ملفات خاصة

 
 
 

مَن يريد تحويل مهرجان كانّ إلى نسخة فرنسية عن برلين؟

السياسة في كلّ مكان وحضورها الأعمق داخل الأفلام

هوفيك حبشيان

كان السينمائي الدولي

السابع والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

غداة اختتام "كانّ 77"، كتب المخرج الإسرائيلي #إيال سيفان يقول: "جائزة الإخراج في إنكار الواقع تذهب إلى مهرجان كانّ السينمائي"، قبل ان يوضح ما يعنيه في تعليق آخر: "انه البزنس كالعادة. العالم في أحسن حال، اذاً الحفل مستمر في كانّ". في الحقيقة، ما يصرّح به هذا السينمائي المعروف بقربه من العرب ومناصرته للقضية الفلسطينية، لا يُمكن عزله عن مجمل ما قيل خلال انعقاد الدورة المنتهية من كانّ (14 - 25 أيار)، ولم يكن التوقيت مناسباً بالنسبة الى البعض لخوض هذا النقاش، بسبب الارتباط بمشاهدة الأفلام وما يدور حولها. في أحد العروض، صدف ان جلستُ قرب موظفة في مهرجان برلين، فبدت مستغربة ان التحركات السياسية في كانّ قليلة ومحدودة والمبادرات خجولة، نظراً الى ما يحدث وقياسياً بالمؤسسة التي تنتمي اليها.

طوال الأيام اللاحقة، سمعنا العديد من الأصوات التي تحاول "توريط" المهرجان في الاصطفافات السياسية، على ضوء العدوان الإسرائيلي على غزة، وتطالبه باتخاذ موقف صريح وواضح ممّا يجري، والنظر إلى الأشياء من "المسافة صفر"، لعله يتحول إلى نسخة فرنسية لبرلين، ذلك المهرجان الذي يفتخر أصحابه بأنه "سياسي بامتياز". يأخذ هؤلاء على كانّ أنه مهرجان "بلا قضية"، يبتعد عن الجدال عندما لا يناسبه (كان مديره تييري فريمو قد صرّح في بداية الدورة بأنها ستكون خالية من أي جدال)، مشغول بالمال والأعمال والمظاهر، وينأى بنفسه عمّا يجري في العالم.

مشكلة هؤلاء انهم شهود زور، يتحدّثون من بعيد، من دون مشاهدة الأفلام التي تزخر بالسياسة والقضايا الاجتماعية والهجاء وتسجيل المواقف والاحتجاجات، بل بالثورات الفكرية (كما في "ميغالوبوليس" لكوبولا). بعضهم ليس لديه أدنى فكرة عن مضامين هذه الأفلام، لعدم اكتراثه بها (واحتقار بعض المثقّفين للسينما قضية أخرى…). عيونهم لا ترى إلا السجّادة الحمراء، التي تصبح مركز الكون طوال 12 يوماً، وينتظرون منها ان تصنع المعجزات. مطالب هؤلاء: كلام مباشر، شعارات ولافتات من النوع الذي مللنا منه. يتحدّث هؤلاء عن مهرجان غير موجود إلا في مخيلتهم. أي مهرجان سينمائي، هو أولاً وأخيراً أفلام، كلّ ما عدا ذلك يأتي في المراتب الثانية والثالثة والرابعة… صحيح ان فاسبيندر كان يقول "أصنع الأفلام لأنه ليس لديّ قنابل"، لكن الصحيح أيضاً ان المهرجانات لا تملك الجيوش كما ان الفنّانين لا يملكون صواريخ. اذهبوا عند أصحاب القرار من أقطاب السياسة الذين أغرقوا العالم في الفوضى والخراب.

الرفض والاحتجاج وجذب انتباه العالم إلى قضية عادلة من أعمدة الحياة الديموقراطية، لكن ما يصح من شعارات في تظاهرة عمّالية، لا يصح بالضرورة في مجال الفنون، حيث الأفكار تمر عبر الوسيط الذي اختاره الفنّان، وعبر الأفلام في حال مهرجان سينمائي. ما نفع إنجاز فيلم وعرضه اذا كان ما يود قوله لن يصل الا عبر الافصاح عنه من خارج ذلك العمل. الشاشة هي الفضاء السياسي الوحيد هنا، وهي، إذا عرف الفنّان استخدامها فنياً، ستردد صدى ما تعرضه إلى أبعد بكثير من شخص يحمل لافتة على السجّادة الحمراء أو جهة تصدر بياناً.

الجدال في ظلّ ما يدور في الشرق الأوسط، حاضر منذ الأزل، ولا يحمل أي جديد سوى انه يجري في حضور وسائط التواصل. هذه اعادة صياغة لما كان قائماً: الصراع بين من يعتقد ان المواقف السياسية تحتاج إلى لافتات وحناجر غاضبة ووقفات احتجاجية وارتداء أعلام (كلّ هذه الأشياء ضرورية بلا شك لتطوير حياة البشر ومعاداة الأنظمة الخ)، وبين من يؤمن بأن كلّ شيء سياسة، من مرحلة اختيار الأفلام إلى لحظة العرض وما بعدهما. السياسة متغلغلة في كلّ حياتنا اليومية، والأفلام في كانّ أو في غيره من المنابر، كلها سياسة بمعناها العريض. لكن لن يعي ذلك إلا من يشاهدها، ويفكك دلالاتها، ويحاول ربطها بالمجتمع والسلطة، ذاهباً إلى أبعد من الظاهر. وهذا يوجب جهداً ومعاينة، بعيداً من الشعبوية والمتجارة بالكلام والنضال الحنجري والفساتين المرصّعة بألوان العلم الفلسطيني.

