كتبوا في السينما

سينماتك

التنوع الأميركي الحاد تقابله حركة السينمائيات الفرنسيات

إيطاليا لم تعد "البنت المدللة" وصورة العرب والأفارقة شبه غائبة

كانّ ـــ من هوفيك حبشيان

مهرجان كان الـ 60

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

"مهرجان كان" في عيده الستين، يعدنا بالكثير من المفاجآت والاحتفالات والاستعادات بقيادة رئيس لجنة التحكيم ستيفن فريرز المعروف بولعه ومزاجه المتقلب، القريب من مزاج الطقس هنا، الذي لم يحسم خياره بعد بين الشمس والغيم. ليس من قبيل التحدي أن نقول إن وعود المهرجان هذه المرّة عالية الشأن، لذا فالمتابعة القريبة مطلوبة لنرى ما اذا كان سيفي بها. الوعود تناهت الى مسامع الكلّ طوال الدورة السابقة، وهذا ما يؤكده البرنامج الذي صار بين أيدينا منذ امس: قائمة أعمال تصرّ مرة أخرى على التنوع واختصار العالم في لقطة من هنا ولقطة من هناك، رغم ان هذا كله ليس بالشيء الجديد والمدهش. اذاً، مجرد طبعة استثنائية من حيث الرقم الاستثنائي الذي تحمله؟ القصة أبعد من ذلك بكثير. انها دورة تؤكد بعض الشكوك وتكرّس بعض الذين كانوا باشروا شق طريقهم نحو النجومية. انها كذلك سنة انقلابات هذه السينما على غيرها، وبروز هذا الاسم لغياب هذا الآخر، ونأمل ان يخرج المهرجان من هذه الصراعات سليماً وقوياً. انها دورة لا يحرجها واقع أن يكون نحو نصف الاعمال المتسابقة لـ"السعفة الذهب"، لسينمائيين يقفون خلف الكاميرا للمرّة الاولى، أقله لاخراج فيلم روائي طويل. أما الامتناع عن الاحراج فليس سببه أن ما قدموه يستحق ان يشاهد من هنا بالذات، من هذه المنصة السينمائية التاريخية، انما لأن الادارة مدركة أنها تستطيع الاحتفال بالالعاب النارية وبنشأة جيل جديد من المخرجين في الوقت نفسه. الطريقان المتوازيتان في كان، يا للعجب، تلتقيان!

ملاحظات كثيرة تلهمنا إياها قراءة متأنية لجملة الاختيارات التي قامت بها لجان انتقاء الافلام، وهي اختيارات لا تأتي من فراغ بل تنطوي على  دلالات قاسية أحياناً، تنم عن وقائع اجتماعية وثقافية وسياسية مزرية، وهذه الدلالات من الافضل أن نقبل بها لا ان نرجمها. ابرز الملاحظات، الغياب الشبه الكلي للسينما العربية التي يُختصر حضورها بفيلم لمهدي شارف وبالفيلمين اللبنانيين "سكر بنات" و"الرجل الضائع". يعود سبب انعدام العلاقات الودّية بينها وبين المهرجان الى تدهور مستوى الفكر السينمائي العربي، وعدم قدرة المخرجين العرب على منافسة زملائهم الغربيين في مجال صناعة الصورة الحديثة. ناهيك بأسباب أخرى ليس هنا المجال لتعدادها. في ظل الاوضاع غير المشرّفة للسينما العربية، صارت "الجزيرة" هي البديل المشهدي، وهي التي تصنع الصورة الجديدة للانسان العربي، صورة لعلها لا تملك كلّ مكونات التباهي والاعتزاز! هذه ايضاً حال السينما الافريقية التي تجمعها برفيقتها العربية مأساة واحدة هي غياب من يرعاها ويساندها ويهتم بها، وهذا ما جعل القارة السوداء تغيب هي ايضاً عن المهرجان، في زمن تحتاج افريقيا الى بناء صورة حيّة، قريبة الى آمالها وتطلعاتها ورغباتها، لا رغبات الغرب. واذا كان هناك عالمان غائبان عن كان، فهناك ايضاً نصف قارة، أميركا اللاتينية، التي بعكس الامال المعقودة عليها، لم تستطع السينما المصنوعة فيها تغيير جلدها، على ما ورد على لسان بعض الذين شاهدوا تلك الافلام. لافت ايضاً عدم وجود اي فيلم ايطالي في المسابقة الرسمية، بعدما كانت السينما الايطالية "البنت المدللة" للمهرجان، لكن استحال عليها في العقود الماضية، الخروج من أزمتها المتزامنة مع أزمة المجتمع الايطالي. ورغم ان فيلمي بيلوكيو وسورنتينو اللذين عرضا في الدورة الماضية كانا يبشران بالخير، الا انه تبدى مذاك ان طريق النقاهة بعيدة بعد، وان الحلم لا يزال بعيد المنال.  

