ملفات خاصة

 
 
 

"أنورا" ابنة النادي الليلي تعجز أمام السلطة الطبقية

شون بايكر يقدم خطابا سياسيا عميقا مستخدما قوالب الكوميديا

هوفيك حبشيان 

كان السينمائي الدولي

السابع والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

ملخص

يدمج المخرج الأميركي شون بايكر بين الخطاب السياسي الملتزم والمواقف الكوميدية ليروي سينمائياً قصة مواجهة "أنورا" فتاة الليل لسلطة طبقة ثرية

السينما مزيج من الفن والترفيه، وقلة من الأفلام استطاعت أن تسلي المشاهد وتحمله على التفكير في آن واحد. إنها المعادلة الصعبة التي صنعت تاريخياً مجد السينما الأميركية. سعى إليها كثر من دون أن ينجحوا فيها بالكامل. وهذا ما يحققه "أنورا" للمخرج الأميركي شون بايكر الفائز بجائزة "السعفة الذهبية" في ختام الدورة الـ77 لمهرجان "كان" السينمائي. جاء بايكر بعمل ينطوي على خطاب سياسي كبير يستخدم قوالب الكوميديا، من تلك التي يلتقطها كل مشاهد وفق وعيه السياسي وخلفيته الثقافية ومستواه الفكري. من يبحث عن ترفيه يجده حتماً في الحبكة، ومن يطمح إلى الذهاب أبعد من الظاهر، فالفيلم يتيح هذا المجال.

"أنورا" اسم الشخصية الرئيسة التي نتعرف عليها في مطلع الفيلم. فتاة عشرينية من أصول مهاجرة (ميكي ماديسون) تعمل متعرية في ناد ليلي، ولا تمانع أن تقدم أكثر من التعري لبعض الزبائن إذا توافرت الفرصة، مقابل مبلغ من المال. تمارس هذه المهنة بصيغتها التي يطلقون عليها اليوم "أسكورت"، بعيداً من الأوصاف التي تحمل وصماً. "أنورا" هذه تلتقي طريقها بطريق ابن أوليغارشي روسي (مارك أيدلستاين)، وهو شاب من عمرها. إيفان هذا غير ناضج، خلافاً عنها. يمضي وقته في تبذير أموال والده. بعد وقت قصير على لقائهما، يطلب إيفان من "أنورا" الزواج به، فتوافق لما في هذا العرض من فائدة وصعود سريع للسلم الاجتماعي. ولئلا نظلمها، قد تكون رأت في هذا العرض فرصة للخروج من الظروف التي تعيشها، المفروضة عليها لأسباب اقتصادية. هذا نقاش كبير، لا يتوسع فيه الفيلم. يترك الأشياء ضبابية من دون توضيح النيات. هل تقبل الفتاة عرض الشاب لأسباب محض مادية أم أنها بدأت تعجب به فعلاً. ورأت فيه فرصة لا تفوت للنجاة من واقعها؟ قد يكون مزيجاً من السببين. 

لكن، ما يحدث عندما يعلم أهل إيفان بالزواج، ينقل الفيلم إلى ضفة أخرى. يحضر الوالدان وسلطتهما وجبروتهما من خلال ثلاثة رجال أقوياء "يتولون تنظيف الوسخ"، لإلغاء هذا الزواج، وإعادة الأشياء إلى نصابها، بعد ضرب طوق حول أنفسهما وطبقتهما والامتيازات التي يحظيان بها. ومهما كان الشاب مخطئاً، فالذنب يكون ذنب الفتاة، المذنبة بالفطرة، لأنها لا تنتمي إلى هذا الوسط وهذه البيئة. فلا يمكن فتاة من هذه الطبقة أن تستحق زواجاً بابنهما. والوحيد الذي سيتعاطف معها هو أحد الرجال الثلاثة القساة، الذي يبني بايكر فيلمه من خلاله، بلمسات طفيفة، فاعلة، تحدث فرقاً كبيراً، في محاولة من جانبه لرد الاعتبار إلى التضامن الإنساني بين أبناء الهم الواحد. يسأل القارئ "ما الجديد في هذا كله؟"، وهو محق. الموضوع كلاسيكي عولج سابقاً، في صيغ عدة، لكن ما هو مختلف هنا هو التفاصيل والمعالجة والوجوه والنبرة. 

إذاً لا يمكن اعتبار هذا كله بعداً سياسياً داخل فيلم يتظاهر بالخفة والسطحية، فما السياسة إذاً؟ وأين نجدها؟ وكيف يكون أفضل تمثيل لها على الشاشة؟ شون بايكر يبحر حراً طليقاً في أميركا، في الحلم الأميركي المفكك، في أوساط المهمشين، يحملنا إلى المهاجرين الذين لا تزال لديهم لكنة بعد سنوات من الإقامة في موطنهم الجديد، يعرفنا على طقوسهم الدينية، نكتشف تمسكهم بمرجعيتهم الأصلية واضطرارهم إلى القيام بأعمال معينة، على رغم عدم قناعتهم بأخلاقيتها. أما فتيات النادي الليلي، فمشاركتهن الهموم نفسها، لا تمنعهن من خوض الحروب. يحاربن بعضهن البعض تحت الأعين الحريصة للقوة الخفية التي تمنعهن من تحسين ظروفهن. 

