صفحات ذات صلة

كتبوا في السينما

 

ورحل النمر الأسود‏..‏ رحل أحمد زكي بعد معاناة طالت لاكثر من عام مع المرض‏..‏ رحل وهو يعيش أحد أحلامه التي راودته كثيرا بأن يمثل قصة حياة ونجاح عبدالحليم حافظ‏..‏ ثم يمثل بالطبع في نهاية الفيلم‏..‏ نهاية عبدالحليم حافظ الشخصية عندما رحل العندليب بعد معاناة مع المرض فقد حقق أحمد زكي هذه النهاية بالفعل ليموت أيضا علي سرير المرض ولكن في بلده‏.‏ أما حليم فمات حيث كان يعالج في لندن وليصل إلي بلده ولكن داخل نعش ملفوف بقماش أتذكره جيدا فقد كان يشبه الخيش‏.‏

مات أحمد زكي الذي لم يحب الفن فقط ولكن يمكن أن نقول بل نؤكد أنه عشق الفن وبالذات التمثيل‏.‏

مات والملايين تدعو له وهي تتابع حالته الصحية الحرجة في الأيام الأخيرة‏..‏ مات ومئات الفنانين يدعون له‏..‏ مات والعشرات منهم يتوافدون يوميا إلي مستشفاه لزيارته أو حتي للسؤال عنه دون مشاهدته‏.‏

رحل قبل أن يضع خاتمة فيلم حليم الذي كان يمثله علي الشاشة ولكنه قدمها في الواقع عندما رحل بالفعل كما رحل العندليب علي سرير المرض وفي نفس الشهر‏.‏

رحل أحمد زكي صاحب أكبر قدر من النجاح في تجسيد الشخصيات التي قدمها علي الشاشة مع إختلاف نوعياتها‏.‏

رحل أحمد زكي بعد أن استمتع هو شخصيا بنجاحاته المتعددة كما أمتعنا نحن جماهيره بهذا النجاح الذي لم يسبقه إليه فنان آخر‏.‏

رحل أحمد زكي بعد أن قدم أنصع فترات حكم عبدالناصر عندما أمم قناة السويس‏..‏ قدم لنا شخصية هذا الزعيم باقتدار لم يختلف عليه أحد في فيلم ناصر‏56.‏

رحل أحمد زكي بعد أن قدم لنا أيام السادات‏..‏ ذلك الفيلم الذي حكي مشوار حياة الرئيس السادات صاحب قرار العبور بما في هذا المشوار من دراما وأيضا تراجيديا موته‏.‏ وأذكر أن قاعتين للسينما كانتا تعرضان الفيلم فيما يسمي بالعرض الخاص قبل نزول الفيلم إلي دور السينما للجماهير‏..‏ وكيف كان البعض يجلس علي سلالم السينما بعد إمتلاء القاعات بالمتفرجين والذين كانت بينهم أرملته السيدة جيهان السادات وأبناؤه وليقدم الرئيس مبارك الأوسمة لفناني ومخرج وكاتب الفيلم‏.‏

وكان الفيلم التالي مباشرة لهذا الفيلم العظيم‏..‏ هو فيلم معالي الوزير الذي نال عنه أخر جوائزه وهي جائزة التمثيل الأولي والتي قدمها له وزير الثقافة فاروق حسني في الحفل الختامي لمهرجان القاهرة السينمائي منذ ثلاثة أعوام‏.‏

أحلام أحمد زكي كانت كبيرة لم تتسع حياته لكي يحققها ولكن ربما ما يعزينا جميعا في فقده أنه عايش النجاح وعايش التألق‏..‏ وعايش أو استمتع بهذا الإبهار في الأداء التمثيلي عندما استطاع أن يربك المتفرج بهذه المقدرة ليس علي التقمص ولكن الغوص داخل الشخصيات بما يؤثر علي شكله الخارجي بعيدا عن الماكياج الذي مهما نجح فنانوه في تقديم الصورة القريبة من الشخصية‏..‏ لكن يظل هذا الإحساس الداخلي هو ما نجح فيه هذا الفنان في أن يعيش ويجعلنا نعيش معه الشخصية التي يجسدها‏.‏

عايشته منذ بدايته علي مسرح الفنانين المتحدين في مسرحية مدرسة المشاغبين ليقوم بدور الطالب الفقير البسيط ولم يكن دوره في المسرحية يقدم له أي توهج من ذلك الذي يقدم لزملائه عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي‏.‏ وعندما أعود بالذاكرة لهذا العرض‏..‏ أقول لقد كان التوهج من خلال هذه الشخصية البسيطة المستكينة والتي نجح فيها بأسلوبه الخاص بعيدا عن الكوميديا‏.‏

