دخل مهرجان كان السينمائي مراحله الحاسمة بعرض أفلام لمخرجين من الوزن
الثقيل يرشحهم النقاد والمتابعون للفوز بجائزة السعفة الذهبية التي يمنحها
المهرجان بعد حوالي أسبوعين من التنافس.
ومن بين هذه الأفلام " انتي كرايست" والذي يصنف في خانة أفلام الرعب
وهو من اخراج الدنماركي، فون لارس تريير، وفيلم "لوكينج فور اريك" (البحث
عن اريك) وهي كوميديا اجتماعية للمخرج البريطاني كين لوتش.
وعادة ما تحقق أفلام الرعب والكوميديا درجة امتاع عالية لدى عشاق
السينما لا سيما عندما تحمل توقيع أسماء كبيرة في هذا المجال. ولا يستبعد
النقاد في كان ان يفوز أحد اثنين من الافلام المذكورة والتي عرضت مع دخول
المهرجان مراحله الحاسمة بالجائزة الكبرى للمهرجان.
مواجهة الذات
وكعادته لم يكن المخرج لارس فون ترييرصادما فقط في اختيار موضوعاته
ولا طريقة تناولها بل أيضا في تصريحاته التي تلت عرض فيلمه أنتي كرايست"،
حيث رفض بداية الحديث عن دواعي اختيار موضوع الفيلم ثم عاد ليقول ان فكرة
تصويره جاءته بعد اصابته بنوبة اكتئاب قرر على اثرها الدخول في هذه التجربة
لتحقيق متعة ذاتية.
وقال المخرج الدانمركي في مؤتمر صحافي: " لا يكون لدي الاختيار في
الغالب. انها يد إلهية. وأنا أفضل مخرج في العالم."
وأضاف قائلا: "البداية كانت عبارة عن نوبة اكتئاب أصابتني. ولكي
أستعيد عافيتي، قررت اخراج فيلم سينمائي وليس بالضرورة هذا الفيلم.
ويتحدث الفيلم عن زوجين يسعيان للانعزال في دروب موحشة لاصلاح ما تحطم
بينهما ويبدأ بلقطات غاية في الاتقان تصورهما وهما يعيشان التحاما جسديا
وروحيا على ايقاع الموسيقى الكلاسيكية، لتتعاقب عليهما بعد ذلك "فصول"
مأساوية تجلت في مواجهتهما للطبيعة أولا ثم للطبع الإنساني في قسوته وعنفه.
وبحسب النقاد فان الفيلم يكشف قدرة هذا المبدع على الولوج إلى أعمق مكان في
الإنسان إلى طبيعته.
كليب
وياتي فيلم انتي كرايست بعد ثلاث سنوات عن الفيلم الأخير للمخرج لارس
فون تريير والذي يحمل عنوان "ديريكتورير فور هيت هيل". وفي الورقة
التعريفية للفيلم قال المخرج: "أريد أن أدعوكم لإلقاء نظرة ثاقبة خلف
الستار، نظرة إلى عالم مظلم لخيالي: إلى طبيعة مخاوفي هذه، إلى طبيعة أنتي
كرايست.
كانتونا الفيلسوف
وبدوره سيعيش بطل فيلم "لوكينغ فور اريك" مأساة أخرى لكن حلها سيمر
عبر مسالك غريبة قدمت في طابع كوميدي أبدع فيه المخرج البريطاني كين لوتش.
ولمن لا يعرف كين لوتش فهو يبلغ من العمر 72 عاما وسبق له أن فاز
بجائزة "السعفة الذهبية" عام 2006 عن فيلمه "ذا ويند ذات شيكس ذا بارلي"
حول كفاح ايرلندا من أجل الاستقلال. أما فيلمه الجديد لوكينغ فور اريك
فينتمي لنسق أفلام الكوميديا الواقعية الاجتماعية.
وتدور أحداثه حول ساعي بريد من مدينة مانشستر البريطانية، يعاني تفككا
اسريا فظيعا ويكتشف بعد حادثة سير ان البسمة لم يعد لها وجود في حياته منذ
آخر حضور له لمباريات كرة القدم حيث كان نجمه المفضل اريك كانتونا يحقق له
بتمريراته الموفقة درجة امتاع تفوق الوصف.