على غرار كن لوتش، ولكن من دون قبضات مرفوعة، يصور بايكر إحساس العجز عند هؤلاء أمام السلطة التي تمنع عنهم أي حلم أو ترقية. يفعل الفيلم هذا كله من دون أي سقوط في فخ استعراض البؤس، مصوراً مواجهة بين عالم الأثرياء القادرين على كل شيء، والذين يتنصلون من المسؤوليات، والضعفاء الذين لا يملكون في النهاية إلا تضامنهم، وأحياناً لا يملكون حتى هذا الترف. يتجسد هذا كله بعيداً من الأنماط التي يلجأ إليها السينمائيون التقليديون في تصويرهم البؤس والمعاناة. لا يوجد مشهد واحد يوحي ببؤس. هذا متروك لمخيلة المشاهد. في بعض الأحيان، كادر مثل ذاك الذي نرى عبره "أنورا" وهي تعود إلى شقتها صباحاً بعد نزولها من سلالم القطار، يطرح إشكالات أكثر من صفحات سيناريو طويلة. ومن أجل فرض رؤيته، استعان بايكر بشخصية عاملة الجنس، وهي شخصية رمزية، لكونها تجمع بين الهشاشة والقوة. صفتان ضروريتان لفيلم كهذا.

لا يحتاج "أنورا" إلا لبعض اللقطات ليقول ما يود قوله. الفيلم بأكمله مبني على هذا المبدأ. لا يتأخر على شيء لأن كل تفصيل محمل بمعان. إنه المختصر المفيد. المشهد الختامي، قادر على نقل الفيلم من محل إلى آخر، حاسماً الصراع داخل المشاهد. فإذا كان لا يزال متردداً في شأن بعض النقاط، تأتي الخاتمة لحسم المسألة.

يخفي بايكر فيلمه خلف "حيل" سينمائية، راسماً شخصيات لا نكرهها مهما تكن أفعالها، إذ تبقى في حدود المعقول. هذه الشخصيات تبدو كارتونية بعض الشيء، وهي تمدنا باستمرار بشعور أنه لا شيء خطراً سيحدث، بل كل ما نراه هو تهويل بتهويل. هذا الإحساس يتم التحضير له منذ البداية. في نظرة بايكر إلى شخصياته، ثمة دائماً رحمة وعاطفة، يوزعهما بكميات متفاوتة على الجميع. هذا كله يضفي على الفيلم طابعاً يجعله محبباً، قريباً من القلب. لكن، عندما يضرب في الآخر، فإنما يضرب على الوتر الحساس.

 

####

 

"رفعت عيني للسما"... رقصة المأساة في شوارع الأمل

فوزه بجائزة مهرجان "كان" يكتب فصلاً جديداً في تعاطي السينما المصرية مع فتيات الصعيد بعيداً من دوائر البؤس والكبت والتنميط

حميدة أبو هميلة 

ملخص

بطلات الجنوب في الأفلام الروائية يعشن كبتاً وظلماً ومغلوبات على أمرهن على عكس شخصياتهن القوية المثابرة في السينما التسجيلية الأكثر واقعية... هذه قراءة في مدى إنصاف هؤلاء النساء على الشاشة.   

دائماً ما تتهم السينما المصرية بتنميط بعض الشخصيات ودور الرجل الصعيدي على رأس القائمة، فبالتوازي مع السخرية من تقديم اللهجة بصورة غير دقيقة، بل ومضحكة في بعض الأوقات، كان يعاب على كثر من صناع السينما تقديم البطل الجنوبي بصورة نمطية، بل وكاريكاتيرية، فهو إما ساذج مثل إسماعيل ياسين في "العتبة الخضرا"، وإما خارج عن القانون ويعيش في الجبل مع المطاريد، كما حدث في فيلم "الوحش"، وإما مزعج كمحمد سعد في "كتكوت"، أو هزلي مثل محمد رمضان بفيلم "في واحد صعيدي".

والحقيقة أن نساء الجنوب أيضاً داخل هذه الدائرة، إذ يظهرن على شاشة السينما في غالب التجارب على غير حقيقتهن، فهن عادة مقهورات وحزينات وبائسات تماماً، حتى لو كان هناك شيء من الواقع في حكاياتهن، فإنه نادراً ما حاولت السينما إبراز أنماط مثابرة وطموحة ومضيئة.

لكن البعض تمرد على الصورة المتكررة لرجال الصعيد بتقديم أفلام في غاية الواقعية والتميز الفني مثل "الهرب" لأحمد زكي، فعلى رغم تراجيديته تجاوز فكرة الصعيدي الساذج أو المبالغ في استعراض قسوته، وإن ظلت النساء الصعيديات بطلات الحكايات الأشد سواداً، بملامح خائفة وعابسة وقلقة على مدى عصور طويلة من عمر السينما الروائية، ولم تفلت من تلك النوعية السائدة سوى نماذج قليلة، من بينها "شقة مصر الجديدة" (2007) للمخرج محمد خان، لكن على ما يبدو فإن للسينما التسجيلية رأياً آخر، ففيلم "رفعت عيني للسما" المتوج بجائزة "العين الذهبية" لأفضل فيلم وثائقي مناصفة مع الفيلم الفرنسي "إرنست كول" ضمن المسابقة الرسمية لأسبوع النقاد في الدورة الـ77 لمهرجان "كان" السينمائي كأول فيلم مصري يصل إلى هذا المستوى التكريمي، يسرد قصة مغايرة تماماً وشديدة الواقعية وحالمة وطموحة في الوقت نفسه.

