ملفات خاصة

 
 
 

"كان" 77.. الأفضل يفوز مع "أنورا" و"كل ما نتخيّله نورا"

تكريم السينما المستقلة ومومباي كما لم نرها من قبل

فراس الماضي

كان السينمائي الدولي

السابع والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

عرضت معظم الأفلام التي حصدت جوائز مهرجان "كان" السينمائي في دورته 77، خلال النصف الثاني من المهرجان، وكأنها كانت مفاجآت يختزنها واضعو البرنامج لجمهور المهرجان من المشاهدين والنقاد وصناع السينما.

اختيارات لجنة التحكيم التي ترأستها الأميركية غريتا غرويغ كانت لأفلام وأسماء لا يعد فوزها في ذاته مفاجأة، فبعد مشاهدة أفلام المسابقة الرسمية ليس هناك مجال كبير للخلاف على الاسم الأحق بـ "السعفة الذهبية" وقد نالها بالفعل. فالفائز الأكبر هو المخرج الأميركي شون بيكر وفيلمه "أنورا"، ليصبح بذلك أول مخرج أميركي يفوز بالسعفة الذهبية منذ تيرانس مالك وفيلمه "شجرة الحياة" عام 2011 عندما ترأس لجنة التحكيم مواطنه روبرت دي نيرو، وقبله مايكل مور عن فيلم "فهرنهايت911" عام 2004 وقدمت له الجائزة وقتها لجنة تحكيم يقودها كوينتن تارانتينو.

فيلم شون بيكر استحق الفوز، وربما هو الخيار الصحيح في العديد من السياقات. فهو الأفضل بجانب عمل المخرج البرتغالي ميغيل غوميز "الجولة الكبرى" الذي اختارت لجنة التحكيم منحه جائزة الإخراج. أما الفيلم الذي حصد "الجائزة الكبرى" (غراند بري) فهو فيلم الهندية بايال كاباديا الذي حمل اسم "كل ما نتخيله نورا". وهذه هي الأفلام الثلاثة التي يمكن تصورها تحوز تلك الجوائز فعلا.

 هذا التحكم المثير الذي يمتلكه بيكر، يكمن في تقديم سينما لا تسعى لتقديم سياحة سينمائية في الوحل

"أنورا"

"أنورا" هو الأفضل في مسيرة المخرج الرائع شون بيكر. كما أن فوزه يمثل تكريما حقيقيا للسينما الأميركية المستقلة، المصنوعة خارج نظام الأستوديوهات الكبرى وقبضتها التي تعرقل التجريب والمغامرات الفنية والخروج عن القوالب والقصص التقليدية، وهي في الوقت ذاته الأقرب للحالة الأميركية اليوم. إلا أنه بالرغم من كونها الأفضل والأكثر تمثيلا للحالة الفنية والإبداعية، فإن الأفلام المستقلة لا تحظى بالاعتراف والنجاح في الداخل الأميركي إلا بعد تتويجها بالجوائز خارج الحدود، وتحديدا في أوروبا التي يحمل الأميركيون لها تقديرا فنيا استثنائيا، وهذا ما حدث مع ستيفن سودريبرغ وفيلمه "جنس وأكاذيب وشريط فيديو"،والأخوين كوهِن وفيلمهما "بارتون فينك" وتارانتينو مع فيلمه "بالب فيكشن" في التسعينات، وقبلها أفلام مثل "سائق التاكسي" و"المحادثة" و"القيامة الآن" في سينما السبعينات.

فيلم بيكر ينطلق سريعا، ولا يضيع أي وقت قبل أن تظهر سينماه التي تفحص بشفافية الحلم الأميركي من المنطقة الأدنى وصولا إلى أعلى هرم السقوط.

المكان، هو حانة للرقص تفوح برائحة النشاط الجنسي التجاري الذي تتبعه أفلام بيكر. فيها نلتقي مباشرة شخصية أنورا، أو "آني" كما تسمي نفسها، وهي راقصة في هذه الحانة. منذ الدقائق الأولى لظهورها على الشاشة نرى أنفسنا أمام شخصية قوية ومسيطرة، تبدو هادئة لكنها لا تتردّد في إظهار شراستها إن جرى التعدي على حقها ومكانتها وأمانيها. أنورا هي واحدة من الشخصيات التي يضعها بيكر في مركز الأحداث في كل أفلامه السابقة: "صاروخ أحمر" و"مشروع فلوريدا" و"اليوسفي".

يبدأ التحول في شخصية أنورا أو آني، عندما تلتقي في إحدى الليالي شخصية إيفان زخاروف، وهو مراهق روسي ثري في مثل عمرها وقد يكون أصغر منها، وعلى عكس عملائها الآخرين، تبادله آني القبول وتواعده خارج أسوار العمل حتى تقع في حب هذا الروسي غير الناضج الذي يعيش في قصر فخم في ضواحي نيويورك. إيفان هو ابن واحد من فاحشي الثراء الروس، وتكفل له ثروة أبيه العيش في أعلى مستويات الرفاهية التي تجعله كأنه في إجازة أثناء رحلة دراسية في الولايات المتحدة.