وفي غمرة المشاكل التي يتخبط فيها بطل الفليم يقرر الاستعانة بنجمه
المفضل للتغلب على مشاكله وتصحيح مسار حياته.
وتتناسل خيوط الحكاية في طابع تغلب عليه الدراما أحيانا وتسارع
الأحداث على طريقة أفلام الأكشن ثم يعود الطابع الكوميدي ليغلب عليه لا
سيما عندما يوجه لاعب كرة قدم سبق دروسا فلسفية لساعي بريد مكتئب.
وتقول الورقة التقديمية للفيلم ان كانتونا اللاعب الفرنسي المولد عرض
فكرة الفيلم على لوتش الذي يعشق كرة القدم ولاقت لديه استحسانا كبيرا.
وقد انطلق كانتونا في فكرته للفيلم من قصة أحد المغرمين به من عشاق
كرة القدم والذي ترك أهله وعمله وأصدقاءه من أجل مصاحبة نجمه المفضل الى
مانشستر.
ويقول كانتونا ان تحوله من لاعب بين صفوف أندية الدوري الممتاز إلى
ممثل: هي محاولة للعثور على طرق مختلفة للتعبير عن الذات.
أما مخرج الفيلم كين لوش فاعتبر ان الجمع بين الفرجة الكروية
والسينمائية لا تنجح دائما.
وقال لوتش في مؤتمر صحافي: "أعتقد ان الايقاع في لعبة كرة القدم يختلف
عن ايقاع الأفلام السينمائية. فاذا كنت تحكي قصة في فيلم ما يتعين عليك ان
تحافظ على ايقاع معين وعندما تكون مباراة كرة القدم هي موضوع قصتك يتعين
عليك الا تحرم المشاهد من متابعتها، ومن ثم يصعب التوفيق بينهما هذا
بالاضافة الى انه يكاد يكون من المستحيل أن تعيد تصوير مباراة في كرة
القدم."
وربما يكون لوتش قد وفق في الجمع بين المحبوبتين في قالب سينمائي
فريد، ولكن درجة التنافس المرتفعة في دورة هذه السنة لمهرجان كان تجعل
الانظار تتجه أيضا الى ابداعات غيره من المرشحين مع دخول المهرجان اسبوعه
الثاني بأسماء قوية منها كوينتين تارانتينو وبيدرو المودوفار وماركو
بيلوكيو.
موقع
"الـ BBC العربية" في 19
مايو 2009
فيلم "قطط فارسية" يعزف أوتارا ممنوعة في كان
فؤاد البهجة/
بي بي سي - مهرجان كان
من الأفلام التي استأثرت باهتمام النقاد والمهتمين بالسينما في مهرجان
كان لهذه السنة الفيلم الايراني "لا أحد يعرف شيئا عن القطط الفارسية"
للمخرج بهمن قبادي الذي سبق ان أحرز جائزة الكاميرا الذهبية في دورة عام
الفين.
ويحكي الفيلم الذي شاركت في كتابة نصوصه الصحافية روكسانا صابري التي
اتهمتها السلطات الايرانية بالتجسس عن واقع الرقابة الفنية في ايران
وانتشار الفساد في المؤسسات الادارية.
وقد سعى قبادي في الفيلم الذي استغرق تصويره سبعة عشر يوما وصورت
مشاهده خلسة بكاميرا رقمية الى تقديم صورة عن ايران تختلف عن تلك التي
يعرفها الناس عنها في فيلم وقع عليه الاختيار ليكون في افتتاح التظاهرة
التي تعرف باسم نظرة خاصة والتي تعرض فيها عادة نخبة من أجود الأفلام خارج
المسابقة الرسمية.
وقال قبادي الذي حقق فيلمه السابق "زمن الجياد المخمورة" نجاحا باهرا
في كان، ان فيلمه الجديد صور دون إذن من السلطات. وقال في مؤتمر صحافي في
"كان" انه اضطر للكذب عندما أخبر الرقابة بانه يصور فيلماً وثائقياً عن
المخدرات.