قصة الفيلم تدول عن التحديات والأزمات التي تحاصر فتيات المنيا في صعيد مصر، لكنه أيضاً يكشف ببساطة كيف يحققن ما اعتبرنه مستحيلاً، وهو على رغم بساطته في مجتمعات أخرى فإنه يبدو كبيراً جداً في مجتمع يتمسك بتقاليد تعد مجرد تفكير النساء في احتراف ألوان الفنون شيئاً من الجنون، بل إنه العيب بحد ذاته، وهو أمر معروف، لكن الذي لم يكن يتم التطرق إليه هو كيفية مقاومة النساء لهذا التفكير، بل وتجاوزه والقفز عليه.

أحلام في الشارع

"رفعت عيني للسما" يجسد رحلة سبع فتيات تحت الـ20 في قرية البرشا بمركز ملوي بمحافظة المنيا نحو تحقيق طموحاتهن في التمثيل والاستعراض والحكي على الملأ في عقر دار العادات الراسخة المتعلقة برفض امتهان النساء للفن. لم يبتعدن مثلما تفعل أخريات هرباً من نزاع هن في غنى عنه. ومثلما انتزع الفيلم التصفيق، ثم التتويج، إلا أنه جعل المهتمين يسألون مجدداً: أين نساء الصعيد من التجسيد الفني السينمائي؟ ولماذا لا يتذكر الجمهور سوى قصصهن الأكثر حزناً وقهراً في حين أنهن وبشهادة السينما المسجلة يعرفن كيف يحققن ما يردن بطريقتهن الخاصة، بل ويفاجئن العالم بالظهور على منصات المهرجانات العريقة بإمكانات بسيطة.

إحدى بطلات العمل هي هايدي سامح ابنة الممثلة دميانة نصار، التي سبق وشارك فيلمها "ريش" للمخرج عمر الزهيري في الدورة الـ74 للمهرجان، إذ حصل على جائزة أسبوع النقاد، ودارت أحداثه في إطار فانتازي، ولكنه لم يبتعد عن تناول الواقع المرير لأسرة فقيرة، بينما يأتي "رفعت عيني للسما"، المدعوم من صندوق مهرجان البحر الأحمر السينمائي، ليقدم سردية واقعية، إذ إن القرية بكل تفاصيلها هي مسرح الأحداث بين عضوات فريق "بانوراما برشا" اللائي يحاولن مجابهة القيود المتوارثة عبر أجيال، وقد وجدن أنفسهن أسيرات لها.

وعلى رغم أن فتيات الصعيد منذ عقود أثبتن جدارتهن العلمية وحققن إنجازات رفيعة، فإن الفن يظل بالنسبة إلى الغالبية أمر غير مرحب به، بالتالي فالفرقة الفنية التي قدمت عروضها في الشارع منذ عام 2014 عانت كثيراً للاستمرار، إذ استقبلت بالاستهجان الذي وصل إلى حد الإهانة، بخاصة أن أفكار العروض التفاعلية كانت حول مشكلات حياتية ملموسة، مثل العنف والتحريض والزواج المبكر، والتقط مخرجا الفيلم ندى رياض وأيمن الأمير هذه التجربة، وفطنا إلى أن هناك شيئاً غير اعتيادي يحدث، ليعشا مدة أربع سنوات مع أحلام الفتيات، وقاما خلالها بالتحضير والتصوير للعمل.

صوت نساء الصعيد

هذا الأمل الذي تجسد في تجربة واقعية بلا تعقيدات تم تأطيره من خلال عمل سينمائي تسجيلي، لكن البداية كانت لدى الفتيات الطموحات غير الخانعات أو المستكينات للتنمر والسخرية ومحاولات التثبيط، وهو يقدم صورة لا تقبل الشك حول نماذج موجودة لفتيات ونساء صعيد مصر اللاتي طالما كن حبيسات رؤية مختلفة تماماً في الأفلام الاعتيادية، فحتى لو كن بطلات أفلام متميزة فنياً فإن الانطباع المتروك دائماً عن فتيات الجنوب مليء بالمآسي.

