صفحات ذات صلة

كتبوا في السينما

 

في أحد أفلام الخيال العلمي الهوليوودية، كان ثمة مركبة فضائية آتية من الفضاء الخارجي تجوب اجواء الكرة الارضية ثم تتوقف فوق بعض البلدان لتطلق شعاعاً مبهراً يمتص أهم معلم حضاري في كل منها ويجتذبه الى داخل المركبة. هكذا شاهدنا برج ايفل وساعة بيغ بن وهيكل الاكروبول يتصاعدون الواحد تلو الآخر الى السماء لتبتلعهم احشاء تلك المركبة العملاقة، بغية مقايضتهم لاحقاً مع سكان كوكب الارض.

البارحة حلقت تلك المركبة فوق القاهرة، العاصمة المصرية، وشوهد هرم من اهراماتها ينجذب صعوداً الى سمائها. لدى تفقدنا اهرام الجيزة ألفيناها لم تمس حتى انها لم تخدش. سرعان ما تبين ان ذلك الهرم المختطف لم يكن من حجر بل من لحم ودم وانه يحمل اسماً: أحمد زكي.

لا مندوحة من القول ان تلك المركبة الفضائية سوف لن تجني شيئاً فيما لو حاولت المقايضة. فجسد احمد زكي قد لا يساوي ثمن كفته، اما روحه الطاهرة التي لا تقدر بثمن فما زالت مطمئنة الى قدرها حتى يقيض الله لها جسداً آخر من عباده لتدخل فيه وتكمل مشوار الابداع الذي نذرت نفسها له، وربما منذ الازل.

كان احمد زكي طوال مسيرته الفنية القصيرة نسبياً يمتلك جسداً برسم الايجار، فيما روحه المتوثبة والمسكونة بهاجس القلق الابداعي تتحين بعض هنيهات الراحة بين نزيلين لكي تستكين داخل جسد الفتى الاسمر المهيوب، ثم لا تلبث ان تنسحب لتمضي معظم وقتها في قاعة الانتظار متحينة هنيهات اخرى قد يمنحها اياها نزيل مستعجل او نزيل آخر الغى حجزه في آخر دقيقة. وكيف لها ان تجد متسعاً وقد تناوبت على سكنى صاحبها شخوص البيه البواب والطبال والرجل المهم واليتيم والراعي والامبراطور والباشا وسواق الهانم وابو الدهن وحسن اللول والبطل وطه حسين وناصر والسادات والوزير وأخيراً حليم.

في مقابلة تلفزيونية نادرة اجريت معه منذ اربع سنين ـ تجرأ الفتى الاسمر وروى للمرة الاولى ما حدث معه ذات ليلة عندما انفصلت روحه عن جسده، وكيف انتصبت في سقف الغرفة كباقة من "غزل البنات" وراحت ترقب من عل جسده المتكوم ارهاقاً على اريكة بعد يوم عمل شاق، ثم انقضت عليه ودخلته مجدداً مما ادى الى سقوطه عن الاريكة ارضاً. في تلك اللحظة، بدت تلك الروح كأنها تلوم صاحب الجسد على اهماله لها وتفضيله اولئك الشخوص الافتراضيين، أو كأنها تهدده بالهجر فيما لو ثابر على خيانته لها وعدم الالتفات الى متطلباتها ولو بالحد الادنى.

لنستمع اليه يتحدث عن نفسه: "أنا لا أحيا الا على الشاشة، حتى حين أغني في فيلم ما، أكون اصدح بصوت الشخصية التي أجسدها وليس بحنجرتي. وشخوص افلامي ترافقني بعد انتهاء التصوير الى الفندق، مركز اقامتي الدائم بعيداً عن هموم الحياة اليومية، فتأكل من صحني وتشرب من كأسي وتهيمن على جهازي العصبي".