عايشته خلال حزنه العميق علي واحد ممن ساعدوه في بداية مشواره وهو الفنان الكبير صلاح جاهين الذي كان بمثابة الأب الروحي له واستمتعنا جميعا بعمله التليفزيوني الرائع هو وهي عن قصة الزميلة سناء البيسي سيناريو وحوار وأشعار صلاح جاهين والذي شاركته فيه الراحلة أيضا سعاد حسني‏.‏

وعايشته في نجاحات عديدة للشاشة الفضية التي أخلص لها بصورة متفردة وأعتقد أنها أيضا ستخلص له‏..‏ أي لذكراه من خلال ما قدمه لها‏.‏

ثم عايشته في آخر حفل عام ظهر فيه وهو الحفل الذي ضم اكبر عدد من فنانينا والذي أقامه الاعلامي الكبير عماد أديب بمناسبة بداية تصوير فيلم حليم الذي ينتجه‏..‏ وفي هذا الحفل لا أدري السبب في أنني شعرت من نظراته أنه يودع بها الجميع‏..‏ فعلا كان الوداع الأخير‏.‏ 

السؤال الآن‏:‏ كيف نكرم أحمد زكي؟

رحل الفنان العبقري وقدم الجميع تجاهه مايستأهله من اهتمام خلال المرض ثم كانت هذه العواطف الجياشة من الجميع أيضا في وداعه الأخير‏..‏ وليس استخدام الجميع هنا من قبيل المبالغة فلا أعتقد حسب معرفتي بالفنان الراحل خلال سنوات عديدة من تألقه‏..‏ لا أعتقد أن هناك من لايشعر بهذا الحب الجارف تجاه أحمد زكي الفنان والإنسان أيضا فإنسانيته وضحت إلي حد ما للجميع من خلال بساطة ملموسة في الشخصية وهذه البساطة يستشعرها المواطن بسهولة لأي فنان ويستطيع أن يميز بين البساطة التي يفتعلها الممثل مهما كانت درجة عبقريته في التمثيل والبساطة الطبيعية التي خلقه الله بها‏.‏

المهم بعد هذه العواطف من الشعب وهذا التقدير من الرئيس حسني مبارك والدولة وهذا الوداع الذي يخلع القلوب في جنازة الراحل يأتي السؤال المهم‏..‏ وهو كيف نكرم هذا الفنان؟

قد يكون ثمة شارع باسمه‏..‏ أو قاعة في أكاديمية الفنون باسمه أو‏..‏ أو‏..‏ أو غيرها من الوسائل التقليدية إلي حد ما التي عادة ما نفكر فيها لتكريم فنان كبير غادر دنيانا‏.‏

ما أراه حقيقة هو أن أحمد زكي قدم بالفعل وسائل تكريمه بعد رحيله‏..‏ قدمها من خلال عدد جاوز الخمسين فيلما بعضها يعد من علامات السينما المصرية في القرن العشرين‏.‏

هذه الأفلام هي التكريم الحقيقي للفنان أحمد زكي مضافا إليها آخر أفلامه في القرن الحادي والعشرين وهي معالي الوزير‏..‏ ثم فيلمه الذي يستكمل حاليا حليم ذلك الأمل الذي راوده لأكثر من عشر سنوات‏.‏

هذه الأفلام هي كما قلت التكريم الحقيقي لأحمد زكي مجرد مشاهدتها مرة أخري بل ومرات تقدم لنا الذكري الحية لواحد من عباقرة فن التمثيل‏.‏

هذه الأفلام كل مانطلبه ألا تكون قد انتقلت ملكيتها إلي هذه الجهة أو تلك بحيث يأتي اليوم الذي لانجدها تحت أيدينا وأعتقد أن بعضها قد انتقل بالفعل لجهات أخري‏..‏

فماذا نحن فاعلون في هذا المجال للحفاظ علي ما سيطلق عليه مستقبلا تراث الفنان أحمد زكي؟

ماذا نحن فاعلون لنحتفظ بأفلام أحمد زكي‏..‏ خير وسيلة لتكريمه؟

أرجو بعد أن تهدأ العواطف أن نفكر في كيفية التكريم الحقيقي لأحمد زكي من خلال ما تركه من ثروة سينمائية بكل المقاييس‏.‏

البيان الإماراتية بتاريخ 29 يوليو 2004

 

