كتبوا في السينما

سينماتك

السينما الأميركية في خير وأفلامها «المهرجانية» اقل اثارة للخيبة من غيرها...

«عصية على الموت»: في صحة القاتل وسيارته المحصنة

كان (جنوب فرنسا) - إبراهيم العريس

مهرجان كان الـ 60

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

يحدث كثيراً في مهرجان «كان» كما في غيره ان يتوقف كثر عند فيلم من هنا أو آخر من هناك... أفلام تبدو كالمفاجأة الطيبة، حتى وإن أتت من أماكن وبلدان لم يكن ثمة أمل في ان تنتج يوماً أفلاماً من هذا النوع. بل تلك هي واحدة من أهم اختصاصات المهرجان: الاكتشاف. ونحن نعرف ان مهرجانات، مثل «كان» و «البندقية» و«برلين»، لكي نقصر حديثنا على هذه التظاهرات الأوروبية الاساسية الثلاث، كانت المكان الذي منه انطلقت سينمات صارت لاحقاً كلاسيكية آتية من الهند (ساتياجيت راي...) أو اليابان (أكيرا كوروساوا...) او حتى مصر (يوسف شاهين...). والحال انه كان يحدث دائماً، في كل مرة يصار فيها الى اكتشاف من هذا المستوى، ان يدور الحديث عن انبثاق سينمات أخرى وظيفتها الايديولوجية بالنسبة الى البعض، ان يجابه السينمات الكبرى الرائجة ولا سيما منها الاميركية. على هذا النحو نعيت هذه السينما كثيراً ودفنت اكثر. ولكن دائماً كجزء من موقف سياسي هو في حقيقته موقف معاد للسلطة الاميركية، عن حق، لكنه ندر ما عرف كيف يفرق بين سلطات البلد ومبدعيه. وفي المهرجانات الثلاثة التي تحدثنا عنها، وصلت الهجومات المعتادة على السينما الاميركية الى ذرى مدهشة ولكن مضحكة أحياناً. ومع هذا ها نحن اليوم بعد نصف قرن وأكثر من بدايات هذه الحال، نرصد في «كان» انه اذا كانت هناك سينما لا تزال حية كأفراد أو ككتلة، فهي السينما الاميركية. وليس السينما التجارية الرائجة بالطبع. بل تلك السينما الأخرى التي تقارع الأوروبيين والخليجيين في العالم في عقر دارهم، في عالم سينما المؤلف والأفلام التي لديها، حقاً، شيء تقوله.

خيبات أقل

هذا العام، في «كان» يبدو هذا الواقع حاضراً أكثر من أي عام مضى. وذلك، بكل بساطة، لأن السينما الأميركية حاضرة أكثر من أي عام مضى. حاضرة بأفلامها التجارية وبأفلامها الفنية وبأفلامها «السياسية» وكذلك في افلامها التي تقف على مسافة واحدة من هذه الافلام كلها. صحيح ليس هناك، هذا العام، فيلم لوودي آلن او دايفيد لنش، او جيم جارموش. ولكن في المقابل هناك غاس فان سانت، والاخوان كون، ودايفيد ننشر وجيمس غراي ومايكل مور وخصوصاً كونتن تارانتينو... ثم ستيفن سودربرغ الذي يؤمن الجانب الجماهيري وإن كان خارج المسابقة. ونعرف ان مجرد تعداد هذه الاسماء معناه رسم صورة طيبة لما يحدث في الفن السينمائي الأميركي اليوم. وإذا كنا في بعض رسائل «كان» اليومية قد تحدثنا عن بعض خيبات الأمل إزاء أفلام كانت منتظرة بقوة فأتت ادنى من التوقعات، لا بد ان نقول إن ما جابه الأفلام الاميركية في هذا المجال، كان أضأل شأناً بمعنى ان خيباتنا ازاءها لم تكن كبيرة حتى وان جاء «بارك بارانويد» لفان سانت اقل مما كنا نتوقع من صاحب «الفيل» و«آخر الايام». في المقابل، وبعد تفكير طويل يمكن القول إن «لا وطن للرجل العجوز» للأخوة كون يعتبر تحفة سينمائية وتجديداً لدى هذا الثنائي الذي لم يكن عن التجديد منذ سعفته الذهبية لـ «بارتون فنك». المدهش لدى الأخوين كون هو أنهما مهما بدلا من المواضيع والأجواء، تظل همومهما هي هي نفسها ونبض لغتهما السينمائي دائم التجدد، وهو أمر سنعود اليه في رسائل لاحقة، اذ يقيناً ان هذا الفيلم سيسيل حبراً كثيراً خلال الفترة المقبلة. وكذلك الحال مع فيلم مايكل مور الوثائقي «السياسي» الجديد «سيكو» الذي استخدم فيه أعلى آيات التحريض واللوم لفضح نظام الرعاية الصحية في اميركا، هذا النظام الذي يظلم الفقراء – يقول مور – الى درجة انهم اذا سمعوا بأن اسرى غوانتانامو يتلقون عناية صحية مميزة، توجهوا الى هناك طالبين ان يعتنى بهم اسوة بـ «الارهابيين» الأسرى. هذا المشهد اوصل «سيكو» الى ذروة التهكم بالطبع.