كلام البعض ذكّرني بجملة قالها جان لوك غودار خلال دورة عام 68 من كانّ، عندما طالب بالغائها تماماً، متوجّهاً إلى رفاقه: "نحن نتحدّث عن تضامن مع الطلاب والعمّال، وأنتم تحدّثونني عن ترافيلينغ ولقطة قريبة". ولم يكن الوحيد بهذه العقلية في ذلك الوقت. اليوم، العديد من العرب وغير العرب لا يزالون عند هذا الخطاب الستيناتي، ولو كانوا يملكون القرار لإلغاء أي حدث ثقافي بحجة التضامن، دونما التفكير أبعد من ذلك الموقف، لألغوه، مثلما ألغوا العديد من المهرجانات العام الماضي، بعد 7 تشرين الأول.

غودار عاد وقال فكرة مهمّة، يمكن تلخيصها على هذا النحو: "ينبغي إنجاز أفلام مسيّسة لا أفلام سياسية". عبارة تدعو إلى التأمل.

رغم ما قيل ان المهرجان (الذي تأسس أصلاً رداً على الأنظمة الشمولية الصاعدة في أوروبا) يختبئ خلف اصبعه، فإن مدينة كانّ شهدت العديد من مظاهر دعم غزة والمطالبة بوقف إطلاق النار (حتى توزيع الجوائز لم يخلُ منها). كلها أخذت أشكالاً تقليدية، لا تأثير لها الا لحظويا، تجعل صاحب المبادرة يشعر بالارتياح تجاه ضميره. باستثناء ما فعلته #كايت بلانشيت عندما قررت ارتداء فستان من ثلاثة ألوان يصبح اذا ما وطئت السجّادة الحمراء ألوان فلسطين التي سبق لهذه الممثّلة الأوسترالية ان أعربت عن دعمها لها. في حين سيُنسى كلّ ما قيل عن فلسطين على المنابر، فإن تلك اللحظة ستبقى في ذاكرة الناس البصرية. حتى الدعم والتضامن يحتاجان إلى خيال في مجتمعات تقدّس الفرجة. أما سينمائياً، فقطفها المخرج الفلسطيني مهدي فليفل بـ"إلى عالم مجهول"، الذي عُرض في إطار "اسبوعا صنّاع الأفلام"، واحتُفي به نقدياً ليس لأنه فلسطيني بل لأنه فيلم جيد.

السياسة في كلّ مكان في كانّ. لكن تجلياتها الأعمق في داخل الأفلام. لا فيلم سياسيا أكثر من "أنورا" المتوَّج بـ"السعفة"، الذي ينتصر للضعفاء والمتروكين في أميركا عند لحظة مواجهتهم جبروت المال والسلطة. ولا يوجد ما هو أكثر سياسة من "بذرة التين المقدّس" الذي يأتي أشبه بصفعة على وجه الملالي، أو "جولة كبرى" الذي يفتح ملّف الاستعمار وإن على طريقته. وما "ليمونوف" سوى سياسة تحضر على شكل بورتريه للنصف الثاني من القرن العشرين. حتى الفيلم الهندي، "كلّ ما نتخيلّه كضوء"، الذي فاز بالجائزة الكبرى، سياسة بسياسة، وإن تناول في الظاهر حكاية ثلاث نساء وعلاقتهن بعزلتهن داخل ضوضاء مومباي.

من خلال الزجّ بكانّ في شعار "لا جدال"، كأنما أعلن المهرجان السعي الى ذلك الجدال، من تحت لتحت، مع حرصه (المفهوم) على ألا يقضم أي نوع من أنواع الجدال التركيز على الجوهر (الأفلام)، كما حصل في برلين الماضي وكانت نتائجه كارثية. فالجدال هو رئة المهرجان ولا يتنفّس من دونه.

 

النهار اللبنانية في

30.05.2024

 
 
 
 
 

فيلم «إلى أرض مجهولة» لمهدي فليفل… ليمبو أثينا

سليم البيك

كأنّ شيئاً لم يتغير في حال اللاجئين الفلسطينيين، في نصف قرن. رأينا في «المخدوعون» (1972) لتوفيق صالح، المأخوذ عن رواية «رجال في الشمس» لغسان كنفاني، ثلاثة فلسطينيين يمضون الفيلم في محاولة الوصول إلى الخلاص، بالخروج من المخيم قاصدين الكويت، عالقين في منتصف الطريق. بعد أكثر من خمسين عاماً، عادت القصة في أساسها، بفيلم مهدي فليفل، المشارك أخيراً في تظاهرة «أسبوعا السينمائيِّين» في مهرجان كان السينمائي الشهر الماضي، لتصوّر هذه المرة شابَّين كانا، كما في «المخدوعون» في منتصف رحلة الخروج/اللجوء، من مخيمات لبنان إلى ألمانيا.