في قرار مفاجئ، يتقدم إيفان للزواج منها ليفتح أمامها آفاقا لحياة كالأحلام. ولكن عندما يكتشف والدا إيفان الأمر، ينقلب كل شيء رأسا على عقب، وتبدأ الأحداث في التصاعد بوتيرة متسارعة. كل شيء يتغير تماما، ليتحول الفيلم من انفتاح على الأحلام إلى توتر وهلع مخيفين، ويرسم كل ما يحيط به طريقا إلى الهلاك.

في هذه النقطة، يتعمق الفيلم في استكشاف الصراع الطبقي ببراعة، حيث يتصادم الحلم الطموح مع الفوارق الاجتماعية الهائلة، ويتحول الأمل إلى مصدر تهديد للنفوس الطموحة التي وجدت فرصة للخروج من نفق مظلم.

تحمل الرحلة التي يرسمها لنا شون بيكر في هذا الفيلم مزيجا متماسكا وقويا من التجارب، يضحكك في مرات، ويكسرك في أخرى، يجعلك تبتسم في لحظة ويرعبك بعدها. هذا التحكم المثير الذي يمتلكه بيكر، يكمن في تقديم سينما لا تسعى لتقديم سياحة سينمائية في الوحل، بل في تقديم وجهة نظر مغايرة في مساحة لا تحب السينما الأميركية الخوض فيها، أي الطبقية في المناطق السفلية من المجتمع، والتي يغذي بها عواطفنا تجاه الشخصيات الخشنة من دون ابتذال، ويخلق من الأحداث دوامة يتصاعد زخمها ويرتفع إيقاعها ويزداد رعبها في كل لحظة.

 يجذبنا "كلّ ما نتخيله نورا" إلى التفاصيل اليومية لبطلاته الثلاث، وينفجر بمجرد أن تطفو تلك المشاعر المعقدة للشوق والوحدة وسط مومباي

"كل ما نتخيله نورا"

عمل آخر ربما لا يقل روعة عن "أنورا" الفائز بالسعفة الذهبية، وهو فيلم المخرجة الهندية بايال كاباديا "كل ما نتخيله نورا" الحائز على الجائزة الكبرى في المهرجان، وهي ثاني أهم جائزة في المسابقة الرئيسية.

هذا هو أول فيلم يختاره المهرجان من الهند للمشاركة في المسابقة الرسمية منذ 30 عاما. المفارقة هنا أن كاباديا، التي لم تقدم سوى فيلم طويل واحد قبل هذا، هي من غير المرغوب بهم في صناعة السينما الهندية نظرا لسينماها البعيدة عن صَخَب بوليوود.

في "كل ما نتخيله نورا"، تقدم كاباديا سينما بعيدة تماما عن الشكل الهندي المعتاد، سينما تنتمي إلى روح دراما إدوارد يانغ والتماسك العفوي في أفلامه، مع لمحات من تجاوز الواقع المعتاد إلى الماورائية، كما في أعمال أبيشاتبونغ ويراسيثاكول، أو حتى في الاستعانة بمشاهد وثائقية لافتتاحية الفيلم كشانتال أكرمان. بادئة بتتابع يحمل رسائل النازحين من القرى إلى المدينة للعمل، نسمعها صوتيا بينما نشاهد لقطات من مدينة مومباي في ليلها الأزرق.

تنجح كاباديا في نقل الاتساع الضخم الذي يسم هذه المدينة الهائلة وفوضاها وتزاحمها بالسكان خلال تلك اللقطات الأولى، قبل أن تنقلنا من الواسع العام إلى الضيق المُركّز في دراما نتتبع خلالها ثلاث ممرضات جئن إلى مومباي من القرى المجاورة: برابها: المرأة الأكثر هدوءا واتزانا التي يشغل أفكارها زوجها الذي غادرها للعمل في ألمانيا دون أن يترك رسالة واحدة، وأنو: الممرضة الشابة التي تحمل سمات الحماسة في وقوعها بالحب الأول وتراسل خليلها طوال الوقت وتلتقيه بين الحين والآخر، وأخيرا بارفاتي: أكبرهن سنا، الأرملة المتقاعدة والحادة، شديدة البأس، لكنها تحمل روحا قوية ومساندة لكفاح تلك الفتاتين على طول الطريق.

لا تقع كاباديا في فخ تقديم ثلاثة خطوط للأحداث من خلال الشخصيات الثلاث كما نتوقع وكما يفعل معظم كتاب السيناريو والمخرجين، بل تسردها في توليفة واقعية حرة، وتنجح في ضبط إيقاع يتشعّب لكنه يظل متماسكا، دون أن تهمل الثراء السردي والبصري في التفاعل مع أصغر اللحظات وأدق الإيماءات.

بهدوئه الحسي، يجذبنا "كل ما نتخيله نورا" إلى التفاصيل اليومية لبطلاته الثلاث، وينفجر بمجرد أن تطفو تلك المشاعر المعقدة للشوق والوحدة وسط مومباي التي لم تُصوَّر في السينما من قبل كما صورتها كاباديا هنا. وفي الثلث الأخير من الفيلم، يتخلى عن الطابع المديني ويشدّ الرحال إلى الريف، وما أن يفعل ذلك حتى يتحول هذا الواقعي الشعري، لينزلق بروعة إلى سحرية الذاكرة.