ملف أحمد زكي

أحمد زكي يعود إلى القاهرة لاستكمال علاجه فيها

أحمد زكي أستاذ يحلم النجوم بالوقوف أمامه

حكاية صراع الامبراطور مع الالام في الغربة

الفنانون العرب والمصريون يلتفون حول أحمد زكي

محمد هنيدي:أحمد زكي مقاتل مملوء بالإيمان والتفاؤل

تصوير الضربة الجوية بعد الشفاء مباشرة

مديرة منزل احمد زكي تبحث له عن زوجة

ملف أحمد زكي

ورحل أحمد زكي صاحب أكبر رصيد من النجاحات علي شاشة السينما

تكتبها : امال بكير

أحبته الجماهير بشكل استثنائي 

أحمد زكي.. نجم الغلابة والمطحونين

القاهرة ـ ناهد صلاح 

«مع السلامة يا ابني.. مع السلامة يا ابني» وقفت سيدة مسنة تتشح بالسواد، تصرخ وتنتحب وهي تلوح بيدها نحو نعش أحمد زكي، فهي كانت ترى في صورة الفتي الأسمر شبها لابنها بالفعل؟ وهل كان الجمع الغفير من الناس العاديين والبسطاء والمطحونين الذين حضروا جنازته، ملتاعين، يرون فيه فردا من العائلة؟ وإلا ما هو هذا الاهتمام الجماهيري الاستثنائي بهذا النجم؟

الذي لم يفز به أحد من قبل سوى عبدالحليم حافظ ما هي تلك الكاريزما التي جعلت الجميع في الشارع المصري يتفقون على حب أحمد زكي؟ بل إن أثنى عشر معتمراً لا تربطهم به صلة شخصية ولا يعرفونه سوى ممثلا على الشاشة أهدوه عمرتهم في العشر الأواخر من رمضان الأخير وهو ما لم يحدث مع نجم قبله.

الأمر، بالتأكيد، يحتاج إلى تفسير، خاصة وأن أحمد زكي لم يكن بارعا في الدعاية لنفسه، بل كان عازفا أغلب الوقت عن الظهور في وسائل الإعلام بشكل جعل حياته وشخصيته أقرب إلى الغموض، فالمعروف عنه، دائما، قليل.الفنان نور الشريف لديه تفسيره الخاص قائلا: إن الجمهور الذي تعلق بأحمد زكي بشكل استثنائي هو جمهور واع يعرف من يصدقه في الأداء ومن يحاول أن يمثل عليه الدور.

وقد تطلع إلى أحمد في أفلامه فوجدوه يشبههم، واحدا منهم، يعبر عن أحلامهم وهمومهم ويتحدث بلغتهم، فأحمد زكي في «طائر على الطريق»، و«موعد على العشاء» و«البيه البواب» و«ثلاثة في مهمة رسمية» و«أحلام هند وكاميليا»، هو بالضبط الشخصية التي يذوب فيها حين يجسدها وهو في الوقت نفسه أحمد زكي وطوال الوقت.

وهو أيضا الضابط المتعجرف في «زوجة رجل مهم» و«الوزير الفاسد» والغارق في انتهازيته في «معالي الوزير»، وهو في ذروته الزعيم جمال عبدالناصر في عز شبابه وكاريزميته في «ناصر56»، وهو كأحمد زكي لا يغيب عن الوجود ولا يتلاشي تماما ولا يذوب تماما في أي شخصية من هذه الشخصيات، وهذا سر عبقريته الذي لم يخف على أحد، فقد كان قادرا على أن يكون ولا يكون في الوقت ذاته.

المخرج يوسف شاهين يصفه بأنه «عفريت تمثيل» ويقول: لقد انطفأت أنوار الدنيا برحيل أحمد زكي، على الرغم من أنه لم يعمل معي سوى في فيلم واحد هو(إسكندرية ليه) إلا أنه فنان يملك ألف وجه، ويعد من ممثلينا القلائل الذين يملكون الإحساس والوعي، والكاريزما الخاصة به صنعتها له أدواره التي اجتهد فيها وكان صادقا وهو يقدمها، إضافة إلى مساحة إنسانية تخصه وحده حيث عرفه الجميع حنونا وكريما وعنيدا لا يعرف الاستسلام ولا يتراجع أمام أزماته بدليل أنه تحدى مرضه حتى آخر لحظة وأثبت أنه قادر على تقديم صورة جميلة يتماهى فيها الفن مع الحياة.

