دورة
محيرة هذا العام لمهرجان كان. مزيج من الأسماء القديمة والجديدة وحضور بارز
للانتاجات الاميركية والفرنسية تميز الاختيار الرسمي خارج المسابقة
وداخلها. في العيد الستين، يبدو ان ادارة كان (بشخص تييري فريمو الذي يتم
عامه السادس كمدير فني للمهرجان) لجأت الى برنامج "آمن" يعيد التأكيد على
قدرات المهرجان ومكانته كقوة جامعة محركة للفن السينمائي في العالم. فريمو
نفسه وصف الدورة الحالية بـ"الغنية" أما جيل جاكوب الذي أمضى أكثر من عشرين
عاماً في تصميم البرنامج فيشير الى "اننا اخترنا ان نمزج بين الارث
السينمائي والمعاصر، الاسماء المعروفة والدم الجديد". باثنين وخمسين
فيلماً، تقدم الدورة الستون برنامجاً رسمياً مختصراً نسبة الى الستين
فيلماً التي عرضت خلال الدورة الماضية مع وقوع معظم التغييرات في فئة "نظرة
ما" التي يتراجع عدد أفلامها من أربعة وعشرين فيلماً (الدورة الماضية) الى
تسعة عشر أكثر من نصفها تجارب أولى. وذلك يقرب البرنامج أكثر من رؤية فريمو
الذي يريدها فئة للاكتشاف أكثر منها مسابقة موازية للمسابقة الرسمية.
ولكنها المسابقة الرسمية التي تحظى بالتركيز ويُعلق عليها نقل صورة ما عن
احتفالية الستين.
ولكن أكثر
من ذلك، تلوح في خلفية الدورة الستين عودة الى معادلة مركبة
أميركيةأوروبية بأسماء كبيرة لا تنسجم تماماً مع اختيارات فريمو خلال
السنوات الست الأخيرة التي لم تخلُ من مشاكسته قوانين الكروازيت وأعرافه.
فمن مساهماته الاساسية توسيع مروحة الاختيار الرسمي لتشمل الافلام
الوثائقية والتحريك الى سينمائيين ذوي اساليب حادة (مثل النمسوي اولريتش
سيدل في مسابقة هذا العام) وأفلام النوع التي ما كان جاكوب ليدخلها
المسابقة (مثل
Death
Proof
لتارانتينو). ولكن مثل جاكوب في العيد الخمسين للمهرجان (أي دورة العام
1997)، اختار فريمو لبرنامج العيد الستين أسماء انطلقت من مسابقة كان مثل
أمير كوستوريكا، الكسندر سوكوروف، بيللا تار، الاخوان كوين، غاس فان سانت،
كوينتن تارانتينو وآخرين مع غياب لسينما أميركا اللاتينية واسكندينافيا
وحضور خجول للسينما الآسيوية. حتى الافتتاح الذي كان من نصيب الصيني وانغ
كار واي يقدّم أول أفلامه الاميركية تماماً كما سجل افتتاح العام 1997 اول
تجربة أميركية للفرنسي لوك بيسونThe
Fifth Element .
ولكن
مهرجان كان لم يكن يوماً خاضعاً للمتوفر ولا رهينة للموجود بل ان قدراته
تتخطى ذلك الى التحكم بتواريخ اطلاق الافلام والتعجيل بانجازه لتلتحق
ببرنامجه.
انه
باختصار سحر كان الذي لا يضاهيه سحر مهرجانات أخرى. فهو ليس فقط أكبر
تظاهرة سينمائية في العالم. ولا تنحصر أهميته في تقديمه مروحة واسعة من
الانتاجات السينمائية من عواصم السينما وضواحيها والداخلين اليها من وقت
قريب. ولا تكفيه مكانته التي تكرست عبر ما يقرب من ستين عاماً بمشاركات
قامات السينما الكبيرة التي كانت في وقت ما مواهبها الناشئة وفي أحيانٍ
قليلة معجزاتها الضنينة. ولا يغويه، وهو قبلة السينمائيين وملاذهم المنشود،
أن يستريح الى ثبات في المضمون أو رتابة في أي من برامجه وفئاته. هو كل ذلك
ولكنه أيضاً ذلك المزيج الخاص الذي يصعب تكراره او محاكاته الجادة... مزيج
من الميل الجارف الى سينما المؤلف والانحياز الساطع الى الأصوات المتفردة
بخاصية أمكنتها وثقافاتها والاحتفاء بالفن السينمائي الخلاق المتجسد على
الشاشة لغة بمفردات خاصة. إلى كل ذلك, تُضاف قدرة غير عادية على تحريك
خصوصية النظرة والمقاربة في قالب احتفالي مبهر وضمن شبكة تواصل مع الجمهور
والصحافة واهل المهنة ونجومها وسوقها... بما هي نوافذ مطلة على السينما،
هذه الحياة الحافلة بسحرها ومتناقضاتها وتأويلاتها.
