كتبوا في السينما

سينماتك

مفتوحٌ، مغلق.. فيلم تسجيلي لليانة بدر:

معني الطريق في حياة الفلسطينيين اليومية تحت الاحتلال

باريس ـ صلاح سرميني

ملفات خاصة

صلاح سرميني

سرميني يكتب عن الأفلام العربية القصيرة

ما هو معني الطريق بالنسبة للفلسطينيّ؟

في جميع أنحاء العالم، يأخذ الطريق الإنسان إلي حيث يريد، في حين يتوجب علي الفلسطيني عبور الحواجز الدائمة، وخصوصاً بوابات الجدار العنصري الفاصل، حيث لا عبور في أحيان كثيرة.

يتعرض الفيلم لقصص تدور علي البوابات التي صارت مَعلماً جديداً من معالم الحياة المُستحيلة، هناك امرأةٌ سجينة بيتها وراء الجدار، ولا يُسمح لها بالدخول، أو الخروج أكثر من ثلاث مرات في اليوم، وهناك عائلةٌ فلسطينيةٌ تريد أن تري الربيع في أرضها التي لا تتمكن من دخولها، فتتسلل إليها عبر طريق طويلة، وخطــرة، وهناك المُــزارع الذي يشتاق للمزرعة، والفلاحة التي تصف الزيتون السجين وراء الجدار بأنه طفلٌ مفقودٌ من العائلة، وهناك طالب الجامعة الذي وصل إلي الموت علي الحاجز قبل أن يتمكن من العودة إلي بيته، وهناك أولاً وأخيراً قرية (بلعين) الشهيرة بالمقاومة بدون عنف التي يشارك فيها كل أسبوع متضامنون من جميع أنحاء العالم.

لم يبتعد ملخص الفيلم التسجيلي (مفتوحٌ، مغلق) للمخرجة الفلسطينية( ليانة بدر) عمّا كنت أبحث عنه في الطرق المُغلقة/المفتوحة في الأراضي الفلسطينية نفسها، وتلك المُؤدية لما احتلته إسرائيل منها.

منذ اللقطة الأولي، خلف بابّ حديـــدي، وفي العمق يُكمل الإسرائيليون بناء الجدار عند معبر (قلــنديا)، الصورة بدورها حبيسة سجــن كبير يعيـــــش فيه الفلسطينـــــيون، والمتـفرج الذي يشاهد الفيلم بغصّة، يستمع إلي موسيقي مخنوقة تُصاحبُ صوراً شائكة، يُواسيها نحيب ناي..

والكاميرا هنا (وفي أيّ فيلم فلسطيني) ليست مُحايدة، إنها تُدين، وتتعاطف، تستعرض المأساة، وتكتب المخرجة سؤالاً علي الشاشة: عند انتهاء بناء الجدار؟

الجواب اللاحق: مفتوحٌ، مغلقٌ، مفتوحٌ، مغلقٌ، مفتوحٌ، مغلقٌ،.... إلي متي؟

موسيقي مخنوقة، ونحيب ناي.

سينمائياً، وبالاستفادة من كتاباتها الروائية، تخيّرت (ليانة بدر) تقسيم فيلمها إلي عدة أجزاء، يصحب كلّ واحد منها تساؤل محدد، والبوابات أكثر بكثير من تلك الأسئلة المكتوبة.

ـ مفتوحٌ، مغلقٌ إلي المدرسة؟

ـ مفتوحٌ، مغلقٌ إلي الجامعة؟

ـ مفتوحٌ، مغلقٌ إلي الحقل؟

ـ مفتوحٌ، مغلقٌ إلي المزرعة؟

ـ مفتوحٌ، مغلقٌ إلي البيت؟

ـ مفتوحٌ، مغلقٌ إلي الزيتون؟

ـ مفتوحٌ، مغلقٌ إلي الأرض؟

وماذا بقي من حياة الفلسطينيين، إنه سجنٌ كبيرٌ حقاً..

بشكل عام، تتشاركُ معظم الأفلام الفلسطينية، أو تلك التي تتطرّق لهذه القضية، والاحتلال، بعناصر مشتركة في بناها السينمائية، أو معالجاتها الدرامية لموضوعاتها، وتشكل أعمدةً مهمّة للصورة، والصوت معاً:

مصفحاتٌ، جنودٌ، دباباتٌ، اشتباكاتٌ، شهاداتُ أطفال، نساءٌ، صورُ شهداء، أسماء معتقلين، مصورون صحافيون، وكالات أنباء، جرحي، قتلي، بيوتٌ مهدمة،.....

