بفيلمين
بهيجين حازا على إعجاب وتصفيق الجمهور والنقاد، الياباني "غابة موجاري"
للمخرجة ناومي كاواشي و الصربي "عدني بذلك" للمخرج البوسني إمير كوستوريكا،
انتهت عروض المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي. هذا وسيختتم المهرجان
فعاليته يوم غد الأحد بفيلم خارج المسابقة للمخرج الكندي دونيس اركان
بعنوان "عصر الظلمات" يليه حفل توزيع الجوائز.
غابة
موجاري.. فيلم متقن عميق رغم بساطته
الفيلم
الياباني قدم خلال 97 دقيقة لوحة جميلة غامضة حول فكرة الموت أو ما بعد
الموت، في سياق أحداث قد تبدو مفاجئة أو غير منطقية من وجهة نظر عقلانية،
لكن من بوسعه الادعاء أن فكرة الموت تخضع للعقلانية. وهنا لا بد من الإشارة
إلى بعض الأعمال الأدبية والسينمائية اليابانية التي تناولت رحلة سفر لا
عودة منها لمسنين رافقهم أحد المقربين، لأن الإنسان المعمر يمل الحياة
وينفذ صبره من الانتظار في وحدته.
بالتأكيد
يوجد تباين كبير بين ثقافة ومعتقدات مجتمعنا الشرقي وحتى المجتمع الغربي
الأوروبي وبين ثقافة شرق آسيا. في عالمنا توجد صيرورة اجتماعية لحياة
الأسرة بمختلف فئاتها، من الطفل إلى البالغ فالمسن، ينعكس في إظهار احترام
متزايد للمتقدمين في العمر.
لكننا
نجد الصيرورة نفسها وإن بشكل آخر في هذا الفيلم الذي يروي قصة علاقة بين
رجل "شيجيكي" في السبعين من عمره يعاني من بدايات الخرف ويقضي أيامه في
مأوى للمسنين وبين "ريكو" مساعدة الممرضة التي تعتني به والتي عمرها 27
عاما، حيث تبدأ علاقة بين العجوز والصبية اللذين يجتمعان في أن كلا منهما
فقد عزيزا، هي فقدت ابنها وهو فقد زوجته.
في
البداية تكون العلاقة متوترة بين الاثنين إلى أن تقبل ريكو مرافقة الرجل
إلى "غابة موجاري" لزيارة قبر زوجته، وهي أمنيته الغالية في يوم ميلاده.
هذا مع العلم أن كلمة "موجاري" تعني "زمن الحداد". خلال هذه الرحلة تتعطل
السيارة التي تقلهما، فيضطرب الرجل ويقرر مواصلة الطريق عبر الغابة دون علم
ممرضته التي لا تجد مفرا من اللحاق به ومرافقته وحمايته رغم معاملته السيئة
لها.. بين معمر هارب من الحياة وصبية لا تغيب عن خيالها صورة ابنها الراحل
وزوجها الذي انفصلت عنه، تبدأ رحلة تيه عبر غابة وحشية ساحرة المناظر،
طبيعة تهدد أحيانا بأمطارها الغزيرة وتكون عطوفة حامية أحيانا بزواياها
الساكنة الآمنة. خلال الرحلة يصاب الرجل بنوبة برد نتيجة الأمطار، فنجد
ريكو تنزع عنه ملابسة وتجففه وتحضنه إلى صدرها العاري كطفلها الصغير، كطفل
يعيد دفء جسدها إليه حيوية الحياة ليبدأ الاثنان في نسج علاقة جديدة قائمة
التعاطف الإنساني. خلال الرحلة المتاهة يقف الرجل مشدوها أمام جذع شجرة
هائلة الضخامة والارتفاع، قبل أن ينام بسكينة في حضن هذا الجذع بينما تدير
المرأة مفتاح صندوق موسيقي صغير يصدح بإيقاعات كأنها دعوة لاستمرار الحياة،
تبعد الخوف وهواجس الموت.
فيلم متقن
جميل عميق في رؤيته الفكرية على الرغم من بساطته، تلك البساطة الحياتية
التي تنتقل إلى مستوى آخر من العمق حيث العامل الخارجي لا يقل أهمية عن
الشخصيات. المطر أو غضب الغابة لاعب أساسي في الفيلم، المشاعر لا تخرج على
شكل كلمات لكن نتلمسها شيئا فشيئا على امتداد الأحداث، حيث يتناوب الاثنان
دور الدليل ودور الصديق السند. فيلم شاعري يتغنى بالصداقة والطبيعة وقبل كل
شيء بالحياة.
