بين
اثنين
في الثاني
والعشرين من الشهر الحالي تقام الحفلة السنوية لمسابقة الأوسكار للمرة
الحادية والثمانين. المرّة الأولى كانت في العام 1927 والفارق شاسع بين ما
كانت عليه حفلات ذلك الحين وبين ما هي عليه حفلات هذه الأيام، بل سينما تلك
الفترة الزمنية وسينما اليوم. كل شيء تغيّر. جاءت أفلام. ذهبت أفلام. جاء
سينمائيون وذهب سينمائيون ومستر أوسكار لا يزال حاضراً: (شكل إنسان مع نصف
رأسه مُلغى.. النصف الذي يفكّر به).. كما قالت ذات مرّة مارلين مونرو في
وصف دقيق ونقد أدق.
لثلاثة
أسابيع فاصلة سنوالي هنا نشر حلقات من قراءة شاملة للأفلام والشخصيات
المرشّحة للأوسكار هذا العام ونبدؤها بخمسة أفلام تتنافس في عدّة سباقات
وذلك ليس برغبة التعريف بهذه الأفلام فقط، بل تقييمها كون هذا الناقد
استطاع مشاهدة معظم ما هو وارد في السباقات كلها باستثناء الأفلام القصيرة
وبعض التسجيلية.
Slumdog
Millionaire
المسابقة:
أفضل فيلم للعام بالإضافة إلى تسعة مسابقات أخرى بينها أفضل مخرج (داني
بويل).
معلومات:
ميلودراما من إنتاج بريطاني/ أمريكي للمخرج داني بويل
****:
تقييم الناقد
توقعات:
لديه حظ كبير في الفوز بأكثر من أوسكار رغم أنه حدث سابقاً أن رُشحت أفلام
لجوائز كثيرة لكنها لم تنل منها شيئاً يذكر.
أخرج داني
بويل هذا الفيلم وفي نيّته تحقيق فيلم على غرار أفلام بوليوود إنما مختلف
عنها في الوقت ذاته وهذا هو ما استطاع إنجازه فعلاً. في البداية تم التقدّم
إليه بنصف الفكرة: (فيلم عن شاب هندي مشترك في النسخة الهندية من (من سيربح
المليون) ينجح في الفوز بالجائزة الكبرى وقيمتها مليون روبية. بويل لم
يتحمّس وعلى حد قوله أنه لم يكن مهتماً في كيف يمكن لأحد أن يفوز بمليون
دولار. لكن حين قرأ السيناريو كاملاً وجد أن صلب الموضوع هو محاولة ذلك
الشاب البقاء على شاشة التلفزيون لأكثر فترة ممكنة فلربما شاهدته الفتاة
التي أحبّها وأضاعها واتصلت به.
السيناريو
مكتوب على نحو لا يخلو من الابتكار: تحقيق في دائرة البوليس مع الشاب حول
كيف يمكن لهذا الشاب أن يعرف الإجابة على كل تلك الأسئلة؟ هل هناك غش؟. من
مشاهد التحقيق ننتقل إلى مشاهد خلال البرنامج حيث يطرح المقدّم أسئلته. مع
كل سؤال ننتقل إلى الماضي في فلاشباك لنرى كيف أن كلمة معيّنة أو صورة أو
ذاكرة متعلّقة بالسؤال حدثت مع الشاب في صغره. ليس تماماً ودوماً بذلك
الترتيب، لكن النتيجة هي الخروج بحكاية الشاب منذ أن كان صبياً صغيراً إلى
اليوم متمحوراً طوال الوقت حول الفتاة التي التقاها حين كان صغيراً وأخلص
لها. من خلال ذلك يلقي المخرج نظرة واعية على الأحياء الهندية الفقيرة
والبيئة التي تعيش وتعمل فيها. لو كان الفيلم عربياً لاتهم بأنه يسيء سمعة
البلد من دون أن يلتفت أحد إلى قيمته الفنية الرائعة.
The Curious Case of
Benjamin Button
المسابقة:
أفضل فيلم للعام بالإضافة إلى اثنتي عشرة مسابقة أخرى بينها أفضل ممثل
(براد بت) وأفضل إخراج (ديفيد فينشر).
