الستين.

كما يبرز من ضمن الأفلام الرائعة التي عرضت في المسابقة فيلم 'أربعة أشهر وثلاثة اسابيع ويومان' MONTHS 4 للمخرج كريستيان مونجيو من رومانيا، ونرشحه للحصول على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، حيث يعرض لمحنة البشر في رومانيا الدكتاتورية في السبعينيات تحت حكم شاوشيسكو من خلال قصة طالبة جامعية حامل في الشهر الرابع، تسحب زميلتها بطلة الفيلم الى فندق لإجراء عملية اجهاض فيقعان ضحية مجرم جزار، لا يطلب أجرا نظير إجراء العملية، بل يطلب ما هو أثمن من ذلك بكثير، حيث يضاجع كل واحدة منهما على انفراد، وتضطر الطالبة التي حضرت مع زميلتها في مابعد أن تتخلص من الجنين، ويكشف الفيلم من خلال محنتها عن أجواء الرعب والخوف البوليسية التي سادت آنذاك بأجوائها السوداوية العبثية، ويجعلنا نتعاطف مع بطلته التي تشكل تلك الحادثة انعطافة مهمة في حياتها، انعطافة تجعلها تفكر في حياتها من جديد وكأنها تفيق من 'كابوس' مرعب ومعه تنهار كل أحلام الحب الجميلة، ويزول الوهم

فيلم 'أربعة أشهر' يضع هوية إنسانة على المحك ويجعلها تعيد النظر في حياتها من جديد، ومن ابرز مشاهد الفيلم اللحظة التي تدلف فيها بطلته الى الحمام، لكي تلف الجنين في ورقة وتحمله في حقيبتها ثم تغادر الفندق لتتخلص منه بإلقائه في مقلب قمامة داخل أحد المجمعات السكنية في ضواحي المدينة الكئيبة، ويبرز أيضا في الفيلم الذي يذكرك بأفلام المخرج البريطاني كين لوش الواقعية، مشهد الاحتفال بعيد ميلاد أم خطيب بطلة الفيلم، ويدعوها إلى الحضور مع باقة زهور فتنسى شراء الزهور وتصل إلى الحفل بعد أن يكون اغتصبها ذلك الطبيب المزيف، وهي تكاد تموت من العار، ومن القلق على صديقتها التي تركتها وحدها وهي تنزف بعد إجراء عملية الإجهاض البشعة في الفندق، وتكتم البطلة السر وتضع غطاء على حزنها ولا تفاتح خطيبها في الموضوع وتجد نفسها وحدها في ذلك العالم وعليها الآن أن تنسى كل شيء فلا احد سيغسلها أبدا أو أن يطهرها من عارها.

والسؤال المطروح الآن هو كيف ستستطيع السينما الفرنسية أن تصمد يا ترى بأفلامها 'الذهنية' المدعية الضعيفة العقيمة، أمام تلك الأفلام؟ مثل كاسحات الالغام التي أعجبتنا، من جنس 'بارانويد بارك' PARANOID PARK الذي كتبنا عنه، وفيلم 'زودياك' ZODIAK ونرشحه للحصول على جائزة أحسن أخراج أو أحسن سيناريو، وسنعرض لذلك الفيلم الأثير لاحقا، وفيلم 'لا بلد للعجائز' وفيلم 'اربعة أشهر'، ونرشحها كما رأيتم جميعها، للحصول على جائزة من ضمن الجوائز التي توزع في نهاية المهرجان؟علينا أن ننتظر، ونراهن من الآن على أنها يقينا ستخرج من مهرجان 'كان' الستين الكبير بلا حمص.

القبس الكويتية في 25 مايو 2007

 

سينماتك