 

مجلة المجلة السعودية في

30.05.2024

 
 
 
 
 

مخرجو إيران... أو السينما حين تقول لا

رحلة هروب روسولوف إلى "كان" تفتح ملف التعذيب الوحشي للمبدعين خلف قضبان المرشد

نجلاء أبو النجا 

ملخص

جعفر بناهي وكريمي ونوري أبرز المبدعين الإيرانيين الذين تعرضوا للسجن والتعذيب بسبب آرائهم المناهضة للسلطة، والتصفيات الجسدية تهددهم حتى بعد الهروب إلى الخارج.

تحظى السينما الإيرانية بترحاب شديد في معظم المهرجانات والمحافل العالمية والدولية على رغم الظروف السياسية المتدهورة التي يعانيها صناعها والتي تصل إلى حد مصادرة آرائهم وأعمالهم والحكم على أي معارض أو صاحب رأي غير مؤيد للسلطات بالكامل.

ولعل المخرج الإيراني محمد روسولوف، الحائز جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان "كان" السينمائي في دورته الـ 77 عن فيلمه "بذرة التين المقدس"، ورحلة هروبه من إيران بعد الحكم عليه بالسجن، بمثابة شرارة ألقت الضوء مجدداً على ملف المبدعين الإيرانيين والعقوبات الجنائية التي طاولتهم بسبب أفلامهم وتوجهاتهم وزجت بهم وراء جدران السجون.

روسولوف حكمت عليه إحدى المحاكم الإيرانية بالسجن بتهمة تتعلق بالأمن الوطني، خصوصاً أنه معروف بمناهضته للاستبداد والقمع الداخلي في البلاد، واستطاع الهرب في مايو (أيار) الجاري من بلاده للوصول إلى أوروبا وحضور مهرجان "كان".

خلف الجدران

في الثامن من مايو الجاري، أعلن محامي المخرج السينمائي أن محكمة الثورة حكمت على موكله بالسجن ثماني سنوات، وكذلك حكمت بعقوبات أخرى شملت الجلد وغرامات مالية ومصادرة أموال، وقال المحامي إن سبب الحكم هو توقيع روسولوف على بيانات وإنتاج أفلام ووثائقيات تعتبرها السلطة داعمة للتآمر والتواطؤ لارتكاب جريمة ضد أمن البلد.

روسولوف شرح ما يتعرض له بقوله إن السلطات الأمنية مارست أشكالاً شتى من الضغوط عليه طوال الأعوام السبعة الماضية وصادرت جواز سفره مرات عدة وأبلغته بأنه لا يحق له أن يكون مالكاً لهذه الوثيقة، وتعرض كذلك لضغوط ومضايقات أمنية وملاحقات قضائية، ونوه إلى أنه خرج من إيران بمساعدة بعض أصدقائه وأقاربه، وهو ممتن لهم كثيراً إذ عرّضوا أنفسهم للخطر والملاحقة ولا يزالون في مرمى النار حتى الآن جراء مساعدته.

بعد هروبه خارج إيران علق روسولوف في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع "إنستغرام"، قائلاً "إذا كانت إيران الجغرافية تعاني وطأة طغيانكم الديني، فإن إيران الثقافية حية في العقول المشتركة لملايين الإيرانيين الذين أجبروا على مغادرتها بسبب وحشيتكم، ولا يمكن لأي قوة أن تفرض إرادتها عليها ومن اليوم، أنا مقيم في إيران الثقافية".

وروسولوف معروف عنه أنه من أكبر المعارضين والمنتقدين للسياسة الإيرانية الداخلية والخارجية، وشدد في كثير من المواقف على دعمه للاحتجاجات ورفضه القاطع لقمع السلطات للمتظاهرين وطريقة التعامل مع كل مظاهر الاحتجاج السلمي، وسجل تعاطفه مع ضحايا الأمن من القتلى والجرحى والسجناء المعتقلين وما يشهدونه من تعذيب غير منطقي، كما أنه مناهض للسياسات المتعنتة في حق السيدات والطالبات، ويطالب بمساواة المرأة الإيرانية بغيرها في جميع أنحاء العالم.

وهناك أفلام عدة لروسولوف انتقدت نظام الحكم في إيران واتهمته بالفساد، ومنها "أمل اللقاء" و"المخطوطات لا تحترق" و"لا وجود للشيطان".

وفاز روسولوف بجائزة "الدب الذهبي" في مهرجان "برلين" السينمائي عام 2020 عن فيلمه "لا وجود للشيطان" الذي ناقش قضية عقوبة الإعدام في إيران والشخصيات المكلفة تنفيذها، مما أثار جدلاً كبيراً إذ تُعدّ إيران من أكثر دول العالم تطبيقاً للعقوبة.

ولد روسولوف في شيراز عام 1972، وقام بإخراج وإنتاج عدد كبير من الأفلام السينمائية المهمة، منها "الجزيرة الحديدية" 2005 و"الوداع" 2011 و"المخطوطات لا تحترق" 2013.

