كتبوا في السينما

سينماتك

خمسة أيام من العروض في مهرجان كان الستين

الروسي "الأبعاد" والروماني "4 أشهر.. 3 أسابيع ويومان" والأميركي "لا وطن للعجائز"
أفضل عروض المسابقة و33 من مخرجي العالم يكتبون قصيدة حب إلى السينما في "لكل سينماه"

كان ـ ريما المسمار

مهرجان كان الـ 60

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

كان 1947. من الممتع تخيل أول دورة لمهرجان "كان" كفيلم لجاك تاتي او مغامرة غير موفقة للمفتش "كلوزو" حيث في كلتا الحالتين تؤدي سلسلة من الاحداث الغريبة إلى نجاح غير متوقع. هكذا انطلق المهرجان في العام 1946 في فرنسا خارجة لتوها من الاحتلال رازحة تحت وطأة الحاجة الاقتصادية والاجتماعية والصراع السياسي. ولكنها ارتأت أن تتوجه إلى العالم من خلال الفن السابع، أن تظهر عظمتها من خلال السينما وأن تحتفل بالسلام الوافد اليها بما هو حضاري وثقافي وفني. "المهرجان يجب أن يكون نصراً لفرنسا". هكذا ذكرت احدى مصادر الحكومة وقتذاك واضعة حجر الأساسن من دون أن تدري، لماهية المهرجان السينمائي ولما سيليه منها حيث يصبح الأخير صاهراً للصعود الثقافي والسياسي والاجتماعي في آنٍ معاً. ولكن المهرجان واجه أكثر من الظروف الخارجية المحيطة به. فقد فُتحت الدورة الاولى منه للجمهور بكل طبقاته ولاهالي البلدة بكل الدخلاء عليها. فتحول المهرجان إلى ساحة للفوضى والنهب والسرقة وسجلت سرقات مجوهرات من الفنادق وسيارات فخمة. بعد يومين، أُلغيت كافة الحجوزات وأُقصي الجمهور غير المدعو عن الاحتفال. بين 20 أيلول/سبتمير و5 تشرين الأول/ اوكتوبر 1946، قدم المهرجان أكثر من خمسين فيلماً طويلاً وما يقرب من 75 فيلماً قصيراً من 21 دولة اختارت كل منها فيلمها وهو تقليد سيظل سائداً حتى العام 1971. ولكن تلك كانت واحدة من بدايات مهرجان كان الكثيرة غير الرسمية. قبلها، شهدت أواخر الثلاثينات محاولات اطلاق "المهرجان العالمي للفيلم" (وهو للمناسبة الاسم الرسمي لمهرجان كان حتى العام 2002) في مواجهة مهرجان البندقية السينمائي الذي يُعد أعرق مهرجان سينمائي في اوروبا (تأسس عام 1932 في اطار بينالي البندقية للفنون الذي يعود تاريخه الى 1885) فقد شكلت معاهدة الصداقة بين ايطاليا والمانيا الموقعة عام 1936 معلنة مدار روما ـ برلين تحالف أكبر قوتين فاشيتين وعزلت فرنسا. في الوقت عينه، شهد مهرجان البندقية تحت حكم موسوليني تحكماً بمقاديره ومعاييره السينمائية. فبعد منحه جائزة لجنة التحكيم لفيلم جان رينوار المناهض للحرب (La Grande Illusion ( مُنع عرضه في المانيا وايطاليا وحتى في فرنسا ابان الاحتلال) عام 1937، واجه المهرجان في العام التالي ضغوطاً كبرى غيرت نتائجه في آخر لحظة لتذهب الجائزة الكبرى "كأس موسوليني" إلى الفيلم الوثائقي الدعائي "أولمبياد" لليني ريفينستال الذي لم يكن حتى مؤهلاً للمشاركة بحسب قوانين المهرجان المخصص للعروض الروائية. أثارت الحادثة حفيظة الاميركيين والبريطانيين فبرزت في فرنسا فكرة اقامة "مهرجان العالم الحر" المناهض لمهرجان البندقية. والفكرة ارتكزت على جذب البلدان الاخرى التي لن تود العودة إلى البندقية إلى مهرجان لا يخضع لشروط هتلر وموسوليني. هكذا طُرحت فكرة اقامة المهرجان العالمي للفيلم (Le Festival Internationale du Film) وتم الاتفاق على جعل "كان" مقراً له بحجة "تمديد فصل الصيف فيها" بحسب مدير فندق "غراند اوتيل" آنذاك هنري جندر. في السابع عشر من تموز/ يوليو 1939 أُعلن عن إطلاق المهرجان في الاول من ايلول وبدأت التحضيرات وطبع الملصقات بينما عمدت استيوات أم.جي.أم إلى استئجار باخرة لنقل نجومها إلى المهرجان. ولكن في الاول من ايلول وبدلاً من انطلاق المهرجان، احتلت المانيا بولندا وبعد يومين أعلنت فرنسا وبريطانيا الحرب. الاطلاقة الجديدة للمهرجان في 1946 تخللتها فوضى عارمة كما ذكر بينما لم تعرف سنواته الاولى استمرارية اذ غاب المهرجان عامي 1948 و1950 ليبقى العام 1947 الانطلاقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي.