حيوية فيلم

في الحقيقة يمكن التوقف مطولاً عند كل فيلم من هذه الافلام الاميركية التي تقول حيوية هذه السينما اضافة الى كونها حصناً أخيراً، وصلباً من حصون مجابهة ايديولوجية التسلط الاميركية. كوينتين تارانتينو في فيلمه الجديد (أو الجديد / القديم بالأحرى) «عصية على الموت»، لا يبدو من ناحية ظاهرية جزءاً من هذا الحصن. بل يبدو للوهلة الأولى منسجماً مع الأنواع السينمائية المنتمية الى سينما السبعينات، حيث العنف والجنس والحوار المكشوف اسياد اللعبة. في الأصل كان «عصية على الموت» جزءاً من مشروع ثنائي – جزؤه الآخر حققه روبرتو رودريغز – يفترض ان يعرض معاً في الصالات الاميركية. لكن المشروع اخفق. وبعد ان نام تارانتينو بعض الوقت، اعاد هذا الاخير احياءه مضيفاً اليه قسماً آخر. فكانت النتيجة فيلماً مستقلاً ربما يصح وصفه بأنه أكثر الافلام حيوية في تاريخ هذا المخرج الذي لم يتوقف، اصلاً، عن ادهاشنا بحيوية افلامه منذ «بالب فيكشن» و «جاكي براون» و «كيل بيل» في جزأيه.

مهما يكن لا بد ان نقول هنا ان «عصية على الموت» يتألف من فيلمين يبدوالرابط بينهما غامضاً للوهلة الأولى – لكننا سرعان ما نكتشف ان هذا الرابط هو مجرد سفاح يجوب الطرقات بسيارته المحصنة ليقتل الفتيات في سياراتهن. انه يصدم ويخبط كما يشاء لأن سيارته «عصية على الموت»، فهو رابط نفسه بأحكام. وله جسد صلب ومعرفة بهذا النوع من المجازفة، اذ ان هذه هي مهنته اصلاً: هو مجازف يستخدم في الافلام لاداء المشاهد الخطرة. وهو اعتاد على شراء السيارات المحطمة لاصلاحها واستخدامها في جرائمه التي صارت بالنسبة اليه تسلية يومية، مغطياً الجرائم بكونها حوادث سير تتسبب فيها حماقة النساء.

غير ان هذا كله لا يبدو متوقعاً منذ بداية الفيلم. اذ هنا، وفي شكل ندر ان دنا منه تارانتينو في أي من افلامه السابقة، راح يرسم صورة لفيلم سرعان ما يبتعد عنها آخذاً متفرجه الى صورة فيلم آخر... ثم ثالث، بصرف النظر عما حكينا عنه اعلاه من انقسام الفيلم جزأين. في البداية نبدو أمام حكاية اجتماعية عن مجموعة من فتيات متحررات، تلتقين في سيارة تسير بهن نحو بيت قرب بحيرة – كما نفهم – وسيقمن فيه حفلة غير مسموح للصبيان المشاركة فيها. تبقى كاميرا تارنتينو في السيارة اكثر من ربع ساعة، فيما تتحدث الفتيات في ما بينهن بلغة حوارية صدامية رفاقية تكاد تعطي صورة حقيقية لأميركا اليوم ولغة اجيالها الجديدة وهمومهم التي لا معنى لها.