وحوكم أيضاً مع روسولوف في التوقيت نفسه المخرج الإيراني مصطفى الأحمد بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تتعلق بانهيار مبنى من 10 طوابق في مدينة عبادان في مايو 2022 أودى بحياة أكثر من 40 شخصاً.

واتهم الاثنان بالتحريض على الاضطرابات وتعطيل الأمن النفسي للمجتمع.

تعذيب وحشي

ويأتي المخرج المعارض محمد نوري في مقدمة الإيرانيين الذين تعرضوا كثيراً للسجن بسبب نقد السلطة عن طريق الفن أو عبر الآراء المعلنة، وحُكم عليه في أغسطس (آب) 2019 بالحبس لأكثر من 17 سنة لإدانته بإهانة المرشد الأعلى علي خامنئي.

وعانى نوري التعذيب الوحشي في السجن، وحقنت أعضاء حساسة من جسده بمواد مجهولة أدت إلى تدهور حاله الصحية في سجن "إيوين" في طهران، وحرم كذلك من الرعاية الطبية ومُنع من تناول الأدوية الخاصة بمرضي السكري والقلب اللذين يعانيهما بصورة مزمنة، ونظراً إلى حاله الصحية المتدهورة تدخلت منظمة العفو الدولي وطالبت بإدخاله المستشفى، وقالت إن هناك وحشية من السلطات الإيرانية في التعامل مع حياة السينمائي الإيراني.

وشددت المنظمة على أن عدم تجاوب السلطات دفع المخرج السينمائي إلى إلحاق الأذى بنفسه لكي تُستجاب طلباته، فعمد إلى جرح وجهه ورأسه وعنقه بواسطة شفرة، مما أدى إلى تعرضه لنزف شديد.

وأوقفت السلطات الإيرانية نجله علي نوري زاد الذي حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات ونصف السنة، بحسب منظمة العفو الدولية التي اعتبرت أن الحكم الصادر بحقه محاولة لممارسة مزيد من الضغوط على والده محمد نوري زاد.

ويعدّ المخرج الإيراني الشهير جعفر بناهي من أهم المخرجين الذين تعرضوا لعقوبات بسبب معارضته للنظام الحاكم، فحكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات عام 2010 بتهمة "الدعاية ضد النظام"، ومُنع من إخراج الأفلام أو كتابتها في أعقاب تأييده حركة الاحتجاجات التي تلت إعادة انتخاب الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد في 2009.

واعتقل بناهي (62 سنة) في يوليو (تموز) 2023، عندما احتج على توقيف اثنين من زملائه المخرجين بسبب انتقاد السلطات الإيرانية، وتعرض لمعاملة قاسية في السجن، وأعلن في فبراير (شباط) الماضي بعد حبسه بأشهر الإضراب عن الطعام والشراب، وصرح وقتها بأنه مثل كثير من الأشخاص المحاصرين في إيران ليس لديهم خيار سوى الاحتجاج على هذا السلوك اللاإنساني بأكثر ما يعتز به وهو حياته، فامتنع عن الطعام والشراب وتناول الأدوية على رغم حاله الصحية المعتلة، وبناء على موقفه أفرجت السلطات الإيرانية عنه بكفالة مالية، وأعيد له جواز سفره، وسافر إلى فرنسا ليعيش في العاصمة باريس في أبريل (نيسان) الماضي.

ولد جعفر بناهي عام 1960، وأخرج كثيراً من الأفلام السينمائية المهمة التي صعدت إلى العالمية، ومنها "الصديق" عام 1992 و"البالون الأبيض" 1995 و"الدائرة" 2000 و"تاكسي طهران" 2015.

وحظيت أعماله بنجاح كبير جداً في المهرجانات الدولية الكبرى، وتمكن من حصد كثير من الجوائز العالمية، منها الجائزة الأولى لمهرجان "برلين" السينمائي الدولي عن فيلمه "تاكسي طهران" عام 2015، إضافة إلى جائزة أفضل سيناريو في مهرجان "كان" السينمائي لفيلمه "ثلاثة وجوه" عام 2018.

نضال سياسي

وعوقب بالسجن أيضاً المخرج الإيراني الشاب سعيد روستايي بسبب فيلمه "إخوة ليلى" الذي كتبه عام 2022 وهاجم فيه بعض التقاليد الإيرانية والأعراف مثل البطريركية وروح الزعامة القبلية، وسلط الضوء على أسرة إيرانية فقيرة تتعرض للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد.

 واعتبرت السلطات الفيلم هجوماً مباشراً ومسيئاً ضدها، ورفضت السماح بعرضه داخل البلاد بعدما أثار جدلاً كبيراً بمجرد التعرف إلى فكرته، فعرضه المخرج في مهرجانات عالمية مثل "ميونخ" و"كان"، وتمكن من حصد جوائز كبرى عدة أبرزها "السعفة الذهبية" لمهرجان "كان"، لكن استمرت السلطات الإيرانية في ملاحقته وحُكم عليه بالسجن.

كان الحكم بمثابة شرارة ثورة في الأوساط الفنية والحقوقية خارج إيران، ووصفه مهرجان "كان" بأنه "انتهاك خطر لحرية تعبير الفنانين والسينمائيين والمنتجين والفنيين الإيرانيين".