يجد الناقد الفني طارق الشناوي هذا الفيلم خطوة مهمة في إيصال الصوت الحقيقي لنساء الصعيد بعيداً من النمطية، مثنياً في البداية على اسمه "رفعت عيني للسما"، وهي ترنيمة تدعو للاستجارة بالله. ووصفه بأنه عمل فني حميم، فـ"هناك غالبية قبطية في القرية، وثمة تعايش بالطبع بينهم وبين المسلمين، وشاهدنا خلال العمل الطقوس القبطية المعبرة عن الزواج والأعياد، وهذا الجانب الاجتماعي يظهر عادة في الأعمال الدرامية من خلال الشكل الإسلامي فحسب، والفيلم بالطبع به روح مصرية خالصة، ويستعرض معارك الفرقة مع الحرية في ما يتعلق بحق المرأة في اختيار شريك حياتها ونوعية تعليمها ورفض الزواج في سن صغيرة، وهو مقدم بصورة غنائية فولكلورية عصرية، وعلى رغم رفض المجتمع لهم في البداية وتعرضهم لإساءات، فإنه في ما بعد وجدنا أن من قاومهن من الرجال شعروا بالفخر لما قدمن".

لسان حر ودراما مكبوتة

الفتيات اللاتي تمكن من إحداث هذا التغيير في مجتمعهن الصغير نادراً ما نجد نماذجهن مستعرضة إعلامياً، ولكن فتيات الجنوب بصورة عامة ظهرن بصورة أكثر إنصافاً، أو في الأقل أكثر تنوعاً مع التركيز على طرقهن في مواجهة التعصب والعنف والترهيب في الدراما التلفزيونية أكثر منها في السينما، ومن بين المسلسلات التي كانت منفتحة في هذا الاتجاه "ذئاب الجبل"، و"الفرار من الحب"، و"الضوء الشارد"، و"الرحايا"، و"الليل وآخره"، و"الخواجة عبدالقادر"، و"دهشة".

تقول نرمين حبيب المسؤولة عن تدريب وتصميم الحركة بالفيلم، إنها بحكم عملها تذهب إلى غالبية محافظات مصر وتلتقي مئات النماذج النسائية، ولكن فكرتها عن فتيات الصعيد كانت مستقاة أولاً من الأعمال الفنية، مبدية دهشتها من عدم الانصاف الذي يتعرضن له حتى على مستوى القص الدرامي.

وتابعت المخرجة والفنانة الاستعراضية، "الأعمال الفنية صدرت لي صورة مغايرة تماماً ولا تمت للواقع الذي لمسته بصلة، ففتيات الصعيد لسانهن حر، ولديهم وجهة نظر غير تقليدية وتتميز بالعمق، وأفكارهن متقدمة على رغم طبيعة مجتمعهن الذي يحمل سلبيات كثيرة، ولكنهن قويات للغاية في مواجهتها، لا سيما في هذا العصر، بل ويتمتعن بشخصيات أقوى من القاهريات أنفسهن، وحتى على مستوى اللياقة البدنية فإن لديهن طاقة وقدرة على تحمل المشقة فاجأتنا كفريق عمل محترف، إضافة إلى قدرتهن على التكيف والتعاون، كما أنهن أنجزن مشروع مسرح الشارع الخاص بهن قبل أن نتعرف عليهن ونبدأ مشروع الفيلم التسجيلي، وقد أنجزنه بفطرة شديدة، وما استخلصته من التجربة عموماً أننا في الحقيقة لا نعرف شيئاً عن نساء الجنوب الذكيات اللاتي يحصلن على حقوقهن بطرقهن الخاصة ".

من سبب التهميش؟

المؤكد أن استمرار تقديم الصورة نفسها مع بعض التعديلات الطفيفة حتى اليوم، يأتي بسبب التهميش الذي يعانيه الصعيد عموماً من حيث الظهور الإعلامي، وهو ما يتوافق مع رأي الباحثة هبة فتحي حسانين التي أشارت في دراستها قبل عامين بكلية الإعلام جامعة القاهرة تحت عنوان "صورة المرأة الصعيدية في الدراما السينمائية والتلفزيونية وعلاقتها بإدراك الواقع الفعلي لها"، إلى ذلك بصورة واضحة حيث كان من بين مستخلصات الدراسة أن "وسائل الإعلام في العاصمة أسهمت في تهميش صورة المرأة في الصعيد وعدم نقل الواقع بصورة متكاملة لدى الرأي العام".

ربما تبدو قصص القهر جذابة درامياً، إذ يمكن أن تولد مفارقات تخدم الحكاية وتجعلها أكثر إثارة، ولكن ما يقوله الواقع يشير إلى أن صورة بنات الصعيد تغيرت، ولم يعد منطقياً أن يتم الاعتماد على سمات مجتمعية عمرها عقود طويلة، وتقديمها على أنها لا تزال كما هي، والواضح أن الفتيات السينمائيات يحاولن تعديل هذا القصور بإظهار حقيقة ما يجري في الجنوب ووضع حد للصورة المغلوطة، ولعل هذا أيضاً ما حاول فيلم "سابع سما" تقديمه، وهو عمل تسجيلي آخر حصل قبل خمسة أعوام على جائزة الطلبة في مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة.