الأوتار الممنوعة
وفي الفيلم أيضا يلجأ أبطاله من المتعاطين مع الموسيقى الغربية
الممنوعة في ايران الى أساليب ملتوية من الكذب والتزوير للافلات من قبضة
الرقابة والهروب الى باطن الأرض للعزف على أوتار ممنوعة.
وفي لقطة مثيرة قال أحد الشبان انه قرر ان يؤدي اغانيه الممنوعة فوق
عمارة شاهقة لان الموسيقى التي تعزف تحت الأرض يقدر لها أن تبقى مدفونة تحت
الأرض.
ويضيف قبادي إن الفيلم صرخة في وجه الوضع الراهن، والذي يسجن فيه
أصحاب الرأي من دون أي رحمة.
وشاركت في كتابة سيناريو الفيلم روكسانا صابري التي احتل اسمها عناوين
الصحف العالمية اثر اعتقالها بتهمة التجسس، وربما تكون مشاركتها أعطت
للفيلم دفعة وقبولا لدى النقاد الغربيين.
ويبدأ الفيلم بقصة البطلين اشكان ونيجار الذين يبحثان عن وسيلة للحصول
على تأشيرة مزورة الى أوروبا لتحقيق احلامهما الفنية.
وفي طريق البحث عن عناصر أخرى لفرقتهما الموسيقية يقطع البطلان رحلة
تأخذهما الى شبان يؤدون أشكالا مختلفة من الموسيقى الغربية لا يجمع بينهم
سوى المنع الذي يخضعهم لتمرينات في الأقبية والقرى المهجورة وفي اسطبلات
الحيوانات أحيانا.
ايقاع سريع
ويتأرجح انتماء الفليم بين الوثائقي التسجيلي والعمل الروائي ويشكل
الاكثار من الأغاني المصورة فيه أحد الجوانب التي استوقفت اهتمام النقاد،
بالاضافة الى اهتمامه بشكل واضح بالجمهور الغربي وأيضا ايقاعه السريع.
ويقول الصحافي والناقد الأمريكي علي نادرزاد وهو من أصول ايرانية: "
لقد فاجأني هذا الفيلم فهو لا ينتمي الى الأفلام الايرانية التي تشارك عادة
في مهرجان كان، حيث الايقاع بطيء عادة وطبيعة الأفلام تأملية في الغالب.
أما هذا الفيلم فهو اشبه بالافلام الوثائقية وايقاعه سريع، كما ان
حبكته الروائية قوية".
والى جانب الرقابة يصور الفيلم استشراء الفساد وتسلط الادارة الحاكمة
وتجلى ذلك في لقطة مثيرة دار فيها حوار بين مسؤول أمني وشاب متهم بترويج
افلام واغان ممنوعة في ايران.
وبينما لقي الفيلم استحسانا لدى عرضه هنا في قاعة العروض الكبرى لقصر
المهرجان في كان، أمام جمهور غربي في معظمه، اعتبر بعض النقاد ان الفيلم
ربما أعطي هالة تفوق قيمته الفنية بسبب جوانبه السياسية التي تثير اهتمام
الغربيين لا سيما عندما يتعلق الأمر ببلد كايران، إلا أن الناقدة الايرانية
شيهاد شيرازي اعتبرت انه يعكس حقائق موجودة على ارض الواقع.
وقالت: " بالنسبة لنا نحن الذي نعيش في ايران فان هذا الفيلم يعكس
الواقع الى حد كبير وهو عبارة عن فيلم وثائقي لكنه يتضمن ايضا قصة مثيرة".
ولعل الاثارة هي إحدى الأوراق التي تعمد غوبادي لعبها لنيل رضا النقاد
ولجنة التحكيم في كان بتقديمه فيلما يخرج عن نسق الافلام الايرانية
التقليدية ويدشن حسب مدير مهرجان كان لعهد جديد في تاريخ السينما الايرانية.
موقع
"الـ BBC العربية" في 18
مايو 2009
|