كأنّ الخروج من المخيم فولكلور فلسطيني، وإن غاب بتهميش المخيمات وأهلها، وتحديداً تلك التي هي خارج الوطن، في عموم السينما الفلسطينية. ليكون الجانب الأبرز في الفيلم، «إلى أرض مجهولة» هو تناوله في موضوع وشخصيات رئيسية، المخيمات خارج البلاد، وهموم أهلها، في سوريا ولبنان تحديداً، وقد حادت السينما الفلسطينية عنهم كما حادت، بنسبة أخف، عن قطاع غزة.

بذلك، وبمعزل عن مقاربته الدرامية، سيكون الفيلم حالة فريدة تستحق الالتفات لها أولاً، والانفتاح عليها ثانياً، كمحاولة توسيع لأفق السينما الفلسطينية المنغلقة على رام الله وحيفا وما بينهما. بهذا الفيلم توسّعت التجربة السينمائية الفلسطينية، لتكون أقرب إلى الهوية الوطنية الفلسطينية، باستيعاب شقّها المنفي في المخيمات، ومن المخيمات إلى الشتات، بل بحضور ثانوي لغزة فيها.

قبل فيلمه هذا، تمرّن فليفل بأفلام قصيرة سابقة. تطابق الفيلم بموضوعه معها، ما وفّر له أخيراً نضجاً تدرَّج من خلال أعمال أخرى، وموثوقيةً أظهرتها الحوارات، وكان التصوير داعماً واضحاً لها. لكن تعلُّق الفيلم الروائي الطويل الأول لمُخرجه، بتلك القصيرة، أنقص من الفيلم كما أضاف له. أضاف مصداقية ومعرفة في الموضوع، وأنقص في الابتكار والتجديد، إذ لم يبنِ الفيلمُ جديداً عليها. بعض المَشاهد منه كانت إعادة تصوير لتلك القصيرة. فأتى الفيلم بمَشاهد متكرّرة، بقصٍّ ولصقٍ وملءِ فراغات في الفيلم كشف عنها تقدُّم قصّته البطيء والضائع نوعاً ما.

يحكي الفيلم عن شقيقين، شاتيلا ورضا، وصَلا من مخيمات لبنان إلى أثينا، يسعيان إلى إكمال رحلة اللجوء إلى ألمانيا. يتتبّع الفيلمُ محاولاتهما تدبير المال اللازم من أجل جوازات سفر مزورة. يلتقيان طفلا من غزة، لوحده هناك، يحاول الوصول إلى إيطاليا. يتعرّف شاتيلا إلى امرأة يونانية، فيحاول تدبير خروج الطفل معها بالسفر جواً، على أنها والدته. ليكمل من بعدها مع ابن عمه محاولة تدبير المال، وإن كان ذلك بخطف سوريين وضربهم، والنصب عليهم. ينتهي الفيلم بمشهد شاعري، هو أجمل ما فيه، فبين مشهد استهلالي وضع المُشاهد فوراً أمام قصة افتُرض لها أن تكون متسارعة، وختامي أُحسن صنعه، امتدّ الفيلم، بل تمطّى، في محاولات الشابين للخروج من مأزقهما.

تتكوّن الحبكة بعلاقة مباشرة مع المرأة التي تظهر باكراً في الفيلم، لتكون جزءاً أساسياً من الحاصل أمامنا، إلى أن تختفي فجأة، تنقطع أخبارها ثم لا نعرف شيئاً عنها، كأنّ فيلماً آخر اتخذَ مكانه من بعدها. هو خلل درامي جوهري اختفاءُ شخصية كانت أساسية، من دون تبرير أو استكمال لما بعد الاختفاء، ومن دون العودة إليه أو البناء عليه، كأن حضور اليونانية في القصة كان خطأً تمَّ استدراكه لاحقاً من دون تصحيح السابق أو توضيحه، أو أن رغبةً ملحة كانت في التخلص منها فانقطعت أخبارها من دون تبرير يترك للقصة مجالاً للتقدّم متحرراً منها، أو اضطراراً إنتاجياً أُدخل على السيناريو.

الفيلم في عمومه يدور حول شخصيتين تدوران بدورهما حول بعضهما في استطالة لا انعطافات بارزة فيها، وطبيعة الفيلم كما تظهر مع نصفه الثاني، التشويق مع خطف ثلاثة سوريين وحبسهم في شقة المرأة، مهما كان هذا التشويق بحدوده الدنيا، تستلزم، طبيعةُ الفيلم، لا إطالة في تكرار المحاولات، لتدبير المال، بل ضرورة ملء زمن الفيلم بالأحداث القصيرة التفصيلية المتراكمة والمتصاعدة، في خدمة قمة سيصلها التشويق، ما يعطي للفيلم، ومصداقيته الاجتماعية، بعداً تشويقياً متآلفاً مع ذلك الاجتماعي ونابعاً منها. هذه الأحداث تكون في سرقة الحذاء لبيعه، وتكون في الممارسات السرّية في الحديقة.