معلومات:
دراما عن قصّة للكاتب ف. سكوت فتزجرالد
*****:
تقييم الناقد
توقعات:
الأول في الاحتمالات بالنسبة لأوسكار أفضل فيلم وأفضل تمثيل وأفضل إخراج.
أفضل فيلم
أمريكي للعام الماضي بلا أدنى تردد. المشاعر التي يحتويها هذا الفيلم بين
طيّاته لم نشهدها في فيلم آخر منذ زمن بعيد. تلك الأحاسيس الإنسانية التي
تطفح بها الشخصيات. ذلك الأداء الذي يسجّل لكل المشتركين (خصوصاً من جانب
براد بت والممثلة الأفرو- أمريكية تراجي هنسون) ثم ذلك الإخراج المدرك
تماماً لكل مفرداته وهو ينتقل بحذر وبراعة في أتون قصّة غير قابلة للتصديق
ليحوّلها إلى دراما مشبعة بإيقاع ومفهوم واقعيين جدّاً.
القصّة
تدور حول صبي وُلد وهو في الثمانين من العمر. جسده صغير كباقي الأطفال لكن
بخلايا هرمة تناسب رجلاً عجوزاً. مع الأيام ومع نموّ بدنه يبدأ سنّه
بالتراجع بذلك يقوم برحلتين متعاكستين: رحلة من الطفولة البدنية إلى البلوغ
والشدّة، ورحلة من السن الكبيرة رجوعاً إلى الطفولة. لكن الفيلم مفاجئ من
حيث كيف تم استنباط أحداث ملائمة تتناول القصّة والوضع ليس كحالة غرائبية
بل كحالة إنسانية وعاطفية ثرية. ليست هناك لحظة يسقط الفيلم فيها. ليس هناك
مشهداً تخون التعابير أي من الممثلين. ممتع من حيث لا يستطيع المرء التكهّن
أو التوقّع.
Wall-E
المسابقة:
أفضل فيلم أنيماشن طويل
معلومات:
أمريكي من إخراج أندرو ستانتون وإنتاج بيكسار وتوزيع وولت ديزني.
****:
تقييم الناقد
توقّعات:
آيل إلى الأوسكار في هذه المسابقة بلا ريب.
أفضل
الأفلام الثلاث المشتركة في هذه المسابقة والسبب يعود إلى أنه منفّذ بتقنية
مختلفة عن تقنية الأنيماشن للتلفزيون التي نجدها طاغية على الفيلمين
الآخرين وهما
Bold
وKung
Fu
Panda
وهو مختلف أيضاً بالنسبة لموضوعه. الفيلمان الآخران موجّهان للجميع والصغار
في الصلب. (وول-إ) موجه للجميع والجميع في صلبه. يتحدّث عن روبوت مهمّته
جمع وتكبيس القمامة في المدينة وتكديسها فيما أصبح مع الأيام ناطحات سحاب
كالمباني التي تتألّف منها المدينة. وول وحيداً في المدينة بعدما هرب أهل
الأرض إلى كواكب أخرى يعيشون حياة صناعية تماماً في حياة لا تنويع فيها
معتقدين، جيلاً بعد آخر، إنها الحياة الوحيدة المتاحة. الروبوت يكتشف يوماً
وصول روبوت أنثى حديثة لمعاينة الأرض وحين ينطلق وراءها في الفضاء بعدما
تعلّق قلبه بها، يجد نفسه وقد أصبح فوق واحدة من تلك الكواكب الصناعية
وسينجح هو والروبوت الأخرى في جذب الناس لمنح أنفسهم والأرض فرصة أخرى.
بالإضافة إلى رسالته المتعلّقة بالبيئة وبالجشع البشري وما إلى تلك
المضامين المهمّة، فإن تنفيذه من شركة بيكسار التي هي من بين الشركات
القليلة التي تهتم بالاختلاف والتميّز في نطاق هذا الفن.
Waltz With Bashir
المسابقة:
أفضل فيلم أجنبي
معلومات:
إسرائيلي من إخراج آري فورمان.