كل هذا يدفعنا الى توقع فيلم شبابي صاخب، كالموسيقى الصاخبة. والكاميرا تنقلنا بعد ذلك الى الحانة حيث تواصل الفتيات حوارهن والتنغيم على بعضهن البعض والآخرين. هذان المشهدان يشغلان أكثر من ثلث الفيلم... لتنتهي الامور بعد ذلك بالقاتل السفاح الذي نراه في الحانة وقد طارد سيارتين ليصدمهما بعنف واضعاً نهاية لحياة الفتيات معاً، فيما يقاد هو الى المستشفى من دون أن تتمكن الشرطة من العثور على أي دليل ضده. في مشهد المستشفى ستبدو لنا الحكاية منتهية ويتساءل المرء ماذا، بعد، لدى المخرج يقوله؟

جواب الراعية على الراعي

تارانتينو لا تعيه الحيلة هنا: عند هذه النقطة تحديداً سيبدأ القسم الثاني من الفيلم. سيبدأه مع فتيات جديدات، لسن هذه المرة في صدد اقامة حفلة ساهرة، بل في طريقهن الى العمل في فيلم يصور في المنطقة الجديدة البعيدة عن منطقة الحكاية الأولى. كل شيء تبدى هنا لكن ليس القاتل (كيرت راسل) ولا رغبته في القتل بواسطة سيارته.. المحصنة أيضاً هذه المرة والتي كان قال في القسم الأول لفتاة رافقته فكانت ضحية اضافية له: انها سيارة عصية على الموت. بهذه السيارة اذاً، سيقوم بمطاردة سيارة الفتيات الأربع الجديدات. لكن ما لم يكن في حسبانه، هو أن منهن من تمتهن المهنة نفسها: مجازفة بديلة في الافلام، وتقوم بالدور مجازفة استرالية حقيقية كانت حلت بديلة من نيكول كيدمان في أفلام عديدة.

اذاً ما لم يحسب القاتل حسابه، هو أن المجابهة هذه المرة صعبة اكثر عليه. ومن هنا نصل الى فيلم وسباق مختلفين تماماً. طبعاً لن نواصل هنا رواية ما يحدث لأن عنصر المفاجأة فيه أساسي، والقارئ قد يريد لاحقاً مشاهدة الفيلم. لكن ما يمكننا قوله هنا هو ان تارانتينو أوصل تقنيته السينمائية في هذا القسم، واكثرها في القسم الاول، الى مستويات نادرة في تاريخ السينما، بحيث ان المتفرج ومهما كان ضليعاً في امور الخدع السينمائية والتصوير سوف يسأل نفسه في كل لحظة: كيف ترى المخرج تمكن من تصوير هذا؟ وللمناسبة لا بد ان نذكر بأن كوينتن تارانتينو يصور افلامه بنفسه ويولفها ويكتبها بنفسه وأحياناً يضع موسيقاها. غير انه سيكون ظلماً لهذا السينمائي ان يقتصر حديثنا عنه على الجانب التقني. فالفيلم أكثر عمقاً وثراء من هذا.

الفيلم يعالج – في طريقه وفي نهايته – قضية، ربما يمكن الاشارة اليها من خلال الفرضية التالية: ربما كان المخرج يشاهد ذات يوم فيلم «تيلما ولويزا» لردلي سكوت. وهو، حتى وان كان سر بمشاهدة الفيلم أسوة بمئات ملايين المتفرجين، طفق يسأل نفسه: ترى افلم تكن هاتان الفتاتان تستحقان افضل من مصيرهما في الفيلم؟ أفلم يكن عليهما ان تقاوما أكثر؟ واستطراداً لهذين السؤالين لا بد من اشارة ايضاً الى فيلمين لا شك انهما كانا في ذهن تارنتينو وهو يصيغ مشروعه: «كراش» لدايفيد كرونبرغ عن رواية ج.ج. بالارد والتي لا تحصل فيها نشوة الابطال الجنسية الا على وقع اصطدام السيارات وتلمس الحديد المحطم، ومبارزة لستين سبيرغ، حيث المباراة القاتلة بين سيارة صغيرة وشاحنة معتدية تشغل زمن الفيلم كله حتى لحظة النهاية.