المسابقة
عودة الى
المسابقة الرسمية. فعلى الرغم من الاعتبارات كافة ومعرفة كثيرين بأن افلام
المسابقة ليست بالضرورة أفضل أفلام المهرجان وان احتمالات الوقوع على "جديد
ومختلف" أكبر في قسم "نظرة ما" حيث الافلام الاولى والخاصة بأسلوبها
ونظرتها (بل ان هناك من يعتقد انه حنى سنوات قليلة الى الوراء كانت افضل
افلام كان هي المعروضة على هامش كان في برنامج نصف شهر المخرجين
Quinzane)...
برغم كل ذلك، تبقى المسابقة قبلة العدد الاكبر من رواد المهرجان لأن الأخير
مرتبط في ذهنهم بأسماء كبار السينما ومخرجيها المكرسين. وأولئك لا يعرضون
افلامهم في أقسام جانبية بل في المسابقة ولأن الأخيرة تحمل علامة كان
الفارقة، السعفة الذهب. تحملنا الأخيرة على التساؤل وقبل يومين فقط من
اختتام المهرجان: من الاوفر حظاً للفوز بها؟ الاجابة ليست سهلة البتة.
فالايام الخمسة الاولى حصرت المنافسة بين ثلاثة أفلام: الروسي
The
banishment
والروماني 4
Months, 3
Weeks and 2 Days
والاميركي
No Country
For Old Men
للأخوين كوين. الايام الثلاثة الماضية صعبت الخيار مع دخول غاس فان سانت ب
Paranoid Park وكارلوس ريغاداس بفيلم
Still Lights
وبيللا تار بـThe Man From London.
على أن اللافت هذا العام ان ما من اجماع واضح على الأفلام كما يصعب الحديث
على "فيلم مفضل" كما حدث العام الفائت مع كين لوتش وبيدرو المودوفار وناني
موريتي. أبعد من ذلك، كشفت الايام الفائتة عن مفاجأتين احداهما سارة
والاخرى مخيبة. "برسيبوليس" الفيلم الاول للايرانية مارجان ساترابي (
يشاركها الاخراج فينسنت بارونو) كان مفاجأة المسابقة السارة. فيلم رسوم
وتحريك يروي نشأة المخرجة في ظل التحولات التي عاشتها ايران منذ الثورة
الاسلامية اواخر السبعينات. الخيبة تمثلت بفيلم كوينتن تارانتيو
Death Proof
أو الاحرى بإدارة المهرجان لاختياره في المسابقة. بموازاة ساترابي
وتارانتينو، عُرض الشريطان التركي
The Edge of
Heaven لفاتح أكين والكوري الجنوبي
Secret
Sunshineللي
تاشنغ دونغ اللذان يتشاركان على أرضية الرواية والدراما الانسانية والموت.
ريغاداس وتار قدما كل على طريقته قصيدة سينمائية مع ميل جارف الى الايقاع
البطيء.
