نسي الفنانون خلافاتهم مع الممثل المخضرم وانضووا تحت معركة واحدة:
إنّها معركة الدفاع عن حرية الإبداع التي دخلت نفقاً مظلماً مع صدور القرار
العجيب: السجن لـ «الزعيم» بتهمة «ازدراء الإسلام» في الأفلام والمسرحيات
التي قدّمها في الماضي
لعلّها سابقة في مصر أن يحاكم فنان أو مبدع على مجموعة أعمال قدّمها
في الماضي. على أي حال، ما حصل مع عادل إمام أشعر كلّ العاملين في الوسط
الفني والثقافي بالخطر المحدق بالمشهد. «طيور الظلام» لن تحاصر عادل إمام
وحده، بل سترخي بظلالها السوداء على حرية الإبداع في المحروسة. انطلاقاً من
هذه القناعة، جاءت حملة التضامن الأولى مع «الزعيم» منذ سنوات طويلة.
الفنان الذي اتُّهم بالانحياز لنظام حسني مبارك، واختلف معه زملاؤه طويلاً،
لا يقف وحده الآن في مواجهة القرار القضائي الصادر بحقّه، فالخطر يهدد
الجميع. وكانت «محكمة جنح الهرم» قد أيّدت الثلاثاء الحكم الصادر بحبس إمام
ثلاثة أشهر في الدعوى التي تتهمه «بازدراء الأديان والإساءة إلى الإسلام من
خلال أعماله الفنية» التي قدّمها في الماضي (أفلام «حسن ومرقص» و«الواد
محروس بتاع الوزير»، و«مرجان أحمد مرجان»، و«طيور الظلام» و«الإرهاب
والكباب»، و«الإرهابي» ومسرحيتا «الزعيم» و«الواد سيد الشغال»).
هذا القرار أثار ردود فعل كثيرة في الوسط الفني الذي انضوى تحت معركة
واحدة هي معركة الدفاع عن حرية الإبداع التي دخلت نفقاً مظلماً على ما
يبدو. حملات تضامن مع الممثل المخضرم انطلقت على الأرض والشبكة العنكبوتية
على حد سواء. وأوّل التحرّكات تقام اليوم الخميس عبر مسيرة تنطلق من «مسرح
ميامي» في القاهرة متوجهةً إلى دار القضاء العالي للاحتجاج ليس على حكم
القضاء فحسب، بل على مناخ الارهاب الذي بات يحاصر الفنانين. وتزامناً مع
تلك المسيرة، تنطلق تظاهرة أخرى للمرة الأولى داخل الإسكندرية وتحديداً من
«مسرح بيرم التونسي». وكالعادة، تقيم «جبهة الإبداع المصري» كلتا
المسيرتين، بينما يجتمع مجلس نقابة الممثلين المصريين بشكل طارئ غداً
الجمعة لبحث سبل التضامن مع نجم «الإرهاب والكباب».
أما الحكم نفسه، فما زال قابلاً للطعن في درجة التقاضي الأخيرة وفق ما
أكّد محامو عادل إمام الذي التزم الصمت وسيدفع كفالة لعدم تنفيذ القرار حتى
يتم النظر في الطعن. من الناحية القانونية، هناك العديد من الاجراءات التي
قد تحول دون الحبس الفعلي، وإن كان لا أحد يضمن في مصر اليوم أن يصدر حكم
نهائي بالحبس ضد الممثل المصري الأشهر في السنوات الثلاثين الأخيرة. وقتها،
قد يضطر إمام للبقاء خارج أرض الكنانة حتى لا يدخل السجن الذي ذاق طعمه
مراراً من قبل لكن كبطل على الشاشة الكبيرة. غير أنّ التفاصيل القانونية
الخاصة بقضية إمام ليست ما يشغل الوسط الفني في مصر حالياً، بل إنّها الثغر
القانونية التي تجعل المبدعين تحت رحمة المتشددين. على أي حال، يبدو أنّ
الفنانين صاروا رأس الحربة الآن في هذه المعركة، وهم واعون تماماً لخطورة
هذه السابقة القضائية. لذا، جاءت ردود فعلهم كبيرة سواء عبر تصريحاتهم، أو
عبر حملاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. «جبهة الإبداع المصري» التي نشأت
بعد تسلم الإسلاميين الحكم، أصدرت بياناً أعلنت فيه أنّ «الحكم بحبس عادل
إمام (...) هو خروج عن السياق العام الذي تحياه الأوطان (...) واعتداء على
حريات كفلتها للإنسان كافة الشرائع السماوية والدساتير الإنسانية». وتابعت
أنّ «الفنان كان ولا يزال جزءاً لا يتجزء من ضمير الوطن». وجلّ ما يخافه
الفنانون المصريون اليوم ما عبّر عنه الكاتب علاء الأسواني على تويتر حين
كتب «حبس عادل أمام بسبب أدواره الفنية معناه أننا عدنا إلى العصور الوسطى».