ولد روستايي في أغسطس (آب) عام 1989، وبدأ عمله في مجال السينما عام 2016 بكتابة سيناريو وإخراج فيلم "حياة ويوم". وفي 2019 أخرج فيلم "6.9" ونال عنه عدداً من الجوائز المهمة في المهرجانات السينمائية الإيرانية.

ويعدّ المخرج الإيراني محسن مخلباف المولود بجنوب إيران عام 1957 من أكثر المخرجين المعارضين الذين واجهوا محاكمات قاسية.

أخرج مخلباف كثيراً من الأفلام الروائية والوثائقية، وفاز بعشرات الجوائز والأوسمة في مهرجانات دولية، ومن أبرز أفلامه "قندهار" عام 2001، وهو الفيلم الذي ضمّنته مجلة "تايم" الأميركية في قائمتها لأفضل 100 فيلم في تاريخ السينما، ومن أعماله الشهيرة فيلم "لحظة من البراءة" 1996 و"الصمت" 1998.

بدأت رحلة مخلباف في المعارضة أثناء دراسته، فانضم إلى بعض المنظمات المعارضة لحكم الشاه، مما تسبب في سجنه لفترة، ثم أفرج عنه بعد نجاح الثورة الإسلامية، فأعلن عن مساندته للحكم بصورة موقتة قبل أن يتراجع عن موقفه سريعاً معلناً معارضته له.

وبعد تعرضه للسجن أكثر من مرة عقب فترة قصيرة من انتخاب الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، هاجر من البلاد مع عائلته الى باريس عام 2005، وأطلق على هجرته هذه "العزلة الإجبارية" أو "المنفى". وقال في كثير من تصريحاته إنه كان مستهدفاً من قبل الأجهزة الأمنية الإيرانية، خصوصاً بعد الانتخابات الأخيرة لدرجة أن الوضع لم يعُد محتملاً، مشيراً إلى أنه كان مجبراً وعائلته على الهجرة أو السجن، وحتى بعد المغادرة إلى باريس كشف عن أن السلطات حاولت قتله أكثر من مرة هو والمقربين منه عن طريق إرسال إرهابيين للتنفيذ.

إهانة القيم

أما المخرج كيوان كريمي، فحُكم عليه بالسجن ست سنوات مع جلده 223 جلدة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015، بتهمة "إهانة القيم المقدسة والدعاية ضد النظام" في فيلمه الوثائقي "الكتابة على المدينة" الذي تناول الكتابة السياسية على الجدران في طهران خلال الثورة الإسلامية عام 1979، وفي أعقاب الانتخابات الرئاسية عام 2009.

أثار الحكم موجة عارمة من الغضب امتدت إلى إيران وخارجها في الأوساط السينمائية والحقوقية حول العالم، وطالب سينمائيون مشاركون في الدورة الـ69 من مهرجان "كان" السينمائي السلطات الإيرانية بإلغائه. وتم توقيع بيان شاركت فيه قرابة 40 من الهيئات السينمائية الدولية للتنديد بالحكم، ووصف البيان ما يحدث بأنه جريمة في حق مخرج كل مشكلته أنه مارس مهنة السينما، وأظهر وجهاً للمجتمع الإيراني غير الوجه المقدم رسمياً.

وعقب ثورة الاحتجاجات التي أعقبت إعلان الحكم على كريمي خُفضت عقوبته في محكمة الاستئناف لتصبح الحبس لمدة سنة واحدة، وغرامة بقيمة 20 مليون ريال تقريباً، وبعد قضاء المدة والإفراج عنه سافر إلى أوروبا ليواصل العمل وإخراج أعمال فنية بعيداً من العنف الفكري والسلطوي الذي تعرض له في بلده.

ولد كيوان كريمي عام 1985، وبرع في تقديم أعمال سينمائية وثائقية طرحت كثيراً من القضايا المهمة، وعرضت أفلامه في محافل عالمية ولقيت استقبالاً مميزاً في مهرجانات دولية عدة.

 

الـ The Independent  في

31.05.2024

 
 
 
 
 

"أنورا": لا جديد سينمائياً رغم أهمية الحكاية

كان/ محمد هاشم عبد السلام

لم يكن "أنورا"، للأميركي شون بيكر، الفائز بـ"السعفة الذهبيةللدورة الـ77 (14 ـ 25 مايو/أيار 2024) لمهرجان "كانّ"، من الأفلام الأولى في ترشيحات أفلام تتصدّر الفوز بها. لذا، يمكن القول إنّ بيكر انتزعها انتزاعاً. لم تذهب الجائزة إليه تحديداً، بقدر منحها لعوالمه، وتناوله الجريء مواضيعه وطبيعة أفلامه. فـ"أنورا" يعود إلى العوالم المعهودة لمخرجه، وفيها اهتمام بشخصيات في الحضيض، خاصة النساء، لا يلتفت إليها أحدٌ إلا عند الحاجة إليها.