ثلاثة
أفلام أميركية
إذا أردنا
أن نكون منصفين لتارانتينو يجب أن نبدأ من الخطأ الفعلي وهو عرض الفيلم في
المسابقة الرسمية. ذلك ان الشريط الذي يشكل تحية الى أفلام الاكشن
والمطاردات من نوعية
B Movies
أي الرخيصة التي شاعت في السبعينات ينتمي أكثر الى التجرية الخاصة او
التمرين الذي لا يضيف الى المصدر بقدر ما يعيد احياءه في الاذهان. والدليل
على ذلك أن الفيلم هو جزء من مشروع
Grind House
الذي يضم فيلماً آخر لروبرت رودريغز في عنوان "كوكب الرعب" وقد أنجزهما
المخرجان متمثلين بنوعية "أفلام بي" التي شاع انتاجها في هوليوود في
خمسينات وسبعينات القرن الماضي ودرج عرضها متصلة تحت شعار "فيلمان ببطاقة
واحدة". الا أن ادارة مهرجان "كان" أسقطت شريط رودريغز من العرض. هكذا قام
تارانتيو بتطويل فيلمه من ساعة الى نيف وساعتين ليصبح فيلماً مستقلاً. لا
يخلو الشريط من المتعة لاسيما تلك الدقة في استعادة تفاصيل السبعينات على
الرغم من أن أحداثه تدور في الوقت الحاضر. يصح القول ان الفيلم فيلمان: في
الاول ينتصر الشرير وفي الثاني يُغلب. كورت راسل يلعب دور ممثل بديل (stunt)
بملامح حادة وصوت محشرج. هوايته مطاردة الفتيات بسيارته السوداء المخيفة
التي يطلق عليها وصف "حصانة ضد الموت" وقتلهن بأسلوب لا يمكن وصفه سوى
بالخاص. هكذا يقوم الجزء الاول على مطاردته ثلاث فتيات مثيرات بين الحانات
حيث سيعثر على ضحيته الاولى. في المقعد الجانبي المكسور تجلس الاخيرة التي
طلبت منه ايصالها الى بيتها. ولكنه بدلاً من ذلك يقوم معها بجولة بينما
يقود بسرعة جنونية ويتوقف باستمرار مما يتسبب بتحطيم وجهها ورأسها. اما
الفتيات الثلاث الاخريات فيصدم سيارتهن ليتطايرن أشلاء. في الجزء الثاني،
يعثر على أربع فتيات أخريات اثنتان منهن ممثلات بديلات (إحداهما
النيوزيلندية زوي بيل التي تلعب هنا شخصيتها الحقيقية كممثلة بديلة
stunt
اشتهرت بتأدية المشاهد الخطرة في
Kill Bill
بدلاً من أوما ثورمن). ولكن المطاردة هذه المرة ستنتهي بموته ضرباً على
ايديهن. بالطبع لا يوفر تارانتينو طريقة لبعث تلك النوعية من الأفلام سواء
أعن طريق الصورة المخربشة أو الانتقال المفاجئ من لقطة الى أخرى أو غياب
الصوت والالوان بما هي عناصر مقصودة هنا بينما كانت في السابق نتيجة السرعة
والانتاج الرخيص. في الحوارات، تارانتينو أستاذ كعادته وهنا تتخذ الحوارات
موقعاً خاصاً فهي كثيرة وطويلة وتتركز حول الجنس والرجال والسيارات. مشاهد
المطاردة بدورها عالية الاتقان ولكن... يبقى الشريط استعادة بدون اضافة لا
يذهب أبعد من هدفه الاساسي: انجاز فيلم من نوعية
B Movies لا أكثر ولا أقل. قد تختلف قراءة الفيلم اليوم مع انقراض
صناعة هذه الافلام حيث يمكن العثور بقوة على فكرة السينما كـstunt.
بمعنى آخر، لا شيء هنا على حاله. السينما ليست سينما بقدر ما هي نسخة مقلدة
والممثلون ليسوا ممثلين بقدر ما هم بديلون والعنف هو أكثر من عنف ويمكن
القول انه عنف ما بعد العنف... أما تارانتينو فمازال مخرجاً أكثر من
B Director
حيث تبرز لمساته المعقدة في بعض المشاهد ويشارك تمثيلاً في بعضها ويتولى
مهام مدير الاضاءة!
اما
مواطنه غاس فان سانت فيعود الى الكروازيت بعد أربع سنوات من فوزه بالسعفة
الذهب عن
Elephant.
والواقع ان كثراً وجدوا انعكاسات من الأخير على جديده
Paranoid
Park.