فنانون آخرون في المصيدة
سيد محمود / القاهرة«
فنانون في المصيدة» تصلح هذه العبارة عنواناً للمشهد الذي تعيشه مصر
حالياً. بعد أقل من 48 ساعة على صدور حكم بحبس عادل إمام بتهمة ازدراء
الاسلام، من المتوقع أن تصدر «محكمة جنح العجوزة» اليوم الخميس حكمها على
عادل إمام (أيضاً)، والكاتب لينين الرملي، والمخرجين محمد فاضل وشريف عرفة
في دعوى تتهمهم بازدراء الأديان من خلال أعمالهم الفنية. ودعا فنانون
ومؤسسات حقوقية إلى وقفات تضامنية مع المبدعين المتهمين أمام مقر المحكمة
في الحادية عشرة من صباح اليوم.
وكانت محكمة ابتدائية قد أصدرت قبل أشهر حكماً بحبس الكاتب والمؤلف
المسرحي الساخر لينين الرملي ثلاثة أشهر وتغريمه ألف جنيه في قضية «ازدراء
الإسلام والسخرية من الصحابة واللحية والجلباب الإسلامي» بسبب العبارات
التي وردت في أعمال فنية من تأليفه من بينها فيلم «الارهابي» ومسرحية «شاهد
ماشفش حاجة». وحذّر الرملي من الصمت على هذه الدعاوى التي تستهدف حرية
الإبداع والفكر، معبراً عن مخاوفه من دعوات انطلقت أخيراً مطالبةً بتفعيل
قانون الحسبة الذي طبق على الراحل نصر حامد أبو زيد. من جهتها، أعلنت
«جمعية نقاد السينما المصريين» تضامنها مع الفنانين المتهمين، وإدانتها
الشديدة لمنطق محاسبة الفنان على آرائه، ورفض مجلس إدارة الجمعية «ممارسات
البعض من كارهي الفن والحياة لإرهاب وتخويف كل من يخالفهم الرأي باسم الدين
الإسلامي». وطالبت بإصدار تشريع يحمي الفكر والفن وأهلهما من الملاحقة
القضائية على أساس ديني أو أخلاقي، خصوصاً بعد تكرار هذه القضايا التي تجرّ
المجتمع إلى العصر الحجري.
الإعلام الغربي... فتّش عن الإسلاميين
صباح أيوب
الحكم على عادل إمام وصل الى الإعلام الغربي، الذي تابع بعضه الخطوات
التي يتخذها البرلمان المصري الجديد، وتحديداً الإسلاميون. مراسل «نيويورك
تايمز»، دايفد كيرباتريك، كتب من القاهرة واصفاً إمام بـ«الممثل الكوميدي
الأكثر شعبية»، مضيفاً إن صدور الحكم بإدانته هو «جرس إنذار للفنانين
المصريين والمفكرين الليبراليين الذين كانوا أصلاً قلقين من تصاعد نفوذ
الإسلاميين بعد سقوط نظام حسني مبارك». كيرباتريك ذكّر بأنّ إمام يوظّف
الكوميديا لانتقاد مختلف شرائح المجتمع المصري، وأضاف منتقداً إنّه «رغم
تجريم القانون المصري ازدراء الدين الإسلامي والمسيحي، إلا أنّ الأحكام
الصادرة في هذا الخصوص كانت نادرة في السنوات الماضية، وخصوصاً تلك التي
أدانت الأفلام الشعبية».