لم يخشَ بيكر تكرار ارتياده عوالم عاملين وعاملات في التجارة الجنسية، وكشف القاع المُظلم للمجتمع الأميركي إزاء هذه المهنة، بعد مقاربة شديدة المرارة والقسوة في فيلمه الأقوى "مشروع فلوريدا" (2017). والعودة إلى العوالم نفسها، مع توسّع وخلطة مُغايرة، قبل عامين، مُقدّماً في "الصاروخ الأحمر" (2021) شخصية بطل أفلام جنسية مشهور ومعتزل، في التفاتة غير مسبوقة كثيراً إلى منسيين ومجهولين ومنبوذين في هذه التجارة، التي لا ترحم أهلها. ورغم التناول الحيوي للمواضيع والأحداث، والجو الإنساني، والحس الكوميدي، يتركنا بيكر دائماً مع كآبةٍ تلفّنا، بعد معاينة هؤلاء الأشخاص وأحوالهم ومعيشتهم، خاصة أنّه يصعب نسيانهم.

لا تختلف أنورا كثيراً عن موني وهيلي، بطلتي "مشروع فلوريدا"، أو ميكي، بطل البورنو المعتزل في "الصاروخ الأحمر". إنّها من الطينة نفسها، تجمعها بالآخرين مشتركات عدّة، وإنْ اختلفت الأسماء والأشكال والأعمار والظروف المحيطة والملابسات والفواجع.

أنورا (ميكي ماديسون) شابة شبه جميلة وعادية. هذا مكمن جاذبيتها وإشعاعها وإغوائها. تُحبّ أنْ تُدعى آني، نظراً إلى كراهيتها اسمها، الذي يُذكِّرُها بأصولها الأوزباكية. إنّها فتاة بسيطة للغاية، من بروكلين، تبلغ 23 عاماً. تذكر أنّ لها عائلة مُقيمة في ولاية بعيدة، لا تعرف عنها الكثير. تتشارك مع صديقة شقّة مُستأجرة. رغم تمرّسها في التعرّي والمُرافقة والدعارة (لا يُعرف الكثير عن خلفيتها المهنية، ومتى بدأت، وملابسات البداية)، يلفت ذكاؤها الانتباه. شخصيتها القوية والمُميّزة واضحة بين أقرانها. هذا يثير تساؤلات، فمع تطور الأحداث، تظهر كفتاة لها طموح رومانسي ساذج كبير، برغباتها وأحلامها وأوهامها، وبهذا لا تختلف عن أي فتاة أخرى عادية، بلا تجربة.

آني وحدها تتحدّث بعض اللغة الروسية، التي تعلّمتها في منزل جدّتها. لهذا، يطلب منها صاحب الملهى الليلي، الذي تعمل فيه، الجلوس مع شباب روس يُريدون تمضية وقت ممتع. تلتقي شاباً أهوج متهوّراً، وغير مسؤول وجبان: إيفان، أو فانيا زخاروف (مارك أيدلشتاين)، الذي يبدو شديد الاختلاف عن الزبائن الآخرين، ومعظمهم له عمر يكفي ليكون والدها، بينما ينضح فانيا حيوية وفحولة، ويتّسم ببراءة ولطف وكرم. يندمج الشابان معاً في تلك الليلة، ثم يزداد التقارب أكثر، خاصة عندما يدعوها إلى حفلة مغلقة في بيته. ثم يطلب منها مرافقته حصرياً، والبقاء معه أسبوعاً مُقابل مبلغ كبير. تدريجياً، تكتشف آني الثراء الفاحش لهذا المُراهق الروسي المُدلّل وشبه المجنون، سليل أسرة لا تعرف مقدار ثروتها، فينقلب العالم الهادئ شبه المُستقر المقتنعة به، رغم كلّ العقبات والمُنغصات.

في لحظةٍ من لحظات جنونه وطيشه، ومن دون إدراك العواقب، يصطحبها مع أصدقاء في الطائرة الخاصة لأسرته، للهو في أندية قمار لاس فيغاس، وليتزوّجها رسمياً فيحصل على جواز سفر أميركي، ولا يعود إلى روسيا للعمل مع والده، والفرار من سيطرة والدته المُتحكمة العصبية. يُعقد قرانهما ويبدأ اندماجهما معاً، رغم اختلاف العقلية والاهتمامات والسلوك. يُنشر الخبر، فتجنّ الأسرة.

تبدأ الإثارة مع تدخّل توروس (كارين كاراجوليان)، الأب الروحي لإيفان، والخادم المُطيع للأسرة، وراعي مصالحها في أميركا. رغبته الوحيدة المُعلنة إلغاء الزواج، مهما كانت التكلفة، وإعادة "المعتوه" إلى أسرته، فيُرسل الثنائي جارنيك (فاش توفميسان) وإيغور (يورا بوريسوف) لإنجاز مهمة، تصبح عبثية خرقاء للسيد كما في رائعة فرانز كافكا "المُحاكمة"، بصورة سينمائية معاصرة.

هنا، يصنع شون بيكر الطاقة العفوية نفسها المعهودة في أفلامه، ما يجعل بقية "أنورا" سريعة وغير متوقّعة، تعجّ بمفارقات ومواقف ساخرة وضحك شديد، واستظراف زائد عن حدّه أحياناً، مع مبالغة قليلة، وذلك أثناء ملاحقة فانيا الهارب والمذعور عند انكشاف أمره، وبعد أنْ عَلِمَ من توروس أنّ والديه قادمان إلى أميركا. فجأة، يُحكم الخناق على آني، الواقعة في قبضتهم القاسية، وحيدة من دون سند أو قدرة على الفرار، حتى العثور على الوغد عديم المسؤولية، وتطليقها منه عنوة، من دون الاستماع إلى "مهاتراتها" عن أنّ الزواج حقيقي، وليس مُراهقة أو طيشاً أو نزوة، وأنّها راغبة فعلياً في تكوين أسرة معه.