المراهقون مرة أخرى والجريمة ثانية والتركيب الشكلي كلها عناصر يستعيدها
انما... بوقع أقل من وقعها في
Elephant.
فالاخير حمل في حكايته النواة للتركيبة الشكلية: جريمة في مدرسة ثانوية
استوجبت أن يطالعها من زوايا عدة وفي أوقات مختلفة ومن وجهات نظر متعددة.
فكان ذلك الشكل الدائري للكاميرا والمونتاج الذي ميّز الفيلم. اما الشريط
الحالي فيستلهم تركيبة مماثلة سوى أنه لا يمتزج تماماً معها. فالجريمة التي
يحاول حل ملابساتها وقعت في الليل ولم يكن عليها من شاهد سوى اثنين. ولكن
الجانب الأهم والذي يبدو انه يشغل المخرج أكثر من غيره هو تعاطي مراهق مع
جريمة قتل. الحكاية تدور حول "ألكس" الذي يقصد مع صديقه منتزهاً للتزلج على
اللوح حيث يتبدى هناك مجتمع قائم في حد ذاته أبطاله مراهقون يقضون ايامهم
هناك. ولكن الحكاية تتخطى ذلك فهي بمعنى ما نقل لثقافة جزئية غير مرئية حيث
الاحساس بالخطر بديل من المخدر وعالم التزلج هروب من واقع آخر. منذ بداية
الاحداث، تنكشف جريمة راح ضحيتها حارس في المنتزه. بينما يتم التحقيق مع
المراهقين، يقوم "ألكس" بكتابة ما يشبه مذكراته تحت عنوان
Paranoid Park.
تنكشف الأحداث ببطء وبشكل بعيد من التسلسل فيعود الى المشهد أكثر من مرة
ليكشف تفاصيل أخرى تغير مجرى الاحداث ومعانيها. ولكن منذ اكتشافنا ان "ألكس"
هو من قتل الحارس بدون قصد، يتحول الانتباه الى سلوكه في مواجهة الجريمة
وقراره عدم مكاشفة أحد بها سوى ذلك الدفتر الصغير الذي يدون فيه ما جرى. في
المحصلة، يغرق الشريط في رصد حالة الوحدة والعزلة التي ينتهي "ألكس" اليها
او ربما التي عاشها من قبل في ظل تفكك عائلته ولكنها تبدو أشد وطأة في
مواجهة حدث كبير. يوظف الفيلم أسلوبين بصريين سينمائي وفيديو. الأخير هو
أقرب الى يوميات مصورة لمجتمع المتزلجين.
الشريط
الاميركي الثالث عُرض خارج المسابقة وهو الوثائقيSicko
لمايكل مور الذي يعود الى المهرجان بعد ثلاث سنوات من فوزه بالسعفة الذهب
عن
Fahrenheit 11/9
بدراسة مؤثرة وطريفة معاً لنظام الاستشفاء في الولايات المتحدة الاميركية
الذي يستفيد منه قلة على حساب الاكثرية. تتنقل لهجة الفيلم بين الجدية
والسخرية والغضب اذ يقارن بين نظام الاستشفاء الاميركي وغيره في العالم.
كما في فيلميه السابقين، يشكل مور محرك العمل محولاً مادة جافة الى نقاش
حيوي ملموس. وسيلته الى ذلك مزيج من الحقائق والشهادات الانسانية . في الشق
الاول، يقدم تسجيلاً صوتياً يعود الى العام 1971 يدور بين الرئيس ريتشارد
نيكسون وادغار كايزر صاحب احدى كبريات شركات التأمين، يشيد الاول فيه بنظام
الاستشفاء الذي يهدف الى تقليل الكلفة. في اليوم التالي يعلم نيكسون تبني
نظام استشفائي جديد يأتي على حساب الفرد بينما يرفع نسبة الربح للشركات. من
هناك تبدأ المعاناة مع آلاف الاشخاص الذين يجمع مور بعضاً من قصصهم وهي
بمعظمها تدور حول تنصل شركات التأمين من تغطية تكاليف العمليات والدواء بما
ينتج في أحيان كثيرة الى موت المريض. الى تلك الحكايات، يأتي مور باعتراف
احدى طبيبات شركات التأمين بالتجاوزات التي قامت بها ونالت عنها ترقيات من
الشركة. ينتقل مور الى بلدان أخرى لمقارنة نظامها الاستشفائي مثل كندا
وبريطانيا وفرنسا حيث لا يكف عن تكرار جملته "ماذا تعني ب مجاناً؟" بما لا
يخلو من تبسيط في نقل صورة نموذجية عن تلك البلدان. ولكن ذروة الفيلم هي
أخذ مور لشخصيات فيلمه ممن يملكون قصصاً مؤثرة مع شركات التأمين الى كوبا
حيث يحصلون على علاج مجاني وقبلها يحاولون الوصول الى سجن غوانتانامو حيث
اكتشف مور انه المكان الوحيد على الاراضي الاميركية الذي يقدم خدمة طبية
مجانية لـ... سجنائه! يتضمن الفيلم مشاهد من أفلام رعب وكوميديا قديمة بما
يمنح المخرج أرضية أوسع للسخرية والضحك.