أما موقع «غلوبال بوست» الأميركي، فعنون مقاله حول قضية إمام بـ«محكمة
القاهرة لا يمتعها تهريج عادل إمام»، مذكراً بمسيرة الفنان الطويلة بوصفه
«وجهاً بارزاً من وجوه السينما العربية». أما آيا البطراوي فكتبت من
القاهرة لموقع «ذي هافنغتون بوست» الأميركي، منبّهة من «خطر ممارسات
الإسلاميين على حرية التعبير وصناعة السينما المصرية المزدهرة». من جهتها،
ذكّرت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي.بي.سي) بقضية محاكمة رجل الأعمال
المصري نجيب سويرس منذ أشهر، وأدرجت الحكم الصادر بحق إمام في إطار
«المحاكمات الأخيرة التي تتعلق بحرية التعبير وتطال شخصيات مهمة في المجتمع
المصري». وأخيراً، نشر موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية الخبر،
نقلاً عن وكالة «أسوشييتد برس».
صدمة في الشارع اليوم «الزعيم»، وغداً...
محمد الخولي / القاهرة
سيطرت الصدمة والقلق على الشارع الفني والحقوقي، أمس، وامتدا إلى
الشارع العادي المنشغل بصعود التيارات الإسلامية المتشددة. الصدمة جاءت من
الحكم بتأييد حبس عادل إمام 3 أشهر بدعوى «ازدراء الأديان». أما القلق فهو
من احتمال تكرار هذا الحكم في الفترة المقبلة على مبدعين وفنانين آخرين.
لبيب عوض، محامي إمام، وصف الحكم بـ«الصادم» الذي يحمل نوعاً من
الانتقام «لأنه (إمام) حارب الإرهاب في أعماله». ولم تستطع «الأخبار»
الوصول إلى إمام بعدما أغلق هاتفه. إلا أنّ موقع «إيلاف» نقل عنه قوله
بأنّه «لا يوجد تعليق على الأحكام القضائية، والحكم يمثل إحدى درجات
التقاضي وسأطعن به». أما ابنه المخرج رامي إمام، فعلّق بأنّه سيظل «فخوراً»
بوالده حتى آخر يوم من حياته، وسيظل «جبلاً لا يهزه ريح».
ورغم أن إمام ليس عضواً في نقابة المهن السينمائية، إلا أنها استنكرت
الحكم، وأكدت وقوفها إلى جانب الفنان، لافتة إلى أنّ الأفلام التي استندت
إليها المحكمة «نالت موافقة الرقابة على المصنفات الفنية، وكان يحق لها
رفضها وقتها». وهو الموقف نفسه الذي أعلنته نقابة الممثلين التي أكّدت
أنّها «لن تتخلى عن أي من أعضائها». وقال نقيب الممثلين أشرف عبد الغفور
إنّهم سيبحثون في «آلية دعمه خلال الأيام المقبلة»، مؤكداً أنّ الأعمال
التي يحاكم عليها إمام «حاصلة على إجازة من هيئة الرقابة على المصنفات
الفنية»، مضيفاً إنّه «لا يمكن محاكمة أي شخص بأثر رجعي».
بدورها، أكّدت «جبهة الإبداع المصري» دعمها لإمام و«تصعيد القضية
قانونياً في الداخل والخارج».