كان 2007 والامور تبدلت كثيراً. ستون عاماً على ولادة المهرجان أسهمت في ولادة مئات السينمائيين في العالم. العيد الستون هو تحية إلى الفنانين كما أعلنت ادارة المهرجان موكلة مهمة الاحتفال إلى ثلاثة وثلاثين من أبرز سينمائيي العالم (اليوناني ثيو انجيلوبولوس، الفرنسي اوليفييه اساياس، الاوسترالية جاين كامبيون، الكندي دايفيد كروننبورغ، البلجيكيان جان بيار ولوك داردن، البرتغالي مانويل دي اوليفييرا، الاسرائيلي عاموس غيتاي، المصري يوسف شاهين، الفنلندي آكي كاوريزماكي، الفلسطيني ايليا سليمان، الايطالي ناني موريني، الايراني عباس كياروستامي، البرازيلي والتر سالز، المكسيكي اليخاندرو غونزاليس ايناريتو وآخرون) ليخرج كل منهم بفيلم من ثلاث دقائق حول صالة السينما. والنتيجة عمل جماعي يقع في ساعتين هو قصيدة عشق في السينما. الواقع ان التحية متعددة الاتجاهات. ففي ايكال المهمة إلى هؤلاء تحية إلى مواهبهم وجهودهم وتحية إلى سينماهم التي أشعت خلال ستين عاماً من عمر المهرجان. ولكنها ايضاً تحية إلى المشاهد الذي يُمنح للمرة الاولى فرصة مشاركة اولئك السينمائيين حميمية السينما. لكأن مشاهدة فيلم لكيتانو او اولمي او اوليفييرا تعني مشاطرتهم تلك الحوارية القصيرة عن السينما وحولها. حوار خاص ينفتح على مصراعيه بين السينمائيين والمشاهدين والسينما في العمل الجماعي "لكل سينماه" Chacun Son Cinemaوفرصة نادرة للاطلاع على نظرة السينمائين إلى السينما. تتخذ الافلام شكل ذكرى او حلم او فانتازيا او مصارحة او اعتراف... بما هي جميعها تقوم على البوح. تتفاوت الافلام ولا يجمع بينها سوى صالة السينما كمكان حاضر وان اختلف بين صالة فعلية او شاشة في الهواء الطلق او قماشة بالية داخل خيمة. كما يجمع بينها عنصر المفاجأة والتحول من مزاج إلى آخر ومن مناخ إلى سواه. الخفة والسخرية والاستفزاز والشغف والعاطفة كلها صفات تنطبق على الاساليب الفنية والمقاربات المعتمدة من دون أن يخلو فيلم من تحية إلى السينما نفسها من خلال عرابيها من أمثال فيلليني وسكولا وتشابلن والاخوين لوميير وسواهم. ولكن اللافت أيضاً هو الحنين الذي يغلف عدداً من الافلام إلى الصالة المعتمة وسحر الصور المتتالية على الشاشة وانسياب الاصوات والموسيقى محركة أعمق الاحاسيس. كذلك اشتغل عدد من السينمائيين على فكرة السينما داخل الكادر وخارجه مثل كيتانو وتشين كايغ وكلود لولوش وزانغ ييمو.