نشير الى هذا، فقط، للتأكيد على المرجعية السينمائية المطلقة لدى تارانيتنو الذي يؤكد في «عصية على الموت» مرة أخرى، انه سيد كبير من سادة السينما. من السادة الذين حتى حين يقدمون العنف والقتل يقدمونه في لغة ساخرة قاسية... مثل لعبة في نهاية الأمر. والحقيقة ان كلمة «لعبة» هي التي تناسب وصف هذا الفيلم، حتى وإن كانت لعبة تعرف كيف تصور وفي عمق مطلق، حياة اليوم في أميركا. تصورها كما هي في قسوتها، في صراعاتها، في لغتها المبتذلة، وعلاقاتها الكئيبة... ولكن من دون أن يبدو على الفيلم أنه يقول هذا.

ففيلم تارانتينو الجديد هذا، الذي أحدث صدمة ايجابية في بلادة «كان» أو قسم النقاد بين مؤيد بالمطلق ومعارض بالمطلق – كما هو حاله دائماً في كل افلامه – ينتهي الى سينما جديدة، سينما تعيد في كل مرة اختراع هذا العنف من جديد. تبدو لا تشبه ما سبقها، وستشبه كثيراً ما يليها.

ترى اوليس هذا «أيضاً» دور الفن الحقيقي؟

الحياة اللندنية في 25 مايو 2007

 

نادين لبكي ربحت كل رهاناتها في فيلمها الروائي الطويل الأول...

«سكر بنات»: الأمل مهما كان الثمن ورغم كل شيء 

«كاراميل» هو الاسم الفرنسي الذي اختارته نادين لبكي عنواناً، في مهرجان «كان» وفي العروض اللاحقة لفيلمها الروائي الطويل الأول. وهي أرادته معادلاً لعنوان الفيلم في العربية «سكر بنات». لسنا ندري ما إذا كانت هذه التسمية موجودة لأن الأصل مختلف وهو «سكر نبات». مهما يكن لا شك أن لبكي وفقت تماماً في اختيار العنوان. فالكاراميل (سكر البنات، عندها) يلعب في الفيلم دوراً رئيساً. فهو يؤكل ويستخدم في نزع الشعر الزائد لدى الإناث (والذكور أيضاً كما يقول لنا الفيلم في لحظة منه)، وهو أيضاً يستخدم للانتقام. وعلى الأقل في واحد من أطرف مشاهد هذا الفيلم الذي نال إعجاباً وتصفيقاً في «كان» ندر أن حظي بمثلهما فيلم عربي منذ سنوات طويلة.

ولا ريب أنهما لم ينبعا من تعاطف مسبق مع لبنان، فالفيلم لبناني، ولا من تعاطف مسبق مع مخرجته التي لم يكن أحد هنا يعرفها، أما الذين يعرفونها عندنا فلم يكونوا واثقين أنها ستنجح في «خبطتها» الأولى، فنادين لبكي آتية كما نعرف، من عالم الفيديو كليب.

والحقيقة ان نجاحها في هذا العالم، وخصوصاً بفضل ما صورته من أفلام لنانسي عجرم، جعل كثراً يعتقدون بأن حلمها السينمائي لن يتحقق، وأنه إن تحقق لن ينتج شيئاً لأن «عالم الأغنية المصورة يستهلك صاحبه» قالوا. لكنهم نسوا أن لبكي وقبل ولوجها هذا العالم بنجاح، كانت حققت سينما قصيرة ولا سيما في فيلم «11 شارع باستور» الرائع.