كان أحمد زكي عصاميا، هكذا يقول الناقد السينمائي والسيناريست د. رفيق الصبان، ويضيف:عاش يتيم الأب وبعيدا عن حضن الأم، وقد استطاع أن يبني نفسه بطموحه، لذا تعاطفت معه الجماهير والناس الغلابة التي رأته واحدا منهم يخرج من بين صفوفهم وينجح، فكان أملهم في الصعود، ولما مات كان ألمهم حقيقيا، فقد شعروا أن قريبا أو فردا من العائلة هو الذي رحل.

كما أن أحمد زكي أشبه بأبطال الأساطير اليونانية القديمة فهو يملك سحره الخاص في التمثيل، يذوب في شخصياته حتى الفناء، لذلك صدقناه في دور الفلاح البسيط والصعلوك والضابط والموظف والتاجر والمحامي. هو كل هذه الشخصيات لذلك أسميه ساحر السينما المصرية وعبقريتها الفذة التي ستظل مضيئة بتوهجها الفني الصادق.

الناقد السينمائي كمال رمزي يقول: أحمد زكي دخل كل بيت بأفلامه التي تفانى في تقديمها لآخر نفس، فالناس تعاطفت مع هذا النجم الكادح والصادق في مشاعره دوما، فأحمد زكي وحده يمثل السائق والبواب وجندي الأمن المركزي والمتسكع والصعلوك بدون أن يحولها إلى نمط.

إنه يمثلها ولا يحولها إلى غرض ترفيهي وإنما يقدمها بطريقة القادر على إعادة صياغتها وابتكارها وإبراز تناقضاتها وحضورها المتفرد، فهو طوال الوقت يؤسس لمدرسة خاصة في التمثيل تقوم أسسها على التلقائية والصدق والتفاني في العمل، وقد ساعده على ذلك اندماجه مع تيار الواقعية الجديدة في السينما المصرية الذي كان سائدا في مرحلة الثمانينات.

أما الناقد طارق الشناوي فيقول:تحول أحمد زكي إلى رمز لجيل من المطحونين وإلى أمل لجيل من الموهوبين الذين لا يزالون يبحثون عن فرصة ما، فهو بملامحه السمراء يمتلك مواصفات مغايرة تماما لما تعودت عليه السينما المصرية.

ولكني لا أتصور أن البشرة السمراء هي فقط عمق الإضافة التي منحها أحمد زكي لقائمة نجوم السينما، الأهم أن بساطة الأداء وتلقائيته كانت هي الشفرة التي عبرت به إلى قلوب الناس وجعلته نجمهم المحبوب الذي يوجعهم جدا فراقه.ان.

الحياة اللبنانية

الأول من أبريل 2005

صور لأحمد زكي

كل شيء عن أحمد زكي

شعار الموقع (Our Logo)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أحمد زكي الذي حقق المعادلة الصعبة!

دمشق ـ ابراهيم حاج عبدي 

بوجه غارق في سمرة الدلتا، ونظرة ملؤها الصدق والعفوية، دخل الفنان الراحل أحمد زكي مضمار الفن، ولم يكن يملك من مقومات النجاح سوى حب جارف يغلي بين الجوارح، ورغبة غامضة تدفعه إلى فن اسمه السينما، بيد أنه استطاع أن يكون أحد أبرز نجومها لأكثر من ثلاثين عاماً قدم خلالها النجم الأسمر أكثر من خمسين فيلماً، عدت ستة منها، من بين أفضل مئة فيلم أنتجته السينما المصرية خلال تاريخها، في حين بلغ عدد الجوائز العربية والدولية التي حصل عليها الراحل، عدد أفلامه.

أحمد زكي المولود في الزقازيق (محافظة الشرقية) العام 1949 ، الذي فقد والده باكراً وكذلك والدته التي تركته بعد زواجها الثاني، قدم إلى القاهرة حيث درس في المعهد المسرحي إذ تخرج مطلع السبعينات من القرن الماضي، لتكون هذه الشهادة هي الدليل الوحيد على حسن نيته في عشق الفن، لكنه واجه واقعاً سينمائياً مكرساً، فأنى لشاب ريفي بسيط، يعاني الحرمان والألم، أن يتمكن من إيجاد موقع وسط الكبار؟

ها هنا ظهرت مهارة الفنان أحمد زكي الذي لم يكتفِ باقتحام قلعة الفن المحصنة، بل عمل على قلب المفاهيم، وكسر التقاليد التي كانت سائدة في السينما المصرية في السبعينات وما قبلها، حين أدخل الشك في نفوس من يختزلون التمثيل في الوسامة والملامح الجميلة، ليثبت لهم بأنه «فتى الشاشة غير الجميل» والمحبوب في الوقت نفسه طالما يملك موهبة هي الوحيدة التي ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار.