على الجانب الحقوقي، أعلنت «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان» أنّ
«الحكم يشكل ضربة موجعة لحرية التعبير والإبداع ويفتح الباب أمام المحتسبين
لرفع المزيد من قضايا الحسبة الدينية والسياسية وفرض نوع جديد من الرقابة
على الإبداع غير ذلك الذي حدده القانون. وكنّا نأمل من القضاء المصري أن
يكون الحامي للحريات ويتصدى لهذا النوع من الرقابة». وأكدت أنّ «القانون
المصري واللوائح المنظمة للعمل السينمائي قد حددت الطرق التي يجب أن تمرّ
بها الأعمال الفنية قبل عرضها على الجمهور. وتلك الأعمال كانت قد مرّت على
هيئة الرقابة التي وافقت عليها بدورها. والتلفزيون المصري يعرض أعمال إمام
منذ أكثر من 15 عاماً، فليس منطقياً أن يعاقب القضاء القائمين عليها الآن،
رغم مرورها بكل تلك المراحل». وأعلنت عن مشاركتها مع هيئة الدفاع عن إمام
«للتقدم باستئناف الحكم أمام محكمة أخرى». وأكدت أنّ نسبة كبيرة من القضايا
المشابهة تحصل على حكم في الدرجة الأولى من التقاضي، بينما يتم إلغاء ذاك
الحكم في الدرجات التالية من التقاضي. لذلك أكّدت أنّه «سوف نحصل على
البراءة لإمام». الفنانون تباروا في إطلاق تصريحات تؤكّد مناصرة الإبداع
والتضامن مع «الزعيم». ورأى الكاتب وحيد حامد أنّ «الحكم يعدّ كارثة، كونه
مقيداً للإبداع». واعتبر الممثل أحمد راتب حكم الحبس «جريمة»، قائلاً
«الحمد لله، انتهت مشكلة العشوائيات والفقر، وغياب الأمن، والتخبط القضائي.
ومفيش كذب للإخوان، ولا إحنا بنرجع للخلف. والناس بقيت زي الفل ومبقاش
نقصنا غير عادل إمام». وأبدت الممثلة دلال عبد العزيز استياءها من ملاحقة
الفنانين بسبب أعمالهم الإبداعية، فيما انتقدت مديحة يسري الحكم مؤكدةً
أنّه «رسالة إلى كل المبدعين بأنّ نهايتكم في السجن حتى عادل إمام نفسه».
أما إلهام شاهين فوصفت الحكم بـ«الكارثة وبأنه مؤشر على الخطر الذي يحدق
بالفكر والثقافة والفنّ في المجتمع».
ضجّة على النت: عار يا «إخوان»
نادين كنعان
حالما صدر الحكم بسجن عادل إمام، وصلت ارتداداته إلى العالم
الافتراضي: انشغل «المغرّدون» بالتعليق على القضية، وضجّت صفحات الفايسبوك
بالسجالات التي عكست انقساماً في الموقف من «الزعيم»، رغم أنّ التضامن معه
كان السمة الغالبة على ردود فعل روّاد مواقع التواصل الاجتماعي.
الفنانون كانوا أول المغرّدين في هذا الملف. المخرج يسري نصر الله
استنكر الحكم على حسابه، معتبراً أن حبس عادل إمام هو عار وحبس «لأي فنان
ومفكّر وإنسان لا يقبل بسيطرة القوى السياسية، التي تستغل الدين في
السياسة، على عقولنا ومقدراتنا». من ناحيته، رأى الكاتب والأديب المصري
علاء الأسواني أنّ حبس إمام يعني «عودتنا إلى ظلام العصور الوسطى». وانضم
الممثل عمرو واكد إلى سرب المغردين المتضامنين مع الممثل المصري، متوجهاً
بسؤال إلى القاضي الذي أصدر الحكم «لماذا لم تحبس رئيس جهاز الرقابة معاه
أو المنتج أو المخرج وأصحاب السينمات والتلفزيونات اللي عرضوا الفيلم؟»،
واعتبر بعض المغرّدين أنّ الحكم يعبّر عن جهل و«ظلام فكري».
وفي مقابل التأييد الكبير لنجم «الإرهاب والكباب»، برزت أصوات معارضة
أكّدت أنه يستأهل ما يحدث له، مستغربةً تأخر محاسبته حتى اليوم، واصفةً
إياه بـ«داعية العري والمجون». ونعت آخرون إمام بـ«الهلفوت»، لأنّه أسهم في
«هدم أخلاق المجتمع المصري وصدّر الوهم إلى الشعب باسم الكوميديا».
وكما على «تويتر»، كذلك على «فايسبوك»، انشغل الكثير من الصفحات
والمجموعات بخبر الحكم على نجم الكوميديا. الممثل صلاح عبد الله كتب على
صفحته الخاصة «لا بد من أن يتضامن كل فناني مصر مع الفنانين المعرضين
للمحاكمة والسجن بسبب أعمال فنية سابقة. بعد تأييد الحكم على عادل إمام،
الموقف أصبح خطيراً للغاية». الممثلة هند صبري شككت في قانونية التهمة
المنسوبة إليه، وخصوصاً أنّ الرقابة منحته ترخيصاً آنذاك على أعماله
المتهمة بازدراء الإسلام، فيما كتبت المنتجة والفنانة إسعاد يونس: «هذه
المرة عادل... المرة المقبلة كلّنا». وعلّق المخرج أمير رمسيس بأنّنا «نعيش
العصور الوسطى في أوجها».