الحدثان التفصيليان ضروريان في الفيلم، وإن نُسخا من أفلام قصيرة سابقة لفليفل، وجودهما في الفيلم كان ضرورياً كعناصر تراكُم، لكنها احتاجت لغيرها كي لا يكون الفيلم خاوياً، وكي لا يحوم حول التنقلات السريعة لشاتيلا تدبيراً للمال، كأنّ الفيلم به وبتنقلاته هذه، يبحث عن أحداث أو انتقالات درامية تحول دون التمطّي والإطالة.
يبقى «إلى أرض مجهولة» رغم تفرّعاته المبتورة، أفضل من معظم ما أخرجته السينما الفلسطينية في السنوات الأخيرة. فبمعزل عن القصة التي تغلِّف الشخصيتين، كان شاتيلا وابن عمه حقيقيّان، تصويراً وكلاماً، تمكّن فليفل من تلك العوالم، من أساسها في مخيم عين الحلوة إلى خلاصها المأمول في أوروبا، مروراً بحالة الليمبو في أثينا، الجحيم الأقرب لدهليز لا يفعل محبوسوه سوى البحث عن مخارج منه، مفقودة فيه.

مصداقية الفيلم أولاً، وموضوعه الذي سيساهم في سدّ نقص فادح في هذه السينما ثانياً، سيجعلانه متميزاً في مسيرة هذه السينما التي تناسخت فيها المواضيع وتطابقت الشخصيات. كأنّه قدّم متنفَّساً إلى هذه السينما المختنقة في فقّاعتها.

كاتب فلسطيني سوري

 

القدس العربي اللندنية في

30.05.2024

 
 
 
 
 

مخرجا «رفعت عيني للسما» يتطلعان لعرض الفيلم بصعيد مصر

قالا لـ«الشرق الأوسط» إن تصوير العمل خلال 4 سنوات علمهما الصبر

القاهرةانتصار دردير

قال المخرجان الزوجان أيمن الأمير وندى رياض إن فيلم «رفعت عيني للسما»، الذي حاز جائزة «العين الذهبية» مناصفة مع الفيلم الفرنسي «إرنست كول» كأفضل فيلم تسجيلي بمهرجان كان خلال دورته الـ77، والذي تم تصويره على مدى 4 سنوات، كان بمثابة درس في الصبر لهما، وإن كلاً منهما كان يهوَن على الآخر مع طول فترة التصوير، مؤكدين في حوارهما مع «الشرق الأوسط» أنهما يتطلعان لعرضه بصعيد مصر، حيث جرى تصويره هناك. وأشارا إلى أنهما يشاركان معاً في إخراج الأفلام التسجيلية، لافتين إلى أن كلاً منهما يستعد لتصوير فيلم روائي طويل خاص به.

ويعد «رفعت عيني للسما» أول عمل مصري يشارك بمسابقة «أسبوع النقاد»، ويتتبع الفيلم خلال 4 سنوات مجموعة من بنات قرية «برشا» بصعيد مصر يقررن تأسيس فرقة مسرحية وتقديم عروضهن بشوارع القرية لتسليط الضوء على القضايا التي تؤرقهن مثل الزواج المبكر والعنف الأسري وتعليم الفتيات.

مساحة كبيرة من التفاهم تجمع بين أيمن وندى، حيث يكمل كل منهما حديث الآخر، فقد جمعهما حب السينما وفاجأتهما الجائزة، ولا تزال، حسبما يقول أيمن: «نحتاج وقتاً لاستيعاب الموقف، الفرحة كبيرة وردود الفعل لم نتوقعها بهذا القدر».

تكمل ندى: «وجدنا اهتماماً عالمياً وعربياً واتصالات عديدة من مصر منذ إعلان الخبر في المهرجان، وعبّر مواطنون عن سعادتهم بوجود فيلم يتناول بنات الصعيد».

ورغم الاستقبال الكبير للفيلم عند عرضه الأول بمهرجان «كان» فإن أيمن وندى لم يتخذاه مؤشراً للفوز، ويبادر أيمن: «العرض في (كان) جاء مؤثراً مع حضور بطلات الفيلم، حيث تفاعل الحضور مع الصراع الذي عاشته الفتيات، سواء في الفيلم أو عبر حياتهن الخاصة. كما كان لما تناولته الصحف العالمية والعربية تأثير فاق توقعاتنا، لكن هذا لم يجعلنا نتوقع الجائزة؛ لأن مسابقة الأفلام التسجيلية كانت تضم مخرجين كباراً كنت أشاهد أفلامهم وأنا طالب على غرار المخرج الأميركي الكبير أوليفر ستون».

تكمل ندى: «المثير أن البنات كن مقتنعات تماماً بأننا سنفوز بجائزة، وكنا نقول لهن لا تتوقعن ذلك حتى لا تتعرضن للإحباط، يكفي نجاح العرض وتجاوب الحضور من كل أنحاء العالم معه».

على مدى 4 سنوات تفرغ المخرجان لتصوير الفيلم، وهي فترة طويلة بالطبع، لكنها كانت أطول عليهما، الأمر الذي تؤكده ندى: «الأفلام التسجيلية تحتاج إيماناً كبيراً بها، وبعد عامين من التصوير قد ينتابك الشك في كل شيء، وهناك لحظات عديدة تمر بإحباطات، لذا كان من الضروري أن نكون اثنين ليشجع كل منا الآخر ويعيد إليه الثقة في المشروع»، من جانبه يرى أيمن أن «الفيلم كان بمثابة درس في تعلم الصبر».