لفتنا كذلك تألق نجم السينمات الاتية من بلدان أوروبا الشرقية والمتمثلة في الدورة الحالية بكلّ من اليوغوسلافي أمير كوستوريكا، العائد الدائم والوفي الى الارض التي صنعته مخرجاً نجماً، والمجري بيلا تار، والروسي الكبير الكسندر سوكوروف. بالاضافة الى روسي آخر، اندره زفيانغينتسيف، اقتنص "الاسد الذهبي" في البندقية عن فيلمه "الانطلاق". كذلك يجري الحديث عن حركة أو موجة جديدة لم تتضح ملامحها بعد، آتية هذه المرّة من رومانيا، هذه البلاد التي تتمثل من خلال كريستيان مونغيو وفيلمه الجديد. في مقابل الصعود المفاجئ لهذه السينما، تبدو السينما الآسيوية متراجعة الطموح بعض الشيء. يحمل رايتها كلّ من الكوريين لي تشانغ ــ دونغ وكيم كي دوك، واليابانية ناومي كاوازه التي تجرأ المدير الفني للمهرجان تييري فريمو على اختيار فيلمها الاختباري جداً في اطار المسابقة الرسمية.

لكن السينما الاسيوية حاضرة ايضاً من خلال أحد معلميها، التايواني هو سياو ـــ سيين، الذي يقدم "رحلة الطابة"، لكن في قسم "نظرة ما"، وايضاً عبر ايم كوان تك، المشارك بفيلمه ضمن "اسبوعي المخرجين". اسماء جديدة تنضم الى لائحة المخرجين الآسيويين: وانغ بينغ، دياو يينان وليا يانغ. للوهلة الاولى، لا يبدو أن السينما الآسيوية تواجه خطر انتزاع مكانتها المرموقة التي تشغلها منذ سنوات. لا شيء على الاقل يشير الى احتمال حصول ذلك، لكن المشكلة هي ان الكثير أصبح يُطلب منها بعدما تبيّن ما هي قادرة عليه. يبقى الصيني وانغ كار ــ واي الذي شاهدنا له أمس، ضمن حفل الافتتاح، فيلمه الجديد "ليالي العنابية"، وهو أول فيلم أميركي ينجزه هذا المخرج الطليعي الذي كان يترأس لجنة تحكيم المهرجان في العام الفائت.

هناك أيضاً حضور قوي ومهم للسينما الفرنسية، بعد دورة السنة الماضية حيث جرت الرياح عكس ما اشتهته سفينة السينما المحليّة. ثمة حاجة متمادية الى التغيير والتجديد في اعمال السينمائيين الفرنسيين. في موازاة الرعيل القديم، كثر من الذين يمسكون الكاميرا ينتمون الى الجيل الشاب، من مثل لولا دوايون (ابنة جاك) وميا هانسون ــ لاف وسيلين شياما. مع مستهل السبعينات من القرن المنصرم، تنامت اهمية المخرجات في السينما الفرنسية. وخلال السنين العشر الاخيرة، شهدت البلاد بروز عدد وافر من المخرجات الشابات، وازداد اهتمام المهنيين والنقاد والجمهور والباحثين بهنّ. حالياً، يتردد الحديث هنا عن افلام النساء، سواء أكانت مستحسنة ام لا. تعالج هذه الافلام مواضيع مختلفة مثل الالتزام السياسي والظلم الاجتماعي وحياة المرأة الجنسية. وايضاً صورة طفولتها ومراهقتها وخصوصاً صورة تنظيم المجتمع والعلاقات بين أفراده، لا سيما بين النساء والرجال. سيطرت المخرجات على الشاشة الكبرى من خلال مواضيع مفعمة بالعواطف، وهي تسترعي الأنظار لأنها تتطرّق احياناً الى ما كان من المحظور تناوله في السابق. هكذا احدثت سينما النساء ضجة لن تنتهي حتماً مع انتهاء هذه الدورة، بغض النظر عن الاعجاب او الامتعاض اللذين قد تولّدهما، وهي اليوم تتكرس عبر مشاركة كلّ من المستفزة غير القابلة للاصلاح كاترين بريا بفيلمها "معلمة عجوز" ومارجان ساترابي التي تتسابق لنيل "السعفة الذهب" بفيلمها المعنون "بيرسيبوليس". هناك ايضاً الممثلتان فاليريا بروني تيديسكي وساندرين بونير اللتان تقدمان عملهما الجديد. فالى كون فرنسا تحتل في هذه السنة مكاناً تُحسد عليه، يمكن القول عن هذه الدورة انها نسائية بامتياز. لكن في مقابل ذلك، لا خوف على مستقبل المخرجين الفرنسيين. اوليفييه أساياس، نيكولا فيليبير، غايل موريل، كريستوف أونوريه، سيرج بوزون، باربت شرودر، نيكولا كلوتز، كلهم يحضرون الى كان لتقديم انتاجاتهم الجديدة، التي تسبقها آراء جد سلبية في بعض الاحيان.  