رغم كلّ ما يتعلّق بالحبكة البسيطة، المعتادة وواضحة الخيوط والشخصيات والأحداث المتوقّعة، لا يوجد صراعٌ بين خير وشرّ، أو نزاع بين طرفين، يرغب أحدهما في أنْ يؤذي الآخر. هناك فقط سوء فهم وتصرّف، ومحاولة قاسية لتصحيح أوضاع تعقّدت. صحيحٌ أنّ هناك تعاطفاً مع آني، ومع رغبتها الصادقة الحالمة، والتمسّك بأمل خيالي في أنْ يكون الزواج حقيقياً، وإيمانها بحبّ حقيقي، وإنْ بدا أنّ إيفان لا يستحقه. لكنْ، لا يمكن تجاهل وإنكار انزعاج أفراد عائلته وأصدقائه، وقلقهم إزاء ما فعله. كما أنّ النظرة المحايدة تُقرّ بحتمية الفشل. لذا، يكون إصرار الأقوى أمضى بكثير، من دون اكتراث بشيء، ما يؤدّي إلى نهاية درامية محزنة ومؤلمة.

رغم تمرّسها بالحياة، ومعرفتها الأكيدة قوانين مهنتها، وضرورة عدم تجاوزها وانتهاكها، ورغم معرفتها بالرجال وعوالمهم، كانت آني عمياء كلّياً بخصوص اقترابها من فانيا، واستكشافها طبيعته، رغم وضوح شخصيته، فكان احتراقها سريعاً بسبب تصرّفها الحالم. لا علاقة للأمر بشراهتها للمال، أو بنزوة رومانسية، أو بافتتان بحياةِ جاهٍ لم تحلم بعيشها، أو باستغلال مادي. مع أنّها تحبّ المال وتسعى إلى تلك الحياة، فإنّ دافعَها الزواجُ وتكوين أسرة حقيقية.

نظرة إلى "أنورا" بمعزل عن أيّ شيء، تكشف أنّه بسيط، بل سطحي، وأنّه مشوّق ومضحك ومثير ومسَلّ. فيه عمق قليل يتعلّق بالشخصيات، وجِدّة في المواقف. لكنْ، بعيداً عن عوالم شون بيكر وسياقات أفلامه، والفنّيات والجماليات والابتكارات السينمائية فيها، وبعض هذا ظاهرٌ في "أنورا"؛ وبعيداً عن فوزه بسعفة "كانّ"، يصعب جداً القول إنّ فيه جديداً أو مفارقة سينمائية. مع أنّ الديكور والتصوير يستحقّان تأملاً كثيراً.

أمّا النظرة إليه في سياق إصرار بيكر على رصد عالم مجهول وغير مستكشف كثيراً، وصدقه في التأكيد على أنّ العمل بالجنس عملٌ حقيقي، رغم عدم اعتراف المجتمع به، وكيف أنّه باقترابه المُتعمَّد من عوالم هؤلاء البشر، يحاول تقريبنا منهم إنسانياً، فنحبّهم ربما، أو أقلّه نفهمهم، ونتعاطف معهم؛ يظلّ الفيلم في سياق الأعمال الأخرى لبيكر، أقلّ قليلاً من أفلام سابقة، ولا يصمد كثيراً أمام "مشروع فلوريدا".

 

العربي الجديد اللندنية في

31.05.2024

 
 
 
 
 

مهدي فليفل مخرج «إلى أرض مجهولة»: اللجوء قصة عايشتها طوال حياتي

احمد العياد

منذ التجربة الروائية الأولى للمخرج الفلسطيني مهدي فليفل «عالم ليس لنا»، الذي عرض لأول مرة في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي 2012، ثم مهرجان برلين. رسم فليفل لنفسه مسارًا مليئًا بالجوائز، وأبرزها حصوله عام 2016 على الدب الذهبي من برليناله عن فيلمه القصير «عودة رجل»، وهي واحدة من أكثر من 30 جائزة سينمائية مرموقة، حصدها في مسيرة فنية لم تتجاوز 15 عامًا.

تجارب «فليفل» الفنية، دائمًا ما تحمل رسائل إنسانية على رأسها قضية اللاجئين خاصة العرب، منهم، وأبناء موطنه فلسطين على وجه التحديد، وهو ما يظهر جليًا في فيلمه الأخير «إلى أرض مجهولة» To a land unknown، الذي شارك ضمن مسابقة «نصف شهر المخرجين» بالدورة الـ 77 من مهرجان كان السينمائي الدولي.

اللاجئين في كل مكان!

تدور أحداث الفيلم حول ابني العم «شاتيلا» و«رضا» العالقين في اليونان، والباحثين عن فرصة للوصول إلى أوروبا.