"حافة
الجنة" و"أشعة الشمس السرية"
يقدم
المخرج التركي فاتح أكين حكاية متشعبة في فيلمه "حافة الجنة"
The Edge of
Heaven.
استكمالاً لفيلمه السابق الذي كان الحب محوره، يتخذ من الموت محوراً للشريط
الحالي وعنواناً لجزءين من أجزائه الثلاثة. الحكاية تخص شاباً تركياً
"نجاة" يعمل استاذاً جامعياً في المانيا حيث يعيش والده ايضاً المفتون
بالنساء وسباق الخيل. خلال احدى زيارات الأخير الى شارع خاص ببيوت الهوى،
يتعرف بامرأة تركية ويعرض عليها لاحقاً ان تعيش معه مقابل ان يدفع لها
اجراً شهرياً يضاهي ما تجنيه من عملها. ولكن على اثر مشادة بينهما، يقوم
بضربها فتسقط ميتة. قبلها، يتعرف "نجاة" بها ويعرف منها ان لديها ابنة
شابة. بعيد موتها وسجن والده، يقرر "نجاة" أن يجد ابنتها التي تقيم في
تركيا وان يتكفل بمصاريف تعليمها ليخفف من وطأة الشعور بالذنب. تنتقل
الحكاية الى الابنة التي يكتشف خلال بحثه عنها انها اختفت منذ اشهر. تتحول
الحكاية اليها فيتبين انها منتمية الى تنظيم شيوعي ملاحق من الدولة مما
استوجب فرارها الى المانيا بجواز سفر مزور. هناك تلتقي بالالمانية "شارلوت"
التي تعرض عليها ان تقيم معها ومع والدتها في البيت. تنشأ بين الاثنتين
علاقة غرامية تنتهي بترحيل الفتاة التركية وسجنها. تقرر "شارلوت" اللحاق
بها وانقاذها فتؤجر غرفة عن طريق صدفة في بيت "نجاة" الذي استقر في تركيا
بعد شراء مكتبة. غير انها تجد نفسها ضحية رصاصة من مسدس كانت صديقتها طلبت
منها ان تخبئه. هكذا تصل والدتها اسطنبول وتقابل "نجاة" لتفهم ما جرى
لابنتها. وبعد قراءتها مذكرات الاخيرة، تقرر ان تساعد الفتاة السجينة
ارضاءً لرغبة ابنتها. يتحدث الشريط عن فكرة التبادل وعن ذلك التقاطع غير
المشروط بين البشر والمحكوم بالموت. فكل موت في الفيلم يدفع بالاحداث الى
الامام ويتسبب في لقاء الشخصيات لتبدأ حلقة موت جديدة. يصعب فصل شريط أكين
عن التحولات السياسية والاجتماعية التي تمر فيها تركيا كما لا يمكن التغاضي
عن الاشارات التي يحملها في ما يتعلق بموضوع انضمام تركيا الى الاتحاد
الاوروبي. فذلك التوازي الذي يخلقه الشريط بموت تركية في المانيا ومن ثم
موت المانية في تركيا ليس بريئاً. ومشهد التابوت يصل الى تركيا من المانيا
مرة ويخرج منها مرة اخرى الى المانيا ليس بعيداً من القول ان تبادل الموت
هو مصير تلك العلاقة بين العالمين. برغم ذلك، يترك الفيلم فسحة لعلاقة
انسانية ان تتفتح بين "نجاة" ووالدة "شارلوت" الالمانية. ولكنها علاقة
مبنية على اسس الحاجة: نجاة الذي فقد امه رضيعاً يرى في الامرأة صورة من
امه والاخيرة التي فقدت ابنتها ترى فيه الحاضن الاخير الذي رافقها الى
الموت.