****:
تقييم الناقد
توقّعات:
المنافسة قويّة هنا لكن حظ هذا الفيلم جيّد نسبة للظروف الحالية.
فيلم
(الرقص مع بشير) هو تسجيلي مصنوع بتقنية الرسوم المتحركة والسبب -كما قال
المخرج في تصريح له حين تم عرض الفيلم في كان- لم يكن متاحاً له أي
وثائقيات عن الموضوع الذي اختاره، لذلك تغلّب على هذه المشكلة بسرد الأحداث
كأنيماشن.
إنه عن
غزو لبنان في الثمانينات ومذبحة صبرا وشاتيلاً التي أقدم عليها حزب الكتائب
حينها لكن تحت سمع وبصر القوّات الإسرائيلية وبموافقتها حسب اعتراف الفيلم
(إذا لم نرد تصديق شهود عيان عرب). الفيلم ينطلق من ذكريات جندي شارك في
الغزوة لكنه الآن يبحث في أسبابها وماذا حققت ولماذا تم القيام بها أساساً.
إنه يعاني من كوابيس تقض مضجعه وإذ يبدأ بالتذكر ومراجعة نفسه وسواه، ندرك
معه سبب تلك الكوابيس. لكن المخرج لا يقف عند حدود العرض بل يتقدّم منها
لنقد المؤسسة العسكرية التي قامت بتلك الاعتداءات، وفي بعض المشاهد يبدو
كما لو كان يصف مجزرة غزّة القريبة وذلك عندما يتطرّق لموضوع قتل الضحايا
والأبرياء فيقول ما مفاده أنه وسط الحرب فإن الفزع يستولي على الجندي فينسى
كل ما تعلّمه ويصبح مستعداً لقتل كل شيء. إنه رسالة حزينة حول الحرب - أي
حرب لكنها معنية بتلك المأساة الكبيرة التي تعيشها المنطقة عقداً وراء عقد
ومنذ ستين سنة. في الحقيقة فإن اختيار المخرج تقديم هذا الفيلم المنتقد في
المناسبة الستين لتأسيس دولة إسرائيل لا يفوت المشاهد أيضاً.
The Reader
المسابقة:
أفضل فيلم روائي وأفضل سيناريو مقتبس وسيناريو أفضل ممثلة
معلومات:
أمريكي من إخراج ستيفن دولدري وبطولة راف فاينس وكيت وينسلت.
**: تقييم
الناقد
توقّعات:
حظ أقل من متوسّط في مسابقة أفضل روائي، وأفضل من ذلك بقليل بالنسبة
لمسابقة أفضل سيناريو مقتبس. الحظ الأكبر يكمن في مسابقة أفضل تمثيل نسائي
حيث من المتوقع أن تفوز وينسلت بها كما فازت بالغولدن غلوب من قبل.
فيلم
(القارئ) مقتبس عن رواية ألمانية تنتقل أحداثها من الخمسينات إلى الزمن
الحاضر وتتحدّث عن صبي مراهق يتعرّف على امرأة أكبر منه سنّا ويتعلّق
بحبها. نتابعهما لفترة من الزمن قبل أن تختفي ويمضي هو في خطواته وقد دخل
كلية القانون. ذات مرّة يلتقيها من جديد لكن هذه المرّة كمتّهمة بأنها
مسئولة عن إرسال معتقلات يهوديات إلى الموت ودليل المحكمة مستند مكتوب كانت
المرأة تستطيع بسهولة ردّه وتبرئة نفسها من التهمة كونها أميّة- لكن
كبرياءها منعها. الفيلم مسرود من وجهة نظر الشاب الذي أصبح الآن رجلاً (راف
فاينس) يتذكرّ ويتابع وينتظر خروج تلك المرأة (كيت وينسلت) من السجن لكي
يهتم بها كونها وحيدة. هناك مفاجآت في القصّة لكن دراما كهذه لا تتعابها
لمفاجأتها بل لمضامينها وهي مضامين إنسانية. المشكلة هي في ترتيب الوقائع
ودخول الفيلم بعض المتاهات الزمنية التي لا لزوم لها.
الجزيرة
السعودية في 6
فبراير 2009
|