والفيلم من إخراج كريستين حنا، ويجسد رحلة إقناع فتاتين للأب والأم بالتخصص في السينما، وعلى رغم أن الأبوين لم يكونا مقتنعين بأهمية دراسة الفنون ولا يفهمان معنى الخروج عن المسارات التقليدية في الدراسة مثل الطب والهندسة والتجارة والتدريس، فإن هذا لم يمنعهما من المناقشة، كما أن الفيلم أكد أن الفتيات حتى لو كن يعلمن بمدى صعوبة تحقيق ما يفكرن به فإنهن لا يخشين من التشبث به، بالتالي هن محاربات على أكثر من مستوى، ويجعلن آباءهن يشعرن بالفخر بعد أن يثبتن جرأتهن بعد أن كن يشعرون بالفزع من مجرد طرح فكرة عمل بناتهن في السينما، وهو ما حاول الفيلم أن يظهره بصورة واضحة.

وراثة القهر والكبت

في المقابل فإن الصورة الذهنية الثابتة المقدمة على مستوى السينما الروائية أقل سطوعاً بكثير، على رغم أن كثيراً من تلك التجارب قيمة على المستوى الفني، حتى إن بعضها كان واقعياً في عصره، ولكن على ما يبدو ظل نموذجاً متكرراً من دون عناء النزول لأرض الواقع وملاحظة التغييرات، فإحدى أبرز التجارب الرائدة هنا تمثلت في فيلم "دعاء الكروان" (1959) عن قصة طه حسين وإخراج هنري بركات، ودارت أحداثه حول جرائم الشرف والانتقام. وعلى رغم استقلالية أفكار البطلة آمنة التي جسدتها فاتن حمامة، حتى إنها قد تبدو أكثر تقدمية من نماذج تالية قدمت سينمائياً، فإن الواقع الذي سرده العمل كان شديد القتامة حول نساء ليس لهن رأي، ولم يحصلن على قسط من التعليم، ومجبرات على تنفيذ رغبات الرجال والتعايش مع القهر.

في عام 1968 قدمت السينما المصرية فيلم "البوسطجي"، عن قصة يحيى حقي وإخراج حسين كمال. وعلى رغم أن الأدوار النسائية لم تكن رئيسة فإن ما تم استعراضه من حياتهن دار في دائرة العادات نفسها التي تقهر النساء وتسلبهن الإرادة وحق الاختيار فتقع جرائم الشرف.

بعد جيل الرواد، جاء جيل الوسط ليقدم تجارب سينمائية شديدة الثراء في ما يتعلق بالقصص التي تتناول مجتمع الجنوب، لكن ظل الهوس بالمأسويات سائداً، ومن أبرز هذه الأعمال "الطوق والإسورة" عن رواية ليحيى الطاهر عبدالله، وإخراج خيري بشارة 1986، إذ البؤس في أكثر معانيه سطوعاً من خلال قصة ثلاثة أجيال من النساء يرثن القهر ولا يعرفن كيف يفلتن من قبضته، ويتم التنكيل بهن إذا ما حدن عن الخط الذي رسمه المجتمع له. ويجسد العمل التمييز الذي يمارس ضد الأنثى في المجتمع الصعيدي باعتبارها جالبة للعار.

الفيلم شاركت في بطولته شريهان، التي كانت بطلة أساسية أيضاً في تجربة المخرج رضوان الكاشف "عرق البلح" عام 1999، الذي استعرض فيه مخرجه البارع بمهارة خيالاً سينمائياً مظلماً حول قرية يغيب رجالها وتبقى النساء يعانين الحرمان العاطفي والجسدي، إذ يظهرن ملتحفات بزي يخفي ملامحهن الأنثوية ليصبحن شبيهات بالرجال انتظاراً لعودتهم من رحلة جلب لقمة العيش.

بالطبع كانت تلك القصص مناسبة لعصرها وتليق بالمجتمع حينها، إذ تميزت بواقعيتها على رغم شطحات الإبداع، لكن حتى حينما قدم حكاية صعيدية معاصرة من خلال فيلم "الجزيرة" بجزأيه (2007 – 2014) كانت الأجواء أيضاً غير طبيعية، إذ جاء الفيلم في سياق مختلف عن السرد الاجتماعي حول عالم الجريمة ومطاردة البطل الخارج عن القانون، بالتالي كانت الشخصيات النسائية تدور في الفلك نفسه.

وليس من المنطقي بالتأكيد أن تستمر تلك السردية التي ألبست نساء الصعيد الأسود ووضعت الحزن على وجوههن على مدى عقود سينمائية طويلة. من هنا يأتي اختلاف "رفعت عيني للسما"، بحسب ما يقول الناقد طارق الشناوي "يسرد العمل واقعاً لا يحمل أي مجال للبس، وهو مليء بالتفاصيل الفنية الجيدة المستوى"، لافتاً إلى أن المشاركات به يتمتعن بدرجة عالية من التلقائية تتماشى مع إيقاع الفيلم المتصاعد، وموضحاً صعوبة الحفاظ على الإيقاع في فيلم تسجيلي بلا نص درامي، بل هو عبارة عن مادة حياتية يتم توليد عمل فني محكم منها.

 

الـ The Independent  في

01.06.2024

 
 
 
 
 

هالة القوصي: الأبيض والأسود في «شرق 12» ضرورة وليس اختيار

احمد العياد

7 سنوات مرت منذ عرضت المخرجة المصرية هالة القوصي فيلمها «زهرة الصبار» عام 2017، وحصدت به عددًا كبيرًا من الجوائز، على الرغم من أنه كان تجربتها الروائية الأولى. وأخيرًا، عادت القوصي في 2024 بعمل جديد وهو «شرق 12» الذي عُرض ضمن فعاليات مسابقة نصف شهر المخرجين بالدورة الـ77 من مهرجان كان السينمائي الدولي.