فيلمان بارزان

افتـُتحت مسابقة المهرجان بفيلمين بارزين: الروماني Months, 3 Weeks and 2 Days4 والروسي The Banishment. الاول من اخرج كريستيان مونغيو يقدم السينما الرومانية الجديدة في المسابقة للمرة الاولى بعد سنتين على عرض مواطنه كريستي بيو لفيلمه The Death of Mr. Lazarescu في احدى فئات المهرجان. يحمل الفيلمان نظرة مشتركة إلى العالم وتلك البساطة الخارجية وانما الخادعة التي تخبئ خلفها رؤية عميقة وقدرة كبرى على تدوير موضوعات ملموسة بواقعية وذكاء. تدور الأحداث قبل عامين من سقوط نظام تشاوسكو بما يحمل الفيلم ملامح تلك الحقبة. ولكنه من خلال موضوعه الاساسي، الاجهاض، يتمكن من خرق شخصياته حيث يشكل ذلك الموضوع أرضية خصبة لاكتشاف معاني الصداقة والمسؤولية والالتزام. ولكن المخرج لا يستسلم لحظة واحدة التصورات المعهودة حتى لتبدو اسوأ السيناريوات المتوقعة للحكاية أفضل بكثير من الواقع المهين الذي لايتنازل الفيلم في نحته. تدور الحكاية حول "أوتيليا" و"غابيتا" اللتين تتشاركان الغرفة نفسها في السكن الطالبي لاحدى الجامعات الصغيرة. يتبين ان الثانية حامل وتبحث عن وسيلة للتخلص من الجنين في مجتمع محافظ وتحت قانون ينزل عقوبة شديدة بمن يقدم على ذلك العمل. "أوتيليا" عازمة على مساعدتها فتقصدان "مستر بيب" الذي يُفترض به القيام بالمهمة لقاء مبلغ زهيد من المال. ولكن عندما يجتمع الثلاثة في غرفة داخل فندق رخيص لانهاء المهمة، يتضح ان "غابيتا" في شهرها الرابع وان "بيب" لا يقبل بالمال بل يشترط على الاثنتين ممارسة الجنس معه قبل القيام بالعملية. لا يكتفي الفيلم بحبكته الاولى بل يكمل بعزيمة على ابعاد أي بصيص أمل من اختراق حياة شخصياته. انه الحاضر الذي عايشه المخرج بكل احباطاته الصغرى ومعاناته اليومية التي لا تسمح للأمور الكبرى بالظهور او للمستقبل بالارتسام أمام عيني الشابتين. الجزء الثاني من الفيلم بتكون من لقطات طويلة بكامبرا محمولة ثابتة تحاصر الشخصيات وتلاحقهم في أماكن باردة خانقة بينما ظهور "بيب" كفيل وحده بإثارة الالم. يرتكز الفيلم بشكل اساسي على الشخصيات التي تمر تختبر مشاعر متداخلة ومعقدة تتراوح بين الضعف والقوة والمساعدة والسيطرة والالم والهروب.

