من ناحية
مبدئية جرى الحديث كثيراً خلال الأسابيع الأخيرة عن أن لا حضور عربياً في
مهرجان «كان» السينمائي لهذه السنة. استاء كثر لأن السينما العربية تبدو
غائبة عن مهرجان صنع لها في العالم بعض مجدها منذ زمن طويل، وساهمت هي، ولو
بقسط ضئيل في عالميته. ولكن هل السينما العربية غائبة حقاً عن ستينية
«كان»؟ في المسابقة الرسمية أجل على عكس ما كان يتمنى كثر، ليس هناك أي
حضور عربي. وفي التظاهرات الثانوية، اذا استثنينا فيلمين لبنانيين جديدين.
الصورة
هنا رمزية: لبنان وحده بإمكاناته المتواضعة، ولكن بمساعدة أوروبا، يقاوم.
وسنرى لاحقاً كنه هذه المقاومة وإمكاناتها. أما هنا فنتوقف عند ظاهرة
لافتة. إذا كانت الأفلام العربية غائبة، فإن هذا لم يمنع يوم أمس، الجمعة،
من ان يكون يوماً عربياً بامتياز. وكيف لا يكون هكذا يوم تتحدث فيه اهم
المجلات التي تصدر اعداداً يومية في «كان»، ونعني «فارايتي» الأميركية، في
صدر صفحتها الأولى عن مهرجان سينمائي عربي جديد تزمع أبوظبي إقامته لينافس،
بحسب المجلة، مهرجان دبي، على خطى المنافسة الحامية بين الإمارتين؟ وفي
اليوم نفسه تأتي الأخبار عن بدء الفلسطيني ايليا سليمان العمل لتصوير فيلمه
الجديد الذي سيكون فرنسياً - بلجيكياً، ويصور في ثلاث قارات ليتحدث عن
تاريخ أسرة المخرج منذ عام ضياع فلسطين 1948 حتى اليوم؟ في فيلمه الروائي
الطويل الثالث، اذاً، وسّع سليمان دائرة اهتمامه ودور اسرته في حياته. ومنذ
الآن يحق لنا ان ننتظر تحفة جديدة من صاحب «يد إلهية».
عربياً
ايضاً، وإن في شكل غير مباشر، عرض امس فيلم «محامي الرعب» الذي حققه
الفرنسي باربت شروتر عن ومع الحقوقي الفرنسي جاك فرجيس الذي كان ذات يوم
زوج المناضلة الجزائرية جميلة بو حيرد ومحاميها، ليصبح لاحقاً محامي كارلوس
وصديق المقاومة الفلسطينية. ولكن ايضاً محامي بعض كبار المجرمين النازيين
الذين يحاكمون عادة في فرنسا. فيلم «محامي الرعب» قد نعود إليه غداً. أما
هنا فلا بأس من «مواصلة» رحلتنا العربية في «كان». ولكن هذه المرة مع اول
فيلم لبناني عرض في «أسبوعي المخرجين» كما كان متوقعاً، وهو فيلم «رجل
ضائع» لدانيال عربيد. هذا الفيلم سيسيل حبراً كثيراً ويثير سجالات أكثر.
وليست هذه العجالة حيزاً يكفي للحديث عنه. فقد يهمنا ان ننقل عن مخرجته
يقينها من انه لن يعرض لا في لبنان ولا في أي بلد عربي. «حتى ولا في فرنسا
ربما» استطردت صحافية كانت تحضر المؤتمر الصحافي الذي عقدته عربيد بعد عرض
الفيلم، مضيفة: «إذا رصدنا تعبيرات ساركوزي الأخلاقية يمكننا ان نتوقع
هذا». ضحك الجميع، فالصحافية أرادت ان تمزح لا أكثر. «رجل ضائع» سيعرض في
فرنسا بالتأكيد. وهو يقيناً مصنوع ليعرض فيها. لكنه، بالتأكيد ايضاً لن
يعرض في بلد عربي. فالفيلم إباحي في شكله إن لم يكن في مضمونه. كميات من
اللحم النسائي والمشاهد الجنسية تملأه. وشخصيات تتحرك في حياتها من دون
رادع أو هدف أو وازع أخلاقي. لسنا في هذا ننتقد الفيلم. نقول الأمور كما
هي. النقد الفني سيأتي لاحقاً. سينمائياً تطورت دانيال عربيد كثيراً. وهذا
واضح. ولكن من الواضح ايضاً أنها فقدت تماماً براءة فيلمها السابق «معارك
حب». فقدتها مع تخلي فيلمها الجديد عن حرب لبنان كموضوع، ومع رغبتها في ان
تصور، كامرأة، حياة الرجال وأعمالهم. وفقت لتحقيق الفيلم بكتاب عن حياة
ومغامرات مصور فرنسي. لكنها وفقت اقل في السيناريو الذي كتبته. تعاملت مع
ممثلين جيدين، لكنها بدت احياناً غير عارفة كيف تتعامل معهم، أو ماذا
يفعلون. كل هذه الجوانب قد لا تهم... امام شبه الفضيحة التي يمكن ان يكونها
هذا الفيلم. كثيرون سيقولون هذا من الآن وصاعداً. اما دانيال فيمكنها ان
تقول ان ما همها تحقيق فيلم عن موضوع تحبه... ولينتظر الجمهور اللبناني أو
العربي فيلمها التالي إن اراد...
الحياة اللندنية
في 19 مايو 2007
|