«شرق 12»، استغرق تصويره من المخرجة حوالي 8 سنوات، واجهتها خلالها عديد من المعوقات ليخرج للنور أخيرًا، والفيلم من قصة وسيناريو وحوار وإخراج هالة القوصي، وبطولة منحة البطراوي، أحمد كمال، عمر رزيق، فايزة شامة، وأسامة أبو العطا.

«فاصلة» التقى بالمخرجة بالمهرجان الفرنسي العريق، وكان لنا معها هذا الحديث

أزمة الأفلام المغايرة

«الأفلام المغايرة»، هكذا تصف هالة القوصي في حديثها لـ فاصلة النوع الذي ينتمي إليه فيلمها «شرق 12»، حيث إنها تعترض على تسمية «الأفلام المستقلة»، متسائلة: “مستقلة عمّن؟”.

وعن سبب ابتعادها 7 سنوات منذ قدمت فيلمها السابق «زهرة الصبار» أرجعت هالة القوصي السبب إلى أزمة التمويل: “كان لديّ النص بالفعل منذ 2017، وكنت أعمل على فكرة «شرق 12» منذ 2016. نعم حدث عليه بعض التغييرات، ولكنه ظلت الفكرة الأساسية قائمة”.

وفي شرحها لأزمة التمويل التي واجهتها وتواجهها الأفلام المستقلة/ المغايرة، تقول القوصي: “لدينا أزمة في التنظيم الهيكلي لتمويل الأفلام المغايرة، ولا أصنف العمل باعتباره مستقلًا لمجرد حصوله على منحة أو تمويل، فسيكون وقتها مستقلًا عمّن؟». متابعة: “المِنح المتاحة محليًا (في مصر) وعربيًا، قليلة بالمقارنة بعدد الصناع الذي يتزايد بشكل مستمر. إضافة إلى أن المنح العالمية تتطلب دعمًا محليًا في البداية، بمعنى أن أحدا لن يمنحك أموالًا إلا إذا أثبت تواجدك المحلي أولًا”. 

مثل الكثيرين، تأثرت القوصي وفيلمها بأزمة فيروس كورونا، فالفيلم كما حكت لـ فاصلة؛ مشروعه قائم منذ 2017 بعد عرض فيلمها السابق، إلا أن صعوبات التمويل ومن وراءها أزمة كورونا تسببت في تأخير بدء العمل الفعلي على الفيلم كما تشرح وتقول: “خلال السنوات الثلاثة من 2017 وحتى 2020، كنت أفكر من أين أحصل على التمويل؟ وبعد الحصول عليه ولمدة عام تجمد كل شيء بسبب أزمة فيروس كورونا، فكانت الأوضاع ضبابية تمامًا، ولم نستطع التحرك وقتئذ”.

فايزة شامة اكتشاف جديد

وبالحديث عن نجمات فيلمها قالت المخرجة إنها عند التفكير في تشكيل فريق، بدأت أولًا بالفنانة القديرة منحة البطراوي، فقد استقرت على اختيارها للدور الأساسي، ثم رشحت فنانًا آخر، لأداء دور «عبده» في العمل، لكنه اعتذر بسبب ارتباطات أخرى لديه، فأسندت الدور للفنان أحمد كامل، وبدأ التصوير الفعلي عام 2022، مضيفة: “غير ذلك لم تكن هناك أية تجهيزات لأسماء محددة للممثلين”.

وعن ممثلي الفيلم، أكدت أن الفنانة فايزة شامة كانت اكتشافًا بالنسبة لها: “فوجئت بفايزة شامة فهي اكتشاف بالنسبة لي، وعثرت عليها بمساعدة صديقتي شيرين حجازي مصممة رقصات الفيلم، إذ كانت تعمل على مشروع تستهدف من خلاله تغيير النظرة السائدة عن الرقص الشرقي، وذهبت لمشاهدة البروفات وهناك شاهدت فايزة”.

رقصات عفوية وموسيقى متواضعة

أبرز ما يلفت الانتباه في «شرق 12» هي جمالياته البصرية والصوتية، وقد شكلت تحديًا صعبًا للمخرجة، وعن نجاحها في تقديمه بشكل عفوي، خاصة مع اختلاف أداء الممثلين، قالت هالة القوصي: فكرتي كانت أن الرقص في هذا المكان يمثل قاع العالم في لحظة ما، الرقص لا بد وأن يشبه المكان، فلو ظهر بأي شكل آخر كان سيكون دخيلًا على المكان”.

أضافت: “اتفقت مع شيرين مصممة الحركة وأخبرتها أن تتخيل أشخاص لم يشاهدوا رقصًا في حياتهم، وليس لديهم خلفية عنه، كذلك الموسيقى بدت كأنها موسيقى وضيعة، بشكل مقصود وواعي”.