وعندما تسنى له هذا الموقع سعى احمد زكي إلى ما هو أبعد من ذلك حين عمل، في أفلامه على الأقل، على إخراج السينما المصرية من مستنقع الميلودراما، والإثارة المجانية، ليقدم بديلاً متمثلاً في تلك السينما التي تطرح أسئلة من شأنها تقديم قراءة جديدة للواقع الاجتماعي والسياسي، عبر تقديم نماذج من المجتمع المصري بكل همومه، وخيباته، وتفاصيل حياته العادية فجسَّد دور البواب، والسائق، والطبال، والجندي، والمحامي، والصحافي، والمشعوذ، والمصور... وفي السنوات الأخيرة راح يجسد أدوار الزعماء كما في «ناصر 56» عن حياة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، و»أيام السادات» الذي يؤرخ لسيرة السادات، واعتبر الفيلمان علامتين بارزتين في تاريخ السينما العربية.

ولعل الأمر الآخر في مسيرة هذا الفنان هو انه استطاع أن يجمع بين الانتشار الجماهيري الواسع من جهة، والاحتفاء النقدي البارز من جهة أخرى، أي تحقيق تلك المعادلة الصعبة في عالم الفن، معادلة النجم المحبوب بمعايير الجمهور، والممثل الموهوب بمقاييس النقاد، فلئن وجد فيه النقاد ممثلاً يتمتع بمهارات عالية في التمثيل، فان الجمهور البسيط وجد فيه نموذجاً للإنسان المصري العادي الذي يتحايل على هموم الحياة، ويبحث عن فسحة للأمل وسط المعاناة.

وشاءت الأقدار أن تنتهي حياة الفنان الحافلة بفيلم «حليم» الذي يتناول سيرة الفنان الراحل عبدالحليم حافظ المتشابهة إلى حد بعيد مع تراجيديا الحياة التي عاشها أحمد زكي، ولعله في هذا الفيلم الذي انتهى من تصوير 90 في المئة من مشاهده، أراد أن يكون متماهياً مع الدور وصادقاً في تجسيده حتى الموت، فما إن اقترب موعد تصوير مشاهد مرض عبدالحليم وصراعه مع الموت في الأيام الأخيرة، حتى خرج أحمد زكي من استوديوات التصوير، حين غلبه المرض، ليكمل مشاهد الفيلم الأخيرة، بصورة واقعية، على مسرح الحياة، وربما كان هذا ما يدور في ذهنه حين طلب من المنتج أن يضمن شريط الفيلم جانباً من مشهد جنازته.

ولم يكن اختيار زكي لتجسيد دور عبدالحليم حافظ في فيلم كتب له السيناريو محفوظ عبدالرحمن ويخرجه شريف عرفة، عشوائياً، بل هو استحضار لحياة قلقة عاشها الفنانان، بدءاً من خروجهما من المنطقة نفسها، مروراً بالمعاناة التي واجهاها في القاهرة حين حاولا بتفكير ريفي بسيط وبريء نيل الشهرة والمجد، وصولاً إلى التربع على عرش الفن عبر الجهد الفردي، والمثابرة، والإيمان، فثمة نقاط التقاء مشتركة، وحياة صاخبة، وشاقة انتهت بموت حزين.

برحيل «جوهرة السينما السمراء» كما كان يلقب، تكون السينما المصرية، والعربية فقدت أحد أبرز نجومها، فهذا الفتى الأسمر النحيل الذي يحتفظ في محياه بكل براءة هذا العالم، استطاع أن يضيف إلى السينما العربية تحفاً فنية مدهشة مثل: «البريء»، «ضد الحكومة»، «أحلام هند وكاميليا»، «زوجة رجل مهم»، «أرض الخوف»، «سواق الهانم»، «اضحك علشان الصورة تطلع حلوة»، «البيضة والحجر»، «الهروب» وغيرها وهي أفلام لا تنتهي بإضاءة الأنوار في الصالة بل لعلها تبدأ، في تلك اللحظة، في ذهن المتفرج، وسيكون من الصعب تجاهل هذا الاسم لدى أي حديث يتناول تاريخ السينما العربية وهمومها وقضاياها.

الحياة اللبنانية

الأول من أبريل 2005