الفيلم الروسي هو الثاني لمخرجه اندريه زيفياجينتسيف بعد "العودة" حائز الاسد الذهب عام 2003 في البندقية وهو يعيد جمع فريق الفيلم الاول من المخرج وكاتب السيناريو اوليغ نيغن والممثل كونستانتين لافرونينكو. السيناريو المستوحى من قصة قصيرة لويليام سارويان شرّح فيها الاخير تجربته الزوجية. يعيد تقديم المخرج كسينمائي للمستقبل يجمع بين اثنين من عمالقة السينما انغمار بيرغمن واندريه تاركوفسكي. ولكنه بخلاف الأول لا يجرد شخصياته من الأحكام الاخلاقية وبخلاف الثاني يجذرها في واقع قاسٍ وملموس لا مكان فيه للحلم. "ألكس" و"فيرا" زوجان ووالدان لصبي وفتاة. يعيشان في المدينة بداية وانما يقرران لاحقاً الانتقال إلى البلدة التي ولد "ألكس" فيها. في مكان خانق الجمال، يتبدى الحزن الذي يحكم العلاقة بين الزوجين. صمت طويل وتقشف وكبت عاطفي تشي به حركة فيرا المرتعشة ونظراتها التي تهرب بها من المواجهة مركزة على ولديها كل الاهتمام. تواجه "فيرا" زوجها "ألكس" بانها حامل وتعترف له ان الجنين ليس ولده. عندما يسأل "ألكس" أخوه "مارك" الذي تفصله عنه مسافة وشيء من البرود، يجيبه الأخير "أي خيار صحيح. اذا أردت قتلها تقوم بالصواب وان اخترت ان تسامحها تفعل الصواب". الخطيئة محور اساسي في الفيلم كما هي فكرة العقاب والتضحية بما هي جميعها مستلة من قاموس المسيحية، يحركها المخرج في فلك فيلمه المحمل برموز دينية أخرى كالماء والطبيعة. وإذ يقرر ان يجد وسيلة لإجهاضها، تكون هي قد اتخذت خيارها. تموت فيرا ويعتقد "ألكس" أن السبب عملية الاجهاض غير المحترفة. ويموت أخوه "مارك" في اليوم التالي على أثر تعرضه لذبحة قلبية بعد أن أخفى عنه رسالة تركتها زوجته قبيل موتها. ينقلب الفيلم في جزئه الأخير إلى الكشف عن شخصية "فيرا" الصامتة، الآثمة في نظر زوجها لتتبدى خلف تلك الملامح شخصية مختلفة متمردة في داخلها لا تساوم على حياتها وحبها ولا تتنازل. وهي في كل ذلك تجمع الهشاشة والقوة والقسوة في آن. والقسوة سمة أساسية تتمثل في خيارها الأخير: إزاء صمت زوجها وبعده وتراجع علاقتهما، تقوم بتجربة أخيرة لتحريك مياه حياتهما الراكدة بخلاف قنوات المياه الكثيرة التي يصورها المخرج. لذلك تدعي ان الطفل ليس منه دافعة به إما إلى ثورة تقلب حياتهما او قتل يريحها. لعل المشهد الذي يختزل وضعهما ويقول الكثير هو ذاك الذي يجمعهما قبيل اتخاذ القرار. يشير "ألكس" إلى "فيرا" بأن كل شيء سيكون على ما يرام وانه لن يحدثها عن الخيانة وانما فقط يريد التخلص من الجنين. تجيبه فيرا بأن يقوم بما هو عازم عليه مدركة أن شيئاً لن يحركه بما يدفعها إلى أخذ القرار بإنهاء حياتها.