بدوره، أوضح المخرج محمد دياب أنّه رغم اختلافه الفكري والسياسي مع
عادل إمام، إلا أن تقويم أي عمل فني لا يُترك للقضاء «دي لازم تكون شغلة
ناس عندها خلفية فنية». وفي السياق، أنشأت مجموعة من الشباب المتضامن مع
إمام صفحة على الفايسبوك بعنوان «الحملة الرسمية لدعم الزعيم عادل الإمام
ضد طيور الظلام». وعلى المقلب الآخر، اعتبر قلّة ما يحدث لإمام بوصفه
«عدالة إلهية» لأنه «استخبّى أيام الثورة»، واعتبروه من فلول النظام،
و«لازم يتحاسب».
الحكم الصادر بحق إمام يطرح العديد من الأسئلة عن مستقبل حرية التعبير
في بلاد النيل، وخصوصاً في ظل هيمنة الإخوان المسلمين والسلفيين على
البرلمان بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة التي ولّدت قلقاً لدى العديد من
الفنانين والمثقفين المصريين.
الإبداع «في الزنزانة»
محمد خير / القاهرة
في نهاية «الإرهابي» الذي لعب عادل إمام بطولته عام 1994، قرر المؤلف
لينين الرملي أن يجعل مقتل الإرهابي يتم على يد زملائه في الجماعة، لا على
يد البوليس. والسبب أنّ الفيلم كان أول شريط يقترب من شخصية الإرهابي
ويؤنسنها، إلى درجة أن موته على يد البوليس كان سيوجّه مشاعر المشاهدين إلى
غير مراد الفيلم.
على أي حال، فإن الثأر بين عادل إمام والإسلاميين يعود إلى ما قبل ذلك
بسنوات، حين منعت الجماعات الإسلامية مسرحية لإحدى الفرق الجامعية في أسيوط
في صعيد مصر، فقرر إمام أن يذهب بفرقته إلى هناك ليعرض «الواد سيد الشغال».
فعل ذلك فعلاً، لكنه عرض المسرحية تحت حماية كثيفة من البوليس. كانت تلك
نقطة الالتباس الدائم لدى «الزعيم»، إذ كان يصعب في أحيان كثيرة رؤية
الفارق بين إيمانه بقضية معينة، وبين تبني قضية «صودف» أنّها تصب في صالح
الحكومة.
لكن ذلك لا يعني أيضاً أنّ إمام كان «فنان النظام» بكل ما تفرضه تلك
الكلمة من معان، على الأقل لفترة ما قبل السنوات الأخيرة للرئيس المخلوع
وابنه التي أصبح فيها فعلاً «شاهد ماشفش حاجة». الانصاف يقتضي القول بأنّ
إمام عبّر عن أحلام البسطاء لسنوات. لا يمكن تجاهل أشرطة مثل «كراكون في
الشارع»، و«حبّ في الزنزانة»، و«الإرهاب والكباب». يمكن القول بأنّه لامس
في مرات كثيرة ذروة المعارضة الفنية التقليدية تحت سقف النظام، وهو شيء
معهود في العالم العربي. كما أنه قدم في «طيور الظلام» (1995) للمخرج شريف
عرفة والمؤلف وحيد حامد، أفضل مقاربات السينما المصرية للعلاقة الحيوية بين
الإرهاب الديني والفساد الحكومي.