عن اهتمامه بتقديم أعمال عن اللاجئين، وتكرارها بأشكال مختلفة في أعماله، صرح «فليفل» على هامش عرض عمله في كانّ أنه هو نفسه لاجئ، فهو يروي قصة عاشها بنفسه تحيط به طوال حياته، مؤكدًا أن اللاجئين من كل مكان حولنا، وحلم الوصول إلى أوروبا، هو حلم مشترك بين الكثيرين.

 وفي حواره مع «فاصلة»، وصف مهدي فليفل، نفسه بأنه «استوى» اللفظ العربي الدارج للكناية عن اكتسابه الخبرة الكافية لتقديم عملٍ ما. موضحًا أن الفيلم كان من المقرر تصويره قبل 10 سنوات لكنه تأجل أكثر من مرة، إلا ان ذلك لم يفقده حماسه أو يغضبه لقناعته الخاصة بأن كل شيء يحدث في وقته المناسب، وهو الآن صار مستعدًا أكثر لتقديمه برؤية أنضج.

الإثارة مطلوبة في الأفلام

وكشف مهدي فليفل لـ “فاصلة” أنه يهتم كثيرًا بإضفاء الإثارة على قصصه السينمائية، حتى وإن كان الفيلم يستهدف العرض في المهرجانات وليس لديه فرص كبيرة في العرض الجماهيري، لأن الإثارة مطلوبة في الأحداث كي لا يمل المشاهد.

 يشرح: «الفيلم السينمائي يتم تقديمه في فترة من 80 لـ 100 دقيقة تقريبًا، وأنا بالطبع كمخرج لا أريد تضييع مجهود العاملين فيه بعد عرضه، بشعور المشاهدين بالملل! أو أنهم يشعرون بأنك تروي لهم شيء فاضي، فالسينما في الأساس وسيلة تسلية، يجب أن يندمج الجمهور مع قصتك، ويشعرون بالمتعة أثناء العرض».

 وأشار إلى أنه على المستوى الشخصي، يحب السينما، لذا فهو حريص على قصة وشخصيات «تعيش مع المشاهد» على حد تعبيره، فلا ينساها بمجرد الانتهاء من مشاهدة الفيلم، متابعًا: «مثلًا في «إلى أرض مجهولة»، أتمنى أن يبقى أثر شاتيلا ورضا في نفوس المشاهدين، كحال شخصيات أخرى أحبها في أعمالي السابقة، هذا هو أملي على الأقل».

البساطة كنز

عادة، ما تُثير قصص قضايا اللاجئين المطروحة في السينما حساسية لدى البعض، ووجه بعضها بانتقادات حادة كما حدث مع فيلم المخرج زياد دويري “قضية رقم 23″، بطولة عادل كرم وكامل الباشا، ولاقت أفلام أخرى المصير نفسه، لكن ذلك لم يحدث مع فيلم «فليفل»، حيث ناقش قضية اللاجئين ببساطة وحيادية دون طرح ما يُغضب أي طرف.

وعن كيف نجح في أن يجعل تناوله لهذه القضية الحساسة يمر بسلام، قال «فليفل» إن «البساطة كنز» أو كما قالها بالإنجليزية «Less is more»، وأوضح أنه لا يحب أبدًا استفزاز أي فصيل من الجمهور، متابعًا: «أحب أن أكون صريح في طرح الواقع الذي شاهدته وعايشته، فلماذا أهرب منه؟ أفضل طرح الحقيقة دون زيادة أو نقصان، والحكم للجمهور، فأنا أدع له الفرصة ليفكر ويتذكر ويقرر هو».

قضية اللاجئين إنسانية وليست قومية

وعن استقبال الجمهور للفيلم بمظاهرة حب واحتفائه به في العرض الأول في كانّ خاصة مع تزامن عرضه مع تصاعد الأحداث في غزة، قال المخرج: «الفيلم حقيقي وفيه ألم، وليس من الضروري أن تكون شرقي أو عربي لتشعر به، يكفي أن تكون إنسانًا لتتأثر به، لذا الجمهور شعر به وتفاعل معه».

 وعن تزامن عرض الفيلم مع ما يحدث في قطاع غزة بفلسطين، وإذا ما كان قرار عرضه مقصود أن يكون مع زيادة أزمة اللاجئين الفلسطينيين، خاصة المتواجدين منهم في لبنان، قال مهدي فليفل: «بدأت صنع الفيلم منذ 10 سنوات تقريبًا، ولم أكن أعلم أننا سنعرضه هذا العام، ولا أعلم هل لو كنا عرضناه العام الماضي أو العام السابق له هل كان سيجد هذا الاحتفاء أم لا، لكن ما أنا متأكد منه أن القضية الفلسطينية مهمة منذ يومها الأول، لكن الوضع اختلف الآن مع تفاعل الناس معها».

دعم «البحر الأحمر» كان فارقاً 

وفي ختام حديثه مع «فاصلة»، تطرق «فليفل» إلى دعم صندوق البحر الأحمر للفيلم، وأشار إلى أن المهرجان كان أول من دعم الفيلم، وكان سببًا في خروجه للنور، لذا يتمنى أن يشارك به في مهرجان البحر الأحمر لعام 2024.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

01.06.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004