عدني
بذلك.. كوستوريكا يعود إلى فضاء الترحال
الفيلم
الصربي مختلف من حيث الإيقاع، فهنا نجد ضجة الحياة الخارجية وصخبها، بما
فيها من جمال وحب وحيوية وبما فيها أيضا من قبح السرقة والمافيا، وخاصة بما
فيها تمجيد للحياة الحرة في فضاء ريف جميل غير مرتبط بالجنسية القومية.
وكأن
مخرجه الذي سبق له الدفاع عن يوغسلافيا، يريد التحدث عن بلاده قبل أن
تمزقها حروب القوميات بتأييد من أمريكا وأوروبا الغربية. صحيح أن كوستوريكا
لا يتناول في فيلمه الجديد السياسة ـ السياسية بشكل مباشر، لكنه يأخذ موقفا
وإن كان مواربا ضد التحالف القائم بين المافيا المتصاعدة والفاشية
المتحكمة. "عدني بذلك" يخرج من اختناق الانغلاق المدمر الذي رأيناه في
فيلمه
underground
إلى الفضاء الواسع، فرغم تحالف الفاشية والمافيا، تبقى عوالم الفيلم مليئة
بالحيوية والبهجة التي عرفناها في فيلم كوستوريكا الشهير "زمن الغجر"،
والحق يقال إن المخرج البوسني أصلا ظل أقرب إلى أعمال الغجر حيث حركة ترحال
مستمرة مشحونة بعلاقات متناقضة بما فيها من سرقات ومحبة وصمود وبهجة حياتية
دائمة.
"عدني
بذلك" يبدأ على هضبة منفية في الريف الصربي حيث يعيش الفتى تسان مع جده
وبقرتهما في منزل ناء لا يجاوره إلا منزل واحد آخر تسكنه معلمة مدرسة. ذات
يوم يعلن الجد لحفيده أنه موشك على الموت ويطلب منه أن يعده بأنه يعبر
الهضاب الثلاث وصولا إلى أقرب مدينة وأن يبيع البقرة في السوق، على أن
يشتري بثمنها أيقونة دينية وشيء للذكرى، كما عليه أن يجد زوجة.
تنفيذا
للوعد، يصل الشاب إلى المدينة ولا يجد صعوبة في تحقيق المطلبين الأولين،
بيع البقرة وشراء الأيقونة، لكن كيف له أن يعثر على صبية تقبل به وبالذهاب
معه إلى قريته قبل رحيل الجد..
قد لا
يكون "عدني بذلك" في نفس مستوى أفلام المخرج السابقة من حيث الاكتمال
والنضج الفني، وبالتالي قد لا يكون مرشحا لنيل السعفة الذهبية التي سبق
للمخرج أن فاز بها مرتين، لكن هل يهم، إن الكثير من النقاد يستغربون أصلا
أن يسعى مخرج موهوب وكبير مثل كوستوريكا لنيل جائزة لن تضيف شيئا إلى
مكانته التي لا جدال حولها.
موقع "إيلاف"
في 26 مايو 2007
تفوق
للسينما الآسيوية في مهرجان كان
قصي صالح
الدرويش: أثار
فيلم
"شعاع سرّي" للمخرج الكوري الجنوبي لي شونغ دونغ تصفيقاً حارّا مؤكدا تفوق
السينما الآسيوية في مهرجان كان لهذا العام، فيما اهتزت مدينة كان الصغيرة
بحضور مجموعة كبيرة من مشاهير نجوم التمثيل، بينهم جورج كلوني وبراد بيت
واندي غارسيا ومات ديمون. وكانت عصابة "اوشن" كلها حاضرة باستثناء أحدث
أعضائها آل باتشينو. وكان الحدث عرض فيلم
OCEAN’S
13 الذي أخرجه هذه المرة ستيفن سودربيرغ. والفيلم هو الجزء الثالث بعد
فيلمي "أوشن" 11 و12. وشهد مهرجان كان حفلا تكريميا لعدد من نقاد السينما
الذين واكبوا المهرجان منذ أكثر من ثلاثين عاما.