في السياق نفسه أردفت: “أخبرتني إحدى الفنانات أن أكثر المشاهد موسيقية في الفيلم كانت بدون موسيقى، فأجبتها أن الأمر مقصود، وأكثر المشاهد ترفيهًا وإبداعًا ستجد أدواته هزيلة وضعيفة ومثيرة للضحك والشفقة”.

أحمد كمال خبرة وتفرد

أداء الفنان أحمد كمال دائمًا مميزًا، فالمتابع له في أعماله يجد نفسه أمام فنان يمتلك أدواته ويسخرها لتقديم الدور بسلاسة وإتقان مثيران للإعجاب، وهو ما أكدته القوصي في حديثها عنه وعن دوره في الفيلم حيث قالت: “أحمد كمال أخذ النص وحَلق به، لأنه لم يكتف بتنفيذ الحوار، بل كل وصف للشخصية موجود بالعمل. حفظ دوره واستوعبه وأخرجه كما تخيلته، وأضاف إليه كذلك، فبخبرته الجمة أدرك أن الشخصية غنية جدًا ومتعددة الجوانب، ومثلما هي مثيرة للضحك هي مثيرة كذلك للشفقة”. 

الأبيض والأسود ضرورة وليس اختيار

في كانّ هذا العام، ازداد عدد الأفلام الحديثة التي اختار صناعها عرضها على خام بالأبيض والأسود، ومنهم كان «شرق 12».

وترجع هالة سبب ذلك الاختيار إلى أنه “ضروري لخدمة حالة الفيلم”، شارحة أنها عندما انتهت من كتابة النص وبدأت في التفكير فيه كمخرجة، قابلتها مشكلة التعبير عن النص الذي يتحرك بين عالمين منفصلين تربط بينهما همزة وصل وحيدة هي شخصية الجلالة التي تقوم بها الفنانة منحة البطراوي، فهي التي تتيح للناس الانتقال من عالمهم الجاف القاتم إلى المساحة الرحبة للخيال”.

تتابع: “أصبح من الضروري أن أفصل بين العالمين بدون تخبط، لأنه إذا تخبط المتفرج فقط أضعته. فكان الخيار أن أستخدم الأبيض وأسود والألوان، استخدمت الأبيض وأسود في الواقع الأليم ليكون أقرب للخيال، واستخدمت الألوان مع الخيال لتكون أقرب إلى الواقع”.

السينما ليست للنخبة

وردًا على الاتهام المعتاد الذي تُواجه به أفلامها بأنها مقدمة كون القوصي نفسها فنانة تشكيلية في الأساس، وفنها نخبوي، ردت هالة: “لا.. قد اخترت السينما لأنها ليست للنخبة”.

وكشفت المخرجة أنها وقت تقديم فيلمها السابق «زهرة الصبار»، وفي النسخ الأولى للسيناريو، تلقت نصيحة بأن تتوقف عن التجريب وتتعامل مع دراما الشخصيات أكثر، لكنها أجابتهم: “اختياري للسينما اختيار واعٍ تمامًا، فقد تركت خلفي مجال حققت فيه نفسي بالفعل لأجل الفن السابع”. مضيفة: “كنت أتحرك به بحرية شديدة غير عابئة بالمسميات”.

أردفت المخرجة: “انغرزت في عالم السينما لكن لن أستطيع تغيير جلدي أو الولادة من جديد، فأنا هو أنا وما أكون عليه، ماذا أستطيع أن أجلب معي إلى هذا العالم هو تجربتي السابقة، وإذا لم أستطع أن أنتج شيئًا يمثل تكملة لمسيرتي على مستوى المواضيع والاختيارات الفنية والتحديات، فلا طائل لي ولا تصبح السينما هدفًا أسعى خلفه. أنا لا اشتبك بالسينما لأفعل مثل الآخرين، أحاول أن أصنع السينما كي أتفرد بتجربتي، فإن لم أنجح فقد حاولت”.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

02.06.2024

 
 
 
 
 

"المتدرّب".. ترامب تاجر العقارات المغتصِب مثيراً للشفقة والضحك

محمد صبحي

بعد عرضه العالمي الأول في مهرجان كانّ، خرج فريق المحامين التابع لدونالد ترامب على الفور بكامل قوته ضد الفيلم الجديد للمخرج الدنماركي الإيراني علي عبّاسي "المتدرّب" The Apprentice، متهمين إياه بأنه "قمامة خالصة" و"تشهير خبيث"، وهدّدوا باتخاذ إجراءات قانونية. كانت هناك أيضاً تساؤلات حول مموّلي إنتاج الفيلم ومراجعات سلبية في الغالب في وسائل الإعلام المختلفة. لكن، مع كل المشاكل والنواقص التي قد يعاني منها المشروع، يبقى فيلماً شجاعاً وقيّماً، هجاء سياسي بالأسماء والألقاب، بدون مكياج أو عبارات ملطّفة، وهو بالفعل جرأة حقيقية نادرة في هذا العصر.