أهذا يعني ان السينما الفرنسية في صحة جيدة؟ ربما! لكن السينما الاميركية، في تعدد توجهاتها وانتماءاتها، تنم عن ديناميكية قل مثيلها في السابق. لا يختلف اثنان على أن الولايات المتحدة تحتل الصدارة في كان هذا العام، علماً ان الاسماء التي تتألف منها عائلة هذه السينما تعكس التنوع الحاد الذي يستهوينا في الروحية الاميركية. فمَن المخرج الاكثر ابتعاداً عن كوانتن تارانتينو سوى مايكل مور؟ تنسحب هذه المقارنات على الاسماء الاخرى المشاركة ايضاً: بين الاخوين كوين وديفيد فينشر؛ بين ابيل فيرارا وهارموني كورين؛ بين سادربرغ وفان سانت. لهؤلاء كلهم علاقة غير طبيعية وغير سليمة مع هوليوود التي كانت طاغية بشدّة في العام الماضي، فهل تكون دعوتهم الى "مهرجان كان" والترحيب بهم، بمنزلة تقديم اعتذار عن العمل الشاذ الذي اقترفته الادارة في الدورة 59 وهو افتتاح المهرجان بفيلم "شيفرة دافينتشي"؟

على صعيد آخر، لن تكون كاميرات التلفزيونات هي الوحيدة التي ستتركز على الحدث خلال اثني عشر يوماً في ما يشبه العرس السينمائي. بل هنالك ايضاً أجهزة المراقبة التي ستساعد الالوف من عناصر قوى الامن في تأمين سلامة نحو ستين ألف محترف موجود هنا وألوف الفضوليين الآتين من البلدان المجاورة والبعيدة لمشاهدة صعود النجوم على السلالم المؤدية الى قصر المهرجان، وهو طقس من الطقوس لا يتجزأ عن ماهية المهرجان بذاته. مدينة كان، هي بين أفضل المدن الفرنسية تجهيزاً بكاميرات المراقبة، وخصصت البلدية منذ اربع سنوات شبكة تتضمن مئة كاميرا للمراقبة، فضلاً عن شبكة تضم خمسين كاميرا في قصر الاحتفالات، لاكتشاف أي عمل مشبوه في الوقت المناسب.

اذاً، لن ينثر العيد الستون لـ"مهرجان كان" هباء. ذلك أن المدينة ستستفيد منه الى اقصى درجات الاستفادة. هذا المهرجان، حيث تبرق النجوم، يجعل الفنادق والمطاعم تكتظ سنوياً، بما يتيح للمدينة أن تحقق بين 10 و12 في المئة من ارباحها السنوية. يؤمّن المهرجان مئة وعشرة ملايين أورو لكان، مقابل سبعمئة مليون أورو تجمعها المدينة خلال ثلاثمئة يوم في السنة، وفق الارقام التي تعلنها البلدية. فهل تزيد الارقام هذه السنة، مثلما زادت اسعار الايجارات بحيث صار يراوح سعر غرفة الفندق في الليلة الواحدة بين 490 و900 أورو؟ لا عيب في أن يتدفقّ المال بكثرة خلال المهرجان، فتمتلئ المطاعم ويجتاح النجوم المتاجر الفخمة ومحال المجوهرات وتزدحم الـ"كروازيت" بسيارات الليموزين وسواها من المركبات السياحية الفارهة، لكن العيب اذا تبيّن ان زمن الاحتفال ينهي زمن التأمل لتصبح الحاجة أقوى من الرغبة. المهم أن يبقى الحلم في كانّ ملك السينما والسينمائيين، وأن يخلّف المهرجان في كل اختبار جديد له علامة وحضوراً خاصين.  

النهار اللبنانية في 18 مايو 2007

 

سينماتك