أوشن
13... فيلم نجوم وشباك تذاكر
يروي أوشن
13 قصة بوليسية خفيفة، تتناول مغامرات أفراد عصابة أوشن الذين يخططون
لعملية انتقام وسرقة تحت سماء لاس فيغاس وداخل كازينوهاتها.
وتمزج قصة
الفيلم الحبكة البوليسية والمغامرات والمواقف الكوميدية وتتمحور حول مجموعة
كبيرة من مشاهير الممثلين الذين تألقوا في تأدية أدوارهم.
ومن
الممكن ان تكون كل هذه العناصر مجموعة مع بعضها كافية لإنجاح الفيلم في
شباك التذاكر، لكنها غير كافية لإثارة إعجاب جمهور كان الباحث عن درجات
عالية من الفن والعمق الدرامي.
وعلى
الرغم من مستوى الجزءين السابقين، إلا ان التوقعات بالنسبة إلى الجزء
الثالث كانت أعلى بكثير، وذلك بسبب المستوى الذي عرف به المخرج والذي أثار
إعجاب الجمهور والنقاد في أول مشاركة له في مهرجان العام 1998 عن فيلم "جنس
وأكاذيب وفيديو".
وعلى
الرغم من اتسام الفيلم بالأسلوب الجديد الذي ميز ممثليه وأبرز جاذبيتهم عبر
مغامراتهم الطريفة، واعتبر أفضل من الجزء الثاني الذي يحمل الرقم 12 والذي
واجه انتقادات شديدة، إلا انه يبقى فيلما سطحيا ودون المستوى الذي يسوغ
عرضه – حتى ولو خارج المسابقة – ضمن فعاليات المهرجان.
وربما
تكون الغاية هي مشاركة أغلب المخرجين المشهورين في أفلام جديدة بمناسبة
الاحتفالية الستين، إضافة إلى ما يضيفه حضور نجومه من دعائية إلى هذا
العنصر الاحتفالي تحديدًا.
الليل
لنا... إخراج وتمثيل جيد في فيلم يبقى سطحيا.
السطحية
أيضا كانت السمة الغالبة في الفيلم الأميركي الآخر "الليل لنا" للمخرج جميس
غراي الذي اشتهر بفيلمه الأول "أوديسا" وحاز على إعجاب المهرجان، والذي
يعود بنا في فيلمه الجديد إلى عالم المافيا الروسية في الولايات المتحدة
الأميركية.
ويتناول
الفيلم مرحلة نهاية الثمانينات، وتحديدا العام 1988 الذي يعد من أسوأ
الأعوام في مدينة نيويورك، حيث تدفقت المخدرات وارتفع معدل الانتحار
والجريمة وكانت شرطة المدينة تدفن اثنين من عناصرها يوميا، في حين كان صخب
الديسكو يرتفع في علب الليل، خاصة في منطقة بروكلين.
واستوحى
المخرج من ذلك المناخ قصة الفيلم الذي يتناول علاقات أسرية معقدة وممزقة
بين أب وولديه. ويدير بوبي الذي يلعب دوره الممثل "جاكوين فينيكس" علبة ليل
تمتلكها المافيا الروسية التي اتسع نفوذها في عالم الليل مع انتشار تجارة
المخدرات. ويجد بوبي نفسه مرغما على إخفاء روابطه العائلية عن الجميع
باستثناء صديقته "أمادا" التي تعلم بأن شقيقه جوزف ووالده بيرت هما من ضباط
الشرطة المهمين في المدينة.
وكان
الاصطدام حتميا بين حياة الليل القريبة من عالم الجريمة المنظمة وبين رجل
الشرطة. وتقرر المافيا التخلص من الأخ الشرطي الذي يقود حملة ضدها وتحاول
قتله. أمام هذا الخطر المحدق بعائلته، لم يبق امام بوبي مناص، فكان عليه
اختيار خندقه. هكذا يتحول من شبه مجرم، إلى شبه شرطي منتقلا إلى الخندق
الآخر، لتنتصر العائلة رغم صعوبة التواصل بين الشقيقين وقسوة سلطة الأب،
والفضل بهذا الانتصار يعود الى عذوبة الأم.