كما هو الحال في أفلام الأبطال الخارقين، لدى الأشرار أيضاً قصص تشرح أصولهم وجذورهم. في "المتدرّب"، ما يُسرد، بطريقة ما، هي أصول دونالد ترامب. بالطبع ليست القصة الكاملة - فحدثه المؤلم الآخر، علاقته المعقدة مع والده، تنزوي في الخلفية بعيداً - ولكنها قصة تركّز على تلك المرحلة التي يمكن تعريفها بأنها مرحلة التحوّل، والانتقال من كونه حالماً خجولاً بالثروة ليصير، بعد سنوات طويلة، شيئاً يشبه الوحش. أو بعبارة أخرى، كما تقول إحدى النبذات التعريفية للفيلم: يروي القصة التي شكّلت العلاقة بين سمكة قرش سابقة، المحامي المذهل روي كوهن، وسمكة قرش أكبر، رجل الأعمال الشابّ والرئيس الأميركي المستقبلي دونالد ترامب.

بهذا المعنى، لا يدور فيلم "المتدرّب" حول ترامب السياسي، بل عن الشاب الذي، بتوجيه من عضو جماعة الضغط اليميني الذي لا يقل إثارة للجدل، روي كوهن (جيريمي سترونغ في أداءٍ استثنائي)، مرشده، وإلى حدّ ما، والده الزائف، صعد ليصبح مليونيراً، أولاً نتيجة لاستثمارات عقارية جريئة، وبعد سنوات عديدة أصبح رئيساً للولايات المتحدة

يبدأ الفيلم في العام 1973، عندما كان ترامب البالغ من العمر 27 عاماً، والذي يلعب دوره سيباستيان ستان، ليس أكثر من مجرد فتى مستهتر يعمل في شركة إنشاءات في ظلّ والده فريد (مارتن دونوفان). يُظهر عبّاسي، من نصّ كتبه الصحافي غابرييل شيرمان، الجوانب والصفات المختلفة للشخصية المتعجرفة والمتقلبة والمنكرة والمتلاعبة والعنصرية والمبتذلة والمتغطرسة التي يتمتّع بها بطله، الذي سيتزوج لاحقاً من إيفانا (ماريا باكالوفا) ويبدأ غارة تجارية مستخدماً كافة الموارد والوسائل (ليست شفّافة دائماً) في متناول يده. بناء برج ترامب، والتقدم في كازينوهات أتلانتيك سيتي، واجتماعاته مع آندي وارهول، واندلاع عصر فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز؛ هي بعض الجوانب التي يتناولها الفيلم في مدته المقتربة من ساعتين ونصف الساعة.

مع جمالية (حتى في اختيار الألوان والتراكيب) تنقلنا إلى تلك السنوات في السبعينيات والثمانينيات، مع العديد من المقاطع الساخرة المسلّية، وبعض المشاهد الأخرى التي قد تؤدي إلى فضيحة (مثل اغتصاب ترامب لزوجته السابقة إيفانا)؛ يأتي "المتدرّب" مقاربة مثيرة للاهتمام لتلك البدايات، لذلك الصعود النيزكي الذي سيحوّل ترامب إلى مرجع تجاري، مايكل كورليوني جديد، وبعد فترة طويلة من الفترة الموصوفة في الفيلم – كما نعرف جميعاً - إلى رمزٍ إعلامي وبعد ذلك إلى شخصية رئيسة ومرجعية في السياسة لنصف الأميركيين تقريباً.

أثار الفيلم ضجة كبيرة في مدينة كانّ وسبق عرضه تهديدات من ترامب وجماعته باتخاذ إجراءات قانونية ضد الفيلم الذي يحتوي، من بين أمور أخرى، على مشهد يغتصب فيه زوجته السابقة إيفانا. ومع ذلك فالفيلم لا يصوّر ترامب على أنه وحش فحسب، بل يصوّره كشخص ضعيف ويثير الشفقة. في المشهد الأول، يُلقى به في حانة بعد وقت قصير من اتهام رفيقه له بأنه مهووس بالمشاهير. وفي وقت لاحق، يعاني من ضعف الانتصاب وتساقط الشعر ودهون البطن. يلعب سيباستيان ستان دور ترامب المخفّف بشكل رائع، ويمنح السياسي المستقبلي لُطفاً صبيانياً لا يخطئ حتى في أكثر مشاهده المنفّرة.

على أن أغرب ما يرتبط بخلفية إنتاج الفيلم مشاركة رجل الأعمال والملياردير الأميركي دانييل سنايدر، الذي امتلك في السابق فريق واشنطن كوماندرز لكرة القدم من بين أشياء أخرى، في تمويل الفيلم عبر شركة الإنتاج كينماتيكس. يمكن وصف سنايدر بأنه مؤيّد قوي لترامب. وقد تبرّع له مراراً وتكراراً بمبالغ كبيرة من المال لأغراض سياسية. ومن الغريب أن سنايدر افترض على ما يبدو أن الفيلم سيكون بمثابة تأبين وقور لدونالد العظيم، وليس بورتريه للرئيس المستقبلي كمغتصب، وشريك تجاري رديء، وصديق رديء، وحبيب رديء، وزوج رديء، وأبّ رديء، وابن رديء يعاني من مشاكل في الفحولة، وشفط الدهون، وإدمان حبوب الحمية، وبقع الصلع المعالجة جراحياً.

 

المدن الإلكترونية في

02.06.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004