ينضم الاخوان كوين إلى مجموعة الافلام المميزة التي كشفت المسابقة عنها خلال الأيام الخمسة الماضية بفيلمهما No Country For Old Men الذي يعيدهما إلى كان بعد غياب ست سنوات وإلى السينما بعد فيلمين من خارج عالمهما (Intolerable Cruelty وThe Ladykillers). يجمع الفيلم الجديد بين المادة الغنية المتمثلة برواية كورمك مكارثي والموهبة السينمائية. انه شريط "نوع" متوتر وأسود الفكاهة والنكات. في أبسط تعريفاته، يتكىء الفيلم على حكاية معروفة عن صفقة مخدرات فاشلة في تكساس الثمانينات وفواتير الدم التي يجب تسديدها للرجل الأخير الباقي. والنتيجة صورة متحولة للغرب الأميركي تبدو معها صورة الأخير في القرن التاسع عشر وردية حالمة وواحدة من شخصيات الشر التي ستبقى في ذاكرة السينما حاملة بصمة الممثل خافيير باردم الخاصة. تدور الأحداث في غرب تكساس وتبدأ بسلسلة مشاهد أخاذة: مجرم (باردم) يقتل الشرطي بالأصفاد المحكمة حول يديه ثم يقتل رجلاً ليسرق سيارته. في مكان آخر مقفر يقوم "لويلن موس" (جوش برولن) بصيد الظباء قبل أن يقع نظره على مجموعة سيارات متوقفة. مع اقترابه، يكتشف عدداً من الجثث وكمية كبرى من المخدرات وحقيبة تحتوي على مليوني دولار يأخذها معه. عندما يعود ليلاً لتفقد المكان من جديد، يتعرض لطلق ناري من مجموعة رجال قبل أن يتمكن من الفرار. تتطور الأحداث مع دخول الشرطي "أد توم بل" (تومي لي جونز) على الخط للتحقيق في الجرائم متمكناً بعد مرور بعض الوقت من معرفة علاقة "موس" بالسرقة. ولكن قاتلنا المحترف "أنتون" (باردم) يكون الاسرع في تحديد مكانه بواسطة آلة موصولة إلى جهاز انذار مزروع بين رزمات المال. يرافق الموت "أنتون" اينما يذهب. كل من يعترض طريقه سواء عن قصد او بالصدفة ميت لا محالة الا إذا قرر أن يمنحه فرصة أخيرة تحدد موته أو حياته. مع "أنتون" أيضاً يكتسب الفيلم لهجته السوداء الساخرة في حوارات باردة تعزز المنحى المختل في شخصية القاتل وتحول بروده مصدر الضحكات الاساسي. ولكن تلك الحوارات الذكية والسريعة تتجاور مع مساحات صمت كبرى لاسيما في مشاهد الطبيعة المسكونة بالريح وبأخرى عالية التوتر كلما دخلت الكاميرا مكاناً مغلقاً. من بين الاخيرة، مشهد "هيتشكوكي" داخل غرفة الفندق حيث يختبئ "موس" منتظراً وصول "أنتون" في أية لحظة. فيلم الاخوين كوين مسرح جريمة متنقل. فمن المذهل كيف أن مطاردة بين ثلاثة رجال يمكن أن تتشعب على نحو ما تفعل حكاية الفيلم وأن تقول ما تقوله عن الغرب الاميركي لاسيما من خلال شخصية الشرطي الشاهد على تحولات الزمن وعن الجريمة والعنف اللذين يربطهما المخرجان بتزاوج تجارة المخدرات وانهيار القيم الاجتماعية. كذلك نسبةً إلى حكاية محدودة العناصر، تتطور الأحداث بشكل مذهل وربما غير متوقع ذلك أن الفيلم يواجه مخاوف المشاهد وتوقعاته بما هو أبعد منها. فالاسوأ دائماً يحدث في الفيلم. بين الحكاية ومقاربتها والشخصيات وأداءات الممثلين والصورة التي تتخذ من ألوان القمح مصدر اضاءتها يخرج No Country For Old Men متعة حقيقية تستحق المشاهدة.