ورغم أنّ معظم النقد الذي وجهه إمام إلى الإسلاميين، كان مصحوباً بنقد
لاذع ضد السياسات الحكومية، وأحياناً كان النوع الأخير هو المتفوق كما في
«الإرهاب والكباب» (1993)، إلا أن الإسلام السياسي طالما واجه إمام بحجّة
أنّ أفلامه تسخر من الإسلام لا من الإسلاميين، وهي الحجة نفسها التي
يستخدمونها في السياسة. من هنا كانت الدعوى التي رفعها المحامي السلفي
عسران منصور ضد إمام تتهمه بازدراء الأديان (أي الإسلام) في عدد كبير من
أعماله. وهي واحدة فقط من دعاوى متعددة اعتاد الإسلاميون على إقامتها ضد
السينما عموماً وخصوصاً ضد عادل إمام. لكنّها المرة الأولى التي تؤيد فيها
المحكمة حكماً بالسجن ضد الكوميديان الأشهر. ومن حسن حظه أنّ الحكم الأول
صدر غيابياً. وبعدما أيّدت محكمة «جنح الهرم» الحكم بسجنه ثلاثة أشهر، ما
زال يحق له الاستئناف. ولو بم يكن الحكم الأول غيابياً، لاضطر إمام لتنفيذه
واللجوء إلى النقض أثناء وجوده في السجن.
ومثل معظم الدعاوى المشابهة، لا يمكن لأيّ عين محايدة أن ترى في فيلم
مثل «الإرهاب والكباب» إلا سخرية جارفة ضد الحكومة التي حولت موظفاً بسيطاً
إلى إرهابي خطير في نظر الإعلام والرأي العام. كما أن فيلم «مرجان أحمد
مرجان» يسخر في حقيقته من رجل أعمال اعتاد دفع الرشوة لتسيير أعماله، بل
حتى من أجل شراء الموهبة الأدبية والنجومية. وفي مشهد شهير في الفيلم،
تواجهه مدرّسة أولاده (ميرفت أمين) بأنه لن يستطيع أن يشتري شفاء ابنته من
مرضها، وتسأله «ماذا ستفعل الآن؟ هل تستطيع أن ترشو الله؟». في المشهد
التالي، نرى عادل إمام جالساً على سجادة الصلاة ثم يطلب من رجاله أن يطعموا
المساكين ويتبرعوا للفقراء، وهو المشهد الذي رأت فيه الدعوى القضائية
والمحكمة «تهكماً على الذات الإلهية».
بالنظر إلى معظم المشاهد «المدانة» من قبل المحكمة، نجد شبهاً بينها
وبين قضية نجيب ساويرس الشهيرة حين اتّهم بازدراء الإسلام بعدما وضع صورة
متداولة على تويتر يظهر فيها ميكي ماوس باللحية وميني ماوس بالنقاب. كذلك
تدين الدعوى أفلام إمام بحجة «الإساءة إلى الإسلام والرموز الإسلامية».
والرموز الإسلامية المقصودة ليست شخصيات دينية أو مقدسات، بل أشياء من قبيل
الجلباب واللحية.
بالطبع، ليس إمام هو الوحيد الذي انتقد الإسلام السياسي وسخر من
الإرهابيين. لكن المثل المصري يقول «إضرب المربوط يخاف السايب» ولا يوجد
«مربوط» أفضل من الفنان الكوميدي الأشهر في العالم العربي، الذي يبني دفاعه
القانوني على أنّ أعماله جميعاً حازت موافقة الرقابة. وإذا فشل في إلغاء
الحكم في محكمة الاستئناف، فإن قضبان السجن ستحدد خيال الكثير من المبدعين.
الأخبار اللبنانية في
26/04/2012
حملة احتجاج فنية على الحكم بسجن عادل إمام:
اعتصام لاتحاد النقابات ومسيرة للممثلين اليوم
محمد حسن
كعادته، يسرق الأضواء.. حتى في أزماته. إنه الفنان عادل إمام الذي
تسبب تأييد المحكمة أمس الأول، للحكم بسجنه ثلاثة أشهر وغرامة قدرها مئة
جنيه، بتهمة الإساءة للدين الإسلامي، بـ«ثورة» احتجاجية في الوسط الفني،
ستتوج اليوم باعتصام «لاتحاد النقابات الفنية»، ومسيرة احتجاجية لنقابة
الممثلين.
ورفض عادل إمام الذي يصور حاليا مسلسل «فرقة ناجي عطا الله» التعليق
على الحكم الصادر بحقه، مكتفيا بالقول لـ«السفير»: «كنت أتوقع هذا. لكن
ماذا افعل؟! سأبحث الأمر مع المحاميين صفوت حسين ولبيب معوض، اللذين
يتوليان مهمة الدفاع عني في تلك القضية».