هي، نادين لبكي، لم تنس هذا. وكذلك لم تنس فن التفاصيل والاختصار الذي تعلمته من مهنتها الجديدة، ثم لم تنس انها، وإن أرادت أن تقدم بيروت ولبنان – كالعادة – في فيلمها الطويل الأول، يجب أن يأتي التقديم مختلفاً. وإلا فالأمر لا يستحق الجهد، عليها أن تقول ما لم يقل بعد عن واقع الحياة في لبنان اليوم. عليها أن تقول ما لا يقال كثيراً عن واقع المرأة اللبنانية وآخر أخبار الجيل الجديد. ولكن من دون أن يفوتها أن تترك مكاناً واسعاً للأجيال الأقدم. عليها أن تقول حرفيات الواقع القاسي من دون أن تنسى الحب والقيم (التضحية بالذات مثلاً في سبيل الآخرين، روز وأختها). وهذا ما فعلته المخرجة حقاً في هذا الفيلم الذي كتبته وأخرجته ومثلت فيه الدور الرئيس. لكنه، في الحقيقة، ليس دوراً رئيساً تماماً. هي، في «سكر بنات» واحدة من فتيات يماثلنها أو يفقنها سناً، يعملن معاً في صالون للتجميل – ومن هنا حكاية المادة المزيلة للشعر -. بين فتح الصالون صباحاً وإغلاقه مساء، تدور شؤون الحياة أو تسير حياة الفتيات هادئة/ صاخبة... على عكس حياة المدينة الصاخبة دائماً.

كل التفاصيل في يومية الحياة هذه تدور أمام أعيننا وكأنها هنا منذ الأزل والى الأبد. غراميات عابرة، رغبات مكبوتة، شجارات صغيرة، ضوابط اجتماعية صارمة وطوعية. وخطبة وزواج، وصولاً الى عملية رد بكارة كانت واحدة من الفتيات فقدتها والآن تريد استرجاعها وقد اقترب عرسها وخطيبها محافظ (كما في «يا دنيا يا غرامي» لمجدي أحمد علي المصري).

لكن نادين لبكي لا تحول أي شيء من هذا كله الى أحداث درامية فاقعة. حتى قصة الحب التي تعيشها ليال (نادين) مع رجل متزوج ستنتهي بهدوء، بعد انتقام من زوجته. ستنتهي لتستبدل بحكاية غرام أخرى، محتملة، مع شرطي لا يتوقف، هو عن معاكستها أول الأمر. ليال لن تقبل الشرطي إلا بعد أن «تنتف» له شاربيه بالكاراميل.

قاسى عالم «كاراميل» في الظاهر (مأساة روز...)، لكنه ليس فجائعياً. إنه عالم آثرت المخرجة/ الكاتبة ألا تصور فيه الأشرار. فالناس لديها كلهم طيبون. لأن كل شيء عابر (كما الحياة نفسها). والجنون هنا (جنون ليلي) ليس درامياً بدوره. وحتى قرار روز بأن تتخلى عن أملها برجل (عجوز) بعد أن ضحت من أجل ليلي طويلاً، سيقابل بدمعة، ثم تسير الحياة كما هي. وجمال صديقة الصالون، لن تنهزم حتى وإن اضطرت الى اخفاء عمرها المتقدم وسقوطها في تجربة تمثيل بعد الأخرى. وريما (حسن صبي!) ستجد الحب من حيث لا تتوقع. والفتاة الغامضة التي تلاحق ريما ستقص شعرها في النهاية من دون خوف من الأهل، عبر مشهد شديد الجمال والحيوية يختم الفيلم.

فيلم نساء إذاً؟ أكثر من هذا، فيلم عن الإنسان والحياة حققته امرأة لا تريد أن تصفي أي حساب إلا مع اليأس، لا شيء يدعو الى اليأس في هذا الفيلم، لأن الحياة هنا مهما كان الأمر ومهما كان الثمن. وإذا كان الكاراميل في الفيلم يكشف عن استعمالات كثيرة، لا شك في أنه يعكس أيضاً ما هو حلو ولذيذ في الحياة. وفيلم نادين لبكي الأول، يقول هذا، من دون أن يبدو انه يكذب على نفسه وعلى الآخرين. برافو!