يقابل شريط الاخوين كوين ذا المساحات البصرية الشاسعة دراما الغرفة ( chamber drama Breath ) للكوري كيم كي ـ دوك الذي يستكمل افتتانه بالفصول في وصفها تعبيراً عن الحالات الانسانية والروحية. ولكن بخلاف فيلمه Spring, Summer, Fall, Winter?and Spring الذي جلب له الاهتمام والنجاح العالميين، يبدو Breath متواضعاً من دون أن يخلو من لحظاته الخاصة. الحكاية تخص رجلاً محكوماً بالاعدام أقدم أكثر من مرة على الانتحار انما من دون طائل وامرأة متزوجة تنجذب إلى عالمه هرباً من فراغ حياتها وابتعاد زوجها العاطفي عنها. حين تسمع بقصته في التلفزيون، لا تتفاعل كثيراً. ولكنها في اللحظة التي ينهار فيها عالمها، تجد نفسها ذاهبة اليه راوية له حكايات من طفولتها عندما جربت الموت لخمس دقائق حين حبست أنفاسها تحت الماء في مباراة مع رفاقها بينما هو لا ينطق بحرف نتيجة لاصابته في الاوتار الصوتية بسبب محاولة الانتحار. ستتوالى اللقاءات بينهما حيث تتسلم هي دفة الحديث بينما هو يصغي باندهاش ثم بشوق. في بيتها، تنقلب الامور حيث يقوم زوجها بكل الأحاديث بينما هي صامتة لا تجيب. تتخذ المرأة لزياراتها موضوعاً هو تبدل الفصول. فكل لقاء هو عبارة عن فصل تقوم هي باختراعه في غرفة السجن بواسطة ورق الجدران الذي يمثل الفصول والملابس والاغنيات المنسجمة معه. وفي كل لقاء يتقارب الجسدان أكثر إلى أن يتحدا في النهاية. قليلة هي المعلومات او معدومة عن خلفيات الشخصيات. لا نعرف سبباً للحكم على الرجل بالاعدام الا قبيل نهاية الفيلم. فالاخير ليس مهتماً بالجريمة او بالسلوك الاجرامي. انه عن العلاقات التي تنوجد في فراغ لتكون المحرك الذي يدفع بالاشخاص أبعد وعلى المشاهد أن يتابعها بمنطقها الخاص. ولكن نقاط الضعف في الفيلم كثيرة كشخصية السجين المثلي الجنس ومشاهد الزنزانة الصامتة التي تتكرر من دون تقديم اضافات.

العلاقات هي محور الشريط الفرنسي Les Chansons D'Amour لكريستوف اونوري مع كلويه سافينييه ولوي غاريل في الادوار الرئيسية. ولكن مقاربة المخرج موسيقية بحتة حيث تتخلل الفيلم أغنيات كثيرة تؤديها الشخصيات تعبيراً عن أحاسيسها بما يستدعي نمطاً سينمائياً لم يعد موجوداً احترفه أمثال جاك دومي وستانلي دونن. على آن ما يمكن أن يكون احياء له، اي النمط، يقف على حافة الفصام بين شقيه الدرامي والغنائي. ليس مقنعاً تحول الشخصيات إلى الغناء بين مشهد وآخر بينما الدراما الموجودة في الفيلم تبدو مجزأة ومبنية لترافق الأغنيات. يتحدث الشريط عن الفقد والموت والصداقة والوحدة من خلال شاب تموت حبيبته فيبقى مع ذكرياتها من أهل وأصحاب مشتركين بينما يصارع للخروج من الماضي بمغامرات مختلفة. الفقد موضوع فيلم Tehilim للفرنسي رافاييل نجاري الذي تدور أحداثه حول عائلة اسرائيلية مؤلفة من اب وام وولدين. عندما يُفقد الأخير بعيد حادث سيارة، تواجه العائلة تفاصيل يومية تتخطى الحزن. فالولد الأكبر المراهق يجد نفسه في موقع المسؤولية بينما هو غير قادر على الذهاب إلى المدرسة. بينما الأم تضطر إلى الانخراط مجدداً مع عائلة زوجها المتدينة التي يبدو انها نجحت في التنصل منها. يحاول المخرج الامساك بذلك الايقاع اليومي الجديد للعائلة وأن يصور معاناة الفقد وتأثيرها في الاشخاص المعنيين مستعيراً من المخرج الايطالي ناني موريتي فكرة المصيبة التي تفرق بعكس السائد من ان المصائب تجمع. ولكن شتان ما بين Tehilim نجاري وThe Son's Room موريتي. فالاول عجز تماماً عن تعميق النقاش وتدوير الشخصيات وعكس حالة العزلة. كل ما حققه هو نقد للمؤسسة الدينية التي تنشط على حساب الالم الانساني.

المستقبل اللبنانية في 22 مايو 2007

 

سينماتك