يحمل الفيلم عنوانين أحدهما «رفعت عيني للسما»، وآخر باللغة الإنجليزية ترجمته «حافة الأحلام» وهو ما يبرره أيمن: «أردنا أن نعبر عن طبيعة الفيلم باللهجة العامية القريبة من تراثنا لأنه مرتبط بثقافتنا، فنحن حين نتمنى شيئاً من الله نرفع أعيننا للسماء، وكان من الصعب ترجمة هذا المعنى للأجانب فاخترنا عنواناً آخر باللغة الإنجليزية».

شارك في إنتاج الفيلم 5 دول هي مصر والسعودية وقطر وفرنسا والدنمارك، ويرى الأمير أن هذا الإنتاج المشترك ليس كثيراً على 4 سنوات من التصوير ونحو مائة يوم تصوير فعلي، قائلاً إن الميزانية تعد قليلة وليست كبيرة، وهناك من يعمل بميزانية قليلة، ورغم ذلك يتمكن من التعبير بشكل فني جيد، لافتاً إلى أن فريق عمله صغير لا يزيد على 7 أفراد يقومون بعمل كل شيء بالفيلم.

كيف يعمل الزوجان في فيلم واحد؟ هل يتقاسمان المهام، أم يتعاملان بشكل تلقائي؟ يؤكد أيمن: «طوال فترة الكتابة كنا نتناقش كثيراً حول الفيلم والشخصيات، لكن في موقع التصوير كنا نعمل بشكل تلقائي، أحياناً يوجد أحدنا بمفرده، ولكن الآخر يثق من أنه سيعمل كل جهده، وفي هذا الفيلم كانت لدينا شخصيات متعددة، ولو أخرجه أي منا بمفرده لن يكون أبداً بهذا الشكل الذي ظهر عليه».

وتضيف ندى: «بيننا ثقة طوال الوقت، أدرك لو أنني كنت أصور وجاء أيمن وقال لي إن هناك شيئاً يود ضبطه أكون متفهمة دون أن أسأله، فهو حتماً رأى شيئاً لم ألاحظه ويود المسارعة بالتقاطه».

يعمل أيمن الأمير إلى جانب الإخراج في تطوير مشاريع الأفلام ومستشاراً في كتابة السيناريو، بينما تعمل ندى ممثلة إلى جانب الإخراج.

وعن مدى توجيه بطلات الفيلم أمام الكاميرا تقول ندى: «هن منتميات للمسرح، ولديهن خلفياتهن كممثلات، وقد أقمنا لهن ورشاً تدريبية في الحركة والموسيقى والتمثيل، وهذا أعطانا فرصة لنعرفهن أكثر، وكانت هناك توجيهات في بعض المشاهد».

 

الشرق الأوسط في

30.05.2024

 
 
 
 
 

«شرق 12» لهالة القوصي…كلّنا في الحلم شرق

سعيد المزواري

يصعب إطلاق وصف “ديستوبيا” على قصة فيلم “شرق 12” لهالة القوصي، رغم أن كل عناصر الديستوبيا تنطبق عليه؛ الأحداث تدور في منطقة خارج المكان والزمن المتعارف عليهما، وهي “مستعمرة شرق 12” باعتبارها مجتمعًا خياليًا يصعب الإفلات من حدوده. يمارس القائم عليه “شوقي” (أحمد كمال) سلطة مطلقة على مواطنين مغلوبين على أمرهم، لا يملكون حرية القرار والتصرّف. ربما يرجع ذلك إلى أن واقع أغلب المجتمعات العربية يبدو في بعض مظاهره أقرب إلى كابوس، فيغدو المناقض لهذا الواقع هو الحلم.

الحلم في حدّ ذاته يمثل فعل مقاومة ضد كل سلطة استبدادية تسعى لترسيخ الكائن والمعتاد، ويتمثّل هذا الحلم هنا في شخصية الشاب عبده (عمر رزيق) وحبيبته نونّا (فايزة شامة) اللذان يتوقان لتتويج حبّهما بالرّحيل عن المستعمرة. يقاوم عبده صخب الشّمولي وعشوائيته عبر صناعة الموسيقى المتناغمة باستخدام أشياء وأغراض بسيطة، لكن قوتها تكمن في صدقها، على العكس من شوقي المتكلّف الذي ينتحل البطولة المطلقة لوصلات غناء مليئة بالوعود الكاذبة، يؤديها مع كورال راقص على خشبة مسرح يطلق عليه “فيزيون”، وتتخللها تمثيليات انتخابات صورية بين مرشّحين زائفين تتحوّل إلى مهازل. وفي ذلك كناية على دعاية إعلامية تغسل عقول المواطنين، لكن مظاهر الفقر البادية في كل الأرجاء تفضحها، خصوصًا حين يطفح الكيل بأحدهم فيصعد إلى سطح عمارة مهدّدًا بالانتحار احتجاجًا على سوء الأوضاع في مشاهد صيغت بعبثية قاتمة.  