وبالإضافة للأبواب الحديدية، الأسلاك الشائكة، معابر الطرق المقفولة، الصفوف، الانتظار، الحواجز الثابتة، والمتحركة، والتفتيش،....فقد جاء الجدار الفاصل ليصبح الأمر أكثر قسوةً، مادياً، ومعنوياً.

وعلي الرغم من كثرة اللقاءات في الكثير من هذه الأفلام، والتي يمكن أن تُضعفها، وتحولها إلي تحقيقات تلفزيونية، إلا أنها ـ مع ذلك ـ ضرورية، فهي الأثر السمعيّ/البصريّ الأكثر فعاليةً، وديمومةً.

الحقيقة، يظهر لنا هذا الفيلم، كما في غيره (وهي سياسةٌ مقصودةٌ من الاحتلال لتهميش المقاومة، وإضعافها) الفلسطينيين في الأرض التي يعيشون عليها، وقد تمحورت حياتهم حول البحث عن طريق، حيث ينتهي الفيلم بتظاهرة سلمية في أحد الحقول التي سوف تستولي عليها إسرائيل، وصدامٌ مع جنود الاحتلال، بينما يجلس العازف اليهودي الايرلندي(يعقوب أليجرو) ـ وهو أحد الناجين من المحرقة النازية ـ والمغني الأمريكي (ديفيد روفكس) يحتجان علي طريقتهما موسيقي، وغناء.

قبل ذلك، في مشهد سابق، وفوق حائط مدرسة(سجنٌ صغيرٌ آخر داخل السجن الأكبر)، كتب أطفالٌ عبارة: ليس من حقكم بناء الجدار علي مقربة من مدرستنا.

وفي لقطات كبيرة، يتحدث هؤلاء عن تأثيرات الجدار علي حياتهم اليومية، ومعاملة جنود الاحتلال لهم.

براءة الأطفال، وصغر أعمارهم، منعتهم من إدراك أن إسرائيل أعطت لنفسها مشروعية احتلال بلد بكامله، فلماذا تمتنع عن بناء جدار علي مقربة من مدرستهم.

مفتوحٌ، مغلقُ:

فيلم تسجيلي، سيناريو، وإخراج (ليانة بدر)، ألوان، 45 دقيقة، فيديو، 2006.

ہ ليانة بدر: كاتبة، روائية، ومخرجة أفلام تسجيلية.

ـ حصار: مذكرات كاتبة 2003.

ـ الطير الأخضر 2001.

ـ زيتونات 2000.

ـ فدوي: حكاية شاعرة من فلسطين 1999

ـ قصة وسيناريو الفيلم الروائي (زواج رنا / القدس في يوم آخر) للمخرج (هاني أبو أسعد).

ـ سيناريو الفيلم التسجيلي (القدس أكثر من مدينة) 2003.

ـ سيناريو الفيلم التسجيلي (نابلس مدينة البشر، والحجر) 2003.

القدس العربي في 31 يناير 2007

 

المقالات المنشورة

·          السينما500 كم.. فيلمٌ تسجيليٌّ يرصدُ حالةًً فريدةً في العالم

·         القطعة الأخيرة.. محاكاةٌ لأفلام السينما الصامتة

·         ماتريكس كويتيّ يُعاد تحميله من جديد

·         هز يا وز.. عندما يصبح الوقت موضوعهة الفيلم الرئيسية

·         قطط بلدي.. بين روح الماضى والحنين إلى الرومانسية

·         ليلة البدر: رصد متعجل لمظاهر الفرح

·         طفلة السماء: مقارنة بين الفيلم والنص (2-2)

·         طفلة السماء: مقارنة بين الفيلم والنص (1-2)

·         طريقة صعبة: التأرجح بين فكرة (الثأر) ومفهوم القتل الإحترازي

·         تمرد: فيلمٌ شعريّ تجريبيّ يتماهي مع عنوانه

·         طفلة السماء: صياغةٌ سينمائيةٌ متميزة خذلها سيناريو متهالك

·         أحلام منتصف الظهيرة.. مُقارناتٌ مدرسية، ونماذج نمطية جاهزة

·         الباب.. فيلمٌ / قصيدة يشبه الهايكو

·         الحفاة فيلم مغربي قصير: درس بليغ نتعلم منه، ونعلّم

·         رتلٌ كاملٌ من الأشجار.. سيناريو باهت وصياغة مدرسية

·         مفتوحٌ، مغلق.. معني الطريق في حياة الفلسطينيين

·         (كازا).. احلام الهجرة الوردية الي مدينة قاسية

·         رحلة ربيعة.. عندما تنسجُ الأفعال الصغيرة حدثا كبيرا

 

سينماتك