لم يكن أحمد زكي يشبه احداً من اقرانه العرب. هو نسيج وحده، ظاهرة استثنائية في سماء الفن السابع المصري قد يطول الوقت قبل ان تتكرر مرة اخرى. لم يكن يسعى الى الاضواء ولا يلهث خلف الجوائز. هذه وتلك كانت تأتيه صاغرة منصاعة. وقته أثمن من ترف الحفلات الصاخبة واللقاءات الفارغة المضمون.

لعل فرادة احمد زكي وتميزه تكمن في ابتعاده عن النمطية في ادائه وحرصه على عدم تكرار الشخوص التي تعرض عليه. وهو حاول بلا ريب ونجح في مسعاه الى حد بعيد. أما التي ظلت قاصرة عن استثمار مواهب هذا الممثل الفذ والنادر (بعد رحيل زكي رستم ومحمود المليجي) فهي السينما العربية عامة والمصرية خاصة اذ لم تبذل جهداً خلاقاً في انتاج سيناريوات تبتعد بشكل جذري عن الانواع التي سادتها طوال عقود مديدة وتقترب رويداً من موضوعات افلام مثيلاتها في اوروبا واميركا وحتى في بعض آسيا، وكان لتواجد ممثل عربي من خامة احمد زكي ضمن فنانيها ان يمنحها انتشاراً عالمياً تحتاج اليه في شدة للخروج من أزمتها المزمنة خاصة بعدما اصبحت "المحلية" جواز المرور الاساسي نحو العولمة السينمائية.

ثمة "شريفان" اعترفا متعملقين بافضلية أحمد زكي عليهما. "الشريف" الأول، عمر، عندما سئل عن وصفه لمميزات النجم العالمي، فاجاب: "ممثل من طراز احمد زكي". اما "الشريف" الآخر، نور، فأقر بتواضع الكبار: "احمد زكي هو الممثل الأول في مصر وهو يتقدمني".

كان احمد زكي يتجنب مصطلح "التمثيل" للدلالة على مهنته – هويته. كان يفضل عليه مصطلحات رديفة مثل "التجسيد" أو "التشخيص" أو "التقمص". سألني أحدهم يوماً: "هل يصلح احمد زكي لدور العندليب عبد الحليم حافظ؟ فأجبته: "هو الاصلح والاجدر والأذكى، لأنه يمتلك خامة وموهبة الممثل المتكامل صوتاً وصورة واحساساً، وهو بالتأكيد لن يتورع عن الغطس في مستنقع مليء بجرثومة البلهارسيا سعياً للمزيد من الصدقية في تجسيد شخصية العندليب المريض. ألم يفعلها من قبل في فيلم "موعد على العشاء" عندما أصرّ على التمدد داخل براد مشرحة حقيقية كجثة باردة لميت حسبما اقتضت متطلبات الدور؟".

البارحة، لم يعد احمد زكي في حاجة الى ذلك الجسد المتهالك الذي أضناه المرض الخبيث. ولعله كان من مخلفات احدى الشخوص التي تقمصها سابقاً، ولما خرجت منه نسيت او تناست اخلاء جميع امتعتها فتركته معششاً في ثنايا الكبد والمرارة والرئة. لتأخذ تلك المركبة الفضائية ذلك الجسد، فللمرة الاولى اصبحت روح احمد زكي طليقة حرة، هائمة على سجيتها، راضية مرضية، قلقة متمهلة في خيارها المقبل، عسى ان يكون مصرياً مرة اخرى، لأن مصر رائدة السينما العربية ما زالت في أمسّ الحاجة الى موهبة فذّة تقارع بها سينمات العالم. في عهد احمد زكي كنا نتجرأ ونتحدى: ماذا لدى اولادكم مارلون براندو وجاك نيكولسون او روبرت دو نيرو افضل من ولدنا احمد زكي. اما اليوم بمَ عساي اواسي داود عبد السيد ومحمد خان وخيري بشارة وعلي بدرخان؟

"لم أشبع من الحياة بعد" عبارته الاخيرة التي همس بها قبيل رحيله. نحن ايضاً لم نشبع منك بعد ايها النمر الاسود!