تتجسّد ثنائية “الخوف ـ الحلم” في مونولوج تقديمي، على لسان جلالة (منحة البطراوي) القائمة بوظيفة الحكاءة، يستعيد السرد أجزاءً من ذلك المونولوج بتنويعات مختلفة في مرات متعدّدة داخل الفيلم، لكن كلماتها تكتسي مع توالي الأحداث وقعًا مغايرًا على المشاهد. نستمع إليها وهي تقول: “في ظهر الدنيا وبرّا الزمن: ناس خايفة. والخوف بهلوان جيعان وسجّان. والناس من كثر الخوف خيالهم هرب. وأنا بحكي للناس وبخفّف عنهم”. الجملة الأخيرة تدلّ على تعقيد شخصية جلالة، وعلاقتها الملتبسة مع شوقي. فما تعتبره جلالة “تخفيفًا” عن الناس حين تصف الخيال بكونه دواءً، يبدو في نظر عبده، الذي يثور في وجهها، إلهاءً لهم عن المطالبة بحقوقهم من رجال شوقي الذين يستعبدونهم لقاء قطع من سكر يشكل عملة رائجة، توضح بتفاوت توزيعها واستعمالها من طرف النّافذين مقارنة مع العامة، حجم الفارق الطبقي المهول.

من نقاط قوة “شرق 12” أن الاختيارات الراديكالية التي اتبعتها المخرجة وفريقها في صناعته تشكل – نوعًا ما- امتدادًا لسعي الشخصيات لمواجهة الشمولي والمطلق، بدءًا من فترة تطوير الفيلم وإعداد تمويله التي ناهزت 8 أعوام، رغم أن التصوير لم يدم سوى 22 يومًا، والإصرار على التصوير بشريط خام (16 مم) بالأبيض والأسود، ما منح الفيلم مسافة ضرورية مع الواقع تتفق وطابعه الاستعاري، فضلًا عن تباين وتدرّجات في الصورة يتعذّر إنتاجها على التصوير الرقمي، وهو ما استلزم بعث فريق من التقنيين عاد بعضهم من التقاعد، وإعادة فتح مختبر للتحميض. علاوة على إعادة تسجيل الشريط الصوتي بكل تفاصيله (الحوار، الأصوات، الغناء، الموسيقى، الأصوات المحيطة…) ليبدو مثل انعكاس بصري لحرص عبده في الفيلم على تسجيل أصوات وخلطها بغية اختراع شريط يفضح زيف النظام من خلال التزام الأصالة. ولعل اللقطة الثابتة الطويلة للرقصة البديعة التي تجمعه بنونّا على أنغام موسيقى عصرية تشكل بجمالها وطابعها الارتجالي والمتحرّر تمرّدًا بلغة الأجساد والنّظرات على القيود المفروضة على حبّهما.

ينتمي “شرق 12” لسينما أقرب إلى المناخات من السردية. وينعكس ذلك في طابعه التأمّلي للأجواء بمشاهد ثابتة وطويلة، ومقاربته الخلاقة للفضاء والديكور اعتمادًا على براعة عبد السلام موسى وراء الكاميرا، وخبرة المخرجة في تشييد عوالم وصور ساحرة تتجلى، على سبيل المثال، في مسكن جلالة الزاخر بالتفاصيل والأدوات، فيما تبدو القصة في الغالب كذريعة لاختبار أحاسيس القهر والأمل، الحبّ والكراهية، السعادة والغضب، وكل الثنائيات القصوى التي ينطوي عليها شرط العيش في مجتمع مكبّل. كما أن أداء الممثلين الذي يتسم بانفعالية قليلة؛ تجعلهم أقرب إلى موديل بروسون الباحث عن صفاء السينما من الممثل المتأثر بالكتابة والإعداد المسرحي.

يحيل فيلم القوصي الطويل الثاني (بعد “زهرة الصبار”- 2017) في بعض فصوله وسمات شخصياته إلى مراجع مهمة من سينما التمرّد على الاستبداد مثل “ألفافيل” Alphaville لجان لوك غودار حيث تُمنع الأحاسيس ويُحكم المخالفون بالانتحار، و”المصفوفة” The matrix للأختين وتشاوسكي، حين يبدو عبده بمعطفه الطويل ومختبره الصوتي، مثل مختار يتدرّب على إيقاظ المُدجّنين، بينما تذكّر جلالة بخطابها الحمّال لأوجه كثيرة ورؤيتها السرمدية بالعرّافة “أوراكل”. كما يندرج “شرق 12” ضمن أفلام مصرية مهمّة اتّخذت من الاستعارة وسيلة لفضح آليات الاستبداد مثل “شيء من الخوف” لحسين كمال الذي يتقاطع معه كذلك في اختيار الأبيض والأسود، و”البداية” لصلاح أبو سيف بديستوبيته ومقاربته الفضاء كسجن مفتوح على الهواء الطلق.

لا شك أن اختيار “شرق 12” في برنامج “نصف شهر صناع السينما” للدورة 77 لمهرجان كان، وهو القسم الذي يراهن على اقتراحات متفرّدة وحرية الكتابات السينمائية التي تترجم شاعرية الأسلوب، وجرأة معالجة الشكل أو الموضوع، لم يأت من فراغ. إذ امتلك الفيلم ذكاء صوغ شخصيات بأبعاد مركّبة، ليست شريرة تمامًا ولا طيبة كليًا، وفضاء مسكونًا بهواجس تنعكس ظلالًا تعبيرية فوق الرمال والدخان، كما أن مشهده النهائي يفتح على قراءة متفائلة توازن شيئًا ما طابعه القاتم. بيد أن رهانه الأكثر ربحًا يظلّ على طاقة الموسيقى المعدية، أكثر الفنون قربًا من السينما لاهتمام كليهما بالإيقاع أوّلًا وأخيرًا.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

30.05.2024

 
 
 
 
 

فلسطين في مهرجان كان..