واتسم
تصوير الفيلم وحركة الكاميرا بالجودة، فيما برع الممثلون خاصة جاكوين
فونيكس الذي ترشح مرتين لجائزة الأوسكار قبل أن ينال العام الماضي جائزة
الغولدن غوب لأفضل ممثل عن فيلم
the walk
line.
كذلك الأمر بالنسبة إلى الممثل روبير دوفال الذي لعب دور الأب والذي عرفه
الجمهور في دور مستشار العراب في الفيلم الشهير الذي حمل الاسم نفسه. ومع
ذلك كله، فإن الفيلم لم يخرج عن المستوى السطحي الذي يجعله أقرب ما يكون
إلى الأفلام التجارية التلفزيونية.
secret
sunshine
شعاع سري... فيلم جميل يؤكد تفوق السينما الآسيوية
الفيلم
الجميل الذي أثار تصفيقا حارًا في كان حمل عنوان "شعاع الشمس السري"
Secret Sunshine
للمخرج الكوري الجنوبي لي شونغ دونغ.
ويبدأ
الفيلم بعرض مشاهد تصوير متميزة لرحلة امرأة تدعى شي أي تتجه بسيارتها مع
ابنها إلى المدينة التي ولد فيها زوجها المتوفى. وتتعطل السيارة قبل
المدينة بقليل، ليقع الميكانيكي الذي تستدعيه هاتفيا لإصلاح سيارتها تحت
سحرها من النظرة الأولى.
في مكان
إقامتها الجديد القديم، تحاول شي أي التأقلم والانطلاق عبر عملها كمعلمة
للموسيقى، لكن حياتها تنقلب رأسا على عقب بعد خطف ابنها وقتله من قبل رجل
ظن أنها ثرية فطلب فدية كبيرة عجزت عن دفعها.
هكذا
استسلمت شي أي لحداد مزدوج ينتهي بها إلى حالة من الصوفية تدخلها في إحدى
البدع المسيحية حيث تبحث عن الخلاص بالتسامح ونراها وقد أصبحت هادئة باسمة
يصل الأمر بها إلى حد زيارة قاتل ابنها والعفو عنه.
عند هذه
المرحلة من الفيلم نشعر وكأننا أمام النهاية.. هذه النهاية الساذجة جدا..
وربما خرج بعض النقاد والجمهور اعتقادا منهم بأن الفيلم لا يعدو كونه دعاية
دينية.
لكن
الأحداث لم تتوقف عند هذه النقطة، فبعد خروجها من السجن تدخل البطلة في
مرحلة أزمة رفض لكل ما آمنت به لنراها وكأنها تحاول تحدي الخالق في مشهد
جنس يجمعها بالميكانيكي الذي لم يتخل عنها لحظة والذي قد تكون شرارة حبه
التي لمعت منذ اللقاء الأول عنوانا لإنسانيتها المستعادة أو "شعاع شمسها
السري".
بانتقاله
من قصة بوليسية إلى دراما إنسانية ومن تطرف ديني إلى تطرف مضاد، يفتح
المخرج آفاقا غير منتظرة ويسبر عوالم إنسانية غامضة.
فيلم جميل
رغم نقلاته المتناقضة، ينجح بشد المشاهد على امتداد ساعتين ونصف عبر حوار
جريء وإخراج قوي، وخاصة عبر أداء الممثلة الرائع التي نراها تغرق تدريجيا
في الألم ثم الوحدة وتحاذي حدود الجنون... أداء تستحق عليه جائزة أفضل
ممثلة، هذا إذا لم يحصل الفيلم نفسه على جائزة السعفة الذهبية.
في
النهاية لا بد من الإشارة إلى أن السينما الآسيوية تشهد حيوية كبيرة، فبعد
السينما الصينية واليابانية ها نحن أمام ثاني فيلم كوري جنوبي يشارك في
مهرجان هذا العام. ويؤكد مستوى الفيلمين الجيد هذه الحيوية.
المهرجان
يكرم نقادا بينهم عرب
وأقام
رئيس مهرجان كان السينمائي جيل جاكوب حفلا تكريميا لعدد من النقاد
بينهم عربيان، وهما الناقد المصري الصديق سمير فريد الذي يشارك دون انقطاع
في تغطية المهرجان منذ عام 1986، وكذلك الناقد الجزائري عز الدين مبروكي.
موقع "إيلاف"
في 26 مايو 2007
|