الموت هو
محور
Secret Sunshine
الذي يقدم في نيف وساعتين حكاية امرأة فقدت ولدها. تنبع قوة الفيلم من
التحولات التي تمر فيها "شيناي". فهي على اثر موت زوجها، تقرر الانتقال الى
"ميريانغ" مسقط رأسها حيث كان يحب أن يعيش. يرافقها ابنهما البالغ من العمر
سبع سنوات. في البلدة الصغرى، تنتقل الاخبار سريعاً ومنها انها تبحث عن
قطعة أرض لتبني عليها بيتاً. بهدف الابتزاز، يقوم سائق باص المدرسة باختطاف
الولد. ولكن عندما يكتشف انها لا تملك من المال الا القليل وان خبر شراء
قطعة أرض ليس الا محاولة لاثبات مكانتها في المجتمع الجديد، يقتل الطفل
ويرميه على ضفاف النهر. من هناك تبدأ معاناتها. تحت وطأة الحزن والضياع،
تأخذ بنصيحة اهالي البلدة بالالتجاء الى الايمان بعد أن عبرت غير مرة عن
عدم ايمانها. تذهب الى الكنيسة ويبدأ التحول. تصبح شخصاً آخر سعيداً. تحاول
الذهاب أبعد بأن تقرر الذهاب الى القاتل في السجن ومسامحته. بعد مرور وقت
من استقرار حالها في ما يبدو ان الفيلم استقر الى نهايته، تحدث الذروة. في
السجن، يقابلها وجه القاتل مشعاً. لا أثر للحزن أو للألم. يحدثها بما كانت
عازمة على الحديث به من انه وجد سبيله الى الله وان الله غفر له. في مشهد
شديد التأثير تنظر اليه متسائلة: "الله غفر لك؟" بعدها تتعرض لصدمة عاطفية.
فما توقعته ان يكون لغفرانها الاثر في نفس القاتل ولكنها وجدت أن لا معنى
للغفران الذي تتحدث المسيحية عنه ولا لوصية ان تحب عدوك مادام الله يغفر
للمجرم قبل ان تغفر الضحية له.
أحدث
الشريط الايراني "بيرسيبوليس" ضجة بعيد عرضه في المسابقة الرسمية. فهو شريط
تحريك مأخوذ عن كتاب رسوم بتوقيع ساترابي أيضاً، يتناول تجربتها في ايران
كابنة لعائلة منفتحة بعيد الثورة الاسلامية. الشريط المليء بالسخرية يصور
حياة العائلة في نقطة تحول تاريخية اي الثورة الاسلامية. ساترابي الطفلة
وقتذاك تتفاعل مع الاحداث انطلاقاً من موقف أهلها فتشيد بثورة الخميني التي
اعتقد الشيوعيون أنها ستقودهم الى عصر جديد. مع بروز معالم الحكم الاسلامي،
تغادر ساترابي المتمردة الى النمسا لتعيش هناك تجربة مختلفة لا تخلو من
قسوة. على أثر عودتها الى ايران، تصاب بالاكتئاب قبل أن تقرر متابعة
دراستها الجامعية. وبعد تجربة زواج فاشلة تقرر السفر من جديد الى فرنسا هذه
المرة. يحمل الفيلم نقداً لاذعاً انما بسخرية وذكاء عاليين وما ذلك التناقض
بين شكل الفيلم ولهجته من جهة ومضمونه من جهة ثانية الا مدعاة لتقدير تلك
التجربة المرة والاعجاب بقدرة صاحبتها على تناولها بتلك الروحية الساخرة
والطريفة.
المستقبل اللبنانية
في 25 مايو 2007
|