أفلام مميزة وأعلام خفاقة تخطف أنظار العالم

حسام فهمي

يبدأ فيلم “إلى أرض مجهولة” (To a Land Unknown) للمخرج الفلسطيني “مهدي فليفل” باقتباس عن المفكر الفلسطيني “إدوارد سعيد”، يذكر الاقتباس أن قدر الفلسطيني أن يظل مهاجرا دائما.

لا يدور الفيلم رغم ذلك فقط عن حالة الهجرة والغربة للفلسطينيين، ولكنه يعمل أيضا كتحديقة طويلة فيما فعله العالم بهم.

يبدأ فيلم “إلى أرض مجهولة” (To a Land Unknown) للمخرج الفلسطيني مهدي فليفل باقتباس عن المفكر الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد، يقول فيه إن قدر الفلسطيني أن يظل مهاجرا دائما، ومع ذلك فإن الفيلم لا ينحصر في حالة الهجرة والغربة للفلسطينيين، بل يحدّق أيضا تحديقا طويلا فيما فعله العالم بهم.

لصوص الدراجات”.. أيقونة الواقعية السينمائية في إيطاليا

يؤرخ الفيلم لبداية موجات الواقعية في عصر السينما المتكلمة، من خلال السينما الواقعية الإيطالية، حينما ترك المخرج “فيتوريو دي سيكا” ورفاقه أستديوهات روما المهدمة بعد الحرب العالمية الثانية، واتجهوا إلى الشوارع لتصوير أفلامهم في مواقع حقيقية، مع ممثلين أغلبهم من الهواة، فأراد صناع الواقعية الإيطالية يومئذ صنع أفلام تتحدث عن حياة البسطاء بعد الحرب.

وفي واحد من علامات هذه الفترة أخرج “دي سيكا” فيلم “لصوص الدراجات” (Ladri di biciclette) عام 1948، وتدور قصته حول رجل إيطالي فقير، يتورط في سرقة دراجة من أجل طعامه وطعام ابنه.

وقد وضع المخرج “دي سيكا” المشاهدين في تلك اللحظة أمام سؤال أخلاقي معقد، إلى أي مدى ستتعاطف مع بطل لا يتحلى بصفات البطولة؟ وأين يقع اللوم في حادثة سرقة طرفاها من الضعفاء والمساكين؟

إلى أرض مجهولة”.. حين يعبث الضحية الجاني بتعاطفنا

في الفيلم الفلسطيني “إلى أرض مجهولة” (2024)، يعرض لنا المخرج مهدي فليفل حكاية الشابين الفلسطينيين شاتيلا ورضا مع الهجرة والغربة، ومحاولة البقاء على قيد الحياة، والبحث عن حياة أفضل لهم ولعائلتهم في أرض جديدة.

يعيش بطلا الفيلم الفلسطينيان مهاجرين غير شرعيين في العاصمة اليونانية أثينا، من غير عمل ولا أوراق ثبوتية، ويحلمان بالذهاب إلى ألمانيا.

سعيا خلف حلمهما، يلجأ الشابان إلى السرقة والتحايل، وحتى التفريط في أجسادهم، من أجل توفير قوت يومهم، أو توفير الأموال الكافية لتزوير أوراق هوية، وإيجاد طريقة لحياة أفضل في دولة أخرى.

نشعر نحن المشاهدين بالأسى على حال شاتيلا ورضا، لكننا أيضا نشعر بالأسى على ضحاياهم، فمن المذنب إذن؟

سرقة الحاضر والمستقبل.. صرخة خالية من المباشرة السياسية

كان فيلم المخرج “فيتوريو دي سيكا” في نهاية الأربعينيات دليلا على إجرام من قادوا أوروبا للحرب العالمية الثانية، وهدموا دولها وتركوا أهلها في هذا الحال، حتى اضطروا لسرقة بعضهم، من أجل توفير قوت يومهم وطعام أبنائهم.

وكذلك كان فيلم “مهدي فليفل”، فهو يمثل تحديقة طويلة في وجه الإنسانية من غير خطاب سياسي مباشر، ليخبرها أن المجرم الحقيقي إنما هو من تسبب في تجريد الفلسطينيين من أرضهم وأهلهم وكل سبل الحياة الكريمة.

فقد سرق هذا المجرم -الذي تدعمه قمة هرم النظام الرأسمالي العالمي- حاضر شاتيلا ورضا، وحاضر ملايين الفلسطينيين، ومستقبلهم أيضا.

يبتعد المخرج مهدي فليفل هنا عن حكايات البطولة التي تحضر بكثرة في السينما الفلسطينية، فلا يحاول تخديرنا ولا تجميل الصورة أمام العالم، بل ينقل الحكاية بأسلوب إخراجي قريب من الوثائقي، ولا يتردد في إظهار كل الخطايا والمآسي التي يقع فيها أبطاله، وهم مع كل ما يمرون به وما يخطئون فيه، لا يتوقفون عن مسائلة أنفسهم، والحزن على ما وصلوا إليه.

أبطال الفيلم.. أداء مميز لشخصيات مختلفة الدواخل

يعتمد الفيلم على بطولة ثنائية للممثلين الفلسطينيين محمود بكري في دور شاتيلا وأرام صبّاح في دور رضا، وهما وجهان يظهران ظهورهما الأول في مهرجان كان الذي عُرض فيه الفيلم عرضه العالمي الأول، وبالتحديد في فعالية “نصف شهر المخرجين”.