النهار اللبنانية بتاريخ 30 مارس 2005

 

ملف أحمد زكي

أحمد زكي يعود إلى القاهرة لاستكمال علاجه فيها

أحمد زكي أستاذ يحلم النجوم بالوقوف أمامه

حكاية صراع الامبراطور مع الالام في الغربة

الفنانون العرب والمصريون يلتفون حول أحمد زكي

محمد هنيدي:أحمد زكي مقاتل مملوء بالإيمان والتفاؤل

تصوير الضربة الجوية بعد الشفاء مباشرة

مديرة منزل احمد زكي تبحث له عن زوجة

ملف أحمد زكي

أحمد زكي ..

الروح القلقة الباحثة عن جسد

عصام قلاوون

رحيل النمر الأسود يخيّم على ذكرى العندليب

القاهرة - أمينة خيري 

في مثل هذه الأيام من كل عام، منذ 27 عاماً، كانت محطات الإذاعة والتلفزيون المصرية تكثف الجرعات «الحليمية» من أغانٍ وأفلام ومقاطع من أحاديث مسجلة، وذلك استعداداً لحلول ذكرى وفاة العندليب الراحل عبدالحليم حافظ·

لكن في هذا العام، ومع قدوم الذكرى الـ82 لرحيله (توافق اليوم 30 آذار/ مارس)، تناول المشاهدون والمستمعون جرعات مكثفة من أغنية «موعود» التي رأى القائمون على غير محطة تلفزيونية وإذاعية، أنها خير ما يمثل الفترات الحرجة الأخيرة من حياة الراحل أحمد زكي الذي جسد شخصية العندليب في فيلم لم يكتمل بعنوان «حليم».

وفي السنوات القليلة الماضية، كانت الذكرى التي تؤلب مواجع المتضررين من الفيديو كليب والتطورات الحادة التي فتكت بالأغنية المصرية، فرصة للولولة على الرصانة والوقار، والبكاء على أطلال الفن الراقي، والنحب على زمن الالتزام، وذلك تحت ستار إحياء ذكرى العندليب.

في هذا العام، خف هذا الاتجاه - بل كاد أن يختفي تماماً - وذلك لسببين، أولهما: الاستقرار النسبي الذي تمكن الفيديو كليب من تحقيقه رغم أنف الجميع. والسبب الثاني هو تشابك أضلع مرض أحمد زكي، ورغبته العارمة في تجسيد شخصية عبدالحليم حافظ حتى في الأيام الأخيرة لمرضه، وأوجه التشابه الكثيرة التي تربط قصة حياة الفنانين حافظ وزكي ثم رحيل زكي قبل أيام من حلول ذكرى حليم· ولسبب ما، اعتبر المصريون عبارات ولقطات تأبين الفنان أحمد زكي في حد ذاتها احتفالاً بذكرى رحيل العندليب من دون الحاجة إلى الإشارة المباشرة لذلك·

وبدلاً من التركيز على التفتيش في الدفاتر القديمة الموضوعة في أدراج الصحافيين منذ ثلاثة عقود، وذلك لإعادة تدوير مقالات ومواضيع لا تخرج عناوينها عن إطار «أسرار لم تنشر من قبل عن العندليب» و»الحب الوحيد الحقيقي الذي لا يعرفه أحد في حياة العندليب»، اتسع المجال هذه المرة ليشمل كذلك «أسرار لحظات رحيل الفتى الأسمر»، و»محطات ننشرها للمرة الأولى من حياة أحمد زكي»·

صحيح أن دار الأوبرا المصرية لن تغير من عاداتها في الاحتفال بذكرى عبد الحليم حافظ بإقامة حفلات موسيقية يحييها مطربو الدار ومطرباتها، من دون الإشارة إلى أحمد زكي لأنه لم يكن مطرباً، لكن المؤكد أن مرتادي حفلات الأوبرا سيستمعون الى أغاني عبدالحليم حافظ على إيقاع ذكريات النمر الأسود·

الحياة اللبنانية

30 مارس 2005

 

صور لأحمد زكي

كل شيء عن أحمد زكي

شعار الموقع (Our Logo)