الحياة اللندنية في 25 مايو 2007

 

حب السينما ... حب الحياة

الأحداث العنيفة التي عرفها لبنان خلال هذا الأسبوع وصلت أخبارها في شكل حزين ومخيف الى «كان» لتبلغ الذروة في الوقت نفسه الذي كانت فيه السينما اللبنانية تحتفل بحضورها الاستثنائي في دورة المهرجان لهذا العام، وكذلك بنجاحها النسبي في إثارة اهتمام عالم السينما. كان الاحتفال سهرة عامرة أقيمت على الشاطئ ليلاً، صخبت فيها الموسيقى واختلط السينمائيون بعضهم ببعض. قبل تقديم فرقة غنائية جيء بها من لبنان خصيصاً، أعلن عريف الحفلة عن متفجرة فردان. ساد الحزن الوجوه كلها لدقائق. لكن الحياة كان لا بد لها أن تستعيد وكذلك السينما. قال ناقد فرنسي صديق: لا بد من هذا وإلا لحقق الإرهابيون جزءاً من هدفهم وهو إرهاب الناس. أجابه زميل لبناني واثق أن المواجهة نفسها «حياة ضد إرهاب» تقوم في لبنان أيضاً. شارك في الحفلة دومينيك بوديس، النائب الفرنسي السابق والرئيس الجديد لمعهد العالم العربي، الذي أخبر «الحياة» انه سيقوم بزيارة قريبة الى بيروت لدعم المعهد. سألناه: هل ستؤثر هذه الأحداث على موعد زيارتك؟ ابتسم وأجاب: على العكس، ستجعلها ضرورية أكثر، وربما اسبقها. كل الأمور صالحة لمواجهة من يريدون ثقافة الدمار، مشيراً الى السينمائيين اللبنانيين وقد واصلوا احتفالهم وأضاف: الثقافة خير حصن في مواجهة القتل.

> في كل مكان في «كان» وطوال أيام المهرجان، احتفلت السينما بنفسها، وكأننا هنا في مناسبة تتعلق بتاريخ السينما، والذروة كانت في تلك الأفلام الثلاثين ونيف التي كان جيل جاكوب رئيس المهرجان كلف بها بعض كبار سينمائيي «كان»، من الفائزين وغير الفائزين في الماضي بالجوائز الكبرى – على أن يستغرق كل شريط ثلاث دقائق. معظم الأفلام كان متميزاً اذ غاصت في علاقة السينمائيين مع هذا الفن. لكن المتميز أكثر كان المشهد الذي ادهش المتفرجين: يوم عرض مجموع الأفلام معاً، صعد جيل جاكوب الدرج الشهير، مصحوباً بنحو دزينتين من اولئك المتفرجين، الذين أتى معظمهم من دون أن يكون له عمل معروض في «كان» غير ذلك الشريط الصغير، وقفوا معاً وتصوروا معاً: تاريخ السينما خلال نصف قرن برز من عيونهم. قالت تلك العيون حب السينما والتوق الى الحياة، لو لم يكن هناك غير تلك النظرة في العيون، لكان المهرجان حقق كل غايته في ستينيته.

> ... ولكن كانت هناك نظرة أخرى: نظرة مارتن سكورسيزي المليئة بالحماس والفرح وألق الشباب، على رغم اقترابه من السبعين، نظرته والى جانبه المغربي احمد المعنوني والمالي سليمان سيسي فيما عشرات الكاميرات تلتقط الصورة، صورة أخرى تضاف الى عنوان «حب السينما». إذ في تلك الوقفة تحدث اكبر سينمائي أميركي حي» عن مؤسسة جديدة اقامها مع رهط من رفاقه، من بينهم الصيني وونغ كارواي مهمتها الحفاظ على الافلام القديمة وتوفير طبعات جديدة منها عبر وسائل تقنية حديثة. المشروع يتم شراكة مع سينماتيك بدلونيا (الايطالية). لافت ان اول فيلم صنع بهذه الطريقة كان «اهتزازات» للمغربي احمد المعنوني. وهو فيلم صار عمره أكثر من 30 سنة واهترأت نسخته بعد عروضه الأولى، قبل عامين تقريباً كان سكورسيزي في ضيافة المغرب ووعد بما فعل الآن... وها هو يفي بوعده، معيداً بعض ما في السينما الى حاضرها. كلامه خلال المؤتمر الصحافي كان كالشلال الهادر. لم ينافسه في انسيابه القوي سوى تصفيق الحضور.