يعتمد محمود بكري على أداء جسدي مميز لحركات شاتيلا وتقنص دواخله، بشكل مستوحى من شخصية أبو إياد في الفيلم الوثائقي “عالم ليس لنا” (A World Not Ours) للمخرج مهدي فليفل.

ثم نجد على الجانب الآخر تجسيدا داخليا هادئا ومؤثرا من الممثل أرام صباح لشخصية رضا، وهي شخصية مركبة ونادرة الحضور في السينما العربية.

فريق الفيلم.. مستقبل إخراجي وتمثيلي واعد

المثير للتأمل أن محمود بكري قد صنع ظهوره السينمائي الأول منذ عامين فقط، في فيلم “علم” للمخرج فراس خوري، وأما أرام صباح فهذا عمله الروائي الطويل الأول على الإطلاق.

ثمة قدرة تمثيلية لدى البطلين، وطاقة من الصدق والقدرة على التأثير في المشاهد، من خلال كافة الأدوات التي يملكها الممثل، وأهمها طبقة الصوت ونظرات العين، قدرة لا نراها إلا مع أسماء معدودة في السينما العربية، وهي تعِد بمستقبل كبير لكليهما.

هذا المستقبل يمكن التنبؤ به أيضا للمخرج مهدي فليفل، وقد حصد جائزة الدب الفضي من مهرجان برلين عام 2016 عن فيلمه القصير “العائد” (A Man Returned)، ثم رشّح لجائزة البافتا عام 2018 عن فيلمه القصير “الغريق”، (A Drowning Man).

أما فيلمه الروائي الطويل الأول هذا، فقد وصل إلى “نصف شهر المخرجين” في كان، وهو يقدم واحدا من أفضل أفلام المهرجان، فماذا سيقدم لنا فليفل في المستقبل؟ سننتظر منه الكثير.

سوق الفيلم.. أربعة مشاريع فلسطينية تنافس على الإنتاج

عُرض فيلم “إلى أرض مجهولة” خلال فعاليات مهرجان كان في دورته الـ77، ومع أن قيمته السينمائية واضحة فإن أهميته قد تخطت ذلك، فقد حضر الفيلم سفيرا للقضية الفلسطينية في أهم حدث سينمائي عالمي.

ولم يكتفِ الحضور في العرض الأول للفيلم بالتصفيق كما هو معتاد في كان، بل تحول الأمر لتظاهرة ترتفع فيها أعلام فلسطين، وتتردد هتافات “الحرية لفلسطين” خلالها.

ولم يقتصر الحضور الفلسطيني في المهرجان على فيلم “إلى أرض مجهولة”، بل حضرت 4 مشاريع لأفلام وثائقية فلسطينية ضمن مسابقة القسم الوثائقي في سوق الفيلم بالمهرجان، وهي:

“بيت أبي” (My Father’s House) لمهدي فليفل. “أسطورة محمود” (The Myth of Mahmoud) لميار حمدان. “نادي فلسطين الكوميدي” (Palestine Comedy Club) لعلاء علي عبد الله. “مش ميكينغ أوف” (Unmaking of) لبلال الخطيب.

وفي نهاية المسابقة فاز فيلم “بيت أبي” لمهدي فليفل بجائزة “ما بعد الإنتاج” من هايفنتي.

ومن خلال فعاليات معهد الفيلم الفلسطيني في كان، نال فيلم “أسطورة محمود” جائزة من شركة “بطيخة بيكتشرز” كما حصل على جائزة ما بعد الإنتاج من “فيلم لاب فلسطين”.

سن الغزال”.. شاب بمخيم اللاجئين يحقق رغبة أخيه

شارك الفيلم الفلسطيني القصير “سن الغزال” (The Deer’s Tooth) في مسابقة “لا سينيف” (La Cinef)، وحظي باستقبال حافل أيضا من الحضور. وهو من إخراج سيف هماش، ومن بطولة صانع الأفلام الفلسطيني وسام الجعفري.

تدور أحداث الفيلم حول شاب فلسطيني يعيش في مخيم للاجئين، ويمر برحلة صعبة، من أجل أن يحقق رغبة أخيه الأصغر برمي أحد أسنانه اللبنية في البحر.

وقفة الجناح الجزائري.. أكثر اللحظات الفلسطينية رمزية

أكثر لحظات الحضور الفلسطيني رمزية في المهرجان، جسدتها وقفة لصناع الأفلام، رُفع فيها العلم الفلسطيني بالجناح الجزائري في المهرجان.

ولم يقتصر هذا التضامن على الجناح الجزائري، بل رأينا حضور العلم الفلسطيني المتكرر على السجادة الحمراء في مسرح لوميير الكبير.

ربما لن يؤثر هذا بشكل مباشر على ما يحدث الآن في غزة ورفح، ولكن -في كل حال- هي إشارة إلى أن العالم متضامن مع الفلسطينيين الموجودين هناك، وأن الكثيرين -حتى في مهرجان كان- يفكرون فيهم، والأهم أن قضية فلسطين أصبحت عالمية.

 

الجزيرة الوثائقية في

30.05.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004