وعلت الأصوات المعارضة للحكم في الأوساط الفنية والثقافية. وأصدرت
النقابات الفنية بيانات تشجب فيها قمع حرية الإبداع. وأكد ممدوح الليثي
رئيس «اتحاد النقابات الفنية» أن الفنانين جميعا متفقون على مؤازرة الفنان
عادل امام ودعمه في محنته. وقال: «المحزن أن تكون الضربة من النيابة
والقضاء اللذين نتوقع منهما مناصرة الفن والفنانين المصريين».
وأضاف: «هذه مأساة بكل المقاييس، لم نر مثل هذا الوضع في مصر منذ عهد
الملك فاروق. والفنان يقدم ما هو مضحك وتثقيفي ومسلّ للناس، فكيف يتم
ترويعه بهذا الشكل؟!».
وتساءل الليثي: «كيف نترك فنانا كبيرا بحجم عادل إمام يخضع لحكم قاضي
جنح يتعامل مع قضايا اللصوص؟ لن نسكت، وسننظم وقفة احتجاجية في الواحدة
ظهرا (اليوم) أمام مكتب النائب العام، للمطالبة بأن يتم بحث قضايا الفنانين
أمام جهات قضائية عليا، وأمام محاكم خاصة، لأن الفنان لا يجب أبدا أن
يتساوى باللصوص، ويتم الحكم عليه في محكمة جنح تنظر بقضايا سرقة الساعات
وخلافها».
وقال الليثي: «لا ينبغي ابدا ان يقف فنان مبدع في موقف دفاع عن نفسه،
ويحاول تبرئة نفسه من جريمة لم يرتكبها أصلا. وعلى النيابة المصرية والقضاء
المصري التصدي لهذا الوضع. لكن للأسف وجدنا أن النيابة والقضاء يقومان
«باستعراض بالعضلات». وبهذا يتحول الأمر الى قضية رأي عام. ولن نسمح لأحد
مهما كان أن يطفئ شمعة الإبداع في مصر، أو أن يقلم أظافر الفن لأن القائمين
عليه يعرفون الله ولديهم ضمائر «دينية ووطنية»، ولا يحتاجون لوصاية من أحد».
وأكد نقيب الممثلين أشرف عبد الغفور أن نقابته بمجلسها وجمعيتها
العمومية لن تتخلى عن «الزعيم» في محنته، وأنهم سينظمون مسيرة تنطلق في
الحادية عشرة قبل الظهر (اليوم) من أمام مسرح «ميامي» الى دار القضاء
العالي. وقال: «كيف نحاكم فنانا على فنه؟ هذه مهزلة لا يصح أن تحدث اليوم،
لأنها تناسب أيام العصور الوسطى. كيف يحدث هذا بعد الثورة؟ هذه انتكاسة
لحرية الإبداع ولن نسمح بها».
واستغرب عبد الغفور أن تشهد محكمة أخرى في الجيزة، في اليوم نفسه الذي
ننظم فيه المسيرة الاحتجاجية، النطق بالحكم في قضية مشابهة تماما، يتم
خلالها الحكم على كل من عادل إمام والمخرجين محمد فاضل وشريف عرفه ونادر
جلال، والمؤلفين لينين الرملي ووحيد حامد. وسينطلق بعض الفنانين عقب
مسيرتنا الاحتجاجية الى مقر تلك المحكمة في شارع السودان لدعم موقف هؤلاء
الفنانين».
وقال المخرج رامي عادل امام، الذي يخرج مسلسل «فرقة ناجي عطا الله»
عبر صفحته على «فايسبوك» إثر النطق بالحكم: «سأظل أفتخر بأنك أبي ومعلمي.
ستظل جبلا لا تهزك الرياح الغادرة. ستظل منارة للإبداع رغم أنف خفافيش
الظلام».
كما كثرت تعليقات الفنانين عبر صفحاتهم على «فايسبوك» و«تويتر»، وكلها
تدين ما يحدث لحرية الإبداع في مصر، وتربط بين ذلك ووصول التيارات
الإسلامية الى حكم البلاد.
السفير اللبنانية في
26/04/2012 |