> للعام الثاني على التوالي تنشغل مجلات مهرجان «كان» المتخصصة بالسينما العربية، على غير اعتياد. واذا كان هذا الانشغال، اذ طاول السينما اللبنانية وفيلمي نادين لبكي ودانيال عربيد، في مقالات نقدية ابدت دهشتها لهذه الانبعاثة لسينما غير متوقعة، فإن الانشغال انقسم بعد ذلك بين كتابات ومقالات سريعة تسخر «في شكل أو بآخر من بعض حمّى المهرجانات العربية ومن التنافس المضحك في ما بينها، وأخرى - مدفوعة الثمن طبعاً – تعلن عن مشاريع جديدة ترافقها صفحات اعلانية صاخبة عن تلك المشاريع. بعض الاهتمام الأكثر جدية انصب على اخبار «غودنيوز» الشركة المصرية التي يرأسها عماد الدين اديب، والتي لفتت الانظار العام الفائت بعرضها فيلمي «عمارة يعقوبيان» و«حليم». هذا العام لم يكن لدى «غودنيوز» ما تعرضه، وإنما كان لديها ما تتحدث عنه: افلام جديدة منها واحد عن «القاعدة» وآخر عن «محمد علي باشا» وثالث عن شخصية دعيت ابراهيم الأبيض، اضافة الى فيلم جديد لعادل إمام الاعلان عنه صفحات كاملة في «فارايتي» وغيرها. هل نأمل ألا تتكرر الاخبار نفسها والاعلانات نفسها في «كان» المقبل؟ نقول هذا لأن الاخبار نفسها كنا قرأناها في المجلات نفسها عن الشركة نفسها والأفلام نفسها في «كان» الماضي.

> في هذه الاثناء، الحركة السينمائية الاسرائيلية تضج بحيوية لم تكن متوقعة. ولوبيات الانتاج الغربية المناصرة لاسرائيل تتحرك بقوة ايضاً ما يعزز تحليلات اولئك الذين يقولون عادة إنه في كل مرة وجدت اسرائيل نفسها في مأزق سياسي ما، يهب الاسرائيليون وأصدقاؤهم للدفاع عنها، وأن بأكثر الاشكال ابتكاراً. طبعاً من الصعب وضع أفلام مثل «زيارة الفرقة الموسيقية» في خانة هذا الدفاع. ولكن تحديداً، ان يختار المهرجان فيلماً شديد التعصب لاسرائيل مثل «تيلحين» (فراير) للفرنسي الأصل الأميركي الهوى الاسرائيلي الإقامة رافائيل بخاري للمسابقة الرسمية ما يسلط عليه كل الأضواء، أمر مدهش إن عرفنا أن «زيارة الفرقة الموسيقية» العامر بالروح الانسانية والمنقذ مواربة أو صراحة لانعزالية الفكرة الصهيونية، كان يمكن أن يعرض في المسابقة الرسمية، بدلاً من أن يوضع في تظاهرة ثانوية. من هنا يطرح سؤال، من يختار ولماذا.. الافلام التي تمثل بلداناً أو افكاراً حساسة مثيرة للجدل؟ مهما يكن ليس هذا كل شيء. فالاعلانات الصاخبة «تبشرنا» منذ الآن بسلسلة أفلام جديدة تذكر بكم ان اسرائيل وشعبها كان ضحية في الماضي، ما يعني ان كل سلوكهما الحاضر انما هو محاولة للحيلولة دون أن يكون ضحية في الحاضر وفي المستقبل، وفي هذا الإطار يأتي فيلم عن روزنتال، الصهيوني مطارد المسؤولين النازيين. والفيلم الآخر عن اختطاف ايخمان في الارجنتين ومحاكمته واطلاقه في اسرائيل اوائل سنوات الستين من القرن العشرين. انه حب آخر للسينما ولكن على الطريقة الاسرائيلية.

الحياة اللندنية في 25 مايو 2007

 

سينماتك